أصداء

عندما ينهي الداعية عن تجزئة المنهج الديني ويقع هو فيه

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ربما يكون من بين أسباب جهل شرائح عريضة من المجتمع العربي المسلم بحقائق دينهم ومعاناتهم من قصور تغلغلها في حياة أفرادها، ابتعاد الكثير من الدعاة عن استخدام الأسلوب الأمثل للاقتراب من مشاكل الناس وقضاياهم الحقيقة المواكبة للعصر !! وإصرارهم علي التعامل معها جميعاً دون تفرقة أو تمحيص علي أنها ذات أصول ضاربة في أعماق التاريخ وعلي أنها مما مر علي من سبقونا منذ صدر الإسلام وإلي الأمس القريب.. مما يدفع المتصدين لها إلي البحث عما فعله السلف حيالها والسعي لكشفه والحض علي تطبيقه لمواجهة ما يعترض حياة العامة في أيامنا هذه..


أقول ذلك بمناسبة حلقة برنامج كرسي العلماء التي بثتها قناة " اقرأ " مساء يوم الأحد 4 الجاري والتي حاضر من خلالها الشيخ وجدي غنيم ضيوف الأستوديو والمشاهدين حول الإسلام " كمنهاج حياة ".. وهذا أمر نراه علي جانب عظيم من الأهمية لأنه بالرغم من كثرة برامج التوعية الدينية التي تتباري كافة التليفزيونات الأرضية والفضائية في بثها بالإضافة إلي تخصص بعض هذه وتلك أو إن شئت الدقة احتكارها لها !! وعلي كثرة خطب يوم الجمعة التي تبث في أنحاء الوطن العربي علي مدار العام ، هناك قصور جماهيري تجاه هذا المنهاج معرفياً وتطبيقياً..


لماذا لم تنجح حتى يومنا هذا مطالبة هؤلاء جميعاً لشرائح المجتمع بالتقليل من مشاهدة البرامج التلفزيونية علي حساب العمل المنتج والتعبد والتقرب إلي الله والتعرف علي متطلبات جانب المعاملات كما يدعون إليه جميعاً!! لماذا يجد كل جديد وافد من خارج المنطقة العربية مكانا له في أدمغة هذه الشرائح، وآخرها صرعة المسلسل التركي الذي طغت أخباره علي كل ما عداها حتى داخل قطاع غزة والضفة الغربية؟؟..


أليس لبعض الدعاة دور ومسئولية في هذا وذاك؟؟ أليست أساليب البعض منهم وسبل اقترابهم من المشاكل والقضايا ذات دور سلبي في هذا الخصوص؟؟ أليست لبعض الفتاوى الغريبة عن الواقع مسئولية في هذا الفراغ؟؟..


تناول الشيخ وجدي غنيم عدداً كبيراً من ظواهر ابتعاد القوم عن مناج الله " الإسلامي " سبحانه وتعالي في الحياة من زاوية شديدة الوعورة ونقصد بذلك " تخير بعض متطلبات هذا المنهج لتطبيقها وترك بعضها الآخر " والذي وصفه بأنه " عضين " تنهي عنه آيات القرآن الكريم ، كتزويج البنت ممن يملك الثروة وليس ممن صلح دينه.. ورفض تزويج الصغري قبل الكبري.. واستضافة الأغراب.. وملابس الرياضة غير المحتشمة في لعبة السباحة والجمباز والتنس.. والتمثيل والفن وحصول اصحابه علي جوائز محلية ودولية.. وتعاطي المخدرات.. الخ..


كافة هذه الأمثلة أمر متفق عليه.. لكن ما موقفنا من الشيخ الداعية إذا كان هو أيضا يتخير الأمثلة والتطبيقات والنكات والقفشات بتحيز شديد الوضوح ضد مجتمع واحد من المجتمعات العربية الإسلامية وهو وطنه مصر!!..


كافة ما طرحه الشيخ من أمثلة متوافر وبكثرة في البيئة العربية جمعاء ، وربما يكون أشدها وأقواها متوافر في مصر بسبب التعداد والتاريخ والتراكمات الثقافية.. ولأن هذا أمر لا غبار عليه كنا نتوقع منه - كنوع من التوازن في العرض الذي قبل أن تتمسك به قواعد وأصول التواصل مع الحضور والمشاهدين ، تحض عليه السنن والشرائع السماوية - أن يشير إلي مساوئ النموذج المصري ويضرب أمثال للنموذج الشامي والخليجي والشمال إفريقي !! لكنه لم يفعل وكتفي بأن تكون مثالب المجتمع المصري حاضرة في كل وقت..


كنا نتوقع منه كداعية ان يكون منصفا في حكايته التي اشاعت البهجة والضحك في ربوع المكان فيأتي بمثال من هنا وآخر من هناك ، فمجتمع الخليج العربي يعاني من مشكلة تزويج سببها قبائلي ومادي في وقت واحد.. ومجتمع الشمال الأفريقي يعاني من مشكلة طغيان الوافد من شمال البحر المتوسط الأوربي والفرنسي بالذات علي كل مفردات الحياة علي حساب قواعد المنهج الإسلامي.. والمجتمع الشامي يعاني من تغلغل القيم الوافدة من جيران الشمال والجنوب ومن المحتل الأمريكي للعراق.. الخ..


الملاحظ انه عندما كان يلقي بعض نكاته علي سبيل التمثيل والتقريب والتوضيح.. كان يمثل أطرافها بدقة سواء كانوا رجال أم نساء: فيخفض الصوت ثم يرفعه أو يرققه ثم يخشنه أو يهمس به ثم يصرخ مستكملاً المشهد الذي اعترف انه أجاد تمثيله علي امتداد وقت الحلقة.. ولما لا حظ تجاوب الحضور معه وتفاعلهم مع قفشاته ونوادره زاد من الجرعة بل وكان يضحك علي ما سيقول من قبل ان يلقيه علي القوم..


منهج الشيخ كان " عضين " عندما قال أن بعض الآباء يرفضون من يتقدم للزواج من بناتهم بحجة انها ستكمل تعليمها.. وناهيك عن تقمصه لشخصية واحد منهم رد علي من تقدم لطلب يد ابنته الخاطب بان عليه أن ينتظر أربع سنوات حتى تنهي من دارسة " البكابوريوس " ويقصد البكالوريوس.. تساءل مستنكراً ماذا سيفيدها هذا المؤهل أو حتى مؤهل درجتي الماجستير والدكتوراه إذا ما حصلت عليهما؟؟.. وأردف مستفهما باستنكار ملحوظ: هل عندما تنزل إلي القبر ستسأل عن هذه الشهادات؟؟.. ولم يقل لنا الشيخ أن كان ذلك ينطبق أيضا علي الرجال الذين انهوا مثل هذه الدراسات الجامعية وما بعدها؟؟ أم أنهم مستبعدون لكونهم رجال؟؟..


منهج الشيخ كان " عضين " عندما تحدث عن الحداد علي الميت وفرق تفرقة كبيرة بين محددات الحداد المفروض علي المرأة وذلك الذي يُلزم به الرجل.. أما الطامة الكبرى فكانت تساؤله الفظ عن ذكرى الأربعين وهل يُعمل بها في البلد الذي يسجل فيه لقاؤه مع قناة اقرأ !! ولما جاءه الرد بالإيجاب ، علق قائلا " لازم جالكم من عندنا.. ما احنا ما بنصدرش إلا الخيبة ".. ما هكذا يكون التنوير الديني وما هكذا يكون منهج الحياة الذي يفرضه الدين الإسلامي..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا

drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف