أصداء

عودة روسية، من تحت رماد الإتحاد السوفييتي!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

العلاقة الروسية- الأمريكية وصلت بعد معارك القوقاز الأخيرة، وصلت إلى أسوء مرحلة بعد أكثر من سبعة عشر عام على تفكك الإتحاد السوفييتي حيث وبعد دخول القوات الروسية أراضي جورجيا التي حاولت إعادة احتلال عاصمة إحدى الأقاليم المطالبة بالاستقلال عنها بالقوة، وجه الأمريكان، حلفاء جورجيا، وجهوا انذارات متعددة للروس على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية و ديك جيني نائب الرئيس الأمريكي و آخرها ما قاله مساء هذا اليوم الخميس وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر صحفي في واشنطن، حيث قال: "ان البنتاغون سيعيد النظر في مجمل علاقاته مع روسيا التي حاولت من خلال هجومها هذا ان تعطي رسالة قوية لكل جمهورياتها السابقة". على ضوء هذه الأحداث، نقوم بهذه المتابعة التي نحاول ان تكون موضوعية للبحث في العلاقات بين البلدين ولمعرفة القوة الروسية العائدة للميدان.

تاريخيا، معروف ان أول ما قام به ستالين" الجو رجي" بعد استلام قيادة الحزب والسلطة في الإتحاد السوفييتي السابق بعد عام 1924، كان العمل على نقل الإتحاد السوفييتي النصف إقطاعي، إلى قوة كبرى، متطورة صناعيا واقتصاديا ولو بثمن كبير داخليا، حتى تكون قادرة على الحفاظ على مكاسب الثورة البلشفية والانتقال بالحكم السوفييتي إلى قاعدة صلبة لمساندة الثورة العمالية ولمواجهة الإمبريالية التي تأسس الإتحاد السوفييتي لمواجهتها وكانت تقودها ارويا في تلك الفترة. وتمكن ستالين ومعه قيادة الحزب المؤيدة لخطواته من بناء الجيش الأحمر، القادر على الدخول في اكبر المعارك ذراوة وذلك بالتوازي مع التطور الصناعي وتغيير جهة كثير من الصناعات إلى صناعات عسكرية. وساعد ستالين بذلك وجود بريطانيا، البلد الاستعماري الأول في تلك الحقبة على حدود الاتحاد السوفييتي من جهات عدة ومنها إيران رضا شاه، و من جانب ثان مجيء هتلر للسلطة عام 1929 في ألمانيا مع التجربة المرة التي مر بها الإتحاد السوفييتي وجيشه الأحمر مع الاحتلال الألماني لأراضيهم في الحرب العالمية الأولى.

وتمكن ستالين وفي فترة قياسية هي 15 عام قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، تمكن ان يصل إلى معظم أهدافه في نقل الإتحاد السوفيتي من بلد نصف إقطاعي تحكمه قياصرة، ليصبح قطب اقتصادي وعسكري مهم ومؤثر على الساحة الدولية بالإضافة إلى التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على حياة الفرد والعائلة في الداخل، وبهذا تمكن الإتحاد السوفييتي عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، تمكن ان يلعب دورا رئيسيا في انتصار العالم على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية ومتحديهم الآخرين حيث خرج ستالين من الحرب بانتصارات كبيرة، من جانب بدفع القوة الألمانية الغازية وطردها من الأراضي السوفييتية وبمساعدته للدول التي احتلتها ألمانيا للتحرير في بداية الحرب وإدخالها في دائرته بقيادة أحزاب شيوعية مواليه لثورة أكتوبر، ومن جانب آخر بمساعدته لكثير من شعوب العالم في انتصارها على الاستعمار حيث تحررت قارات بأكملها مثل الصين والهند وباكستان وعدد غير قليل من الشعوب في أسيا وارويا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وبذلك انتقل ستالين ومعه الإتحاد السوفييتي بعد مؤتمر طهران، إلى جانب أمريكا، حتى أصبح قطب مواجه وموازي للقطب الاقتصادي الإمبريالي الجديد، أمريكا، وأصبحا الإتحاد السوفييتي وأمريكا هما القطبين الرئيسيين في العالم، الأول يقود الحركة الدولية المعادية للإمبريالية والاستعمار وأمريكا التي قادت بعد الحرب العالم الرأسمالي بقوة وبذلك انتقل العالم إلى الحرب الباردة التي استمرت لقريب من خمسين عام! لكن بعد موت ستالين، سار الإتحاد السوفييتي بواسطة الخروشجوفية التي أدت بالنهاية إلى استلام غورباتشوف للحكم والذي في عهده قام يلتسين وغيره من قيادات المناطق وبسكوت قريب من الرضا منه، قاموا بتنفيذ عملية التفكيك.

وحكم يلتسين لفترة تقهقرت فيها روسيا في ظل حكمه كثيرا، لكن سرعان ما استلم بوتين، الشاب الوطني الطموح السلطة بعد يلتسين، وبدأ بتنفيذ خطة طموحة وشجاعة لإعادة المجد السوفييتي لروسيا، مهد السوفيت الأصلي، وعادت القوة السوفيتية تتحرك على الساحة الدولية من جديد حتى وصلت مؤخرا إلى منافسة أمريكا في كثير من مناطق العالم، من أسيا الوسطى والقوقاز إلى القطب الشمالي وإفريقيا والشرق الأوسط. لكن ما قام بها بوتين من انجازات، وإن كانت دون حزب شيوعي واشتراكية ودون اتحاد سوفييتي، لكنها تحركت على قاعدة صلبة من ما تبقى من الشيوعية والإتحاد السوفييتي من قدرات إنتاجية تكنولوجية هائلة، خصوصا في مجال التسليح والفضاء والصنائع الثقيلة والنفط، حيث تمكن بوتين بنهجه الوطني من إعادة هيبة الإتحاد السوفييتي لروسيا اليوم، حيث نرى نتائج سعيه خلال الأعوام الماضية بعد يلتسين، وهي تبين انه قد نجح في ما أراد، واليوم روسية عادت لتخلق توازنا جديدا ساعية إلى إبقاء القطبية السياسية والقطبية التسليحية للعالم، بمخزونها الإستراتيجي من السلاح والصنائع الفضائية والعسكرية التي انتقلت شيء فشيء للتنافس مع الكبار في الأسواق العالمية والانتقال بروسيا لتكون دولة عصرية، صناعية، قوية، خصوصا وهي لديها مخزون كبير جدا من السلاح النووي والصاروخي والطيران والغواصات و البوارج البحرية التي عادت لتجوب الأبحر البعيدة والقريبة لتقول للعالم اننا عدنا مرة أخرى للساحة الدولية، وهي تبني علاقات جيدة مع دول العالم ومنها مع دول العالم الإسلامي حيث من جملة انجازات بوتين في هذا المجال بالخصوص، العلاقة التي بنا قواعدها الأولى مع الدول العربية الصديقة لأمريكا ومنها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبيعها أسلحة متطورة ضمن عقود تجاوزت المليارات من الدولارات!

اليوم، وبعد سبعة عشر عام مرت على تفكك الإتحاد السوفييتي، ومع وجود مخزون كبير من العلماء والمصانع وذخائر النفط والغاز والثروة الطبيعية والزراعية الهائلة، بدأت روسيا بالخروج من الانتكاسة التي سببها التفكك والقيادة المريضة ليلتسين، وعلى رأسها بوتين الذي تمكن وبعد أكثر من عشرة أعوام عجاف مرت على روسيا، تمكن من إعادة بناء المصانع الكبرى وإعادة العلماء إلى مختبراتهم وتمكن من إعادة بناء الجيش وقدرات روسيا الفضائية والبحرية والصاروخية المقتدرة وهو اليوم ينتقل من الداخل بعد إيصال نمو اقتصاد بلاده إلى 7.5%، ينتقل إلى خارج حدود روسيا ليطرح نفسه مرة أخرى على ارويا المجاورة وعلى الشرق الأوسط وها هو ينافس القوى الكبرى وتعود معه روسيا إلى حرب باردة جديدة بعد رفض الغرب قبول عودة روسيا كقوة دولية فاعلة.
كما وبوتين أصبح عاملا يثير استياء الغرب و لم يرق لهم ان يبقى بالحكم وهو الذي أمر وبحكم مسئوليته كقائد عام للقوات المسلحة، أمر باستئناف طلعات الطائرات الإستراتيجية بعيدة المدى وإبحار الأساطيل الروسية في بحار العالم ليقول للناتو ولقيادات الغرب اننا موجودين وبقوة ولا تحلموا بإزاحتنا عن الساحة الدولية، وهو في نفس الوقت يقف بوجه الغرب في الموضوع النووي الإيراني. وحاول الغرب الذي لا يزال يفكر بعقلية الحرب الباردة، حاول كثيرا إبعاده عن الساحة السياسية الروسية لكن نجاحاته الاقتصادية والتغيير الذي طرأ على روسيا داخليا وخارجيا في ظل حكمه، أعطى لحزبه المكانة التي يحتاجها للبقاء وإبقاء روسيا على نهجها التي بدأته مع مجيئه. واستخدم الغرب قوى داخلية روسية و أخرى إقليمية صاحبة مصلحة للخلاص من بوتين خاصة وانه بعد مجيئه مباشرة بدأ حملة منظمة لمحاربة الفساد الحكومي المستشري في روسيا وهذا ما أغاض كثيرين من قيادات المافيا التي ظهرت بعد تفكك الإتحاد السوفييتي على الساحة الروسية كما تمكن من تخييب آمال كثيرين من اصطفوا حول يلتسين وإفساد أحلامهم وأطماعهم حيث كانوا يخططون للسيطرة على الدولة وحرمهم من سيل الدعم المالي والسياسي الذي كان يقدمه لهم الغرب. بوتين نجح في إفشال كل تلك الخطط وتمكن من الحفاظ على روسيا الاتحادية موحدة مع وجود حركات استقلال نشطة هنا وهناك، مثل ما نجح بوقف الحروب التي هددت امن روسيا في القوقاز في فترة من الزمن..
والخلاف الروسي الأمريكي والغربي عموما لا يقتصر على ما اشرنا إليه فقط بل وتجاوزه إلى الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بشأن قضايا الأمن الاستراتيجي ومنها الخلاف حول مسألة نشر الدرع الصاروخي الأميركي في بولندا وتشيكيا ومعارضة روسيا لهذا الأمر، ومعارضة قائد سلاح البرّ الأميركي في أوروبا الجنرال ديفيد ماك كيرنان لتقليل القوات الأمريكية في أوروبا من 40 إلى 28 ألف جندي كان دليلا قاطعا على تخوف أمريكا من القوة الروسية حيث وصف نفس القائد الأمريكي السبب وراء إبقاء القوات على عددها الفعلي هو " "روسيا المنبعثة"!

وبالنهاية، جاءت حرب القوقاز التي دفعت بها أمريكا لجس النبض، وكشفت عورة الغرب وسجلت لروسيا الاتحادية نقطة قوة جديدة أثبتت من خلالها انها قوة عظمى على الغرب ان يحسب لها حساب، خاصة وان روسيا لم تكتفي بدفع القوات الجورجية إلى خلف الحدود فقط بل وتريد ان تضمن منع أي تجاوز مستقبلي لجورجيا لحدود المنطقتين المطالبين بالاستقلال عن جورجيا الطامحة لعضوية الناتو، وكان فعل روسيا هو ردا على ما قام به الغرب في كوسوفو، حيث تدخل الغرب عسكريا لعزلها عن صربيا واعترف بحكمها مع معارضة روسية الشديدة لذلك.

ومعروف ان من بين 28 ألف رأس نووي في العالم، لا تمتلك منه بريطانيا وفرنسا والصين وإسرائيل وباكستان والهند إلا اقل من ألف صاروخ، والباقي هو موجود في ترسانات أسلحة روسيا وأمريكا، مما يعني ان روسيا الاتحادية هي الدولة الأعظم قوة من أي قوة أخرى في العالم التي تخيف أمريكا، أما ارويا فلا تمتلك دولها النووية وهي بريطانيا وفرنسا إلا عشر العشر ما تمتلكه روسيا من أسلحة هجوم وردع نووية.

لكن وفي نهاية هذا المقال علينا ان نقول ان سياسة الأقطاب الفعلية لن تكون مثل ما كانت عليه في أيام الحرب الباردة حيث ان السياسة الفعلية لكل الأطراف عكس ما كانت تسير عليه في زمن الإتحاد السوفييتي، ومع كل السياسات غير المتزنة لصقور الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأبن، تسير على استراتيجية تعاون بينهما وليس على " إستراتيجية ردع" مثل ما كانت، كما وان هناك تعاون ومعاهدات للحد من إنتاج الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لدى دول العالم وخصوصا بين الدول الرئيسية التي تمتلك مخزون كبير من هذه الصواريخ.

محمود احمد الأحوازي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نتمنى ان يتم توازن
سلمان العنزي -

نشكر للأستاذ الأحوازي طرحه لهذا الموضوع ونتمنى ان يتمكن العرب ان يساعدوا على ايجاد هذا التوازن الذي اصبح ضرورة للعرب، حتى يوقف المد الغربي والأمريكي خصوصا لإسرائيل، ويعطي اشاره انذار لأمريكا، انها ليست الوحيدة على الساحة الدولية ولدى العرب بدائل في العلاقة!