الحشـّاشون.. دقـّت ساعة الحقيقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من أكثر الشخصيات إثارة للجدل واللغط والخلاف، في عصرنا الراهن، وربما قبله، الحسن بن الصبّاح الحِميَري المعروف بشيخ الجبل ( 428 - 518 هجري ).
فقد رسمت الأقلام صورة أسطورية لهذا الشيخ، ضاعت فيها الملامح الحقيقية، أو الأقرب إلى الحقيقية، للرجل وحركته.
ففي مختلف المصادر، تواترت أوصاف بشعة للحسن بن الصبّاح الحِميَري يمكن استعراضها على الشكل التالي :
bull; كان زعيما لمن عرفوا بالحشاشين. وقد عرف هؤلاء بهذا الاسم لأنهم كانوا يكثرون من تدخين الحشيش، كما تقول المصادر، التي تدعي أنهم استخدموا الحشيش لإغواء أعوانهم وإقناعهم بالقيام بعمليات الاغتيال.
bull; كان متعطشا للدماء، حتى إنه قتل ولديه ومات من غير سليل.
bull; أباح كل المحرمات، وميَّع كل الحقائق، حتى نـُقل عنه قوله : " لاشيء حقيقياً، وكل شيء مباح ".
bull; إستلب أفكار اتباعه وشخصياتهم، لدرجة أن إطاعته أصبحت عمياء. حتى إنه كان يأمرهم بالموت والانتحار فيستجيبون له.
bull; أنشأ جنة مزيفة على الأرض. وقد اعتمد معظم المصادر في وصفها لهذه " الجنة " على مانقله الرحالة الإيطالي " ماركو بولو " عما رآه في قلعة " ألـَمَوت ".
وفي هذا الخصوص، تنقل المصادر الصورة التالية لـ " جنة " الحسن بن الصبّاح :
حرص الحسن بن الصبّاح على اجتذاب الفتيان من عمر الثانية عشرة إلى العشرين، مشترطا فيهم ألا يكونوا قد شربوا الخمرة أو عرفوا النساء، أو تلطخوا بأي شيء من ملذات الحياة. وقد اجتمع لديه عدد وفير من هؤلاء الفتيان، بل إن بعض الأهالي لفرط إيمانهم كانوا يرسلون أبناءهم إلى قلعة " ألـَمَوت " راجين لهم الشهادة.
وكان الحسن قد أوكل هؤلاء الفتية إلى مجموعة من الدعاة لتعليمهم أصول المذهب الإسماعيلي واللغة والشعر والمعارف المتنوعة، كما تعلموا على يد عسكريين كبار فنون القتال وأساليب التخفي والتمويه.
وفي الجانب الآخر للقلعة، كان الحسن بن الصبّاح قد اهتم بما خلفه ملوك الديلم من رياض وجنان تخترقها الأنهار وتحفها الأطيار والأزهار، وعمد إلى شراء العديد من الفتيات الفاتنات وأسكنهن القلعة، وجلب لهن معلمات يعلمنهن الفن والشعر والرقص والعزف، وأغدق عليهن من مباهج العيش ما جعلهن في حياة تشبه حياة الأميرات الناعمات، وقبل ذلك وبعده، حرص على أن يتعلمن الولاء التام والطاعة العمياء له.
وبعد أن يعبّ الفتى من كل ذلك، يؤمن إيمانا عميقا لامجال معه للارتياب بأنه في الجنة، وأن الحسن بن الصبّاح قد فتح له باب الفردوس الحقيقي، وعلى ذلك، فلايتمنى أن يرجع مما هو فيه، ولكن الفتيات " الحوريات " يسارعن بتخديره بالشراب، ليحمله الخدم مغشيا عليه إلى مكانه عند الحسن، فيستفيق وملء روحه يقين راسخ بهذا الإمام المقدس الذي بحوزته مفتاح الفردوس الأعلى !
وعندما يفيق الفدائي، أو الحشاش وفق تعبير المصادر، يظن أنه قد رأى الجنة في المنام، وأنه مرضيٌّ عنه إلهيا لإطاعته سيده الحسن بن الصبّاح..
هذه القصة الجميلة، نقلتها المصادر عن لسان الرحالة ماركو بولو كما أسلفت، لكن عبر وسائط، من أهمها رواية القاص السلوفيني الراحل فلاديمير بارتول " ألـَمَوت " التي ألفها قبل ثمان وستين سنة.
ويفنّد الباحث الراحل حسن الأمين هذه القصة، فيقول متفقا مع الباحث مصطفى غالب، إن الرحالة البندقي ماركو بولو هو الذي صوّر لتلك المصادر هذه القصة الخرافية في القرن الثالث عشر الميلادي، والتي جعل لها عنوانا هو " جنة شيخ الجبل ".
فقد ادعى هذا الرحالة أن شيخ الجبل أنشأ في واد يقع بين جبلين حديقة غنّاء فسيحة، غرس فيها جميع أنواع الزهور وأشجار الفاكهة، وجعل منها مقصورات ذات قباب بديعة الشكل، وزخرفها بنقوش ذهبية، وأوجد في الحديقة أنهارا من خمر وأخرى من عسل وثالثة من لبن، وأقام الحور العين والولدان المخلدين، والجميع يلهبون بالموسيقى والغناء والرقص، وذلك كله لإقناع أتباعه بالصوت والصورة بأن هذه الجنة هي الجنة التي وعد الله بها المتقين. وأن في استطاعة شيخ الجبل أن يدخل جنته هذه من يشاء، ويحرم منها من يشاء. لذلك تفانوا في طاعته والامتثال لأوامره، ولم يكن يسمح لأحد بدخولها إلا طبقة الفدائيين فقط !
والحقيقة، أن العقل الغربي - وماركو بولو واحد من أعمدته ومصادره رغم كونه رحالة ليس أكثر - متيّم بقصص ألف ليلة وليلة والحريم والجنان الأرضية وغيرها في عالم السحر والغموض والأبخرة، عالم الشرق الرائع، ماحدا به إلى تأليف مئات القصص والروايات والأفلام عن هذا العالم الوردي المترف واللذيذ، بغض النظر عن مدى صدقية الأمر وواقعيته وحقيقته، ومنها بالطبع قصة الرحالة الإيطالي عن جنة الحسن بن الصبّاح.
ويرى السيد حسن الأمين أن هذه الأسطورة التي ابتدعها عقل الرحالة كانت وماتزال حتى عصرنا مثارا لأساطير كثيرة عن فدائيي الحسن بن الصبّاح وشيخهم. كما ألهمت عدا كبيرا من كتـّاب القصص والروايات للتحليق في أجواء هذه الجنة الخيالية.
إن المتتبع لتاريخ فدائيي " ألـَمَوت " يجد أن حركتهم كانت ردَّ فعلٍ طبيعياً لاضطهاد السامانيين والسلاجقة للإسماعيليين ( الذين ينتسب الصبّاحيون النزاريون إليهم ) على وجه الخصوص.
ولمعرفة هذه الحقائق، تحسن العودة إلى التاريخ.
تعتبر فرقة الإسماعيلية من الفرق المنشقة عن المذهب الشيعي. وقد ظهرت هذه الفرقة عقب وفاة الإمام جعفر الصادق، فأنكر بعض الشيعة إمامة الإمام موسى الكاظم، واعتقدوا بإمامة ابن أخيه محمد بن إسماعيل. وكان هؤلاء يؤمنون بإمامة أبيه إسماعيل، على اعتباره " السابع التام " الذي اختتم به " الدور السابع " حسب اصطلاحهم، ولكن لما كان إسماعيل قد توفي في حياة والده الصادق، لذلك عيـَّن الإسماعيليون ابنه محمدا إماما لهم بعد وفاة جده.
وترجع عقيدة " الدور السابع " لدى الإسماعيليين إلى اعتقادهم بأن التاريخ الإنساني ينقسم إلى عدة أدوار، كل دور منها يبدأ بنبي " ناطق " وإمام " أساس ". والأنبياء الناطقون هم الأنبياء أولو العزم، الذين يبلغ عددهم سبعة أنبياء، وبعد كل " ناطق " يأتي سبعة أئمة. ومرحلة كل نبي ألف سنة، وعندما يصل دوره إلى نهايته يظهر نبي جديد بشريعة جديدة تنسخ الشريعة السابقة.
أما بالنسبة إلى الإمام أو " الأساس " أو الوصي، فيعتقد الإسماعيليون بأن ثمة القليل من الناس ممن يمكنهم التوفر على الحقائق " الباطنية " للدين عن طريق تأويل الأئمة، ويطلقون على هؤلاء القلة وصف " أهل الهداية " أو أعضاء الفرقة الإسماعيلية الهادية.
ويرى الإسماعيليون أن الناس ينقسمون إلى فئتين : النخبة التي تصل إلى باطن الشريعة عقب طي بعض المراحل، وعالم الأكثرية غير الإسماعيلية وهم القادرون على إدراك المفاهيم الظاهرية للدين.
أما التنظيم الديني للإسماعيلين فهو يرتكز على مراتب منظمة من الأسفل إلى الأعلى وهي :
bull; المستجيب ( المنضم حديثا إلى التنظيم ).
bull; المأذون.
bull; الداعي.
bull; الحجة.
bull; الباب.
bull; الإمام أو " الأساس ".
والأئمة بعضهم " مستور " أي غائب، في بعض المراحل، والبعض الآخر ظاهر.
وفي اعتقاد الإسماعيليين أن " الدعاة " يتولون إبلاغ الأمر في مرحلة الستر ( أو غيبة الإمام ). وفي هذه المرحلة، لا يستطيع أحد رؤية الإمام سوى الباب والنخبة. وهم يعتقدون أن مرحلة الستر هي المرحلة الممتدة من محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق إلى قيام عبيد الله المهدي في القيروان بتونس. وكان أشهر دعاة الإسماعيليين في تلك الفترة، أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن زكرويه ( المعروف بأبي عبد الله الشيعي ) وميمون القداح.
وقد نثر أبو عبد الله الشيعي بذور الدعوة الإسماعيلية بين قبائل كتامة في شمال أفريقيا عام 297 الهجري، وأطلق سراح عبيد الله المهدي الذي كان مسجونا في سجلماسة وأجلسه على عرش الدعوة الإسماعيلية. وبعد استقرار عبيد الله في القيروان ادعى الإمامة والخلافة، وأسمى الدعوة الإسماعيلية بالدعوة الفاطمية، بسبب كونه سيدا من ذرية السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول. وسرعان ما انتشرت هذه الدعوة بسرعة البرق في جميع أنحاء أفريقيا واليمن والبحرين والشام وبلاد فارس.
وفي فترة قياسية، ضاهت الخلافة الفاطمية خلافة بني العباس في بغداد، وجعلت البحر الأبيض المتوسط غير آمن بالنسبة للصليبيين. وهاجمت موانىء فرنسا وسيطرت على منطقة " جنوا ".
وفي عهد الخليفة المعز لدين الله ( 341 - 365 هجري ) انتزع القائد جوهر الصقلـّي مصر من أيدي الإخشيديين، وبدأ العصر الذهبي للدولة الفاطمية.
وبلغت هذه الدولة ذروة مجدها في عهد الخليفة الخامس العزيز بالله ( 365 - 385 هجري ) حتى اتسعت رقعتها لتشمل المنطقة الواقعة بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر، واليمن ومكة ودمشق. حتى إن اسم الخليفة الفاطمي ذكر يوما في صلاة الجمعة بالموصل، وتجوهل اسم الخليفة !
وفي إيران، انتشر دعاة الإسماعيلية في ديلمان وألـَمَوت وقهستان ( كوهستان ) ودامغان وسجستان، وكان من أشهرهم أبو حاتم الرازي في منطقة الديلم، وعبد الله الكوكبي في كردكوه بدامغان، وأبو يعقوب إسحاق السكزي في الري، والحسين المروزي في خراسان.
وقد استطاع أبو حاتم الرازي جلب عدد من الديالمة إلى مذهبه، ومنهم يوسف أبو الساج عامل الري. وواصل محمد بن أحمد النخشبي ( النـَسَفي ) عمل الحسين المروزي فأدخل العديد من رجالات الدولة السامانية في المذهب الإسماعيلي ومنهم الأمير نصر بن أحمد الساماني، لكن عساكر السامانيين وهم في غالبهم من متطرفي الترك لم يرق لهم هذا الأمر، فنظموا مجازر بحق الإسماعيليين، راح ضحيتها بعض قادتهم مثل محمد النخشبي. وكذلك قتل أبو يعقوب إسحاق السكزي على يد خلف بن أحمد الصفاري.
وقد وضع متطرفو الترك هؤلاء خطة تستهدف قتل الأمير نصر، لكن ابنه نوح اكتشف المؤامرة فأعدم قائد المتآمرين. ومع ذلك فقد تنحى الأمير نصر الساماني عن الحكم لصالح ابنه الأمير نوح، الذي كان كارها للإسماعيليين. ويبدو أن الدولة السامانية كانت تحاول مجاراة سكان ما وراء النهر لترسيخ دعائم حكمها، وعليه فقد بادر الأمير الجديد نوح الساماني إلى إعدام الداعية الإسماعيلي محمد النخشبي وصلبه، لكن أنصار الأخير اختطفوا جثمانه من على خشبته.
وبعد عهد السامانيين، واصل الغزنويون وفي طليعتهم السلطان محمود قتل وملاحقة الإسماعيليين، فقتل جمهرة كثيرة من إسماعيليي طالقان ( في خراسان ) كانوا يدعمون أبا علي السيمجوري في وجه محمود الغزنوي، كما هجـّر إسماعيليي مولتان بالهند من ديارهم. لكن هذه المقاتل والملاحقات ليس فقط لم تنه نشاطات الدعاة الإسماعيليين المتقدّين، بل تسببت في استمرار دعوتهم طوال القرنين الهجريين الرابع والخامس.
وكان من أهم دعاة المذهب الإسماعيلي في القرن الخامس الهجري الرحالة والشاعر الفارسي الشهير ناصر خسرو صاحب السفرنامه، الذي بدأ نشاطه في بداية عهد السلاجقة الأتراك، فأسس طائفة باسم " الناصرية " في مازندران وخراسان. وفي الوقت ذاته، انهمك دعاة فاطميون آخرون بنشر الدعوة في النواحي الجبلية، وأبرزهم شيخ الجبل عبد الملك العطاش وابنه أحمد. وقبل إلقاء القبض على عبد الملك وقتله بشكل مأساوي، أوصى الحسن بن علي بن محمد بن الصبّاح الحِميَري، الذي كان إماميا ثم تبنى الدعوة الإسماعيلية بالذهاب إلى مصر. وتوجه الحسن بالفعل إلى مصر عام 465 الهجري، لكنه لم يستطع رغم مابذله من جهود أن يحظى بمقابلة ثامن الخلفاء الفاطميين ( المستنصر بالله ) فعاد إلى إيران بعد سنة ونصف قضاها في مصر.
وفي إيران، استولى الحسن بن الصبّاح على قلعة " ألـَمَوت " مؤسسا الدولة النزارية التي امتدت إلى عدة مناطق.
ولكن لماذا " نزارية "؟
تفرعت النزارية عن الإسماعيلية في نهاية القرن الخامس الهجري، وقالت بإمامة المصطفى بالله نزار الابن الأكبر للخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وتمركز نشاطها بقيادة كبير الدعاة الحسن بن الصبّاح في قلعة " ألـَمَوت ". وسبب ظهور النزارية، أن الخليفة المستنصر بدأ قبل وفاته ( عام 487 الهجري ) بأخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، غير أن الوزير الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي أخذ يماطله حتى توفي الخليفة قبل أن تتم البيعة لنزار، وبادر إلى تولية الإبن الأصغر للخليفة، وهو أحمد الملقب بالمستعلي بالله، وعلى إثر ذلك قام الصراع بين أنصار الفاطميين في مصر، وكان ذلك الحدث العامل المؤثر في وقوع الانشقاق في الوجود الإسماعيلي وانبثاق كيانين نزاري ومستعلي، وقد احتدم الصراع بينهما فترة طويلة من الزمن واستنزف كيان وطاقات الدولة الفاطمية، مما سهّل انهيارها إثر حِيَل وزير آخر خلفائها العاضد لدين الله، أي يوسف بن أيوب بن شاذي.
كان الحسن بن الصبّاح صاحب دعوة النزاريين، الذين كانوا يرون أن الخليفة المستنصر عهد إلى نزار بولاية العهد لذلك لايمكن مخالفته. ولكن أخاه أحمد الملقب بالمستعلي وتنسب إليه المستعلية التي تعرف الآن بالبُهرة تولى الخلافة، فلما فقد نزار الخلافة مضى إلى الإسكندرية حيث بايعه أهلها وواليها ناصرالدين افتكين، إلا أن الوزير الأفضل ابن بدر الجمالي صاحب الأمر في القاهرة قاد حملة عليهما وقتلهما، ففر الحسن بن الصبّاح من مصر إلى قلعة " ألـمَوت " بإيران، وأرسل فدائييه فأحضروا ابنا لنزار ودعا إلى إمامته، وتم الإعلان عن تأسيس الفرقة النزارية أو ماتسمى الآن بالإسماعيلية النزارية " الأغاخانية ".
وقد تميزت الدولة النزارية التي أسسها الحسن بن الصبّاح باتخاذ القلاع الحصينة للاستتار وتربية العناصر الفدائية. وتعد هذه القلاع من أقوى المواضع التي صمدت في وجه الزحف المغولي رغم مداهمة المغول لها مرات عديدة، حتى عجزوا عن اقتحامها. وكان فدائيو النزارية يهاجمون قوات الغزو المغولي ويوقعون بها الخسائر الفادحة، إلا أن المغول كثفوا هجماتهم ومارسوا ضغوطهم العسكرية مما اضطر النزارية إلى تسليم قلاعهم التي أخذت بالسقوط بأيدي المغول واحدة بعد الاخرى، وكانت آخرها قلعة " ألـَمَوت " التي يتألف اسمها من كلمتي : " آله " و " مَوت " اللتين تعنيان في اللغة البهلوية القديمة " عش النسر " وترادفان في الفارسية المعاصرة كلمتي " آشيانهء عُقاب " Ashyaneh-ye-Ughaab
وقد سقطت هذه القلعة الشهيرة عام 654 الهجري.
وكانت قلاع الفدائيين الحصينة تدعى " قلاع دار الهجرة " وقد استغلوها لتوجيه التحركات العسكرية والحربية والاعتماد على التخفي والاستتار عند سقوط إحدى هذه القلاع في ايدي أعدائهم، وخلق الخوف والرعب في قلوب المخالفين.
وقد اعتمد الحسن بن الصباح على طريقة خاصة في تنفيذ الأوامر الصادرة من كبار دعاة النزارية، وذلك بتربية قواعد فدائية خاصة تمرنت على أساليب عسكرية وعقائدية شاقة تميز افرادها بالشجاعة والصلابة والطاعة في تنفيذ القرارات وإخماد فتن المخالفين.
وحاول الحسن أن ينظم الأفكار الإسماعيلية في فصول أربعة يتم تلقينها لأتباع الفرقة. وهو في الحقيقة لم يأت بأفكار جديدة، بل نظم الأفكار الإسماعيلية القديمة ونجح في تكوين نظام جديد وإنشاء دولة.
وقد تبنى الحسن الدعوة إلى إمام " مستور " وجذب الأتباع والمؤيدين واعتبر نفسه نائب الإمام وحجته والأحق بالاتباع من غيره.ومبدأ التعليم عند أتباع الحسن يتم عن طريق " الإمام المعصوم " فقط، وإنه لايمكن لإنسان أن يعرف شيئا عن عقيدته ورسالته إلا عن طريق " الإمام " أو عن طريق نائبه وحجته.
ونظمت الدعوة النزارية على مراتب ضمنت لها البقاء واكسبتها القوة والصمود أمام الأعداء وأهم هذه المراتب هي :
- المرتبة الاولى : مرتبة " شيخ الجبل " وأفرادها سبعة منهم " نائب الإمام " ورئيس الدعوة.
- المرتبة الثانية : مرتبة كبار الدعاة ولايتجاوز عدد افرادها الثلاثة من الشخصيات التي يثق فيها الحسن بن الصباح.
- المرتبة الثالثة : مرتبة الدعاة وهم أكثر عددا من أفراد المرتبة الثانية ويتلقون أوامرهم من رؤساء الدعوة في قلعة " ألـَمَوت " أو من كبار الدعاة في الأقاليم الثلاثة.
- المرتبة الرابعة : وهي مرتبة الرفاق، وكانوا على شيء من الإلمام بأسرار النظام ويتولون تثقيف الدعاة وإعدادهم لأداء المهام.
- المرتبة الخامسة : وهم الفدائية أو الفدائيون الين يستخدمون في إهلاك الاعداء ويضحون بمهجهم في سبيل الله والعقيدة.
- المرتبة السادسة : وهم اللاصقون، وينتسبون إلى الدعوة ولكنهم ليسوا من الدعاة ولا من الفدائية، وإنما يأخذون العهد على الناس دون أن يكون لهم حق نشر الدعوة.
- المرتبة السابعة : وهم المستجيبون، ويؤلفون عامة الناس أو هم المؤمنون المبتدئون، وهم لايعرفون الكثير عن المذهب الاسماعيلي.
وكان التنظيم الفدائي النزاري الذي يسميه البعض الآن بالحشاشين على درجة عالية من حسن الإعداد ودقة التنفيذ والتحلي بالشجاعة والاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل المبدأ.
ومن أشهر عمليات هذا التنظيم الذي حتمت ظروف اضطهاد مختلف الفئات للإسماعيليين في ذلك الوقت إنشاءه اغتيال فدائييه القائد الصليبي " مركيز " الذي كان عاتيا ومن أشرس من تولى الأمر في مدينة صور، فتزيا اثنان من الفدائيين بزي الرهبان ودخلا المدينة وتربصا به وأعدماه سنة 588 الهجرية.
والحقيقة أن الصورة التي ترسمها لنا الكتابات المختلفة لشخصية الحسن بن الصباح على قدر كبير من التناقض، بحيث يكاد يرقى إلى مستوى الأسطورة، حتى لتظنه العنقاء !
ففيما يصفه ابن الأثير في " الكامل في التاريخ " بأنه كان رجلا شهما كافيا عالما بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وغير ذلك، ويذكر في حوادث سنة 518 الهجرية أن : فيها مات الحسن بن الصباح مقدم الإسماعيلية صاحب ألموت وقد تقدم من أخباره مايعلم به محله من الشجاعة والرأي والتجربة. تصفه مصادر اخرى ( مثل الملل والنحل للشهرستاني ) بأنه كان ماكرا وغادرا !
فمثلا قيل أنه عندما عاد من مصر إلى إيران قصد قلعة ألموت واطمأن أهلها إليه حين اظهر الزهد ولبس المسوح ودعاهم إلى الدخول في دعوته، فتبعه أكثرهم، واستمال صاحب القلعة وهو علوي من أتباع المذهب الزيدي يدعى المهدي، وقد أحسن الظن بالحسن وقربه إليه وتبرك به، ولما أحكم الحسن الأمر واطمأن إلى قوته دخل يوما على صاحب القلعة وأمر أصحابه فأخرجوه منها وأعطاه مالا وملك هو القلعة، وكان ذلك في شهر شعبان من عام 483 الهجري.
يروي مصدر آخر قصة استيلاء الحسن بن الصبّاح الحِميَري على قلعة " أَلـَمَوت " بشكل طريف، حيث يشرح الجذور التاريخية للمثل الإيراني " پوستِ تختِ حسنِ صباح " أو " مثل جلد بقرة الحسن بن الصبّاح " قائلا : إنه لما كثف الحسن بن الصباح دعوته الإسماعيلية أمر الخواجة نظام المُلك رئيس وزراء الحاكم السلجوقي ملك شاه، حاكم الري أبا مسلم الرازي باعتقاله. فرأى الحسن بن الصبّاح أن الحفاظ على حياته وسلامة اتباعه يتطلب إنشاء قلعة حصينة يلجأ إليها ويلوذ بها ويجعلها منطلقا لتعليم فدائييه وتبليغ دعوته، فلم يجد أفضل من قلعة ألموت مكانا مناسبا لتلك الأمور. وكان ثمة شخص علوي يدعى بالمهدي وهو على المذهب الزيدي ومن أتباع ملك شاه السلجوقي حاكما على القلعة المذكورة.
ولما لم تكن لدى الحسن القدرة على احتلال القلعة بادىء الامر فقد لجأ إلى الحيلة والمكر. فاشترى قطعة ارض صغيرة جدا من القلعة بمساحة جلد بقرة، ثم افترش هذا الجلد وانهمك بالعبادة والتبليغ والزهد. وشيئا فشيئا كثر اتباعه والداخلون في مذهبه، وبلغت قوته مبلغا يمكنه معه الاستيلاء على القلعة. ولكيلا يأخذ هذا الاستيلاء ملامح عنف وعدوان قـَدَّ جلد البقرة الذي كان يفترشه على شكل خيوط رقيقة ووصل بعضها ببعض حتى صارت خيطا بالغ الطول، أحاط به القلعة حتى جعله على هيئة دائرة تحتويها من جميع الجهات. وفي الصباح التالي قال لحاكم القلعة : إن السند أو الوثيقة التي أملكها تجعل القلعة ملكا لي. فقال الأخير : كل الذي أعلمه أنك اشتريت مني موضعا بقدر جلد بقرة لتتعبد عليه. فقال الحسن : إنني لاأطلب منك أكثر من مساحة جلد بقرتي هذا. لكن لما كان هذا الجلد يحيط بكامل القلعة فهي ملكي. ثم أخرجه وأراه الخيط الجلدي الدقيق الذي يحيط بالقلعة !
ولم يجد الحاكم مفرا من الرضوخ لقوة الحجة، فوهبه الحسن ثلاثة آلاف دينار ذهبا، وخرج الحاكم وأتباعه من القلعة.
ولو سلمنا جدلا بأن لهذه القصة نصيبا من الحقيقة، فإنها تدل دلالة قوية على ورع الحسن بن الصبّاح وتقواه وليس مكره وخداعه وغدره. فحاكم القلعة كان عميلا للسلاجقة، ولو شاء الحسن لوجد ألف عذر وعذر للبطش به وقتله، بسبب ظلم السلاجقة للإسماعيليين لكن وفاءه وتقواه لم يسمحا له بقتل من أحسن إليه، حتى لو كان عدوه.
ولعل معظم من كتبوا عن الحسن بن الصباح وحركته استقوا معلوماتهم إما من غلاة المضادين للتشيع من المؤرخين مثل الشهرستاني صاحب كتاب " الملل والنحل "، أو من المستشرق اليهودي البريطاني " برنارد لويس " صاحب كتاب " الحشاشون فرقة متطرفة في الإسلام " ( The Assassins : A Radical Sect in Islam - 176 pages - London - 1967 )
أو من آراء المؤرخ التتري الموالي للسلاجقة عطا ملك الجويني في كتابه باللغة الفارسية " تاريخ جهان گشای جوينی "، أو من مشاهدات الرحالة ماركو بولو، أو من رواية السلوفيني فلاديمير بارتل " ألموت " كما مر.
وعلى أية حال، فقد أبطل الباحث الراحل حسن الأمين تسمية الحشاشين من الأساس، فقال إن أصل التسمية يرجع إلى واحد من الوجوه التالية :
" أساسان " أي القتلة والسفاكون، وهذه تسمية كان يطلقها الصليبيون على الفدائيين الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم، فخافوهم ولقبوهم بهذا اللقب.
" حساسان " نسبة إلى شيخ الجبل الحسن بن الصباح الذي أوجد المنظمات الفدائية.
" حساسون " وهي مشتقة من الحس والشعور، أي ذوو الحس والشعور.
" عساسون " وهي مشتقة من العسس أو الحراس الذين يقضون الليالي في قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها.
" أساسين " لقولهم بالأساس، وهي صفة تطلق تأويلا على الإمام، أساس الدور والدعوة.
وقد عمد خصوم الإسماعيليين إلى تحريف الكلمات بقصد النيل من سمعة الحسن.
ويضيف الامين : أما الجنة الخيالية التي وصفها ماركو بولو، فالتاريخ يذكر أن الحسن بن الصباح بعدما اطمأن إلى استقراره في قلعة ألموت وزع الدعاة والنواب والقادة في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية، لم يشاهد خارج منزله في ألموت سوى مرتين فقط ( تقول مصادر أخرى إنه لازم القلعة ولم يخرج منها أبدا، وأمضى وقته في العبادة والتبليغ والالتزام بأحكام الإسلام، حتى أنه أقام حد القتل على ولديه الوحيدين الحسين وأحمد لارتكابهما مايخالف الإسلام من شرب الخمر مكررا وعدم الكف رغم النصح والتعزير أو التأديب ) والظاهر أن الحسن رأى أن تزرع قلعة ألموت بالأشجار، فاصبح منظر الجبل بعدما كسته الخضرة وأينعت فيه الزهور والثمار سببا لكل تلك القصص الخيالية. ولقد زادت في هذا المنظر الخلا ب التضحيات الجسام والجرأة النادرة، التي كان يقوم بها الفدائيون الذين أعدهم الحسن وعلمهم كيف يستعملون سلاحهم ويخفون أمرهم.
ويقول أيضا إن مدمن الحشيشة يتصف بالجبن عادة ولايمكنه أن يفعل ماكان الفدائيون يفعلونه من بطولات، ذلك لأن الحشيشة تشل التفكير وتخدر العقل.
ويضيف : وليست الجنة التي اوجدها الحسن لأتباعه في ألموت سوى جنة يانعة من الرخاء والرفاه، سادها الأمن وخيم عليها الهدوء والطمأنينة، وعبق في أجوائها الرحبة الإخلاص والوفاء والتضامن، في ظروف كانت تموج بالفوضى وتعج بعسف الحكام وجور الولاة وسوء الحالة الاقتصادية التي هبطت إلى الحضيض.
وأخيرا، فلم ينج الحسن بن الصباح من أية تهمة ممكنة، ففوق رميه بالتحشيش والإرهاب والغدر والمكر، " أسقطوا " عنه أيضا هويته و" جنسيته " العربية، رغم أنه ولد مطلع القرن الخامس الهجري في الري بإيران لأب هو علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصبّاح الحِميَري نسبة إلى قبيلة حِميَر، وكان أجداده ملوكا في اليمن. وكان علي بن الصبّاح قدم من الكوفة إلى قم واستقر هناك، قبل أن يهاجر ثانية إلى الري.
وعلى أية حال، فقد توفي الحسن بن الصبّاح ليلة الأربعاء، السادس من ربيع الثاني العام 518 للهجرة، تاركا للأجيال اللاحقة تجربة جديرة بالتأمل والدراسة والاعتبار، محورها الأساس أن الضغط يولـّد الإنفجار، والظالم لايواجـَه بالتسامح دائما ً.
المصادر :
الحشاشون، حسن الأمين ( مقال )، مؤسسة البلاغ - 2000.
الحشاشون، برنارد لويس، تعريب محمد العزب موسى، دار المشرق العربي الكبير، بيروت، ط1 - 1980.
الكامل في التاريخ، لابن الأثير.
الملل والنحل، للشهرستاني.
ألموت ( رواية ) فلاديمير بارتول، ترجمة هالة لولو، ط1، دمشق، دار ورد - 2001.
جامع التواريخ رشيدى، جلد سوم.
ريشه ى تاريخى أمثال وحكم، مهدى پرتوی آملی، دوره 7.
تاريخ جهانگشای جوينى، محمد جوينى.
تاريخ إيران إسلامى، رسول جعفريان، دفتر دوم.
عدد من موسوعات الإنترنت والصحف والمجلات.
علاء الزيدي
التعليقات
الحشاشون
سلام -ان هذه الظاهرة تتكرر في الدول العربية والاسلامية حتى الوقت الحاضر نتيجة تفشي الجهل والامية و طغيان التقاليد البداثية التي كانت ساثدة قبل ظهور الحضارة الانسانيةعلما انها اسوء مما دون عن الاسماعيليين حيث ان ظاهرة الحشاشين في الوقت الحاضر تستهدف المدنيين وتخريب ومحاولة تخريب كل مايمت للحضارة اما الحشاشون فبي السابق كانوا يبرمجون باغتيال الاعداء فقط
شكرا
المعلم الثاني -شكرا جزيلا للأستاذ علاء الزيدي على هذه الجرعة الثقافية الشاملة و أتمنى أن يخبرنا بما كتب المؤرخون عن محاولة اغتيال الحشاشين لصلاح الدين الأيوبي
الى المعلم
هلال -ولابد ان نذكر كيف كان يقتل صلاح الدين السهروردي اتباعاً لشيوخ التكفير . وان صلاح الدين الايوبي كردي في نهاية المطاف وليس كما يصوره مهرجي القومية والعنصرية
الإسماعيليون
محمد المشاكس -مقال منعش وأحب أن أضيف مصدراً جيداً ألا وهو : الإسماعيليون بقلم فرهاد دفترى /الكتاب الأصلي بالإنجليزية وطبع لأول مرة في التسعينات/ ويوجد ترجمة عربية للكتاب طبعت مؤخراً و ماينقص المقال هي فترة الحسن الصباح في دار الدعوة وعن التمدد التاريخي للإسماعيليون قبل وبعد الصباح.
سترك يارب
فادي أنس -المقال روى لنا العديد من الممارسات والأعتقادات الغريبه والمخيفه في الوقت نفسه ولكن أكثر ماأعجبني فيه أن الرحاله الأيطالي ماركوبولو كان ينتج أفلاما لكن هل كانت تلك الأفلام بالأسود والأبيض أم بالملون؟...شكرا لأيلاف