أصداء

زحمة يا دنيا زحمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في عام 1974 و فجاءه هبطت علينا أغاني لم نعتاد علي سامعها. وملئت الشوارع و التاكسيات بألحان قيل عنها في ذلك الوقت أنها هابطة. أتذكر هذا العام بالتحديد لسبب سأحكي لكم عنه.


صديقي طارق محمد سعد زهق من مصر ولم يعد يستطيع أن يعيش فيها. دائم الشكوى عن القذارة و الروائح الكريهة و الأخلاق التي لم تعد كما كانت. حصل صديقي علي عقد عمل في مزرعة من المزارع في شمال العاصمة الإنجليزية لندن. و كالمعتاد وصل الخطاب الذي يحمل في طياته عقد العمل 3 أيام قبل بدأ العقد.

قال لي صديقي طارق "أنا لازم أسافر حياتي لن تستمر أن لم أسافر!!" وكيف سنستطيع أن نفعل هذا و الساعة ألان الحادية عشرة صباح يوم الجمعة و السفارة الإنجليزية ستغلق أبوابها الساعة 12 عشر ظهر عن قبول أي طلبات تأشيرات و بهذا ستكون ضاعت فرصة صديقي للسفر لاهثا وراء أحلامه.


ذهبنا لشباك السفارة وخلف النافذة رأيت صديقي يوسف بالصدفة يجلس في الشباك. فسألته أن كان هناك احتمال أن يأخذ طلب صديقي طارق. فقال يوسف لا اعرف يا شريف ان كان ممكن لكن دعني اسأل أن كان هذا ممكن.


وبسرعة عرض الأمر علي احد ضباط التأشيرات الإنجليز و عاد إلينا يقول. سيقبل طلبة أن استطاع أن يقدم لنا تذكرة سفر ذهاب وإياب قبل الساعة الثانية ظهرا في نفس اليوم!!


وكأن هذا الطلب كان طلب تعجيز وصدم صديقي وبدأت قواه تخور... فقلت له لا تيأس هل تريد ان تسافر غدا صباحا فقال هذا يعني ان اكون في المطار في منتصف الليلة و هذا يعني أيضا أننا سنجد حجز ونحن في عز الصيف!!

فقلت له دعنا نذهب ألي احد أصدقاء والدي مدير شركة سابينا البلجيكية وهي في ميدان التحرير أو بالأصح علي الرصيف المقابل للمتحف المصري من الجهة الشرقية و نطلب منه المساعدة. وفعلا وصلنا في الميعاد المناسب و لكن لم يكن من الممكن ان نحجز بهذه السرعة. وقال لنا مدير الشركة لابد من أن أرسل تلكس إلي بروكسيل حتى اطمئن ان هناك مقعد لك علي طائرة الغد التي ستغادر الساعة 7 صباحا. ومرت الدقائق كسنوات دهريه. وجاء الرد بنعم يوجد مقعد وحجزنا التذكرة أو بالأصح اشترينا التذكرة 46.50 جنيها مصريا فقط لا غير شاملة الضريبة.


لم يعد هناك وقت لكي نركض لنصل إلي مبني السفارة الإنجليزية في جاردن سيتي فأخذنا تاكسي وكان الزحام شديد و احمد عدوية يشدو بأعلي حنجرته زحمه يا دنيا زحمة. وكم كانت كلمات هذه الأغنية تنزل علي مسامع طارق كضرب الرصاص تخرق قلبه قبل أن تخرق أذنه. و لم يبقي أمامنا ألا بضع دقائق قبل أن تغلق السفارة أبوابها في وجهة صديقي طارق ولكن نزلنا من التاكسي امام مسجد عمر مكرم و ركضنا إلي السفارة وفعلا دخلنا من الباب أخر شخصين و أغلق الباب خلفنا.


ذهبنا للشباك مرة أخري وابتسم صديقي يوسف وقال من قال ان عصر المعجزات انتهي. انتظروا في الصالة حتى يطلبك ضابط التأشيرات للمقابلة. فدخلنا إلي قاعة الانتظار ولم نكن ألا أربعة أشخاص. رجل و أمراءه يجلسون قرب نهاية الصالة و صديقي طارق و أنا في بداية صالة الانتظار.


ولم تمر سوي 5 دقائق وسمعنا نفس الأغنية زحمة يا دنيا زحمة بصوت المغني احمد عدوية تنطلق في صالة الانتظار في السفارة الإنجليزية؟ فنظرنا مندهشين هل يسمع الإنجليز زحمة يا دنيا زحمة في السفارة؟ و لم تطول مدة الاندهاش لأننا اكتشفنا ان من يغني الأغنية هو احمد عدوية نفس الرجل الذي يسند راسة علي حجر السيدة (زوجته ) او الله اعلم من هي. وأمسكت بطارق صديقي وأجلسته ونحن نضحك لأنه كان يريد ان يقوم يقول له الله يخرب بيت الأغنية الهباب اللي خربت أعصابي و نحن في الطريق. ولاحظ الفنان احمد عدوية أننا نضحك بشدة مع ان السفارة بها هدوء ووقار إنجليزي معروف ولكن هذا لم يمنعنا من الضحك من الموقف، ونحن نري احمد عدوية يغني زحمة يا دنيا زحمة وهو يهز رجلة فوق مقعد الانتظار وهو مستلقي علي ظهره بكل برود أكثر من برود الشعب الانجليزي.


فذهبنا نجلس بجوار احمد عدوية بعد ان اعتدل في جلسته وبكل تواضع ( كان يادوبك يحبو علي سلم الشهرة ) وقال انتم بتضحكوا علي أية ما تضحكونا معاكم. فحكي له طارق ما حدث معنا خلال اليوم فضحك احمد عدوية من الموقف وقال لطارق وهو يمسك بذقنه سلامتها أم حسن.


مرت سنوات كثيرة وطويلة و انتقل احمد عدوية إلي جوار ربة و انقطعت أخبار صديقي طارق محمد سعد بعد ان فرقتنا الأميال ولكن لم يبقي ألا الذكري و الاغنية تشدو في خلفية الغرفة و انا اكتب هذه الكلمات.

زحمه
زحمه يا دنيا زحمه وتاهوا الحبايب زحمه ولا عادشي رحمه مولد وصاحبه غايب

اجي من هنا زحمه واروح هنا زحمه هنا او هنا زحمه زحمه يا دنيا زحمه

زحمه وانا رايح له وانا وسط الزحام عايز يسمع واقله ما بيوصلشي الكلام بيني وبينه معاد وحيروح المعاد

اجي من هنا زحمه واروح هنا زحمه هنا او هنا زحمه زحمه يادنيا زحمه

زحمه ومعطلاني وان رحت وما لقيتوش اخاف اروح له تاني في معادي وما القاهوش كتير الناس كتير وانا عايزاركب واطير

اجي من هنا زحمه واروح هنا زحمه هنا او هنا زحمه زحمه يادنيا زحمه

الساعه الا تلت ومعادي معاه تمنيه لا من السكه دي رحت ولا لا قي سكه تانيه كتير الناس كتير وانا عايز اركب واطير

زحمه يا دنيا زحمه وتاهوا الحبايب زحمه ولا عادشي رحمه مولد وصاحبه غايب

اجي من هنا زحمه واروح هنا زحمه هنا او هنا زحمه


اليوم بعد سنين طويلة هذه الاغنيه كلمتها ترن في أذني وقلبي يقطر حزنا علي مصر

كلمات بسيطة ولكنها معبرة عن حالة ضياع شعب "زحمه يا دنيا زحمه وتاهوا الحبايب زحمه ولا عادشي رحمه مولد وصاحبه غايب"

زحام ولا يعرف احد الي أين ومن أين و إلي أين

و الأحباب تاهو في دنيا لا نهاية لها

و لم يعد هناك مودة ولا رحمة بين أبناء الوطن

و مولد وصاحب المولد... مكنش فيه وخلص.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عدوية لسه عايش
نبيل يوسف -

الله يرحمك يا عدوية مقدما.. الراجل لسه عايش

التخلف الفكرى اكثر
د. رأفت جندى -

كل مكان فى العالم له عيوبه فهذا زحمة ووذاك غربة وهذا بارد والأخر حار. ولكن ما لا اسنطيع العيش فيه هو التخلف الفكرى الذى يطل عليك من كل نافذه وشباك وكل برنامج تلفزيونى

مـصـر.. آه يا مـصـر
ناجي بق البحصة -

كلام كاتب هذا المقال, رغم بساطته الشعبية الصادقة, يمثل كل الحقيقة اليوم. مصر التي كانت زينة الدنيا ومهد الفنون وعاصمة الحب واللقاء لفناني وكتاب العام كله ومنار العالم العربي, أصبحت صورة طبق الأصل من أي بلد خليجي, لا في مظاهر ثروته, ولكن بكل ما يحمل من تأخر وجمود. هل رأيتم صور النساء في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي؟ وليس لهن أية صورة إنسانية اليوم! عباءات سوداء منقبة تتحرك كالغربان السوداء كأننا في طالبان أفعانستان. أضف إلى ذلك الفقر والقذارات في كل مكان, كأنما زلزال ما قبل حجري مـحـا ذكريات هذا البلد ومرحه وجماله من سطح المعمورة. عاد إليه الفراعنة من جديد. ولكن.. من غير حضارة الفراعنةيا مـصـر.. من يعيد إليك الحياة.. اليوم أو غــدأ؟؟؟...

التخلف الفكرى اكثر
د. رأفت جندى -

كل مكان فى العالم له عيوبه فهذا زحمة ووذاك غربة وهذا بارد والأخر حار. ولكن ما لا اسنطيع العيش فيه هو التخلف الفكرى الذى يطل عليك من كل نافذه وشباك وكل برنامج تلفزيونى