دراجة السيد رامسفيلد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الدراجة ابتكار بشري. أظن أن المخترع حاول فيه محاكاة الحصان.. وهذا أمر طبيعي كل مخترعات الإنسان ما هي إلا محاكاة للطبيعة المحيطة.. ظل الحصان الراكض هو واسطة النقل السريع للبشر قبل اختراع الدراجة والسيارة لاحقاً.. إنما ميزة المخترع الجديد صارت تعتمد على ترويض الراكب وليس المركوب على العكس من الوسيلة الأولى.. على الراكب لكي يجيد الركوب أن ينتهي من شيئين، الأول يقتنع أن هذا الكائن بإمكانه السير بقائمتين والثانية أن ينسى لشته الجاثمة على الكائن إن كانت نحيفة أو ثخينة ويركز على الطريق.. عندها وبقدرة ذاتية سيؤدي هذا الحصان الحديدي المهمة على أكمل وجه..
أما بماذا اختلفت دراجة السيد رامسفيلد عن دراجات الخلق..؟ فأليكم القصة التالية: في إحدى المرات القليلة التي لخص فيها السيد بوش حربه في العراق قال: نحن نسعى إلى مجتمع حر قادر على الدفاع عن نفسه وحكم نفسه وفي ذات الوقت يكون حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة في حربها العالمية على الإرهاب. ثم أردف في تقييم مثير للفزع (فزع المحيطين به) يبدو أن العراق غير قادر على إنجاز ذلك..
وكان الصراع حينها دائراً بين خطتين (استراتيجيتين) واحدة للسيد رامسفيلد ورئيس أركانه كيسي والثانية مجموعة من موظفي الوزن الثقيل في الدائرة الرئاسية، حول هل على الرئيس أن يأمر بزيادة عديد القوات أم يستمر على التخفيض.. وكان الوقت سنة 2006 السنة المشؤومة في تاريخ العراق المعاصر، سنة اشتعال الحرب الطائفية على أوسع نطاق بين سنة وشيعة استلفوا وقود حربهم من ملابسات تاريخ ديني قديم مشوه ومزيف بامتياز.. كان رامسفيلد واثقاً من استراتيجته إلى أبعد الحدود وهو قد لخصها بالتالي: "لكي نفوز يجب علينا أن نتراجع" وقيل أن السيد رامسفيلد كان شغوفاً باستخدام القياس ولا أدري إن كان من أنصار الإمام (أبو حنيفة) في التاريخ الإسلامي أم لا.. ورغم أن البشر هناك غير ميالين للشروح والإطناب والاستطراد حيث الحياة المنطلقة بسرعة الصواريخ العابرة لكل شيء علمتهم على مسك الفكرة وهي طايرة.. لكنهم رغم ذاك لم يفهموا رسالة الوزير، الأمر الذي اضطره ليوسع إفهامهم أن يردف لغزه الأول بلغز ثان قائلاً lt;lt; اسحب يدك من على مقعد الدراجةgt;gt; وكان اللغز الثاني كفيلاً بإفهامهم جلية الأمر؛ أن على أمريكا بجيوشها أن تضع يدها خلف مقعد الدراجة لبرهة قصيرة من الزمن ومن ثم تدع الراكب يسير والهوا بظهره.. هل نجح الأمر..؟
بالطبع لم ينجح السيد رامسفيلد بإقناع المعنيين بدليل أن أحدهم ويدعى هادلي.. قال: أنا كلما اسمع بقياس رامسفيلد أشعر بالألم في يدي وساقي، لأن أبي في خمسينات القرن المنصرم أراد تعليمي ركوب الدراجة بهذه الطريقة.. وضعني على طريق منحدر ولسان حاله يصرخ بـ.. رائع.. رائع.. ليجد هادلي الصغير قدميه على دواسة الدراجة لكن صوت والده بدأ يبتعد وأدرك الصغير أنه بمفرده الآن ولما حاول الاستدارة ليرى والده كان قد سقط سقطة هائلة تسببت له بتلك الذكرى النفسية الأليمة..!!
طبعاً قياس رامسفيلد من الناحية النظرية والعملية صحيح جداً، كل حكام الجوار العراقي القريبين والبعيدين ركبوا شعوبهم بهذه الطريقة.. لكن الذي فات رامسفيلد وأمريكا من وراءه أنك لكي تعلم أحدهم قيادة الدراجة يجب في الأول أن تكون هناك دراجة.. وهذا ما لم يكن متوفراً في الحالة العراقية.. لأن قائد الدراجة العراقية القديم الله يسامحه وبعد شنقه بصبحية العيد لم يترك وراءه دراجة ولا بطيخ.. الجميع يعتقدون أن الدولة العراقية انهارت بمجرد دخول قوات الاحتلال للبلد.. بينما الحقيقة هي غير هذا، الدولة العراقية انهارت بعد 1991 أثر غزو الكويت وتوابعه.. وحين تنهار أية دولة لا محالة سيعود الناس إلى تجمعات وتنظيمات ما قبل الدولة العشيرة، القبيلة، الفخذ، الطائفة، الدين، القومية..إلخ لهذا كان في البلد دراجات وليس دراجة واحدة.. الأمر الثاني الذي فات رامسفيلد وطاقمه أنهم لم يتوانوا عن الإعلان عن نيتهم بتغيير كل طواقم ركوب الدرجات القدامى سواء المحيطة بالعراق أم البعيدة.. معلنين أنها طواقم أكلها القدم والدكتاتورية ولم تعد صالحة لأي شيء.. الأمر الذي دفع كل راكب دراجة مجاور إلى البحث عن دراجة عراقية يحور مفاصلها بما يلائم توجيهها عن بعد، لتحقيق هدف وحيد هو إجبار أمريكا على إبقاءهم أحياء يرزقون هم وخلفهم على مقاعد شعوبهم..
لهذه الأسباب لم يكن نافعاً لا زيادة عديد القوات ولا تخفيضها في لجم وترويض الدراجات العراقية الموجهة عن بعد.. الذي حقق المعجزة أخيراً هو الشعب العراقي نفسه.. الشعب الذي كان على وشك التفتت إلى طوائف وقبائل وعشائر وقوميات وأديان متناحرة.. ببساطة لقد صحى هذا الشعب.. وهل صدفة تأتي ثورته على نفسه تحت مسمى (الصحوات).. لقد صحى العراقيون على حقيقة أنهم يتحولون إلى قطع غيار لحروب راكبي الدراجات العرب وغير العرب.. كذلك صحوا على حقيقة أخرى أن العراق بلدهم الرابض على كنوز يسيل لها لعاب العالم كله هو ملكهم هم دون غيرهم وأن هذا البلد ومن الآن لم يعد بمقدور مكون واحد من مكوناته أن يقوده لذلك عملوا على اللقاء في منتصف المسافة التي أُريد لها أن تكون هي الفاصلة بينهم.. هل نجحوا..؟
أظن الجواب بتنا نرى ملامحه منذ بداية هذه السنة.. لكن على العموم ستزودنا به الأيام والسنين السائرة إلى المستقبل..
(*) ما يخص دراجة رامسفيلد، جاء في كتاب نشر مؤخراً للأمريكي بوب وودورد بعنوان (الحرب الداخلية: التاريخ السري للبيت الأبيض 2006-2008 استعرضته جريدة الشرق الأوسط لعدد يوم 9/9/2008
كريم كطافة
التعليقات
راكب و دراجة
عبد البا سط البيك -كان بإمكان الكاتب أن يفهمنا قصده بدون ذكر رامسفيلد و دارجتة . و لم يكن هناك داعيا لإستخدام أمثلة و توريات و قياس لأن الجميع يعرف أين تقف أمريكا على أرض العراق , و ما هي النجاحات النادرةو الإخفاقات الكثيرة التي حصلت عليها عقب الغزو المريب. لابأ س من العودة للدارجة حتى نتوازى مع كاتب المقال لنقول له أن راكب الدراجة الأمريكية أخطأ كثيرا بدخوله الى مسالك و عرة من دون إستعداد جيد و مدروس للميدان الذي سيقود فيه دراجتة و هو يتحمل مسؤولية الأعطاب التي تصيب الدارجة ذاتها و المشاكل التي تهدد سلامتة . العنجهية و الغطرسة هما اللتان دفعتا الراكب الى دخول ميدان صعب و عسير , و قطع بعض الأمتار بسهولة و يسر لم يكن مؤشرا كافيا على أن نتيجة السباق مضمونة العواقب .و قد إستعجل أهل واشنطن كثيرا عندما أعلنوا بأن الحرب قد إنتهت .و كانت المفاجأة بأن الكثير من الكوارث و المصاعب قد أخرجت رؤوسها من جحورها لتلسع القوات الأمريكية مثيرة الأوجاع و الآلام للبيت الأبيض و المجتمع الأمريكي الذي ما زال يحتفظ ببعض ذكريات الهزيمة في فيتنام.راكب الدراجة الأمريكي لم يكتف بوضع يديه خلفه بل أغمض عينيه و لم ينظر الى الأمام متجاهلا الحفر و المطبات , لذلك فإننا نتوقع أن يقع من على دراجتة و يدق عنقه إن لم يفتح عينيه و يمسك بالمقود بشكل صحيح و في الوقت المناسب .و ليتذكر بقية راكبي الدراجات الذين يسيرون على نفس الطريق بأن السباق طويل و شاق و الفوز فيه لمن يصل أولا في آخر مرحلة .