عراق الأكثريات الديكتاتورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في الوقت الذي وصف فيه البعض من فوق الأكثريات العراقية قانون الإنتخابات المحلية في العراق ب"القانون العظيم للعراق وللديمقراطية فيه"، و"القانون الممثل لتوجهات الشعب الحقيقية، حسب تصريحات رئيس البرلمان محمود المشهداني التي أدلاها ل"نيوزماتيك"، وصفه آخرون ب"ضربة لحقوق الأقليات"، و"ابتلاع الأكثرية لحقوق الأقلية"، "وتراجع للديمقراطية" في العراق.
ممثل الأمين العام للأمم المتحدة استيفان ديمستورا، رغم تفاؤله النسبي بهذا القانون، إلا أنه عبّر عن بعض قلقه وتحفظه، حين وصف "تهميش الأقليات" وغياب حقوقها فيه، ب"الغمامة الكبرى في القانون".
"القانون الغمامة" هذا، الذي أثبت أن ليس للأقليات محلٌ من الإعراب في جمل العراق السياسية الراهنة، ابتداءً من جمل برلمانه، أثار العديد من ردود الفعل على مستوى ضعفاء العراق ومستضعفيها.
النائب المسيحي عن كتلة الرافدين يونادم كنا اعتبر في حديثٍ أدلاه لـ"نيوزماتيك" أن "حذف حصة الأقليات في قانون انتخابات مجالس المحافظات، كان مؤشراً خطيراً على التعصب الديني والقومي وإقصاء للمكونات الصغيرة. (...)وهو دليل على تراجع الديمقراطية ومفهوم التآخي في العراق وفرض إرادات الأحزاب السياسية على المكونات الصغيرة من اجل تحقيق مصالح خاصة"، على حد تعبيره.
والغريب في هذا "التصويت الأخير"، هو أنّ الأكثريات البرلمانية قدا توافقت فيما بينها و"صوتت" ب"غالبية ساحقة"، أو ربما ب"شبه إجماعٍ" على إلغاء الفقرة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات والمتعلق بالأقليات، وهو الأمر الذي يعني توافق الأكثريات العراقية هذه، وشبه إجماعها على إلغاء حقوق الأقليات في انتخاب ممثليها الشرعيين، إلا عبر "شرعية" الأقوياء الكبار، و"شرعية" أحزابها.
رئيس لجنة الأقاليم في مجلس النواب العراقي، النائب عن جبهة التوافق هاشم الطائي، قال في تصريحٍ له ل"نيوزماتيك" أن "مجلس النواب العراقي حذف بأغلبية أصواته المادة التي تنص على وجود حصة مقررة للأقليات في مقاعد مجالس المحافظات. (...) لأن بعض الأقليات ليست ضمن مستوى الأقليات وأعدادها تتراوح بين 400 ألف و600 ألف نسمة، لذا لا يمكن حسبانها على الأقليات التي لا تتمكن من حشد الأصوات اللازمة للحصول على مقاعد لها، كالصابئة. (...) فلا توجد قاعدة بيانات يعتمد عليها ولا سجل ناخبين خاص بالأقليات في العراق وسيكون من العسير على المفوضية القيام بدورها، لاسيما أن الكثير من أبناء الأقليات ينتمون الى أحزاب وحركات سياسية أخرى، وبالنتيجة فإنهم سيحصلون على حقين في التمثيل" حسب قوله.
إذن، القرار واضح وصريح، في إجماعه على تهميش وتغييب حقوق الأقليات واختزالها في الحقوق "الكبيرة جداً" للأكثريات، وبالتالي إبعادها وإقصاءها من حق التمثيل والإنتخاب إلا عبر فلتر حقوق الأحزاب والكيانات السياسية الكبيرة المقتسمة لكل العراق، من الألف الياء، كما يشير ثالوث الحكم(الشيعي+الكردي+السني) في كل العراق، من العراق إلى العراق.
القائم على فوق ما تسمى ب"لجنة الأقاليم"، هاشم الطائي، يستخف بتعداد أقليات عراقه، والتي يقول أن أعدادها تتراوح بين 400 ألف و600 ألف، وكأنها أعداد لا تستحق حق التمثيل والإنتخاب الشرعيين، لأنها "دون" النصاب.
الطائي يتناسى تعداد الأقليات العراقية، التي كانت تشكل في عراق ما قبل القتل والتشريد والتهجير حوالي 12% من مجموع السكان، ويستخف ب"قدرتها" الإنتخابية، فيما التعداد السكاني لبعضها يفوق تعداد بعض الشعوب المستقلة بدولها، بإرادة مستقلة، في برلمان مستقل، وحكومة مستقلة، إن في الشرق أو في الغرب.
فتعداد الإيزيديين كأقلية دينية(هي الديانة الثالثة بعد الإسلام والمسيحية في العراق)، على سبيل المثال لا الحصر، حسب بعض الإحصائيات، يصل إلى حوالي 600 ألف نسمة. هؤلاء يشكلون ما يقارب 20% من نسبة سكان محافظة نينوى، وفي سنجار تفوق نسبتهم 85% من مجموع السكان، وهو تعداد يفوق تعداد سكان دولة مثل لوكسمبورغ العضو في الإتحاد الأوروبي، البالغ حوالي 455 ألف نسمة، حسب إحصائيات 2004، علماً أنّ 40% من السكان هم من الأجانب.
الإيزيديون(كأقلية تستخف الأكثريات بوزنها الإنتخابي)، حسب تصريحات رسمية، صوتوا للدستور العراقي الدائم، ب"نعم دائمة"، والذي من المفترض أن يحمي وجودهم في الحقوق، وحقوقهم في الوجود والإنوجاد، بحوالي 153 ألف صوت في محافظة نينوى، وفيما لو لم يصوّت الإيزيديون انتخابئذٍ، بتلك ال"نعم الدائمة" للدستور، لسقط هذا الأخير بالثلثين في محافظة نينوى، ولرجع العراق إلى نقطة الصفر في العملية السياسية، حسب "أصول" الإستفتاء التي كان متفقاً عليه، تاريخئذٍ، كي يسير العراق من خلاله، إلى "دائميته الدستورية".
وفي الإنتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 15.12.2005 حصدت قائمة التحالف الكردستاني من الإيزيديين، حوالي 110 ألأف صوت، ومع هذا تمّ تغييب الإيزيديين من كلّ البرلمان، في حينه، وخرجوا من مولد عراق بغداد بلا حمص، ولا هم يحزنون.
بحسب وزنهم الإنتخابي، كان من المفترض أن يحصلوا على 3 مقاعد على الأقل، ولكن القائمة الكردستانية التي كان من المفترض بها أن تعيد إليهم أصواتهم بالمقاعد الموعودة بها، اختزلت كل صوتهم في صوتها، ومقاعدهم المفترضة الموعودة في مقاعدها الأربع والخمسين. تحت يافطة ذات الذريعة الأبدية، بإعتبار أن الأيزيديين "أكراد أقحاح"، ولهم ما لأكرادهم وعليهم ماعليهم!
الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الحزبان الكرديان الحاكمان(في عراق هولير مثالاً)، هي التي دفعت أقلياتها الكردية، كالفيليين(أكبر مكون كردي في العراق، إذ يفوق تعدادهم المليون نسمة) والإيزيديين والهوراميين والشبك، إلى الخروج عن "السرب الكردي" والغناء في حالاتٍ كثيرة، خارج أحزابها التي ناضلت لعقودٍ مضت، أيام كردستان الجبل الصعب، في صفوفها، وبالتالي التفكير بتأسيس أحزاب "أقلياتية طائفية"، لأجل المطالبة بحقوقهم "الخاصة"، كمجموعات إثنية "خارج كردية" حيناً، أو "داخل كردية" أحياناً أخرى. فظهرت أحزاب فيلية، كالحزب الفيلي الكردي، وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي الفيلي وأحزاب فيلية أخرى وحدت كلمتها تحت ما يسمى ب"التحالف الكردي الفيلي"، وأخرى إيزيدية، كالحركة الإيزيدية لأجل الإصلاح والتقدم، وتيارات سياسية إيزيدية أخرى طفت على السطح مؤخراً، وثالثة هورامية، كالحزب الهورامي القومي، الذي تأسس مؤخراً، ورفع شعار "الهوية الهورامية" بإعتبارها هويةً مستقلة عن الهوية الكردية.
الأحزاب الكردية الحاكمة في عراق هولير، خلقت بسبب أخطائها المرتكبة بحق أقلياتها، جداراً نفسياً، بينها وبين أكرادها من الأقليات المشار إليها أعلاه. وهو الأمر الذي أدى إلى خلق هوة، أو ما يمكن تسميتها بعقدة "اللاثقة" بين الطرفين.
هذا في عراق هولير "العلمانية المفترضة"، فكيف سيكون الأمر عليه في عراق بغداد، الذي لا يزال محكوماً بالطائفة ومحتكماً إلى ملوك وأمراء الطوائف أولاً وآخراً.
كذا الحال يمكن القول بخصوص المسيحيين(آشوريين+كلدانيين+سريان) الذين انخفض تعدادهم بسبب الهجرة من حوالي 800 ألف نسمة(قبل سقوط الصنم) إلى نحو 600 ألف نسمة في كل العراق. فعلى الرغم من وجود أحزاب قومية تتبنى الأجندات السياسية للمكونات الإثنية المسيحية الثلاث، إلا أنّ ذلك لا يبرر "حذف" "العراق التوافقي" لحقوق الناخبين المسيحيين في انتخاب ممثليهم الكفوئين "الخصوصيين"، طالما أنّ العراق "مخصص" وموزعٌ أصلاً، حسب "ديمقرطيته التوافقية"، بين طوائفه وملله، كما تقول "خصوصيات" ثالوث الحكم القائم في العراق الراهن.
بذات اللهجة المصدومة، النابعة من ذات المظلومية، على مستوى التمثيل ك"أقليات قومية" صغيرة، انتقد سكرتير المجلس القومي الكلداني ضياء بطرس، هذا القانون الذي سماه ب"القانون الصدمة"، في تصريحٍ له لصحيفة الحياة اللندنية، قائلاً: "القوميات الصغيرة يجب أن تكون في منأى عن مزاج المكونات الكبرى في العراق" وطالب البرلمانيين بإعادة "الحقوق المسلوبة للأقليات".
أما الصابئة المندائيون أو المغتسلة(واحدة من أقدم الجماعات الإثنية ارتباطاً وتقديساً للماء)، الذين قُدرّ تعدادهم قبل الحرب بحوالي 30 ألفاً، وعاشوا في الجنوب العراقي على ضفاف الأنهار منذ القدم، فحالهم ربما يكون الأسوأ في العراق قاطبةً، نظراً لتشتتهم، خلال السنوات الأخيرة، في جهات الأرض قاطبةً، داخل العراق وخارجه. عليه، تعتبر الطائفة المندائية واحدة من أكثر الأقليات المتضررة عراقياً، والضائعة والمضيعة، بين أجندات الأكثريات العراقية، نظراً لعدم وجود أحزاب أو تيارات سياسية تتبنى حقوقها كأقلية دينية، فضلاً عن سقوطها من أجندات كل أحزاب الطوائف الأخرى المتنفذة، جملةً وتفصيلاً.
والحاصل، فإنّ هذا "القانون" الخارج عن وعلى كل القانون، هو سابقة خطيرة، ينبئ بعراقٍ "خارج ديمقراطي"، لا يزال يمشي على كف أكثر من عفريت: عراق القوي الذي يأكل الضعيف؛ وعراق الأكثريات الخارج على حقوق الأقليات.
هذا "القانون" يعبر عن "عراقٍ واحد" محكومٍ بأكثرياتٍ ديكتاتورية، بدلاً من "عراقٍ كثير" من المفترض به أن يُحكَم بكل العراق، أكثرياتٍ وأقليات.
إلا أنّ الأغرب اللاحق، على مستوى الكلام "المسؤول" المعسول، هو ما جاء على لسان أعلى الفوقين، العربي والكردي، والذي عبر على لسان رأسيهما، عن "قلقهما وأسفهما الشديدين لإلغاء الفقرة المتعلقة بحقوق الأقليات في قانون انتخابات المحافظات والاقضية والنواحي".
ففي بيانٍ صادرٍ عن مكتبه الإعلامي، عبر الرأس الأعلى في أعلى الفوق العربي في عراق بغداد، رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، عن "قلقه لإلغاء الفقرة المتعلقة بحقوق الأقليات" و"دعا مجلس النواب والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتدارك الأمر وإزالة القلق والشعور بالغبن أو التغييب الذي انتاب مكونات أصيلة تعتز بانتمائها للعراق". المالكي، حسبما جاء في البيان، كان "يأمل من مجلس النواب الموافقة على مشروع القانون الذي رفعه مجلس الوزراء والذي تضمن حماية لتمثيل الأقليات وفق الدستور بما ينسجم مع توجهات حكومته في الحرص على ضمان تمثيل عادل لجميع مكونات الشعب العراقي والدفاع عن حقوقها".
وفي بيانٍ آخر سابقٍ على بيان المالكي، صادرٍ عن "رئاسة الإقليم"، بإعتباره أعلى رأس في الفوق الكردي الحاكم في عراق هولير، أعرب الناطق عن "أسفه من تهميش الأقليات في النص الجديد من قانون الانتخابات"، وطالب "مجلس النواب العراقي والأطراف السياسية في البلاد بالعمل من أجل إيجاد آليات تفضي إلى احترام حقوق المجموعات الدينية والقومية".
والسؤال الباقي الذي يقذف بنفسه على موائد الفوقين العراقيين، عرباً وأكراداً، المتحالفين، الحاكمين لفوقي العراق من بغداد إلى هولير، والممثلين بهذين الرأسين العاليين، "المتأسفين" للقرار الصادر من كتلهما البرلمانية في بغداد، ب"أغلبية مريحة"، هو:
لماذا "الأسف"، و"القانون" المأسوف عليه، كان هو صوت أكثرياتكم؟
لماذا الأسف، والقانون اللاغي لحقوق أقلياتكم، اختزلتموه في حقوق أكثرياتكم؟
لماذا الأسف والقلق، على قانونٍ هو أنتم...أم أنكم تقتلون القانون وتمشون في جنازته؟
هوشنك بروكا