أصداء

تجارب دنماركية 15: تضامن طلابي وقُبلة بدولارين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حدثُ هزّ العالم في 18 سبتمبر 1961، حين انفجرت طائرة ثاني أمين عام للأمم المتحدة، فوق إحدى غابات " الكونغو الديمقراطية " بفعل فاعل لم يعرف لغاية الآن..!


قـُتل رجل السلام،السياسي السويدي البارز " همر شولد "،قبل هذا كان " همر شولد " متخصصا في التجارة والاقتصاد،عضوا في حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين في السويد 1949 ـ 1953،ثم أمينا عاما للأمم المتحدة 1953 ـ 1961،أُختير في أجواء الحرب الباردة المستعرة،لحياديته وحيادية بلده،وكان شخصا مقبولا من طرفي عملاقي الحرب الباردة على مضض، صادقا ولا يخشى في الحق لوم لائم.


كان مقتله خسارة كبيرة للشعب السويدي الذي حزن كثيرا لما حدث، بل خسارة لبلدان العالم الثالث، وخصوصا العرب الذين لاادري إن كانوا يتذكروا موقفه المناهض للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956في الأمم المتحدة حين طلب من الأعضاء جميعا أن يعلنوا موقفا واضحا بهذا ضمن مواثيق الأمم المتحدة،مهددا ضمنيا بالاستقالة،إن لم تتفق مواقفهم مع مواثيق الأمم المتحدة، وهو ماكان وجعل البلدان المعتدية بلا غطاء أممي، من ضمن الأسباب التي أنهت الأزمة لصالح مصر.
في السويد لم يكتف الشباب بالحزن،بل أصروا على مواصلة مسيرة " همرشولد " في السلام، ولهذا وفي عام 1961 خصص يوم محدد من كل عام لطلبة الإعدادية،يقومون به بالعمل يعود ريعه لطلاب البلدان الفقيرة.

O D Operation Dagsvaelig;rk
" او دي " مختصر الاسم لمنظمة الطلبة لهذا اليوم في الدنمارك،يتوزع طلاب الإعدادية بمجاميع عمل صغيرة، للإعداد ليوم محدد من الأسبوع الأول في شهر نوفمبر من كل عام،تقوم هذه المجاميع بالإعداد لإيجاد عمل لمن تعذر عليهم إيجاد عمل في هذا اليوم،من خلال الاتصال بالشركات والمنظمات،والمحلات الصغيرة،وشرح الهدف من عملهم وطلب الدعم من خلال منح فرصة او أكثر للعمل لهؤلاء الطلبة.


قي الدنمارك طبق النشاط عمليا في العام 1985،رافقته أزمات كثيرة وضجة إعلامية أحيانا بسبب البلدان التي يتم مساعدة الطلبة فيها،كانت أولى هذه الأزمات حين خصص المبلغ لـ" نيكاراغوا " وكانت الحكومة فيها يسارية،مما حدا باليمين الدنماركي والكثير من وسائل الإعلام بالتهجم على " او دي " مشككين بشفافية انفاق المبلغ الذي جمع،بل ومن قسم آخر بيسارية ميولها،على الرغم من هذا جمع الطلبة مبلغا قارب المليون دولار،الأزمة الثانية حدثت عام 1998 حين حدد بلد المساعدة " بالمدارس في فلسطين " وكان عذر الهجوم هو إن إحدى المنظمات الدنماركية الداعمة تلك السنة لـ "او دي " كان اسمها " قاطعوا إسرائيل "،المقصود البضائع الاسرائلية،واتهمت منظمة الطلبة بعدم حياديتها وتسيُسها،وعلى الرغم من هذا جمعوا مبلغا قارب المليون دولار.


اكبر مبلغ استطاع طلبة المدارس الإعدادية في الدنمارك جمعة كان لصالح " الصومال " عام 1992،وقارب المبلغ مليون و750 الف دولار.


في العام 2008 شارك 30 الف طالب إعدادية بالعمل في " او دي " من عدد إجمالي لطلاب الإعدادية في الدنمارك الذي يقارب 40 الف طالب وكان الدعم " للنيجر "، أما العام 2009 فسيكون " زمبابوي ".
يلاحظ وعلى مدى أكثر من عشرين عاما على عمل " او دي "إن وزارة التعليم المختصة تدعمها حين تكون الحكومة من الاشتراكيين الديمقراطيين،وحين يكون العكس،تضع الوزارة العراقيل أمامها،ولكن على الرغم من هذا مازالت " او دي " تقوم بعملها التضامني الإنساني بنفس الكفاءة،وصارت جزءا من التقاليد الدراسية في الدنمارك،اليوم التضامني هذا مع طلبة العالم الفقير،على شرف ذكرى " همرشولد " هو تقليد الآن ليس في السويد والدنمارك وحسب بل والنرويج ايضا.

قـُبلة بدولارين

ذكرتُ سابقا إن الكثير من المؤسسات،الشركات،والمحلات تدعم عمل " او دي " من خلال توظيف الطلبة ليوم واحد،ولكن القسم الأكبر من الطلبة يقومون في هذا اليوم بالعمل في منازلهم،تنظيف المنازل او الشبابيك..الخ من الأعمال المنزلية ويقوم الأهالي بدفع المبلغ المطلوب،كدعم منهم لأبنائهم وللمنظمة بالتالي،أي إن الداعم الأساسي لعمل " او دي " التضامني مع طلبة ومدارس البلدان الفقيرة هي العوائل الدنماركية.
حدثتني إحدى الصديقات الدنماركيات،إنها حين كانت في الإعدادية قبل أكثر من خمسة عشر عام،لم تجد عملا في هذا اليوم،ولم تكن عائلتها تمتلك دخلا جيدا يمكنها أن تساعدها فيه بمهمتها،فكان منها واثنين من زميلاتها واجهن نفس المشكلة أن يبادرن بالذهاب إلى وسط المدينة وفي أكثر الشوارع ازدحاما في العاصمة " كوبنهاكن "،يكتبن على قطعة ( قبلة بعشر كرونات، أي دولارين حينها)،نحن من "او دي "،ثم تضحك متذكرة : لقد جمعنا أكثر مما كنا نتوقع،خلال ساعتين، للأسف لم نحصل على قبلات من الشباب،بل حصلنا عليها من الرجال المسنين والسيدات المسنات،كانوا يقبلوننا،ويشدون على أيدينا تضامنا.


ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
a comment on article
البيك -

عزيزي السيد ضياء تحية و بعد . أقرأ أحيانا ما تكتبه عن الدنمارك من خلال تجربتك الشخصية , فأجد فيما أرى أنها ليست مجرد تجربة شخصية فقط , بل تخفي بين أسطرها إعجابا كبيرا لما تراه و تمارسه في حياتك اليومية التي تخصك وحدك , و أن حر بلا شك فيما تراه يناسبك . أما عن ترويجك لما تراه بطريقة تسويقية , فهذا لا نقرك عليه أبدا . من المؤسف أن الأوضاع في معظم بلادنا العربية تعرف خللا يحتاج الى إصلاحات , و لكن ليس هذا معناه أن نبخس قيمة ما عندنا و نزيد بمبالغة قيمة ما عند الأخرين . ليس كل ما عند الغرب بصفة عامة من الأمور الجيدة كما تحاول أن تعكس في مقالاتك ...أليس عندهم مظاهر سلبية تتحفنا بها ..؟ لا ريب بأن الغرب يفوقنا بالكثير .ثم أنك قلت بأن القبلة بدولارين ...هل ما ذكرت عن بيع القبلات من الفتيات الشابات يدخل في باب الجميل أم القبيح ؟ .تحياتي