أصداء

لماذا لا تستفيدون من "شفافية" إسرائيل؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

1-
وهكذا استقال أولمرت بعد الحديث عن "اتهامات" بالفساد، وقصة أولمرت تتمركز باختصار على الآتي: "أعلن تالانسكي -وهو رجل أعمال عمل في جمع أموال للعديد من المنظمات الإسرائيلية- في شهادته في مايو 2008 أنه أعطى أولمرت عندما كان رئيسا لبلدية القدس 150 ألف دولار نقدا في مظاريف". لكن القضية لم تتوقف عند هذا الحد بل أعلن أولمرت أنه سيستقيل إن وجهت إليه "التهم". وفعلاً استقال في 21-سبتمبر 2008، بعد أن فازت ليفني بانتخابات "كاديما"، كاسرةً بفوزها فحولة "موفاز" الذي أعلن أنه سيعتزل العمل السياسي بعد هذه الهزيمة النكراء التي جاءت من "امرأة". غير أن الملفت في هذا الملف هو "الطرش" العربي إزاء هذا الدرس المستفاد من هذه القضية، واكتفت قنوات "الهتّيفة" -كالعادة- بالشماتة بأولمرت، وإثبات "فساده" وكأنهم "ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين". كما أن قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله" راحت تبثّ خبر "الفساد" هذا، بنفس الطريقة التي بثّت فيها "مراجعة إسرائيل لآثار عدوان تموز" أي بمنطق التطبيل والتزمير، من دون اجتراح قراءة أخرى للحدث.

2-
في نفس هذه المرحلة، سقطت الحجارة على عشرات الفقراء في مصر وقضوا نحبهم، من دون أي "إرادة إنقاذ" حيث كانوا يجرون الاتصالات الوداعية من تحت الأنقاض، وكأننا في فيلم "رعب" محكم الإنتاج. لكن أحداً من المسؤولين لم يعترف بالتقصير، ولم يُتهم أحد-حتى ولو مجرد اتهام- بأي مسؤولية عن الحادث، وكالعادة بعد أن ننفض الثياب والدموع على القتلى نكتفي بشتم إسرائيل ولعنها، من دون أن نستفيد من الأبعاد "الإجرائية" الشفافة التي تقوم بها إسرائيل لحفظ مواطنيها، ولكشف بؤر الفساد، ولمراجعة كل مكامن التقصير على كل الأصعدة، لقد اتّكلنا على أننا "أصحاب الحق" في الأرض، ولم نعرف بعد أن الحق في القضية يتطلب الوفاء بحقوق أساسية تحيط بنا، إنها "الحقوق الأخلاقية" التي أضعناها فيما بيننا، الحقوق السياسية والمالية، "حفظ المال العام" الذي لم تصل إلى مستوى إسرائيل في حفظه أي دولة عربية. إن التطبيل الأعمى لفساد أولمرت من دون إدراك مماثل لفساد مريع يقوم به بعض المسؤولين في دولنا العربية، وتقوم عليه الحملات الانتخابية المسرحية في المجالس النيابية، لن يجدي نفعاً، ربما يشعل قرائح بعض الشعراء وخبراء الشتم لكنه لن يوصلنا إلى مستوى الشفافية المطلوب.

3-
لماذا لا نستفيد من شفافية إسرائيل؟ إزاء قضايا الفساد، وإجراءات المحاسبة، لماذا لم يسبق-على مرّ التاريخ- أن استقال زعيم عربي جراء "إمكانية" اتهامه بقضية فساد؟ إن المبلغ الذي تقاضاه أولمرت وهو 150 ألف دولار لا يساوي شيئاً مقابل الفساد المطبق الذي يرين على الساحة العربية، ويعشش في الجيوب السياسية المحكمة الإغلاق، إنها -ربما- ثمن "ساندويتش" يقرضها الزعيم مع شروق الشمس، بينما تموت الشعوب العربية من الجوع، وتخادع بشعارات مزيفة، إما دينية مضللة مدمرة إرهابية، أو قومية مريضة هزيلة مُحنّطة مخشّبة، أو تقدمية سقيمة، ارتزاقية تعيش على الدفاع عن مطالب الشعوب، إن هذا الاستثمار العربي الإعلامي الفج لقضية أولمرت ليفتح المجال على مصراعيه لنقاشٍ أعمق، وأشرس.

4-
ماذا يستفيد العربي من النفخ بفساد أولمرت الذي ذهب أصلاً إلى بيته؟ أوَليس الأجدى بقنوات "الهتّيفة" التي تعاني من أنيميا معرفية ومهنية مزمنة، أن تلفت نظر المشاهد إلى "الفرق الشاسع" بيننا وبين "الخصم" في طريقة المحاسبة والإجراء؟ ألا يعلم كل عربي أن المبلغ الذي تقاضاه أولمرت وأسقطه من منصبه الرفيع هو مبلغ "تافه" بمقاييس عصابات الفساد والنهب العربية؟ ألا يعلم كل منا أن بجواره في أماكن العمل، أو تكتلات الأحزاب، أوالمؤسسات الحكومية من يتقاضى مثل هذا المبلغ كل فترة وجيزة لقاء عقود أو صفقات، أو ترسية مشاريع؟
لكن لماذا لم نمتلك بعد نفس البُعد الإجرائي الذي قامت به إسرائيل؟ ألسنا على حق وهم على باطل؟ ألم يوجد في أدبياتنا العربية مايؤسس لنظام اقتصادي شفاف؟ لكن لماذا لم نفعّل هذه الأدبيات، لماذا لم يسبق لأي زعيم عربي أن استقال بسبب قضية فساد؟ بل حتى الوزراء تكاد تعدهم على أصابع اليد الواحدة الذين أقيلوا أو استقالوا. إنها "قضية ثقافية" أن نعيد النظر في مركزنا داخل هذا العالم مقارنين "الحمولة الذهنية الفكرية" التي تملأ جماجمنا بالوضع العالمي اليوم، إن النوم على شتم إسرائيل، والاستيقاظ على قصيدة في ذمها لا يعني أننا نعيش من دون عصابات متنفذة تنهب وتسرق.

5-
لنأخذ عدو إسرائيل الأساسي في العالم العربي وهو حزب الله هذا الحزب الإرهابي الذي احتلّ بيروت في 9 مايو وأغرقها بالدم وذبح من ذبح خاصةً من "طائفة السنة". ها هو يتبجّح بالتشفّي من "أولمرت" ولم يعلم هذا الحزب- المصنّف وفق الأنظمة الدولية بأنه من أعنف المنظمات الإرهابية-أنه قام بأعنف عملٍ إرهابي في تاريخ لبنان، ولو كانت المؤسسات اللبنانية تمتلك إجراءات محاسبة دقيقة -كالذي تمتلكه إسرائيل-لسيق رموز هذا الحزب إلى العدالة، لكنها "الثقافة السياسية المهترئة" التي مكّنت هؤلاء من الطيش اللغوي والعبث بنفوس وأوطان وأفكار الآخرين.

خلاصة فكرتي: أن الرقص على استقالة أولمرت مجرد "تهريج سياسي" المهم أن نعرف لماذا استقال أولمرت؟ وكيف؟ أن نعرف أن "جمر الديمقراطية الحارق" الذي يحاصر الساسة في المؤسسات الديمقراطية ذات الرقابة والشفافية العالية هي التي جعلت أولمرت يذهب إلى بيته. وعدم وجود زعماء عرب ذهبوا إلى بيوتهم مثل أولمرت لا يعني أننا ملائكة، وأننا أحسن من ناحية الشفافية من إسرائيل، وإنما يعني أننا نعيش "أزمة شفايفة" لم نستفد في اكتسابها ولو من الخصم التاريخي "إسرائيل" هذه كل المسألة، وإلا كيف لو حدثت حادثة "الموت الجماعي تحت الأنقاض في إسرائيل"؟ هل ستمر كما مرت علينا في العالم العربي؟ هل سبق أن ذهبتْ فضيحة مالية بزعيم عربي؟

فهد الشقيران
كاتب سعودي
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حل المجتمع والدولة
اردني بدوي -

;الشفافية; انت تطالب بترك النفاق والدجل ,وذالك يعني حل الدين والدولة والعلاقات الاجتماعية والاسرية

لا تبيضوا الاحتلال ؟
اوس العربي -

فات على الكاتب ان الكيان الصهيويني يعتمد المعايير الغربية كالديمقراطية والشفافية من اجل ان يقول انه واحة الديمقراطية في صحرائنا لاتنس ان الغرب هو الذي انشأ الكيان الصهيوني وانه هو من رسخ هذه المعايير لان تدفقاته من مليارات الدولارات والماركات يجب ان تذهب الى مستحقيها لكن بالمقابل فان هذا الغرب الحداثي الانساني الديمقراطي اللبرالي يضرب صفحا عن ممارسات الكيان الصهيوني اللاديمقراطية والا انسانية ويسكت وهو يرى القتل والذبح والتنكيل والتدمير بحق المواطنين الفلسطينين ويساهم في حصار الشعب الذي اختار ممثليه ديمقراطيا وهاهو يعاقب على اختياراته الديمقراطية ؟!!حتى ممن يتسمون بعرب اسرائيل خطأا فهو ينكل بهم ويسحقهم ويقتلهم رغم مزاعم المواطنه ؟!! ارجو ان لا تبيضوا وجه الكيان الصهيوني وتسودوا وجوهكم بالدفاع عن الاحتلال والاغتصاب .

سلام من كوردستان
بشیر صبري بوتاني -

شكرا للكاتب علی افكارە الجمیلة وقلمە الشریف من اجل الدیموقراطیة والسلام في الشرق الاوسط...

الميت أبدا لا يعود
عــمــاد قـنـواتــي -

ياسيد شقيران. أنت تطلب ما لا يطلب من أي مسؤول عربي ولا حتى من أي مواطن بسيط عادي. لأن الشفافية والصدق والصراحة والوجدانية الحقبقبة ليست من تربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا.من القرن الماضي وحتى ما قبل من زمن بعيد.. بعيد جدا هل رأيت رئيسا انتخب بشكل ديمقراطي وغادر الحكم بعد مدة قانونية بشكل قانوني ديمقراطي كما هو دارج في جميع أعراف الدول المتحضرة. ما حكم خليفة أو ملك أو رئيس سوى بالسيف أو البارودة ولم يذهب سوى بالبارودة والسيف. وأما الشفافية يا أستاذ شقير لقد دفنت من زمن بعيد في بلاد يعرب.. والأموات أبدا لا يرجعون.

الميت أبدا لا يعود
عــمــاد قـنـواتــي -

ياسيد شقيران. أنت تطلب ما لا يطلب من أي مسؤول عربي ولا حتى من أي مواطن بسيط عادي. لأن الشفافية والصدق والصراحة والوجدانية الحقبقبة ليست من تربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا.من القرن الماضي وحتى ما قبل من زمن بعيد.. بعيد جدا هل رأيت رئيسا انتخب بشكل ديمقراطي وغادر الحكم بعد مدة قانونية بشكل قانوني ديمقراطي كما هو دارج في جميع أعراف الدول المتحضرة. ما حكم خليفة أو ملك أو رئيس سوى بالسيف أو البارودة ولم يذهب سوى بالبارودة والسيف. وأما الشفافية يا أستاذ شقير لقد دفنت من زمن بعيد في بلاد يعرب.. والأموات أبدا لا يرجعون.

الى اردني بدوي
فرات -

ارفع قبعتي لك يابدوي على تعليقك الرائع واحترامي الى الكاتب الرائع على هذه المقاله الرائعه

الى اردني بدوي
فرات -

ارفع قبعتي لك يابدوي على تعليقك الرائع واحترامي الى الكاتب الرائع على هذه المقاله الرائعه

شفافية ثانية أهم
عبد الباسط البيك -

جميل و مقبول و معقول من حيث المبدأ ما كتبته يا سيد الشقيران حول موضوع الشفافية. و لكن لماذا حشرت حزب الله و ما جرى ببيروت في مقالك ..؟ عموما هذا التصرف الغريب ليس بعيد عن الكتاب المستجديين في عالم الصحافة لأن المطلوب منهم كتابة مقال بعدد أسطر محددة . و نلفت عنايتك الى شفافية أخرى برزت إلى صدر الأخبار و لكنك أخترت ذلك الحدث القادم من إسرائيل على الأخر ..لماذا لم تشير الى خبر إستقالة إمبيكي رئيس جنوب أفريقيا بسبب تدخله غير القانوني في التحقيقات العدلية التي تمس خصمه لإثبات تهمة التلاعب بالمال العام و إستغلال النفوذ التي حاول الرئيس إمبيكي فبركتها لإبعاد خصمه السياسي زومبا عن الفوز بمنصب الرئيس ..؟ و الأجدر بك أن تتناول الحدث الثاني نظرا لمكانة الرئيس إمبيكي بين أقرانه في القارة الأفريقية و دوره كمناضل سياسي لمدة خمسين عاما مرافقا القائد العظيم نلسون مانديلا لتحقيق الحرية و المساواة للأفارقة في بلد التمييز العنصري. لا أدري لماذا فضلت إختيار أولمرت و إسرائيل التي نعرف خيرها علينا و كرمها على العرب و خاصة الشعب الفلسطيني . المجتمع الإسرائيلي بلا شك أكثر شفافية من المجتمعات العربية لأن خلفيته الغربية تمنح لهم ميزة علينافي ممارسة الديمقراطية الإنتقائية .أما جنوب أفريقيا فهم الأقرب الينا في الشكل و التركيبة ..و مع ذلك فإن رفاق المناضل العريق طلبوا منه الإستقالة عندما فضح القضاء العادل تدخلات الرئيس إملبيكي غير المشروعة في توسيخ ملف خصمه تمهيدا لإدانته ..و لكن لو كتبت يا سيد الشقيران عن الرئيس إمبيكي ساعتها لن تستطيع حشر حزب الله في المقال و لن تتمكن من أن تبلغ الحد الأدنى لطوله .