أصداء

عينُ العربي من الزعيم القائد إلى الزعيم المنتِج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

1-
كيف يمكن للعربي أن يخرج من غلواء سجنٍ كبير؟ بينما هو محارب على كل الجبهات، بين "سياسي" يطالبه بأن ثبت صلاحة "وطنيته"، ومن جهة أخرى شيخ يقرعه بالوعيد والتهديد أن يثبت صلاحة "دينه" وبين مثقف وكاتب يطلب منه أن يثبت صلاحة "عقله ووعيه" بين تلك الحملة الشرسة من القوارع والنواهي التي تهبط عليه من كل حدبٍ وصوب، يجد الطريق الآمن للخروج من تلك الدوامة في أمورٍ كثيرة، من بينها التسكع في المقاهي كما هي الحالة العربية الاجتماعية، حيث ينفخ العرب من أفواههم من السجائر والشيش ما يكفي لخنق أممٍ كاملة، إنه هروب المرتبك المهزوم، الذي لا يستطيع أن يميز بين تلك الحجج المتناثرة عليه من قبل السلطات المتنوعة التي تتخذ من الإعلام مسرحاً لترويج تعابيرها، فهو يقنط من هذا الواقع البائس ليجد في "التسلية" خير "بنجٍ" يمكّنه من التخلص من غلواء التقييم والاختيار بين تلك الأصوات المتنابحة، والمتناحرة.

2-
جاءت الثورة الفضائية لتسد العجز البصري الذي عانى منه المشاهد طويلاً، حيث ارتهنتْه القنوات الحكومية طويلاً، وأجبرته على مشاهدة الزعيم وهو في أحوالٍ مختلفة، وفي أوضاعٍ متنوعة، اضطره الشحّ الإعلامي أن يتسمر أمام التلفزيون الرسمي الذي يعْرض له قبل أن ينام نشرة الأحوال الجوية "لليوم الفائت"! الثورة الفضائية علّمت هذا المواطن المغلوب على أمره أن في العالم عوالم أخرى، وأنه هو من ضمن فئة عالمية اتفق على تسميتها مجاملةً بـ"العالم الثالث" أو الدول التي لديها "نية النمو" لكنها لم تنمُ حتى الآن لسرّ لم يُكتشف بعد (المثقف منذ قرن يعكف في مكتبته بنظارته المقعرة يبحث عن سر تقدم الغرب وسر تخلفنا) عزاء هذا المواطن "أن الأعمال بالنيات" ومنذ ذلك الحين، وكل العرب لديهم "نية" خنق إسرائيل وإغراقها في البحر، ولديهم "نية" النهوض، والابتكار والصناعة والزراعة ..الخ من النوايا الحسنة التي يريدون تفعيلها منذ زمن بعيد، تشهد على هذا كتبهم وتصريحات زعمائهم وأحلامهم.
الثورة "الغنائية" أو "الظاهرة الاستعراضية" جاءت في وقتها حينما قررت "نادين لبكي" ذات مساء بعد أن قرضت ظفرها الأيمن، أن تتيح المجال لنانسي عجرم أن ترقص خلف الكاميرا، بكلماتٍ -صحيح أن لن تُحرج المتنبي وعمرو بن كلثوم وقطري بن الفجاءة- لكنها ستسعد العربي القابع في مقهاه هرباً من "السياسي" و "الشيخ" و "المثقف" ومن "زوجته" بطبيعة الحال، بعد ذلك الكليب تحديداً انفرط العقد، وأصبحت القنوات العربية قنوات "استعراض"، "تمت الهجرة الجماعية" التي شهدها الفن العربي، حيث جاءت كارول سماحة من أقصى "المسرح" تسعى، أما هيفاء وهبي وسيرين عبد النور ومايا نصري فهربن من مهنة "عرض الأزياء" -التي تطعمهن فقط أرغفة الخبز- إلى مهنة الاستعراض الغنائي التي تدرّ أرباحاً طائلة، فمن يستطيع إيقاف هذا الزحف مادام العربي يفتخر بفحولته الضاربة التي لا يمكن كشف أسرارها إلا بهذه النوايا الطيبة التي تبرز من بين حفلات الاستعراض الدائمة المتوافقة مع "إرادة الهروب" التي هيمنت على المجتمعات العربية التي تبْهتها الأسئلة والقوارع ولا تريد أن تتغير.

3-
المنتِج العربي لم يهمل هذه الفرصة، فتراه يبحث في متطلبات العربي القابع في مقهاه، يبحث له عن مسلسل درامي يغْرق فيه حتى أخمص قدميه منتظراً "الحلقة الأخيرة" التي اعتاد المنتج العربي أن يكتنز العقدة المُلْغِزة في جوفها، لذا نجد المسلسلات العربية الآن تجيد "النواح" والصراخ ومشاهد "المصارعة الحرة" فقط تحتاج إلى أن تقتطع من وقتك بضع دقائق لتشاهد "شارة" أي مسلسل عربي-وخليجي بالذات- لتعرف كمية الدموع والضربات المتنوعة والمتوزعة والصفعات المتتابعة التي يود المنتج أن يبهر بها عين وقلب المشاهد.
وكم ساءني فعْلُ منتج وممثل وهو "نايف الراشد" الذي قام -على طريقة الزعامة العربية-بدور (البطل، والمنتِج، والكاتب) في آنٍ واحد في مسلسل "شر النفوس" الذي يعرض حالياً، حينما قام ببث كل هذا الكم من البشاعة والتوحش عبر مشاهد مليئة بالسحر والشعوذة والخرافات والأكاذيب، مستعيناً بكثافة مشاهدةٍ ربما يسبّبها "غيبية" الموضوع الذي يطرحه وهو "السحر" وربما يسببه على نحوٍ أوضح تواجد وجوه بعض الممثلات الحسناوات من أمثال الفنانة الكويتية "أمل العوضي" المحْتَكرة من قبل شركته.
نفس هذا المنتِج سبق وأنتج المسلسل "صاحبة التميز" الذي ضرب أبرع الأمثلة بالفقر في الإخراج والإنتاج والكتابة، إن هذا العبث الذي يمارسه المنتج من أجل قبض كمٍ هائلٍ من المبالغ على حساب إثارة مصطنعة قوامها "السحر" لدليل واضح على حجم التودد الذي يمارسه المنتج من أجل إتاحة المجال أمام العربي القابع في مقهاه أن يطّبع مع كل "الخرافات" والأكاذيب التي يؤمن بها، إنه افتعال مضحك لصناعة "الشر"، إنه الهراء المستديم الذي يصبغ ألوان الحياة الفنية والفكرية والثقافية والاجتماعية والذي تسببه هذه "الخرفنة" المنظّمة من قبل بعض "التجار" الذين يسوقون للتخاريف، ويريدون أن يثبتوا عبقريات زائفة حينما يخدعون المشاهد زاعمين استطاعتهم أن يخرجوا من قبعاتهم "بعض الأرانب".!


فهد الشقيران
كاتب وصحافي سعودي
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العرب في غيبوبة
رمضان عيسى _فلسطين -

حقا يا أخي فالعربي أصابته حالة من الاٍغتراب عن الحضارة دامت أربعة قرون بسبب الاستعمار التركي للبلاد العربية الذى تلاه الاستعمار الغربي فزاد الطين بلة وأصبنا بحالة من الشرذمة السياسية التى أوقعت العربي بين أنياب تنين من ثلاث رؤوس ,الأول : القائدوالزعيم طول الحياة . الثاني : الشيخ الذى له ستون وجه يتلون مع كل رئيس وكل فتوى وكل شيك . ثالثا : المنتج الذى لا يعنيه ما يقول بل ماذا يكسب , ويهذا فالعربي أصيب بحالة من الغيبوبة فأصبح لايفهم مايسمع ولا يفكر فيما يرى وأحسن ما يجذب انتباهههو أغنية اسنعراضية أو تمثيلية بدوية لاتثير لديه أى نزوع للقهم والتحضر .

على العربي
محمد المشاكس -

أن يفكر بنفسه أولا. كيف عليه أن يحسن نفسه، ثقافته، وضع جسمه لأن العقل السليم في الجسم السليم، مساهمته في مجتمعه أينما كان ومساهمته مع البشرية، وروحانيته. الفرد هو المحطة الأولى.

ثلاثة مطارق
خوليو -

مطرقة الديكتاتور المزمن ومطرقة رجل الدين ومطرقة الجهل،ثلاثة طحنوا الإنسان العربي وحولوه لمدخنة لتصريف الدخان، دخان نار المطارق الثلاثة، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه، أمم أخرى وقعت تحت تأثير هذه المطارق وخرجت منها،كيف ؟ لماذا لانشاهد عندنا بوادر خروج؟ لابد وأن لنا خاصيتنا ويجب البحث عنها في ضربات مطرقة رجل الدين، فلها مفعول غسل الدماغ عندما تطرق على رؤوس الصغار، فتحول الكبار لنافخي دخان يسرقون لحظة في الخفاء للنظر في سيقان حسناء، ويعودون سريعاً لتلقي ضربات مطرقة رجل الدين الذي يذكرهم دوماً بالعذاب والحريق العظيم، قد يكون الحل في تحجيم ضربات مطرقة رجل الدين أولاً وبقليل من الحرية ربما نلحق بتطور البشرية.

يادكتور خوليو
محمد المشاكس -

يابروفسور خوليو لاتلم إلا نفسك ولاترمي اللوم على الآخرين، ومن أخطاء الزمان هو محاكمة شخص بسبب أخطاء الآخرين. يجب محاسبة الفرد على أفعاله/أفعالها. إذا كان لدى الفرد همة وعقلانية لن يعيش تحت أية مطرقة.