مكافأة الجاش الكردي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كانت الحكومة العراقية السابقة عمدت، في قتالها ضد الحركة الكردية، إلى إنشاء شبكة واسعة من المتعاونين معها من الأكراد. وتشكلت تلك الشبكة أساساً من المسؤولين والموظفين والعاملين، المتعاونين مع الإدارة المحلية للحكم الذاتي الذي كان النظام البعثي فرضه من طرف واحد. وعلى أطراف تلك الإدارة ومن وراءها كان هناك الكثير من أساتذة الجامعات ومعلمي المدارس والمدراء والمثقفين والكتاب والصحافيين، الأكراد، ممن نسجوا علاقة غير سوية مع الأجهزة الحكومية. وأهم من كل ذلك كان ذلك الجيش الكبير من المنضويين فيما سمي بفرسان صلاح الدين الذين كانت مهمتهم الأولى ملاحقة المقاتلين الأكراد من البيشمركة ومعاقبة المتعاطفين مع الحركة الكردية.
أطلق الأكراد على هؤلاء مجتمعين لقب "الجاش" والمقصود به كل من تعاون مع حكومة البعث وساعدها في قمع الحركة الكردية. والحال أن هؤلاء ساهموا مساهمة مباشرة في إلحاق الأذى بعدد كبير من الناس. وفي الحملات العسكرية التي كان الجيش العراقي يقوم بها في المناطق الكردية كان الجاش يتقدمون الصفوف ويقومون بدور المرشد إلى البيوت في المدن والقرى والأماكن الجبلية التي كان البيشمركة يختبأون فيها. وشارك رؤساء الوحدات العسكرية في فرسان صلاح الدين وكذلك المستشارون في أجهزة الحكم الذاتي مشاركة مباشرة في اغتيال وتصفية الكوادر السياسية والعناصر النشيطة في الأحزاب الكردية. وفي حالات كثيرة كان المتعاونون مع أجهزة الأمن الحكومية ينقلون معلومات استخبارية عن الناس فيتم اعتقالهم وتعذيبهم. وكان للجاش دور كبير في في حملات الأنفال الرهيبة التي أدت إلى مقتل أكثر من مائة وثمانين ألفاً من السكان الأكراد.
بعد الإطاحة بحكومة الرئيس العراقي صدام حسين وقيام حكومة كردية محلية بزعامة الحزبين الكرديين الذين يقودهما جلال الطالباني ومسعود البرزاني كانت ثمة خشية من أن يعمد الناس إلى القيام بانتقامات واسعة من هؤلاء الجاش. وبالطبع كانت هناك رغبة جارفة في أن تقوم السلطات المحلية للحكومة الكردية بتعقب هؤلاء والإتيان بهم إلى القضاء لمحاكمتهم. كانت المحاسبة، ولم تزل، مطلباً ملحاً للناس. لم يحصل شيء من هذا. ما حصل كان شيئاً آخر مخالفاً تمام الاختلاف لتوقعات الناس. بدلاً من محاكة الجاش ومحاسبتهم وفضح تعاونهم مع النظام البعثي، ظهروا مكرمين في صفوف الأحزاب الكردية الحاكمة وأعيد إليهم الاعتبار وتسلموا الوظائف بما فيها المناصب الكبيرة في الحكومة والجيش ( البيشمركة ). أما من لم يرد البقاء في المنطقة لتورطهم المباشر في عمليات القتل والتعذيب فقد ساعدهم الحزبان في الخروج من البلاد آمنين سالمين، وعلى رأس هؤلاء جعفر البرزنجي الذي كان رئيساً للحكم الذاتي وورد اسمه في تقارير منظمات حقوق الإنسان بوصفه المسؤول عن مقتل العشرات من الناس.
أصبح بعض الجاش مستشارين وبعضهم دخل البرلمان المحلي والبرلمان العراقي في بغداد ممثلين عن الأحزاب الكردية وأسند إلى الكثيرين منهم مناصب حكومية وأمنية. البعض الآخر استلم مناصب ثقافية وإعلامية كرئاسة تحرير الصحف وإدارة التلفزيونات ومراكز الدراسات. وخصصت لهؤلاء جميعاً مساكن فخمة وصرفت لهم رواتب ضخمة لايحلم بها أي مواطن كردي ممن صرف عمره في مقارعة النظام.
وتبرر السلطات المحلية هذه الإجراءات بالرغبة في ممارسة سياسة تقوم على التسامح ونسيان الماضي. ولايعترض أحد بالطبع على فكرة التسامح في ذاتها غير أن ما يجري على أرض الواقع لا يعد تسامحاً بل مكافأة لمن أخطأوا بحق الناس وارتكبوا الجرائم بله الخيانة. ثمة فرق بين أن يتم العفو عن الذين أذنبوا وأخطأوا وبين أن يجري تعيينهم في مناصب وتسليم شؤون المجتمع إليهم. سلوك كهذا يتضمن خطورة تحويل العملاء والخونة من المرتبطين بالنظام البعثي إلى نموذج يحتذى. إن ذلك يخلق الإيحاء بأن هؤلاء قاموا بعمل جيد يستحقون عليه التكريم والثواب بدلاً من المحاكمة والعقاب.
انتقال معظم قادة فصائل الجاش في"فرسان صلاح الدين" إلى صفوف الأحزاب الكردية لم يتم على أساس فكري وسياسي أونتيجة اقتناع ببرنامج ونهج هذه الأحزاب. وهو لم يتم في أثر الاعتراف بالذنب والمطالبة بالصفح من الناس والزعامات الكرية على السواء. لقد انتقل هؤلاء إلى الاحزاب الكردية بعد أن فقدوا الموقع الذي كانوا يستمدون منه القوة والمال والنفوذ.
بسقوط صدام حسين انهار السقف الذي كان يحميهم و يغدق عليهم بالأموال ويخفيهم عن الأنظار فانتقلوا إلى الأحزاب الكردية لتأمين سقف جديد يحميهم ويخفيهم و يغدق عليهم بالأموال. في الحالتين لايتعلق الأمر بموقف سياسي بل بتبعية وارتزاق. إنه تبديل للمواقع لا أكثر. الكثير من هؤلاء يمجدون الآن الزعماء الأكراد ويشيدون بهم وبآباءهم وبالحركة الكردية. هم كانوا قبل ذلك فعلوا الشيء نفسه مع صدام حسين. والمثقفون والكتاب منهم كانوا يهدون كتاباتهم إلى الرئيس العراقي السابق بعبارات تصرخ بالولاء والتبعية والإخلاص له ولحزب البعث ولسياسته ورسالته. أحدهم كان ألف قصائد طويلة تمدح صدام حسين أمام معسكر قوشتبه الذي كان يجتمع فيه المعتقلون الكرد في حملات الأنفال قبل سوقهم إلى الموت رمياً بالرصاص، وآخر رسم جدارية عملاقة لصدام حسين على مدخل أربيل، وثالث كان رئيساً لمركز الإعلام في الحكم الذاتي في لحظة قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، ورابع كان رئيساً للجامعة في إربيل وأميناً لفرع حزب البعث فيها وذائع الصيت بتعقب الطلاب الكرد الناشطين في الحركة القومية الكردية. هؤلاء الآن مستشارون.
التعامل مع المتواطئين مع النظام السابق و تسليمهم المسؤوليات والمناصب خطأ سياسي كبير ترتكبه الإدارة الحاكمة في إقليم كردستان. هذا ليس تسامحاً بل تشجيعاً للرذيلة السياسية. هؤلاء كانوا جزءاً من نظام دموي واللجوء إلى تبرئة ساحتهم وغسلهم وإعادة تشغيلهم في الماكنة الحكومية، فضلاً عن كونه انتهازية رخيصة وسقطة أخلاقية فاقعة فإنه يحول السياسة إلى محض إجراءات بوليسية وصفقات تجارية وشطارة، أي بالضبط ما كان يفعله نظام صدام حسين. الآلية نفسها تستعاد هنا ولكن بثوب كردي. إنها آلية تجعل من السياسة مكاناً للفساد ومن السياسيين ثلة من الماكرين ممن يرفعون شعارات فخمة يرتبون من تحتها كل شيء على طريقة رجال المافيا.
نزار آغري
التعليقات
الخطأ الفادح!!
حسن -أستاذ نزار أحييك على كل ما ذكرته في مقالك فهو بالضبط ما حصل في كردستان العراق وكأنك عايشت كل ذلك بنفسك شيخ جعفر البرزنجي، د.خسرو شالي، حاجي نعمت، بهجت جاف، سيروان جاف ، مامند معروف دزه يي، شيخ محمد معروف دزه- يي، عثمان ميران، هلال شوكت هيبةالله ، كلها أسماء معروفة في المجتمع الكردي برزت في الثمانينات و ساهمت في قمع الحركة الكردية أما الآن نرى أن أغلبهم قد أغدقوا بما لم يغدق به غيرهم من البيشمركة الكرد اللذين ساهما في الوصول إلى يومنا هذا!!! و هذا لعمري من أكبر الأخطاء اللتي وقعت فيها حكومة أقليم كردستان بحجة أن البعض من الجاش الإنتهازيين قد لعبوا على الحبلين أثناء إنتفاضة آذار1991 و داروا على سر الإنتفاضة لكن هذا لا يبرئ ساحتهم أبداً مما أذنبوه قبل ذلك من جرائم بحق شعبهم الكردي!!!!
تسلم فمك اول غلطة ارتكبها القادة بعد سقوط الطاغية احتضان هولاء الخونة هم كانوا السبب الرئيسي لقتال الداخلي ومع الاسف لحد الان هم باقين في السلطة بس الشعب الذي طرد جيش صدام يقدر ان يطرد هم ولكن الشعب مقلوب على امرها الناس الان يدور على لقمة العيش وانما للصبر الحدود
مسعود وجلال ايضا
جمال سعد -ان جلال ومسعود هما كذلك تعاونا مع نظام صدام وبالتالي هما تساوى من الناحية الاخلاقية السياسية مع الجاش وتحمل المسؤوالية !!
نعم ما تم
نبيل -نعم انى احسد اخوانى اكراد العراق لانهم لم يجعلوا الانتقام للشهداء شعار لهم ضد ابناء جلدتهم وعاملوهم باحسان ويتمتع بعظهم بامتيازات يراها من قاتل من اجل اهدافه خطا بسياسة اقليمهولكن وانا عربى احسدكم وياليت الحكيم عمل مثل ما عمل لبارزان لما كلن حل بنا هذا الدمار فقد كان اول شعار له وهو لازال بمداخل البصره قادما من قم الانتقام وهذا انت ترى النتيجه احسدك على ما لديكم من قيادات رغم انها ايضا ليست تماما عادله خاصة مع العرب ولكن عدل البشر يبقى منقوص
استلاء على السلطة
صباح قدوري -ان المنافسة على السلطة والاستلاء على المال العام بين الخزبين الحاكمين ، قد تقتضي استخدام مثل هذه الاساليب،حتى لو اقتضى الامرالتعاون مع (الشيطان) .
هذا مايتمنونه
جلال -يتمنى كل من البارزاني والطالباني أن يكون كل فرد كردي جاشاً ولو ليوم واحد كي يغطوا خطيئتهم الكبرى !الم يكن جلال الطالباني جاشاً في سنة 1966؟ماذا كان مسعود البارزاني سنة 1996؟ وصلت الحالة الى درجة أن طه محي الدين معروف نائب رئيس الجمهورية و عضو مجلس قيادة الثورة السابق ضيفاً دائمياً لطالباني في منتجعه بدوكان حيث الحماية والرعاية كأنه نزيل فندق خمسة نجوم!!!!