الخوف والازدواجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واحدة من أبشع إمراض مجتمعاتنا المستعصية منذ قرون، تلك التي شطرت الفرد إلى كائنين متضادين في أفكارهما وسلوكياتهما ومتعايشين في جسد واحد وتركيب بشع ومعقد، تلك الازدواجية الرهيبة التي تعيش في دواخل هذا الفرد وتظهر عند الحاجة المطلوبة في سياق الحدث والموقف، وتتجلى بشكل واضح في العلاقات الاجتماعية والسياسية والدينية.
وعبر مئات السنين وتحت مظلة أنواع متعددة من النظم السياسية والاجتماعية تفاقمت هذه الازدواجية ( ابنة الخوف ) وتحولت إلى واحدة من أهم مظاهر سلوك الفرد في كل مناحي الحياة، ومسخت الكثير من مواصفات الشخصية الإنسانية، حتى امتلك هذا الفرد مجموعة رهيبة من الشخصيات في آن واحد، وأصبح الكذب بأنواعه وألوانه أبرز ما تتصف به هذه الشخصيات التي تقوم بتمثيل أدوارها حسب الحاجة ودرجة الخوف والتدين والتدليس.
لقد عاشت مجتمعاتنا لسنوات طويلة ومملة مغيبة تماما ومرعوبة في ذاتها ومقهورة حتى مسحت شخصيتها الإنسانية بشكل مخيف، حيث لا يعدو الفرد في المجتمع أكثر من رقم ممكن مسحه من جدول الأرقام متى ما شاء النظام أو الرئيس القائد عبر العصور.
ولم تكُ النظم السياسية لوحدها سببا لهذه الأمراض، بل يتحمل بنفس القدر من المسؤولية المجتمع ومؤسساته المدنية ابتداءً من البيت و الكتاتيب وبعدها المدارس ومنابر الجوامع والكنائس ومجالس العشائر والمقاهي وصولا فيما بعد إلى الجامعات والأحزاب ومنظمات المجتمع الحديثة ووسائل الإعلام.
وليس بعيدا عن ذاكرتنا ما فعله الكثير من أئمة الجوامع في قرانا وبلداتنا الصغيرة منذ عشرات السنين في تأويلاتهم وتفسيراتهم ووعظهم القروي البسيط والساذج من تخريب لمفاهيم الدين واشراقاته العظيمة وتحويله إلى مقصلة ودهاليز لتعذيب النفس البشرية، حتى تحول سلوك الكثير من الأجيال إلى سلوك يحكمه الرعب والخوف والخنوع، وكذا فعلت الكثير من مجالس القبائل والعشائر في تداولها لميثولوجيا بائسة وقصص وروايات من نسج خيال مليء بالأمراض والمركبات النفسية المعقدة، لكي تتحول خلال عقود إلى نواميس وأعراف وتقاليد وعادات بالية يعتنقها المجتمع دونما مساءلة أو نقاش، على إنها أعراف وتقاليد تقترب من القدسية الدينية بسطحية وسذاجة لا مثيل لها، حتى غدت واحدة من قوانين المجتمع ومحاكماته.
وعلى طول الخط كانت المرأة أكثر الضحايا تأثرا بهذا النمط الغريب من التربية الاجتماعية وتوارث العادات والتقاليد التي انتقصت في كثير منها إنسانية المرأة وكرامتها، وابتعدت تحت طائلة هذه التقاليد والأعراف حتى عن سنن الدين وفروضه ومعالجاته وتشريعاته الإجرائية بحق المرأة والرجل من الذين يمارسون العلاقات الجنسية خارج دوائر الشرعية، فبينما يعفى في أكثر الحالات الرجل من هذه ( الجريمة ) تحكم المرأة بالإعدام فورا لمجرد شكوك أو وشاية أو علاقة غير مثبتة كما جاء في النص القرآني، وهكذا ترى في معظم مجتمعاتنا عمليات القتل البشع للنساء لمجرد الشك بهن، علاوة على اللاتي فعلا مارسن هذا النوع من العلاقات بأشكاله، ودونما أي شهود كما ورد في التشريع الديني.
لقد غلبت تلك العادات والتقاليد والأعراف التي أنتجتها جاهلية اجتماعية ودينية عبر منابر متعددة ابتداءً من الكتاتيب ومجالس القبائل والعشائر من خلال هيمنة أنصاف المتعلمين والأميين وذوي العاهات الفكرية والإمراض النفسية، وعشرات المقاهي التي كانت تظم كسالى الفكر والإنتاج ممن أدمنوا مضغ حكايات وأساطير وأقاويل في الناس والمجتمع، والمئات من مؤدي ألاغاني الشعبية وكثير من ألاغاني التي زرعت وكرست مفاهيم مازوشية وسايكوباثية في تركيب الشخصية لملايين البشر نساءً ورجال، حتى أصبح التلذذ بالإيذاء والعذاب واحدة من سمات الكثير ممن كانوا في أو قرب مراكز القرار بكل مستوياته ابتداءً من الأسرة ووصولا إلى مؤسسات الإدارة العامة للدولة، وبالتأكيد لا يخضع العديد من هذه المجالس لهذا القياس سواء ما كان منها للعشائر أو الكتاتيب والتي كانت بدورها مدارسا للتنوير والإصلاح الاجتماعي بكل أشكاله، ولكنها على الأغلب كانت محصورة ومحدودة، وحتى بمحدوديتها استطاعت هذه المجالس أو الكتاتيب أو المنابر من خلال أناس متنورين أن يتركوا بصماتهم الايجابية في العديد من تكوينات المجتمع.
إلا إن الغالب كان التأثير المرعب لتراكمات من الثقافة القروية والقبلية وسيادة أنصاف المتعلمين والأميين في مفاصل مهمة من المجتمع والدولة خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، مما أنتج مجتمعات مهزوزة ونظم سياسية بائسة وتشريعات أكثر بؤسا منها، وأنماط من السلوك والتفكير الأحادي المستبد والإلغاء الكامل للآخرين ابتداءً من المرأة وحتى المكونات الأخرى للمجتمع وفعالياته السياسية والاجتماعية.
وبالتأكيد كان الخوف والإرهاب الأسري والتربوي والاجتماعي هو الأب الشرعي لأعراضٍ تفتك بمجتمعاتنا حتى هذا اليوم، ولعل أكثر أنواع هذه الأعراض فتكا هو الكذب والمداهنة والرياء، والذي أصبح لعقودٍِ طويلة واحدا من امراضنا الاجتماعية المزمنة، وأسلوبا مباحا إلى حدٍ خطيرٍ في التعامل بين المادون والمافوق، وأنتج ما نطلق عليه بالنفاق الاجتماعي والتدليس ومضاعفاته في التدهور السياسي والإداري والاجتماعي.
كفاح محمود كريم
التعليقات
المرأة الكردية اليوم
خالد عيسى -اود ان اناقش الكاتب : ان ماقلته عن المرأة واذلالها واحتقارها وقتلها بتهم الشرف ينطبق مئة بالمئة على وضع المرأة الكردية اليوم في مايسمى الأقليم الكارتوني ..فتقارير المنظمات الدولية تتحدث عن فضائع ترتكب كل يوم بحق المرأة الكردية من قتل وحرق وضرب واذلال ..انتم تتحدثون عن ديمقراطية كردية مزيفة يجري فيها هذا الظلم في مقابل ظلم آخر هو تحكم مليشيا مسعود والأسايش ودكتاتورية مسعود والنجرفان ومسرور ..
حقا إنه الخوف ؟
د. احمد العبيدي -حقا إن البناء السايكولوجي للشخصية في مجتمعاتنا قائم على اساس التخويف والترهيب منذ سني الدراسة الاولى بل حتى في التربية المنزلية التي اعتمدت التخويف والعقاب اساسا للتوجيه، وما تبع ذلك من تفسيرات متطرفة لمبدأ العقاب في الوعظ الديني الذي اعتمدته الاجيال المتقدمة من مجتمعاتنا عبر تاريخها، وما آلت اليه النظم السياسية واستبدادها واعتمادها لغة القسوة والارهاب ضد من يعارضها، مما خلق مجتمعات مستكينة وخانعة في معظم دولنا ومجتمعاتنا.لقد تجاوز الكثير من علماء الدين تلك العقلية النيرة للاديان وواجباتها في تربية المجتمع على الفضائل وابعاده عن الرذيلة والجريمة والعمل على ترصين المجتمع وتقويته لا الى تدميره نفسيا وتحويله الى كائن خائف وخانع ومستكين، ومثل ذلك حصل ايضا في مناهجنا التربوية في معظم بلداننا العربية والاسلامية التي تحتاج الى عملية تحديث وتثوير في كافة مفاصلها من رياض الاطفال وصعودا الى الجامعات.إن التحول الديمقراطي يحتاج الى اعادة الثقة الى الفرد اولا والغاء الاستبداد الاجتماعي لكثير من السلوكيات والعادات التي تقف امام هذا التحول وفي مقدمة ذلك تحديث النظم التربوية والسياسية و فصل الدين عن الدولة.حقا إن ان الخوف يولد النفاق والازدواجية ويؤدي الى تدهور المجتمع نفسيا وحضاريا وانسانيا.
الى التعليق رقم واحد
صلاح شنكالي -ان وجود تقارير لمنظمات دولية وانسانية هي دلالة على وجوداولى مفاهيم الديمقراطية واعلانها هي بداية احد الاهداف لمعالجتها عكس ما موجود في بلادك العربية التي لايموت المرؤس الا وقد حضر ابنه او اخاه حاكما طاغيا على رقاب الشعب اذ يحكم بلادك العربية والتي تؤمن بحقوق المراة وفي الطبخ والنفخ فقط 20 شخصا لااكثر ومعهم كل البرلمانات والوزارات الكرتونية ...فأعتقد ان الذي بيته من زجاج لايرمي بالحجارة على بيوت الناس
الى شنكالي وجماعته
خالد عيسى -انا لست ناطقا رسميا بأسم البلاد العربية ومن المعيب ان تفترض ذلك دون قراءة تعليقي جيدا ..انا اتحدث عن العراق العربي لأني عراقي واتحدث وعن الأقلية الكردية في ظل سلطة مايسمى الأقليم الكارتوني المزعوم ..حيث الشعب الكردي مظلوم وفقير ودكتاتورية مسعود كما نرى ونسمع من فضائع سواء جهاز مخابرات عدي الصغير المسمى اسايش الذي امعن قتلا في العرب والتركمان والمسيحيين وعندك معتقل قلعة جولان ..انا احترم واقدر الشعب الكردي المظلوم ولكنني ارفض هذه العبودية الجديدة للدكتاتور وظلم المرأة الكردية ..ولعلمك ان نسبة مايسمى جرائم الشرف في حق النساء في محافظات العراق العربية لاتكاد تذكر في مقابل القتل والتعذيب اليومي للنساء الكرديات ومن المعيب والمخجل انك تتفاخر بذلك بقولك ان هذا يدل يدل على الديموقراطية ..ربما هي ديمقراطية مسعود ومسرور والنجرفان التي تدافعون عنها وهي عبودية مطلقة للفرد والأسرة والعشيرة البرزانية..
الى خالد عيسى
عراقي علماني -من الواضح جدا انه الكاتب يتحدث بشكل عام عن الازدواجية في المجتمع الشرقي،ولم يقم بشخصنة الموضوع تجاه عرقية معينة سواء كانت كردية او عربية فهذه مشكلة موغلة في القدم تعاني منها مجتماعاتناالشرقية كافة، والكاتب تطرق الى اسباب نشوئها في الماضي واستمراريتها في الحاضر... لقد لاحظت من خلال متابعاتي لمقالات ايلاف ومداخلات القراء بان هنالك عدد لابأس به من القراء يبتعد بشكل مقصود او غير مقصود عن نقاش جوهر الموضوع اللذي يطرح من قبل كاتب معين ولا اعرف ماهو السبب!!!
ما علاقة هذا بهذا؟
جياي -الى خالد عيسى أولا الموضوع أجتماعي -نفسي يتطرق للخنوع والخضوع الأجتماعي فما هي علاقة الأقليم بهذا .وأحقادك الدفينة على الكورد أطرحها في مكانه الملائم.أما عن أضطهاد المرأة في كوردستان فنسبتها بالمقارنة ببقية أجزاء العراق ودول الجوار فهي قليلة ولا تقارن والسلطات المحلية في أقليم كوردستان عقدت أكثر من مؤتمر لمكافحة العنف ضد المرأة في المجتمع. وفتحت مديريات خاصة للشرطة للتعامل مع التجاوزات .فهل فعل دولة أخرى في المنطقة ذلك؟ ام المراة فكانت لها مكانة أجتماعية مرموقة حسب رأي كل المستشرقين الأجانب الذين زاروا المنطقة وكتبوا عنها بالمقارنة مع بقية الامم الاخرى ومنهاالامة العربية