مكتبة الإسكندرية نموذج مثالي لمؤسسات الفكر والرأي
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الدكتور حسن عبد ربه المصري ( 2 )
أحسن مركز المعلومات ودعم القرار صناعاً بدعوته لمؤتمر دولي عقد بالقاهرة 17 - 18 يناير لمناقشة دور مؤسسات الفكر والرأي في العالم الثالث وما يواجهها من تحديات وما يحدوها من طموح، لأن قيام وتأسيس مثل هذه المؤسسات والمراكز البحثية لم يعد ترفاً تأخذ به دول العالم أو لا تأخذ بعد أصبحت الحاجة إليها ماسة وما تساهم به من جهد علي أكثر من صعيد لا ينكر، وبعد أن أثبتت تجارب بعض لاأنظمة الحكم أن ما حققه صانع القرار والمجتمع ككل من تعاون معها كان له انعكاس إيجابي علي سياسته وخططه الداخلية والخارجية..
مؤسسات الفكر والرأي ظهرت علي استحياء في أوائل القرن العشرين ثم توسعت مجالات الاستعانة بها فيما بين الحريين وزاد التعامل معها بعد ذلك بشكل لافت، لكن الواقع يقول أنها شهدت تنامياً أفقياً وراسياً خلال الثلاثة عقود الأخيرة لم يمكن في الحسبان!! بعد أن زاد إقبال نظم الحكم علي الأخذ بالنهج الديموقراطي والإصلاح السياسي والانفتاح الاقتصادي وبعد زيادة تطلع الشعوب إلي أفاق الحرية والدعم المتواصل لحقوق الإنسان وعلى رأسها حق التعبير والفكر..
مؤسسات الفكر ليست جزء من أجهزة الحكومات ولا هي مندرجة ضمن سياق المعارضة بأي من أشكالها وهي ليست علي خلاف مع أحد ولا متخاصمة مع فئة، هي في المقام الأول كيانات بحثية تتخذ منهج البحث والتقصي عنواناً لها وترتكز علي الحقيقة لكي تخرج بمعطيات واقعية لما تتصدي له وما تبحثه من قضايا وما تتوافر عليه من نتائج مرتبطة أشد الارتباط بالبيئة التي تتعامل معها..
مؤسسات الفكر والرأي تتميز بأنها لا تعرف النمطية ولا البيروقراطية.. والوقت عندها له ثمن والتعاقد له شرفه وبلوغ الهدف له الأولوية.. يعيبها أن تضطر يوما للاستجابة لمطالب المولين لميزانيتها أو لنظام الحكم الذي تقع داخل دائرة تأثيره أو للمانح الخارجي لرأس مالها، فتغمض عيني أدواتها بعيداً عن منهجية البحث العلمي وتلوي أذرع الحقائق وتزييف النتائج..
مؤسسات الفكر والرأي تقوم بأنشطة متعددة سياسية و اقتصادية واجتماعية وثقافية وبعضها يقوم بأدوار تثقيفية وتنويرية علي أعلي مستوى، وكما يركز بعضها علي تقديم العون لصانع القرار يهتم بعضها الآخر بالمجتمع وشرائحه والعلاقات فيما بينها وبعضها الثالث يركز علي مستقبل المجتمع في ظل ما يتنبأ من ظروف محلية وإقليمية وعالمية.. بعضها يكتفي بما يقدمه من دراسات وبحوث أكاديمية و ميدانية وبعضها الآخر ينتشر علي مستوي دورياته ومؤلفاته، وبعضها الثالث يجعل من نفسه منبراً للتغير السلمي المتأني النابع من البيئة..
هناك في عالمنا اليوم العديد من مؤسسات الفكر والرأي التي يمكن استنساخها أو تقليدها مع إضافة شئ من الخصوصية، لكن تجارب الآخرين خاصة في شرق أوربا أثبتت خلال العشرون عاماً الأخيرة أن الرائـد منها الذي تمكن من مد جذوره داخل تربة وطنه تمتع بالمميزات التالية:
1 - الالتصاق غير المصطنع بالبيئة التي نشأ فيها ويتعامل بلا حساسيات معها..
2 - استخدام النهج المناسب للقضية التي يبحثها، دون ادعاءات لا حاجة إليها..
3 - التمرس الميداني في التعامل مع شرائح المجتمع عن قرب..
4 - عدم إهمال أي معطيات، وبالتالي الحرص علي كافة النتائج..
5 - الالتزام بمصداقية مصادر المعلومات، وشفافية مصادر التمويل والإنفاق..
6 - القدرة علي تسويق منتجاتها بلا مواربة او خشية..
لذلك نقول أن الحاجة تنشأ لمؤسسات الفكر والرأي، عندما:
أولاً.. يعجز البعض سواء كان أجهزة حكومية أو منظمات مدنية أو مؤسسات خدمية عن الوصول إلي المعلومة أو لا يتوافر لدية المتخصص القادر علي الاستفادة منها ووضعها في مكانها الصحيح.. ويزداد هذا العجز عندما يتأخر الوصول إلي النتيجة المبتغاة في الوقت المناسب بالتكلفة المناسبة..
ثانيا.. يزداد الانفتاح علي العالم الخارجي في ضوء تنامي منظمات المجتمع المدني التي هي دائماً في حاجة لسيل متصل من المعلومات والمقترحات والتوقعات التي تخدم أهدافها وتوجهاتها ومستقبل تواجدها في الميدان، خاصة بعد تزايدها وتشابه منطلقاتها وخططها الخدمية..
ثالثاً.. تتشعب العلاقات بين شرائح المجتمع الواحد وتتبدل بعض مكونات قواه الاجتماعية صعوداً وهبوطاً وبالتالي تتوزع أساليب التعامل معها من جانب أطراف عدة علي علاقة وثيقة بها، سواء كانت أجهزة حكومية أو جمعيات خدمية أو منظمات أهلية.. الخ.. طلباً لتوفير المعلومة أو الخطة أو الرأي البديل أو الدراسة المتكاملة حول هدف ما..
رابعا.. يتعقد التعامل مع التقنيات الحديثة وتتداخل فيما بينها ضمن قفزات واسعة لا يمكن لغير المتخصص أن يُلم بها في الوقت المناسب قبل أن يتلاشي وهج المعلومة وتتضاءل فرص الاستفادة منها وتنعدم إمكانيات التواصل ما أطراف أخري ذات ثقل في ضوء معطياتها..
خامسا.. نشوء فراغ سياسي أو أزمة اقتصادية أو حرب أهلية أو خلاق عقائدى.. الخ.. يتطلب التعرف عليه توفير اكبر قدر من المعلومات والفرضيات التي تمهد للتعامل مع ما سينجم عنه من تداعيات وما سيترتب عليه من أوضاع جديدة أي ما كانت نتائجها..
سادساً.. تنشأ ازمة إنسانية طارئة - داخلية أو خارجية - لم يكن هناك علم بها، وان كان امرها معروفا فليست هناك استطاعة لسبب او لآخر للتعامل معها.. وإن كانت هناك استطاعة فليست متكاملة!!..
تعاني مؤسسات الفكر والرأي في دول شرق أوربا وفي دول العالم الثالث التي فُتحت لها أبواب التواجد والإنتاج والمساهمة في العديد من النشاطات بدءاً من تقديم العون لصانع القرار وانتهاء بتنظيم وتطوير العمل الخيري، من عدة مشاكل علي جانب كبير من الأهمية.. الجدير بالإشارة هنا أن تتبع هذه المشاكل - من جانب المتخصصين - لدارستها وإيجاد الحلول المناسبة لها برهن علي أنها ليست قاصرة فقط علي هذه المجموعة من الدول، حيث تعرضت له مؤسسات مماثلة في العالم الغربي الذي هو الأب الروحي لها، مثل:
معضلة التمويل.. التي تُعَرّض المؤسسات في بعض الأحيان لضغوط قد لا تكون قادرة علي تلافيها والتي تجعلها في مهب الريح خاصة إذا كانت مصادر التمويل خارجية، أو كانت مُقدمة إليها لإجراء دراسات وبحوث شديدة الحساسية (مجتمعاً أو ثقافياً أو دينياً أو امنياً) أو كانت مرتبطة برأس مال وطني له أهداف خفية، لذلك تحرص العديد من مؤسسات الفكر والرأي علي التمسك باستقلالية معلنة تدرأ عنها شبهات قد تضطرها إلي رفض التعامل مع طرف من الأطراف..
معضلة الكوادر.. وليس المقصود هنا الكوادر الأكاديمية أو البحثية فقط، ولكن الكوادر القادرة علي الجمع بين النظرية والتطبيق الميداني والمتمكنة من التواصل مع شرائح المجتمع ومكوناته.. الكوادر القادرة علي التعامل مع تقنيات المعلومات وسائل الاتصال.. الكوادر القادرة علي الإلمام بأبعاد المشكلة وتحديد المنهج العلمي للتعامل معها وضبط معطياتها وتحقيق نتائجها بمعدل خطأ متعارف عليه..
معضلة تزايد حجم المنافسة.. خاصة عندما يكون المجتمع في بداية تعامله مع هذه النوعية من المؤسسات لأن فتح الباب أدي في بعض الدول إلي توالدها بمعدلات فائقة التكرار دون أن يتمتع كل مولود بالصفات الوراثية التي تجعله قادراً علي مواصلة الحياة دون معوقات بدنية أو ذهنية، صحيح في نهاية المطاف لا يتبقي في الساحة إلا كل من هو صالح للحياة وللإنتاج والتعامل.. لكن لا ننسي القاعدة الذهبية التي تقول أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق..
معضلة المصداقية.. التي هي مشكوك في أمرها دائماً خاصة في مجتمعات العالم الثالث من جانب نظام الحكم ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع نفسه بالدرجة الأولي بعد تجارب أبنائه المضنية علي مستويات عدة مع نظم الحكم.. لا احد يصدق البيانات والدراسات والبحوث والمقترحات، الكل يشكك في مصداقية كل كلمة وكل رقم ويطعن في الهدف من ورائه وفي توقيت التنويه به ويعلن رفضه التام وكراهيته لكل ما تتوصل إليه البحوث والدراسات والبيانات وحتى الأخبار من نتائج وما تقدمه من توصيات..
معضلة الشفافية.. انعدام المصداقية يترتب عليه النفي القاطع للشفافية عن كل شئ وأي شئ والتشكيك في كفايتها أن توافرت وعدم تصديق ما ينشر عنها والتمسك بأن هناك نواقص مَخفية!! وتزداد إشكالية هذه المعضلة إذا كان نظام الحكم طرفاً في العملية، وتتعقد أبعادها إذا كان المنتج الذي صدر عن مؤسسة الفكر والرأي بناء علي تعاقد مع جهاز حكومي يمت بصلة لخدمة مجتمعية أو مصلحة قومية عليا..
في رأي أن الكيان المصري الأقدر علي القيام بدور متميز كمؤسسات فكر ورأي ذات مصداقية وقبول من جانب كل الأطراف سواء كانت أجهزة تابعة للدولة أو منظمات تٌمثل المجتمع المدني أو حتى المجتمع نفسه، وذات مهنية وشفافية معترف بهما.. هو مكتبة الإسكندرية!! لماذا؟؟..
أولاً.. لأن التمويل الذي تحصل عليه منذ بدأت نشاطها، يٌسقط عنها شبهة إمكانية الخضوع لضغط داخلي أو خارجي ويبعد عنها شبهة تلبية مطالب يمليها عليها النظام الحاكم أو المانحين..
ثانياً.. لأنها فرضت لنفسها مستوي من المصداقية دون صخب أو تهليل توافرت البراهين عليه علي امتداد سنوات عمرها من ناحية وشهد به أطراف عدة داخل الوطن سواء علي مستوى نظام الحكم أو مؤسسات المجتمع المدني من ناحية ثانية كما أنها تحظي بسببها (مصداقيتها) باحترام الخارج ممثلاً في مؤسساته العالمية وعواصمه الكبرى من ناحية ثالثة..
ثالثا.. صلاتها الداخلية والخارجية تتيح لها ميدانا واسعاً من العلاقات التي وفرت لها سلسلة واسعة من قدرات التعاقد مع أعلي مستوى من الكوادر وأصحاب الخبرات الأكاديميين وغيرهم من القادرين علي إمدادها بالبحوث والدراسات التي تحتاج إليها لتلبية تعاقداتها التي يمكن أن تبرمها مع النظام الحاكم أو مع غيره داخل المجتمع، بل والتي تُمكنها من قراءة المستقبل قراءة صحيحة إلي حد كبير..
رابعاً.. امتلاكها للعديد من المهارات التي تجعل منها:
1 - نافذة للتثقيف والتنوير علي مستوى المجتمع
2 - منبر للنشر والتوزيع
3 - أداة لنقل النشاط التنويري بلا حساسيات علي اتساع خارطة الوطن
4 - قاعدة للتعامل مع القوي الاجتماعية والسياسية ذات التأثير الإيجابي
5 - علامة مميزة وثيقة الصلة بمصادر المعلومات
6 - كيان ذو ثقل علي مستوى الكيانات المشابهة في العالم
7 - طرف معترف له باحترام الوقت والاتفاق ( 1 ) بالاعتماد علي كتاب " عقل أمريكا American Think Tanks مؤسسات صناعة الرؤية والفكر في الولايات المتحدة - للكاتب..
( 2 ) استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف