كتَّاب إيلاف

رائحة الدكتاتورية في العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إذا محينا التعددية السياسية من خارطة العراق الجديد، فماذا يبقى غير الدكتاتورية التي طالما عانينا من وطأتها في ظل النظام السابق؟!. فلو أجرينا مقارنة بسيطة بين أحوال العراق اليوم وماكان عليه في عهد صدام حسين، سنجد أن وضع الإنسان العراقي في ذلك العهد كان أفضل ألف مرة لولا دكتاتورية صدام وقمعه الدموي الذي طاول جميع مكونات العراق الدينية والمذهبية والعرقية.


فمشكلة صدام حسين كانت تكمن فقط في التعددية السياسية، وهي وحدها كانت تقضي مضاجعه فيمسك عنها بكل ما أوتي من عزم وقوة لأنها كانت تهدد عرشه، وإلا ففي المقارنة، فأن الأحوال المعيشية والإقتصادية والخدمية والصحية للمواطن العراقي كانت أفضل بكثير مما هو عليه الآن، حيث تعاني الغالبية العظمى من العراقيين اليوم من فقر وجوع وأمراض إنقرض الكثير منها منذ منتصف القرن الماضي، أضف اليها عدد الضحايا الأبرياء من العراقيين الذين تصطبغ شوارع العراق بدمائهم القانية كل يوم، بسبب إستباحة البلد من قبل مخابرات دول الإقليم!


فمن من هذه الدول أوغيرها من التي تبعد آلاف الكيلومترات عن العراق كانت تجرؤ على نشر مخابراتها في العراق وتحكمه من وراء الكواليس أو من داخل سفاراتها كما هو اليوم، ولا أقول من وراء ظهر الحكومة التي إنتخبها الشعب.

إذن، فإن ما جنيناه لحد الآن من التغيير الذي تزمر الحكومة العراقية الرشيدة وتطبل له بإستمرار، لا تتعدى سوى تلك التعددية السياسية التي يضمنها دستور لا يحترمه اليوم معظم القوى السياسية العراقية العاملة على الساحة، وإلا فما هذه الخلافات التي تعصف بهذه القوى والدستور موجود وهو الفيصل في حل جميع مشاكل البلاد بالتوافق السياسي، ونبذ العنف والسعي لإحتكار السلطة من قبل أي فئة سياسية او طائفية، فهل هناك أجمل من دستور العراق في كل منطقة الشرق الأوسط؟؟!!.

لم يكد شبح الصراع القومي الذي خيم على أجواء العراق في الفترة الأخيرة نتيجة ما يسميه الأكراد بـ "مؤامرة " 22 تموز ينحسر، حتى أطلت ( مؤامرة) أخرى برأسها هذه المرة لتطال شريحة مغيبة أصلا عن الواقع السياسي في العراق الجديد، وهي الأقليات الدينية.

أنا لست من أنصار نظرية المؤامرة التي أراها تهمة جاهزة تتبادلها الأطراف السياسية عند وجود كل صراع أوخلاف سياسي فيما بينها، لذلك لم أكن مقتنعا منذ البداية بتصريحات بعض القادة الكرد أثناء أزمة قانون الإنتخابات وتمرير المادة 24 بوصفهم لما جرى بأنه مؤامرة ضد الشعب الكردي، ولكني اليوم أكاد أوافقهم الطرح والرأي بأن ما حدث داخل مجلس النواب في 22 تموز، وما تلاه قبل أيام بالتصديق على القانون وهضم حقوق الإقليات الدينية، أنها فعلا مؤامرة محبوكة من وراء الكواليس، وأتخيل تبعا للوقائع الماثلة أمام عيني بأن تكون هناك فعلا صفقة سياسية، أو لأقولها بصراحة شديدة، حلف جديد " غير مقدس" أو زواج مصلحة بين قوى سنية وشيعية للإنفراد بأكبر قدر من السلطة في العراق، على حساب تهميش دور الإقليات القومية والدينية، خصوصا مع عودة جبهة التوافق الى الحكومة بفعل " تأثيرات خارجية". فقد تكون هذه التأثيرات هي التي حققت ذلك الزواج المصلحي والحلف غير المقدس بين الطائفتين، وإلا فإن ما حدث يعتبر كارثة حقيقية تتعدى برأيي تغييب أقلية دينية أو قومية عن المشهد السياسي في دولة تدعي أنها تسير نحو التغيير ويحكمها دستور دائم صوت له العراقيون بغالبيتهم العظمى.

يشكل الأكراد دعامة أساسية في بناء العراق الجديد، والكل في هذا العراق يعرف جيدا أنه لولا دعم الأكراد للحكومة الحالية لما إستطاعت أن تصمد أمام التحديات الأمنية والسياسية التي واجهتها سواء من قبل قوى داخلية أو دول إقليمية، كما أن العملية السياسية في العراق الجديد لم تكن لتكتمل لولا إنخراط القيادات الكردية فيها ورغبتهم في إرساء دعائم دولة جديدة قائمة على أساس الديمقراطية والنظام الفدرالي، فلا يستطيع أي منصف أن ينكر الدور الكردي في تجميل صورة السلطات الإستبدادية التي توالت على العراق منذ تشكيل الدولة العراقية.

لقد وقف الاكراد بكل قوتهم وامكانياتهم وراء الحكومة المركزية في بغداد، فمجرد مشاركتهم في العملية السياسية زينت الحياة الديمقراطية الجديدة في البلاد،وأخرجت العراق من تبعية العرف البغيض القائم على إنفراد طائفة أو قومية واحدة وإستئثارها بالسلطة وإدارة شؤون البلاد، كما أنهم أرسلوا الكثير من قوات البيشمركة الى بغداد وبقية المناطق العراقية المتأزمة من الناحية الأمنية، وشاركوا الحكومة في تحمل جزء كبير من مسؤولياتها الأمنية، بالتوازي مع الجهد الدبلوماسي المكثف لرجال الدولة الأكراد مثل الدكتور برهم صالح وهوشيار زيباري لإستعادة مكانة العراق في الأسرة الدولية.


قد تكون رغبة القيادة الكردية في تلك المشاركة السياسية ناجمة عن سعيها لصياغة عقد سياسي جديد يتيح للشعب الكردي أن يعيش بأمان في بلده،بعيدا عن الحروب العنصرية التي فرضت عليه وطحنت رؤوس مئات الألوف من أبنائه، ففي خارج إطار هذه الصورة لم يكن الأكراد بحاجة الى العراق كثيرا، لأن إقليمهم كان يسير بخطى حثيثة نحو إرساء أسس الديمقراطية والإستقرار الأمني حتى مع وجود نظام دكتاتوري قمعي مثل نظام صدام حسين الذي لم يتوانى عن إرتكاب أبشع الجرائم الإنسانية ضدهم، بل على العكس فأنا أرى اليوم بأن ذهاب القيادات الكردية الى بغداد قد أنزل كارثة كبيرة على الإقليم لم تكن قد واجهتها من قبل،وهي كارثة الفساد البغيض الذي بات يلوث التضحيات الغالية للشعب الكردي، فهذه الظاهرة لم تكن مألوفة الى هذا الحد في كردستان قبل إنهمار كل هذه ألأموال الوفيرة على رأس حكومتها سنويا.

ورغم عدم حاجتهم الى العراق، فقد ذهب الكثيرون منهم الى بغداد ليساهموا في بناء أسس دولة حديثة تقوم على التعددية السياسية والديمقراطية وحكم الدستور، فلماذا إذن تحاول الحكومة العراقية إيذاء الشعب الكردي بهضم حقوقه التي ناضل من أجلها سنينا وعقودا، فهل جزاء الإحسان يقابله العقاب أم أن جزاء الإحسان بالإحسان؟؟!!.

فما حدث في خانقين وجلولاء،كانت فلتة وقانا الله شرها بعد كانت الأصابع على الزناد، فلم يبق غير قدح كبريت لتندلع الشرارة وينتشر اللهيب في أرجاء العراق ليمحو البلد من عن الخارطة ويعود الى زمن الفوضى والإنهيار مجددا.
وأعتقد أن ما حصل في خانقين بالأمس، سيحصل غدا في كركوك، وبعد غد في الموصل وغيرها، إذا لم تصف القلوب وتخلص النيات ويحتكم الجميع الى الدستور.

معارك سياسية شرسة تنتظر القوى العراقية في قادم أيامها لا ندري الى أين ستسير بنا وبالبلد، فنحن بإنتظار معارك التعديلات الدستورية وقانون النفط والغاز والمادة 140 ومشكلة كركوك، وقانون الأقاليم وترسيخ الفدرالية، أضف إلى كل ذلك معركة الميزانية التي أعتقد أن القيادة الكردية ستخوضها بمفهوم ( يا قاتل يا مقتول )، لأن هذه القيادة حتى لو إضطرت الى التنازل عن كركوك لتكون إقليما تابعا للدولة، فإنها لن ترضخ لأي تنازل عن حصتها في الميزانية السنوية. فلنتصور حجم التحديات القادمة التي تهدد العملية السياسية برمتها في ظل رغبة البعض بفرض أنفسهم على الآخرين..

إن ما حدث في 22 تموز وما جرى داخل مجلس النواب العراقي بهضم حقوق الإقليات الدينية، يشي بقدوم أيام صعبة على العراق، فالحدثين يشم منهما رائحة دكتاتورية جديدة في العراق حسب إعتقادي، وكم سأكون سعيدا لو أخطأت في حدسي لأن العراق جميل بتعدد قومياته وطوائفه وأديانه، والباقة الملونة أجمل من الوردة الواحدة، وهي أزكى رائحة من رائحة الدكتاتورية التي خنقت العراقيين لعقود طويلة من الزمن..

شيرزاد شيخاني

Sherzadshekhan@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نحن في داخلنا ....
روز - اربيل -

كاك شيرزاد المحنرم نحن نصنع ونخلق الدكناتورية ...!!! مادا قدمنا لشعبنا الكردي لحد هذا اليوم ؟؟؟ انظر الى الحزبين وهما يتناحرون فيما بينهم لاجل السلطة وخاصة الديمقراطي الكوردستاني ... وتهميش الاقليات الاخرى وصنع الاحزاب الكارتونية لهم ...وووو اذا كيف الوصول الى الديمقراطية ونحن في داخلنا البذرة الكتاتورية؟؟؟؟

كما يميل خيالک
yamolki -

سيدي كى يكون النظام حداثيا حقا فی الشرق الاوسط ويحكم شعوبا بتخلف شعوبها، لا يمكن بالطبع أن يكون ديموقراطيا كما يميل خيالک عادة، بل يجب أن يكون كما علمنا التاريخ ديكتاتورية يمينية حداثية ماضية العزم.

نحن لسنا ضد
resha koye -

نحن لسنا ضد الديكتاتورية . نحن ضد الديموقراطية . لكننا نفرق بزاوية 180 درجة ما بين ديكتاتورية يسارية او قومية او اسلامية تضع شعوبها فى مصاف قطاع الطرق من العالم المتقدم وديكتاتورية يمينية تحاول وضع شعوبها فى مصاف العالم المتقدم !

احذر يامالكي.....
كردي مستقل -

ان ما يقوم به المالكي هو خطا كبير فهو يسعى الى المصالحة مع السنة(البعثيين)ولكن عبى حساب الاكراد...فالسنة يدفعون المالكي لكي يضيق على الاكراد بتقليل سلطاتهم..والسنة يهدفون الى قتل عصفورين بحجر واحد..

الشعب
الکوردستانية -

الشعب العراقي بارع في صنع الدکتاتوريين والتأريخ يؤکد ذلك.

الى روز اربيل 1
سوران -

صحيح يا اخى الاحزاب الكوردية ليسوا بالمستوى المطلوب وهذه مسائل نسبية وشخصية وتختلف بين شخص الى اخر وتعود الى التربية والبيئة والمحيط, لحد الان اذا تقارن بين الوضع فى اقليم كوردستان وبين تركيا وايران وسوريا وكثير من البلدان المنطقة فأن الوضع فى اقليم كوردستان احسن بكثير وهذه الحالة غير محبذة لهم ويحاولون بشتى الطرق تغيرها نحوا السئ والاسوأ. يجوز ان يكون هناك حالات اختراق وفساد ادارى فى الاقلينم والتى مقارنة اقل بكثير من المناطق الاخرى فى العراق ولكنهم ليسوا غدارين ولا دكتاتورية ولا متسلطين ولا قتلة, ولكننا نواجه العاصفة المبرمجة والمنظمة من قبل دول الجوار والمنفذين من الداخل وبطرق واساليب مختلفة, فى البداية كانوا يحاولون قتلنا وذبحنا بأسم القاعدة والبعثيين القدامى وقتلوا الالاف من الابرياء فقط على هويتهم, وشعروا بأن هذه الطريقة لا تفيد ولن يندلع الحرب الاهلية, الان هناك محاولات اخرى ضدنا بأسم الوطنية والكورد الغير منتمى الى العراق وان الكورد يضرون وينهبون موارد البلد وعلى اساس نحن لسنا عراقيين ويتكلمون عن 17% من الحصة السنوية الى اقليم كوردستان ولا يتكلمون عن 83% واللذى لا يعلم احد ماذا يفعلون بها.

الحابل و النابل
عمر الكوردى -

يا سيد شيرزاد لقد احرق رفاقك القدامى الاخضر مع اليابس كما نقول في العراق. سياساتهم الاستفزازية، سرقاتهم و نهبهم لثروات العراق و قوت الشعب الكوردى، فسادهم السياسي و الاخلاقي جعلت منا نحن الشعب الكوردى اعداء للكل. اصبحت حقوقنا تطاولا على العراق و سرقة لاراضيه لان الساسة و بقية مكونات الشعب العراقي تنضر الينا من منضور تصرفاتهم الهوجاء. اصبحنا لا نقدر على المطالبة باراضينا المسلوبة و حقوقنا المهضومة بسبب تشويه سمعتنا من قبل (قادتنا). الرجاء عدم مهاجمة الحكومة العراقية و جعلها شماعة لغسيلكم القذر.

صدام ولا
سليم -

العراق يسير على نفس الخطط الموضوعة للبنان ولكنها في بدايتها لابد من وضع جدار فولاذي امام هذه الهجمة والرياح الصفراء الاتية من الخارج وانا احذر من ان تشيع العراق بأسم الوطنية والله من وراء القصد

المجد للعراق
عثمان عبد الرحمن -

ياسيد شيرزاد تذكر انكم اول من صنع الدكتاتور مسعود وعائلته وعشيرته ..فأصلحوا اوضاعكم اولا ..وقد اصبحت قصة مضحكة ان كل حاكم للعراق او رئيس للوزراء لايوقع لكم على بياض ولايستجيب لأطماعكم غير المشروعة تتهمونه فورا بالدكتاتورية والصدامية ..هذه كليشيه معروفة ثم تبدأون بتشويه سمعته وشن الحملات عليه كما تفعلون اليوم بشكل مخجل ضد المالكي لأنه واجهكم بحقيقة خروقاتكم وايذائكم للعراقيين ونهب ثروات واراضي العراقيين ..الشعب العراقي واعي تماما لمؤامرات الأكراد ياشيخاني فلا تحاول خلط الأوراق وايهام القارئ .اللهم اجعل كيد اعداء العراق في نحورهم ..اللهم اخز كل من يكره العراق والعرب.

غريب حقا
لوران سليم -

بعض الأخوة العرب يطنبون في وصف الفساد في العراق الجديد كظاهرة كردية صرفة وكأن الساسة العرب منه براء. هذا كلام أقل ما يقال عنه أنه غير دقيق.الساسة الكرد في بغداد أثبتوا وبعد أربعة أعوام أنهم نظيفوا اليد بدليل أن الملاحقات القضائية لرموز الفساد في عراق مابعد 2003 لا تتضمن إسمآ كرديآ واحدآ. أما فيما يخص الفساد في كردستان فهو قضية داخلية تخص شعب الأقليم الذي سيجد لها حلا ربما من خلال صناديق الإقتراع. نشكركم أيها الأخوة على نصائحكم المجانية التي أرى أن توفروها لأنفسكم فأنتم أولى بها.

قل الحق
فرات -

اراك تتملص من مشاركه الاكراد في المؤامره كما اسميتها ضد الاقليات ليس الشيعه والسنه وانما الاكراد كان لهم الدور الفاعل بانتهاك وسرقه حقوق الاقليات في المشاركه في الوطن

....
كوفند -

ويل لامة ان لم تقل للمحسن احسنت وللمسيء اسأت حديث نبوي....يا كاك شيرزاد قبل كل شيء يجب علينا ان نعالج مشاكلنا الداخلية ............ !!!! اذا كيف نبني الديمقراطية ياكاك شيرزاد؟؟؟