أصداء

زيارة جديدة لمَرارة نكبة العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحلقة الثانية

كارثة " المُهجّرون "
أن وضع بعض القوى العراقية تحت المجهر الوطني يدلّل على حقيقة عفونتها ويعري قادتها والخط المظلم الذي تشبعت به نفوسهم المريضة. وقد شاركت عدة مؤسسات ومنظمات أنسانية في تنبيه ضمير العالم لما يجري في العراق تحت أسماء ومسميات غريبة، وقامت وكالة شؤون اللاجئين الدولية بتنبيه حكومات شتى لأتخاذ تدابير تمنع تدفق اللاجئين من العراق الى دول مجاورة. فمن جملة المأسي العراقية التي أطلعتُ عليه مؤخراً هي الدراسة التي أعدها مايكل شوارتز التي تهز ضمير أي أنسان. The Iraqi Brain Drain
فما بين آذار 2003 ولحد اليوم تَشردَ مابين 4 الى 5 ملايين عراقي، وهو رقم يفوق مخيلة المُعد لهذه الدراسة. فأذا أتخذتَ الرقم الأدنى فأن شخص واحد من كل ستة أشخاص مُشرد أو لاجئ في أحدى الدول أو في الداخل العراق.


وتدعم وكالة أغاثة اللاجئين هذه الأرقام وتبين في هذا الصدد بأن مايقارب 2.4 مليون من المشردين يعيشون في الخفاء داخل حدود العراق في أماكن آمنة، كما أن هناك 1.2 عراقي مُشرد في سوريا ومليون آخر في الأردن وأيران ومصر. والدراسة تشير الى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لن يكون في مقدورها أعاشة هذه الأعداد الضخمة بالأموال التي تسلمتها في عام 2007 وتبلغ 152 مليون دولار والتي يصل معدل تقسيمها الى 30 دولاراً للشخص. وقد طلبت على ضوء هذه المأساة البشرية تخصيص مبلغ 261 مليون لعام 2008. أقرأ*
The First History of the Planet's Worst Refugee Crisis
By Michael Schwartz

وبمتابعة الأرقام والأحصائيات يستطيع المرء أن يتوصل الى أن هذه النكبة هي أسوأ من النكبة التي حلت بالأرمن عام 1915 و 1923 وراح ضحيتها أكثر من مليون شخص و نكبة فلسطين عام 1948، بل أنها بالمقارنة تُعتبر وبدون مبالغة، من أكبر النكبات التي مرت بالتاريخ البشري.


وللأستدراج في الموضوع لابد لي أن أرجع الى تاريخنا وتراثنا وقيمنا وخصالنا االعربية والأسلامية والظروف الأستثنائية المستمرة والمحيطة بالواقع العراقي المُسيّر للعقلية العراقية.
وأود أن أشير الى مانشرته أيلاف في عددها الصادر يوم 21 rlm;شباطrlm;rlm; rlm;08rlm; تحت عنوان (كارثة سرطانية أخرى تطفو في المستنقع العراقي.. وما أكثر المتفرجين) للسيد كاظم المقدادي،أنقل عنه نصاً مايلي " حي الأنصار في مدينة النجف العراقية حي فقير، ويفتقر الى الخدمات العامة، وخاصة الصحية، شأنه شأن اَلاف الأحياء في أرجاء العراق، لكنه يتميز بإكتظاظ منازله بسكانها، حيث تشير إحدى الإحصائيات الى ان عدد الذين يقطنون في المنزل الواحد يصل الى 30 نفراً. ليس هذا فحسب، وإنما إبتلى هذا الحي الشعبي الفقير بكارثة صحية وبيئية.فقد أُعلن رسمياً عن إصابة 37 مواطناً من مواطني الحي بأمراض سرطانية، ومات اَخرون بالسرطان في منطقة تضم 170 منزلاً.. بينما تشير تقارير طبية الى ان عدد المصابين والمتوفين بالسرطان في الحي أكبر بكثير".
وآلان أنتشار حالات الكوليرا التي لم تعد منتشرة حتى في أفقر بقاع آسيا وأفريقيا.


والحقيقة أن ماأثارني وأحزن الملايين من العراقيين في نفس الوقت هو الأجتماع الذي تخصّصه الحركة الصدرية لأجتماعات، تصدر على ضوئها تهديدات وتوعدات ثأرية تدّل على عدم تأثرها لما يجري في وسط المدينة المقدسة من أمراض وأوساخ للأحياء الفقيرة الصامته، ولم تهتز المشاعرللنكبة المخيفة التي أصابت المُهجّرين والمُشرّدين قسرأ الى خارج العراق، وأتخذت في أولوياتها تهديد مؤسسات الدولة وأشغالها في أمور أمنية عن طريق الوعيد بتحريك الرعية ضد الحكومة.


فالأجتماع لدراسة موضوع "تمديد التجميد لجيش المهدي بالهدنة مع الحكومة لستة أشهر أخرى " تنتهي في 16 آب 08، ومتابعة ماصدَر عن الصدر في دعائه الأخير "اللهم لا تجعلني للمسلمين من المؤذيين ولا للفتنة من الفاعلين اللهم اجعلني لدول الجوار من الحافظين ولحوار الاديان من الداعين (...) واكون بعد ذلك من جيش امامكم من الملتحقين ودولته من المؤسسين".


"لا استطيع تحمل معاصي العاصين ولا جرم المجرمين ولا تقصير المقصرين واني ما اسست هذا الجيش العقائدي الا كما يحب اهل البيت" يثير تساءلات عن المغزى الحقيقي وراء الأعمال الشنيعة التي أرتكبها بعض أعضاء جيش المهدي وتصرفاتهم للادينية. أن الحقيقة مُرّة لحمَلة الشعارات الدينية عندما يدركون أن هناك حقيقة مؤلمة قد تكون مناقضة تماماً للحقيقة التي تدور في مخيلتهم. فالدعاء للتبرأ من أعمال شنيعة لايعني براءة الأنسان عن أفعال محرضهم لأرتكابها، كما أن حصر أمور الدين والدنيا بحركة عقائدية قد تُربك المجتع وتتأكل قيَّمه ومبادراته.


ومع أن البادرة قد تبدو صادقة أِلا أن ماحصل خلال السنوات الأربعة الأخيرة من فتنة وجرائم وسرقة لن تُبرأ الكثير من المجرمين والمُقصرين والقتلة الذين أدانهم في كلمته ضمناً. وماأنزله القرآن الكريم على المسلمين في الأية القرأنية في العقوبة بعد الجرم واضحة الدلالة:
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَات لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد (صدق الله الكريم)
أن الحركات الدينية الحديثة كالحركة الصدرية ومن قبلها حركة الأخوان المسلمين في مصر وسوريا رغم وطنية بعض قادتها وأعتمادها على نصوص آيات قرآنية للوعد والوعيد لن تثبطَ من هم الحكومات للبطش بأعضائها وزج قادتهم في السجون عندما تطلبتْ مصلحة الوطن ذلك. وبشكل عام، كان ينظر الى هذه الحركات على كونها حركات تفتقر الى الحكمة السياسية ومنطق العصر لتقدم البلاد والرعية والنظر لما هو في مصلحة البلاد وتقدمها الأقتصادي والعلمي. وقد أستخدمتْ هذه الحركات مبدأ الوعد والوعيد الذي جاء في الكتب السماوية وفق مايحقق مصالحها الأنانية لتثبيت سلطتها الدنيوية وقيادة الجماهير الفقيرة بأستحلال سذاجتها لأستمرارها في الوجود.

أن صنع أي نصر وطني سيُسجّل بفخر للمنظمات الدينية (دون أستثناء) لو أن دعوتها للجهاد هي:
1. عدم أدخال البلاد في صراع داخلي أو فتنة تدخل في مصلحة العدو.
2. أنصياعها وعناصرها الى سلطة القانون وتسليم المجرمين والأخبار عنهم، وتحويل عمل أفرادها الى ماهو في مصلحة العامة، وتحمّل كل المسؤوليات القانونية لسلوكية العناصر المُسيئة.
3. أعلانها الجهاد الأسلامي الأنساني لأرجاع المشّردين والمُهجّرين الى بيوتهم وممتلكاتهم في العراق وتعويض الخسائر التي أصابتهم بالتنسيق مع أجهزة الدولة. والطلب الى ممثليهم في المجلس النيابي لصياغة مشروع قانون يُعجّل بتنظيم رجوع مشردي النكبة من العراقيين، حيث يكتب الكثير من الخيّرين( نيابة عنهم). وتخصيص الوسائط البرية والجوية لنقلهم مجاناً من سوريا والأردن الى مُدنهم وقراهم بالسرعة المُستطاعة.
4. المشاركة بدعوة من قياداتها في أعمال خيرية أنسانية والعمل على أستعادة هيكل النظام الأجتماعي والعائلي وأستحداث وظائف تدريبية للشباب العراق للخدمة في حقول الرعاية الصحية ودور العناية بالمرضى والمعوقين وأعمال الهلال الأحمر العراقية.
وقد يكون في نظر العديد من العراقيين أن تُظهر الجماعات والحركات والأحزاب الدينية على أختلاف مذاهبها الولاء التام الفعلي بالعمل الحقيقي للعراق وتربته وتتمسك بالمواطنة الحقيقية دون مُزايدات.


أن الدعوة للتخفيف من النكبة التي ضربتنا كعراقيين في الصميم هي ليست دعوة نرجسية أو مثالية موجهة لغرض مادي أو تحريضي لتعميم الكراهية عن طريق وضع اللوم على جهة دون أخرى، فالظاهرة الغريبة التي كتب الكثير عنها هي ظاهرة حقيقية تأصلت في بعض النفوس المريضة بسلوكية مُردديها وتحريضهم للشباب على اللجوء للعنف الديني (البقاء بحد السيف والموت بحد السيف) التي أنفجرت بعد سقوط النظام، و لها أسبابها النفسية والأجتماعية التي ترجع الى عهود القهر والظلم والسحق الفكري وغياب الحرية والعدالة الأجتماعية وأستمرت لأكثر من خمسة عقود.

الحلقة الأولى

ضياء الحكيم
Dhiahakim7@cox.net

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف