أصداء

الكاتب العربي في "مدارات" أدونيس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يرصد من طرفٍ خفيّ "الحدَث" فيكتب عنه من زاوية مختلفة، هذا هو "أدونيس"، حيث لفتت نظري مقالته في صحيفة الحياة الخميس 4- أيلول، وفي زاويته الأسبوعية "مدارات" وقد تضمن مقالته نقداً لبعض ممارسات الكتّاب والمثقفين. عنون زاويته بـ"مظلّة لوردة أرهقها العطش"، وجاء في صلبها نقد النواح العربي الذي يمارس باستمرار من قبل بعض الكتّاب والمثقفين على رحيل زعيم أو كاتب أو شاعر، أدونيس كتَب:["آخر القادة العمالقة"، "آخر الساسة العمالقة"، "آخر الشعراء العمالقة"..الخ، أوصاف يطلقها بعض الكتاب العرب على أشخاصٍ عرب، لا في أثناء حياتهم، بل بعد موتهم. هكذا لا يعيش العرب إلا بين "الترمّل" و "اليتم" أليس إطلاق هذه الصفات هو الآخر جزءاً من ثقافة الخلافة التي لا تزال تجرر أذيالها، أو لعله يكون نوعاً من امتداح الذات (في علاقتها بالممدوح) أو نوعاً من تسويغ "العبودية المختارة" (في انسياق الشخص الواصف انسياقاً أعمى وراء الشخص الموصوف)، أو لعله قد يكون على الصعيد الميتافيزيقي نوعاً لا شعورياً من إنكار البداهة المبتذلة التي هي ظاهرة الموت، أو الهرب منها، في استسلامٍ وثوقي لوهم خلود على الطريقة الدينية. يا لهذا الوعي "العملاق" في مثل هذه اللغة الواصفة "العملاقة"].


فهو يعيب في نصه السالف ظاهرة "البكاء" التي يجيدها الكاتب العربي، فما إن يموت كاتب أو شاعر حتى تسيل الأقلام صارخة باكية بعد طول جفاف، يذرفون الدموع والأحزان، تنقلب الصحف إلى "حسينيات" وتبقى القنوات حبيسة "الموت" يعيب أدونيس على الكاتب العربي وقوعه المستمر في فخ الخوف البشع من "المصير" الذي يترجم على هيئة "رثاء" لميّت بينما هو رثاء للذات. يذكرني كلامه هذا بكلام لعبد الرحمن بدوي حينما وصف الشعب العربي بأنه "مغرم بالسير وراء الجنائز" وقد أحسن الروائي "حنّا مينة" إذ طلب من العرب أن يتقبلوا موته بهدوء إن هو مات، لقد خاف على آذاننا من "الصراخ".إن الموت هو "المصير" المحتوم فلماذا هذا الصراخ المستمر كلما مات كاتب أو شاعر؟ في ثقافتنا العربية يكتسب الشاعر صفات "النبوة" فيصبح توجيه النقد له، أو لشخصه من "الكبائر" وانتقاد فيلسوف أو كاتب أو صحافي أهون من انتقاد شاعر، لقد منح "اللاوعي" العربي كل "الشعراء" صفة النبوة، فأصبح كل نقدٍ يوجه إلى "الشاعر" من "الكبائر" وأحيل هنا إلى فكرة الكاتب السعودي عبد الله الغذامي حول "شعْرنة الثقافة العربية" فهي من الأفكار الهامة في تحليل هذا الوضع البائس، (انظر كتابه النقد الثقافي).


في نصٍ آخر يكتب أدونيس: [عجباً يزدهي بمجرّد التوقيع على بيانٍ ضد سلطة، دفاعاً عن مضطهد أو انتصاراً لمعتقل. لكنه لا يفعل شيئاً، أيّ شيء، من أجل تفكيك بنية الحياة ذاتها، الحياة المعتقلة على جميع الأصعدة، من الألف إلى الياء].


في نصه هذا يشرح حجم التوتر السائد والمرَضي بين "المثقف" وبين "السلطة" والتوتر هذا لم يُبن على تصوّر علمي لمعاني سياسية، وإنما يأتي في إطارٍ "نضالي" ضيّق، حيث يضجّ المثقف إذلالاً لمجتمعه، كلما وقّع من أجلهم على بيان! وكأن توقيعه للدفاع عنهم يخوّله لاستعبادهم، وهذا هو واقع المثقف العربي المسكون بالنضال حدّ الهوس، وهي نضالات مفرّغة من الأبعاد المعرفية والجذرية، لذا تأتي محدودة وغير مستوعبة للواقع والعصر، فهو عدوان صبياني على سلطة تتمتع بتأييد الأغلبية، ثم يأتي ليناضل سياسياً ضد "ثقافة" تتمتع أيضاً بشعبية كبيرة.


الخطأ أن المثقف يريد هدم الثقافة بمعاول "السياسة" وهذا استبداد وانقلاب على الأدبيات المعرفية والثقافية، حيث تفرض بعض الأفكار على مجتمعات لا تعرف "طبيعة تلك الأفكار" ومن دون حتى أن يوسعها شرحاً وإيضاحاً، وكل ممارسة لفرض أي فكر عبر البوابة السياسية فعل "استبدادي". وكتابة أدونيس تصب في إطار ضرورة "تفكيك" البنى المغلقة من جوانبها الثقافية، أما الممارسات النضالية ضد "السلطات" فهي "فتوة" من الجانب الاجتماعي، لكنها ممارسة استبدادية من الجانب الأهم وهو جانب "المعرفي" الذي يجب أن يكون هو الهاجس لدى المثقف. وهو ما يمكن أن يجنيه المثقف حينما يعكف على "أبحاث علمية" تساهم في فك المستغلقات بدل الانشغال بالشتائم ضد السلطة والسياسة، كما أن الفلسفات الحديثة وبالذات فلسفة الفرنسي "ميشيل فوكو" أثبتت أن السلطات ليست سياسية فحسب، بل تتوزع، فالسلطة موجودة في كل الطبقات الاجتماعية والحياتية. أدونيس يعيد ترتيب الأولويات التي نشأ عليها المثقف من دون أن يراجعها، ربما يكون الخلل في "ذواتنا" وفي "وسائل التفكير" تلك هي المراجعة الأهم.


فهد الشقيران
كاتب سعودي
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ذروة الديمقراطية
يونس حميدو -

قرأت المقال المشار إليه سالفا في جريدة الحياة والذي يستغرب فيه أدونيس بكاء العرب على( "آخر القادة العمالقة"، "آخر الساسة العمالقة"، "آخر الشعراء العمالقة"..)، إذا كان الظرف شرطا للكتابة، وضروريا لفهم دوافعها ومعانيها، فإنه يبدو لي والله أعلم، أن أدونيس تضايق، أو لم يعجبه الحزن الذي لف المنطقة العربية بعد وفاة الشاعر العربي الكبير محمود درويش، وسيل المقالات التي انهمرت في الصحافة العربية تنعيه، وكانت أكثر الأوصاف التي تطلق على محمود درويش، أنه آخر شاعر عربي عملاق انتقل إلى جوار ربه.. ولعل هذا التوصيف لم يرق لأدونيس، فبادر إلى هذه اللمزة، ربما ليلفت الانتباه إلى أنه هو كذلك شاعر ( عملاق)، وأفضل من درويش، وأنه ما زال على قيد الحياة. أدونيس بهذا السلوك يعيد إنتاج نفس السلوك الذي يصدر عن الحكام العرب الذين يحكموننا، حيث يتخيل كل واحد منهم أنه هو الأعظم والأعقل والأرشد من كل باقي الحكام الآخرين.. ويكلف إعلامه الرسمي بالتطبيل والتزمير له صباح مساء، في هذا الاتجاه. ربما لا يسلم من تأثير ممارسة السلطة العربية حتى كبار مثقفينا ممن يعتقدون مع أنفسهم أنهم من المتخلصين كليا من إيديولوجيتها، وأنهم ينتقدونها، ويسعون لتفكيكها، في حين أنهم يعيدون إنتاجها في كتاباتهم وتصرفاتهم من حيث يشعرون أو لايشعرون.. الإحساس بالألم والحزن والبكاء على الميت.. سلوك محايث للإنسان في كل زمان ومكان. عندما يفقد أي منا عزيز عليه، فإنه يبكيه ويتذكر محاسنه ويدعو له الله بالمغفرة والرحمة، فما بالك عندما يتعلق الأمر بشاعر عملاق في حجم محمود درويش؟ أظن أن لا أحد كان يجبر الناس على الاحتشاد في ملاعب لكرة القدم للاستماع إليه وهو يلقي قصائده، ولا أحد من أجهزة الاستخبارات تسلل إلى أفئدة الناس ودفعهم بالقوة والإرغام للشعور بالأسى والحزن على وفاته. التضايق من شعور الناس بالحزن على وفاة درويش يستبطن رغبة في إجبارهم على انتزاع هذا الشعور من دواخلهم، أو في أقل الأحوال إخفاءه وعدم الجهر به. هذه ذروة الديمقراطية أن نسعى لكي نصادر من الإنسان حتى الإحساس بالأسى والحزن على فقده لعزيز عليه.

متفقة
سلمى -

انا متفقة مع السيد حميدو.. الحسد هو الذي حرك ادونيس ان يدعي انه ضد البكائيات التي تكتب بعد موت كاتب.. وثانيا اذكر السيد حميدو والقراء بان ادونيس يكرر جوهر ما جاء في مقالة الشاعر الفلسطيني باسم النبريص التي نشرتها ايلاف قبل اسبوع،،، فهي خلاصة فكرة النبريص، والبرهان على هذا لماذا لم يكتب ادونيس كلمته مثلا بعد اسبوع من موت درويش لماذا الآن فجأة استيقظ لينقد ظاهرة البكائيات عند العرب، والجميع نسي موضوع موت درويش؟

أرفع قبعتي للكاتب
عبد اللطيف المنيّر -

أول مرة أقرأ نصاً يُنشي ذاكرتي، ويُنعش خلجات قلبي. الأستاذ فهد لقد اختصرت هذه الجدلية بين المثقف والقارىء، وشكرا لك على هذا التحليل الرائع لشاعر رائع، يعرف كيف يسدد سهم الكلمة لتستقر في صلب الموضوع. في ثقافتنا العربية يكتسب الشاعر صفات النبوة فيصبح توجيه النقد له، أو لشخصه من ;الكبائر وانتقاد فيلسوف أو كاتب أو صحافي أهون من انتقاد شاعر. ; نعم هذه هي مشكلتنا اليوم، مع شعرائنا الذين يظنون أن النفخ في الكلمة وبلاغة النص هي الجدوى، ليكون النص أكبر منهم،ويقعون في دائرة الجهل المعرفي لحركة الشعوب. تماما كما ذكر آنفا وهي نضالات مفرّغة من الأبعاد المعرفية والجذرية، لذا تأتي محدودة وغير مستوعبة للواقع والعصر . شكرا لأدونيس وشكرا للكاتب فهد. مهندس وأستاذ محاضر - من أميركا

الخلل في(ذواتنا)!
كركوك أوغلوا -

صدقت أيها الفهد !!..وهذا ما أشار اليه العفيف الأخضر في كتاب أيلاف اليوم , الشعور بالذنب هو كالشعور بالنقص , فالبكاء والنواح على الماضي والحاضر والمستقبل العدمي ؟؟!!..