أصداء

أيها القوم.. لاتكذبوا على المالكي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يعرف تاريخيا عن العراقيين أنهم يتعبون حكامهم حد الاعياء التام للحاكم، ولااعرف لماذا يصر البعض على تسجيل هذه النقطة بشكل سلبي على العراقيين، بينما هي في حقيقة الامر قمة الايجابية وذلك لان العراقيين الاكارم هم من الشعوب الحية ومثل هكذا شعوب لاتكون خاملة او مترهلة او ساكنة لظلم وجور الحكام، بل تكون اكثر تالق عندما ترفض ان يكون الحاكم بمثابة " ولي الامر " مصون وغير مسؤول. وتبقى علامة فارقة على قدر سلبيتها ان كل من حكم العراق غادر المنصب بالقتل او بالبطش. وايضا يسجل عليهم انهم في بعض تاريخهم النضالي الطويل ضد الحكام يدفعون تضحيات ليس في مكانها ولازمانها الصحيح حيث تفتقد التنظيم والادارة والتوجيه الصائب. مما يعطي للحاكم الظالم الجائر مزيد من الوقت لترتيب اوراقه وأخذ النفس وايضا ميزة التفرد بهم مجموعة بعد اخرى، هكذا كان العراق على مر عقود طويلة و حتى نيسان عام 2003.


واقول بعد عام 2003 لان أشكالية الحكم في العراق المفروض قلبت راسا على عقب وان الحاكم اصبح يستجدي رضا العراقيين عنه. لا أن يبقى العراقي يتمنى رضا الحاكم عنه بكونه الصنم الاوحد، والفضل بذلك يعود الى صندوق الانتخابات والأليات الديمقراطية والدستورية الجديدة.

كنت أنوي الكتابة عن هذا الجانب قبل هذا الوقت بكثير لكني أجلت الفكرة لاعطاء الوقت الكافي للنفس وللاخرين، لكن يبدو ان سرعة بعض " الاورام " السياسية والاجتماعية الغير طبيعية في أعادة نفسها حتى أصبحت تطل برأسها مستطلعة لردود الافعال، كانت المبرر والدافع القوي للاستعجال باثارة هذا الموضوع المهم جدا. فقبل يومين زار السيد المالكي رئيس الحكومة العراقية مقر محافظة بغداد العاصمة للاطلاع على خطط ومشاريع الاعمار في هذه المدينة المصبوغة بالدم و الخراب والألم.


وعندما وقف محافظ بغداد على المنصة شارحا للحضور وبالارقام الفلكية مشاريع لها اول وليس لها اخر، اعترف شخصيا ان خيالي الحالم اخذني بعيدا وسرح بي في اسواق واحياء و شوارع وصور ومعالم حضارية في مدينة راقية اسمها بغداد. وبطبيعة الحال لا الاحلام ولا الامنيات حرام في الدين و لاحتى في القانون، كان ذلك الا في عهد المهزلة الصنمية التي حكمت العراق، حيث تم اعدام عدة اشخاص فقط لان احدهم حلم في المنام ان النظام قد سقط وتحدث عن حلمه في المقهى فتم اعدام الحالم والمستمعين. وكنت اتمنى في حلمي الجميل هذا ان يبادر السيد المالكي ويسال المتحدثين على المنصة عن هذه الارقام الفلكية من " فلوس العراقيين " اولا اين هذه المشاريع على الارض!؟

وثانيا لماذا تذكرون ارقام مالية فقط دون عرض او شرح شكل وصورة الانجازات الحالية او حجم المشاريع المستقبلية.!؟ وقبل سماعي لاي جواب أفقت من حلمي الشرعي والقانوني على صوت محافظ بغداد وهو يصف زيارة السيد المالكي الى مقر المحافظة " بالزيارة التاريخية!! للرجل الذي يقود هذه الامة!!".

وهنا كانت الطامة الكبرى لان ثقافة التمجيد " والنفخ " العراقي الاصيل بدات وكما قلت تطل براسها من جديد بعد عام 2003، وحقيقة الامر هذه قمة الكوارث العراقية. وكنت قبل حوالي شهرين في بغداد مدعو على عشاء من قبل احد الوزراء في حكومة السيد المالكي وقد حضر هذه الدعوة احد اعضاء البرلمان العراقي اضافة الى صديق مشترك. واثناء الحديث بادرت بالسؤال الى الوزير عن رايه بهذا التمجيد الذي يقوم به البعض من وسائل الاعلام وشيوخ العشائر وغيرهم بحق رئيس الحكومة فكان جواب الرجل مقتضب ومفيد ومتطابق من حيث يدري او لايدري مع رأي الشخصي حيث قال نصا وعلى الطريقة العراقية ( السبب لان المالكي الان في الحكم وبيديه السلطة والمال. واوكد لك ان الرجل لايحب هذه المظاهر اطلاقا ). جواب واضح وصريح وشخصيا مطلع على بعض المواقف التي طلب بها السيد المالكي من قبل " الناعقين " بالهتاف الفارغ التوقف فورا بل ان الرجل وفي جلسة موسعة وبحضور اكثر من مائة شخص رفض حتى التصفيق له. وفي جلسة عشائرية موسعة نقلت على التلفاز قام احد " الطبول الفارغة " للتمجيد برئيس الوزراء العراقي فاشار الى احد مرافقيه ان يمنع مثل هكذا تصرف. وايضا يسجل للمالكي انه لم يسع ولم يطلب او يدعم ان ترفع صورته الشخصية في المدارس والجامعات او المؤوسسات الرسمية.

لكن يبدو ان العلة في ثقافة عربية من الهجو والمديح ولا اعتقد من الصواب التاثر بالتجربة العربية المريرة في هذا الجانب تاريخيا او في الحاضر. والعراق بطبيعة الحال جزء من هذه الثقافة وجزء فعال جدا، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار اكثر من ثلاث عقود " صنمية " تجعل من الحاكم حينها في كثير من المواقف المستبد الطاغية. الخطورة في الموضوع وفي العراق الجديد ان تتحول هذه الثقافة من " بعض" عامة الناس الى لسان المسؤول. وكان الاجدر بنا ان نساهم في بناء ثقافة عراقية جديدة يتغذى بها الطفل في الروضة والابتدائية والمتوسطة ويحقن بها الشاب في الاعدادية والجامعة والمصنع والحقل، ان الوزير والرئيس ورئيس الوزراء والشرطي والجندي هم جميعا " خدام " لهذا الشعب مهما تغيرت الوجوه والشخصيات والاسماء والانتماءات ومهما تغيرت عناوينهم الرسمية وان كل هولاء هم " ليس منحة السماء الى الامة والعراقيين " كما كان يقول عفلق بحق صدام. بل ان هولاء هم محظوظين ان العراقيين قد انتخبوهم وان من يعمل في العراق على وجه الخصوص وبهذه المناصب الرفيعة والمتقدمة يجب ان يسعى لرضا الناس والعراق عنه ويجب ان يعرف حجم الشرف الكبير الذي ناله فهذا العراق وليس ضيعة من ضياع ارض الله الواسعة.

وان مثلا زيارة السيد المالكي الى مقر محافظة بغداد هي تأدية لواجبه وليس زيارة تاريخية بل انه كبير موظفي العراق بعنوان " رئيس الوزراء "، والرجل ليس قائدا للامة واجزم انه لايسعى ولم يفكر او يخطر في باله هذا الموضوع، الاانه يسعى لبناء واعمار البلد وحفظ الامن حسب اجندة يراها مناسبة ويكفلها له القانون في ظل ظروف غاية في الصعوبة من تناقضات سياسية كبرى وتقاطع مصالح اكبر ووجود قوات اجنبية على الارض لها تاثير لايمكن تجاهله. واذا كان من يريد ان يساعد في بناء عراق جديد متحضر ومتطور عليه ان يساعد المالكي بالتخلص من الوزراء الغير كفوئين كما على البعض الكثير ان يساعد العراق من خلال محاربة الفساد الذي يستوطن البلد بشكل اكثر بشاعة من الارهاب نفسه. ومع ذلك سوف يحاسب المالكي وكل وزارائه وبالطرق الدستورية والقانونية بعد انتهاء ولايته الحالية او القادمة وحينها نرى ان الرجل كان على صواب او على خطأ. العراق بحاجة الى بناء ثقافة " سياسية " جديدة وبشكل مختلف تماما عما ورثناه وعن سلوك البعض في الوقت الحالي.

اما ان يكون المالكي قائد الامة او ان تكون زياراته في الداخل او الخارج تاريخية و تتطور الامور لمن ياتي بعد المالكي ليكون " أبو " العراقيين. فكل هذا الكلام وهذه الالقاب هي عبارة عن نفاق وتملق أوصل البلد الى الكارثة وسلمه الى القوات الاجنبية، لذلك يجب ان تقف فورا هذه المهازل فكلنا اهل العراق وابناؤه ولااحد يصرف من جيبه علينا ولامن أرث أهله مكارم للعراقيين بل هذه خيراتنا وثرواتنا. ولااحد فينا مستعد ان يبدل والده برئيس او مسؤول حاكم. وايضا لانقبل ولن نقبل ان تكون فوق امهاتنا الصابرات وخواتنا الكريمات لقب لكائن من يكون " سيدة العراق الاولى " فكل ام عراقية هي سيدة اولى. وغير ذلك بمثابة تهديم بمعول لكل تضحيات الشعب العراقي ومكتسباته الدستورية والديمقراطية. أعينوا الرجل بصدق المواقف والعمل للعراق والعراقيين. مع دعوة وصرخة من اعماق الافئدة يجب ان توجه الى تجار المديح الفارغ. ( كفى ايها القوم لاتكذبوا على المالكي او الذي سيأتي بعد المالكي ).


محمد الوادي
m.alwadi@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا
راهب -

مقال جميل وخصوصا اذا تطلعنا نحن العرب والخليجيين لواقعنا. فنحن نقاد كالقطيع ونحن اصحاب ثقافة تقبيل الانوف. ونحن نرفض هذه الثقافة الاستعبادية. بالفعل نتمنى للعراق ان يكون نموذج ديمقراطي يتساوى فيه جميع افراد الشعب. وشكرا

العمق الچيينى
yamolki -

البينة الثقافية لمجموعة بشرية ما لا يمكن أن تكون شيئا مصطنعا ، بل هى خير معبر عن العمق الچيينى الحقيقى لهذه المجموعة أو تلك من البشر .

منطق صحيح
عادل الربيعي -

انا اتفق معك بكل الذي ذكرته فالعراق ليس بحاجة الى قائد ضرورة وللاسف لا زال هناك اشخاص يبحثون عن القائد الاوحد وهذه ثقافة متوارثة عن الانظمة الاستبدادية--فالسيد رئيس الوزراء بالتاْكيد لا يحبذ هذه الطريقة بالتمجيد والاطراء ويريد من يعمل الى العراق والعراقيين ويحرص على انتماءه العراقي والبناء الحقيقي للعراق المهدم الذي لا يحتمل المجاملات على حساب هذا الشعب الذي ضحى بالغالي والنفيس كي يتنفس الصعداء بعد تلك العقود الظلماء ويا حبذا لو اعتبرنا من الذي عانيناه لنكن اهل الى حمل رسالة العراق الجديدة--وتحية لك اخي الكاتب

مقال رائع
عراقي حقيقي -

مقال رائع من كاتب اروع..اتفق معك واعتقد يتفق معي الكثيرون ان مظاهر التزلف والتملق للحاكم يجب ان تندثر تماما بعد ان بدأ الشعب ولو تدريجيا بطمرها..واعتقد المالكي يعلم ايضا ان من يهتف ويصفق له كان يفعل الشئ ذاته لمن سبقه

هيروخان رفضت
harwn -

حول عنوان ; سيدة العراق الأولى; ، يجب أن يعلم الكاتب أن السيدة هيروخان زوجة الرئيس طالباني رفضت هذه التسمية و لاتقبل من أي قناة إعلامي ذكرها، هذا فقط للعلم ..!

رحم الله والديك
عمار -

مقال جميل ورائع فلرجل لايحتاج الا هذا المديح وشكرا

اشكرك
محسن المالكي -

اشكرك على هذا المقال الرائع

اتفق معك كثيرا
رعد الحافظ -

معظم ما ذهبت اليه صحيح بنظري واتفق معك عليه خصوصا خطاب التمجيد والمبالغة واحيانا النفاق للحاكم الذي ينتهي بالصنمية !فقط كنت اتمنى من حضرتك وانت كاتب شجاع ياسيدي عندما قلت ان الحاكم اصبح يستجدي رضا الشعب بفضل التغير الديمقراطي ان تحدد الجهة التي جلبت هذه الديمقراطية وفرضتها على الساسة من اجل الشعب المسكين دون ان ياخذك في الحق لومة لائم ودون خشية التعليقات الكلاسيكية بشتم كل من يشكر امريكا حتى لو ذكرنا لها عملا واحدا جيدا مقابل اعمال كثيرة خاطئة !

هلا لنفسك كان ذا
هاشم -

فلم يمر أسبوع واحد إلا وطلع علينا الوادي بمقال مليئ بالمديح والتأليه لبعض الأشخاص وما هذه المقالة إلا مثال بسيط على هذا المنحى الذي يسلكه الوادي نفسه، وإلا لماذا امتداح المالكي والقول إنه لا يرغب بالمديح وقد فعل كذا وكذا لمنعه وووو؟؟؟

بوركت
الكردي -

بورك قلمك اخي الكاتب, فلقد ذكّرتنا جميعآ بما آل بالعراق الى ما هو عليه الآن, ولقد سبقتك في مسعاك هذا, وبصورة عمليه, السيده عقيلة السيد رئيس الجمهوريه, برفضها للقب سيدة العراق الاولى, فكان من الاولى ان تذكر لها ذلك.

عاش المالكي
ابو عبد الله لندن -

المالكي اشرف رئيس للعراق وانه خالد مخلد في عقول العراقين والرئاسه والسياده زادته تواضعا وايمان وتقوى وهذه هي صفات القاده والرجال انها اكتسبها من سيف الاسلام وامير المؤمنين علي ابن الي طالب كل العراق فدوه للمالكي

صدقت ايها الكاتب
احمد سالم -

كلام من ذهب لنرى الان ما عندنا : بعد الاسبوع الاول من توظيفى فى الوزارة كمهندس نادانى الوكيل المساعد و بعد السلام قال انت مرتاح فى شغلك قلت الحمد لله ثم فاجئنى بسؤال هل تعرف تكذب هنا انتابتنى الدهشه ثم قلت ولله ان قلت لا فهو مدح لى و ان قلت نعم فهى مذمة عندها قال اذن ما فيك فايدةو هو يضحك انتهى- بقيت مده افكر لما هذا السؤال حتى اتضح لى بعد مده انه اكبر كذاب فى الوزارة و مثله كثر , مشاريع بمأت الملايين تنفد و تحت رعاية هذا الوكيل المساعد هذه عينه و المخفى اعظم - هنا عندنا زيادة الرواتب تعتبر مكرمة الحاكم و اى خدمة للبلد من سكن الى شوارع الى الخ كله مكرمة الحاكم فقد ورثوا الارض بمن عليها - اتذكر قول خاتمى قال الشعب ولى امر الحكومة و ليس العكس و المثل يقول قبلنا بالبين و البين ما قبل .