أصداء

انهارت مسارب الدمع يا عبد الخالق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حزين.. هو صباح بغداد، صدقني.. كان كئيبا، ثمة شيء ضاع منها، راحت الطرقات تتلمس ارصفتها، والارصفة تتململ من ارتجاج، والامكنة.. تصعر خدها للذكريات، كان صباح النعي شديد الوقع، قوية الصدمة.

يا عبد الخالق..، يا عبد الخالق المختار، يا ايها الوجع المستدرك، يا ايها الملتصق بي، حد انني لا اعرف كيف اتصرف ازاء ما سمعت، وقد جاءني نعيك راكضا قبل ان يبزغ الفجر، تخشبت لحظتها روحي، ورويدا.. رويدا راحت تتحول الى قطرات من ماء، من دمع، من دم، من عتمة، من انكماش، من مواويل متشنجة، تنحب كأمرأة ثكلى، يا عبد الخالق.. ايها الصديق.. كنت اسمع صوتك يتبدى عبر سماعة الهاتف، واخشى ان اقول لك ان نبرات صوتك هي غير التي كنت اسمعها، غير تلك التي اعتدت عليها، المليئة بالحيوية والتماسك والتفاؤل، كانت نبراتك هائمة، متفرقة، مشحونة بعذابات لا نهايات لها، تأتي رافعة اكفها للاستسلام للقضاء وللمرض وللمعاناة، كنت احس بما كنت تقوله، افهم ما تجيش به نفسك وانت تتلوى من تقلبات (الكلية المزروعة)، والله.. اعرف، وراح مجرى الدمع في عيوني يتمزق، يتفجر ويتفتق، تتهاوى سدودا، سدا بعد اخر، وكنت اقول لابأس ايها الرجل الكبير، لا بأس يا مختار، تفاءل.. ايها المتفائل، لا تدع اليأس يقرب روحك المتفانية، لايمكن لروحك ان يهزها مرض، ولكن اي مرض يا عبد الخالق، تلك (الكلية) الوحيدة التي يتعطل عملها وتهددك بين حين واخر، وحيدة عليلة في جسدك الذي صار يكفهر، وليس ثمة علاج ناجع الا بأستئصالها وزرع اخرى، وكنت اتساءل معك : كيف؟، ولا اعرف الاجابة، فما وجدت انا الا ان استغيث واصرخ عبر وسائل الاعلام، وحين امتدت الايدي اليك.. ما كان يسعها الا انتظار ان (تطيب) المضاعفات وان تتم (دورة) الادوية، ولكن القدر.. خطفك، قطف روحك، يا للاسى.

يا عبد الخالق.. مجرى الدمع يلتهب تنزلق منه الدموع عبر مسارب الجسد كله، تنساب دون ان يقف امامها حاجز الكبرياء، تضج، تصرخ، تتعالى، تهيم في الاوردة والشرايين التي تتحول الى غابات من الحزن الاسود، وفضاءات مظلمة، لا يمكن لي ان اسمع خبر رحيلك دون ان تتحرك روحي حرقة عليك، ان تشتعل عويلا، وان تضج صارخة في المديات، ايها الصديق والفنان الكبير، لكنني لا جد للكلمات من مخرج فهي سرعان ما تحترق، وتتحول الى ذرات من رماد سرعان ما تنثرها على عيوني حسراتي، لكنني بدونك أستعرض المعاناة التي امتدت لسنوات طويلة، ولم تكن تخضع لها بل تواصلت في ابداعك لتقول كل ما عندك وتعبر عن خلجات نفسك والناس وكنت زميلا للفنانين ويؤمنون بك قدوة وفنان ملتزما، لم يتصرف الا وفق محبته للجميع، وما اكثر محبتك.

يا عبد الخالق المختار..، ايها الانسان والفنان، ها انت ترحل دون انت تودعنا، بعيدا عنا، في بلاد الغربة التي رغم ظروفك الصعبة لم تكن مغرية بالنسبة لك، وكانت عيناك تتطلعان الى بغداد، كنت تبعث نظراتك اليها لتتنفس هواءها مثلما كنت تمنى ان تتنفس روحك لتشفى، يا عبد الخالق.. لا اعرف وانا اتملى صورتك ان اقول شيئا، كل ما قرأته وتعلمته يتبخر في لحظة التمعن، كثيرا ما نظرت صورتك امس وكنت اخفق بالبكاء على رحيلك المبكر فهو الوحيد الذي يسعفني.

يا عبد الخالق.. هل تعلم ان المسرح الوطني في صباح (الاثنين) ارتدى السواد واصبح طوفانا من دمع وشهقات وعبرات وحسرات، الجميع كان يتحرك على اصداء صوتك، ونحوك ملامح وجهك، الكل يشعر بالهزيمة حين يرفع رأسه ويدرك انه فقدك، كأنهم يقولون : كان يجلس هنا، ويتحدث هكذا، ويقف هنا في تلك الفسحة او هناك على السلم، اتراك.. يا عبد الخالق تشبه احدا؟، ليس هنالك من يشبهك، وليس هنالك من اجهش المسرح الوطني انكسارا عليه.

عبد الجبار العتابي
Attaby60@yah00.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الباشا عبد الخالق
عراقيه وافتخر -

الى رحمه الله ايها العراقي المبدع لم تنقطع دموعي منذ سمعت الخبر فالى متى ينتزع الموت ارواح العراقيين وهم بعيدون عن ارض الوطن فهل هذا قدر العراقيين الغربه , كنت اتابع تشييع هذا الفنان العريق وانا اتالم مما جرى لهؤلاء الفنانين في الغربه فهم فئه تستحق الاحترام لما ابدو من وطنيه وعدم الانجرار وراء التحزب والطائفيه وكنت كلما اراهم مجتمعين يبعثون في التفاؤل بان العراق سيرجع الى سابق عهده

الرحمة له و لمن يليه
أحمد الصالح -

جالت في خاطري ذكريات و تأملات كثيرة و أنا أسمع بخبر رحيل الصديق عبد الخالق و تذكرت يوم تعرفت عليه للمرة الأولى و هو يؤدي دوراً في مسرحية ( لويس كورفلان) للراحل عوني كرومي على خشبة مسرح الأكاديمية مطلع الثمانينات .. و هكذا توالت الفرص التي يستحقها في التلفزيون و المسرح و السينما.. وسيماً .. وديعاً .. مبدعاً .. مؤدباً ..مبتلى بقدر المرض و الموت القريب طوال سنوات حياته .. محتسبا ً.. صابراً على بلواه ..ولعل في رحيله رحمه الله فرصة اخرى للتأمل في آخر المآل .. ترى هل يـتأمل السياسيون مثلنا في آخر المآل؟؟؟ و هل لهم أن يدركوا أن ظهور عشرات مثلهم كل يوم و هم يملؤن حياتنا ضجيجاً و سقماً ..لا يعادل رحيل مبدع عراقي واحدفي أوان غير أوانه و بعيداً عن وطنه؟؟!!الرحمة لمن رحل .. و الرحمة لمن لا يزال يجر صليبه على درب الرحيل .. الرحمة لكم جميعاً .. و لا رحمة لكل السياسيين السرسرية الذين أحالوا أحلى البلدان الى أوسخها و أقساها و أظلمها طراً..

الف رحمة على روحك
اسيل -

في غمرة احزاني وروحي الهائمة الغريبة ودموع غربتي التي اثقلتني ياتيني خبر موتك فتزيد روحي توهانا وتزيد دموعي والامي عليك يا من اراك بعظمة دجلة والفرات ونخيل البصرة...... وانا اركم تتساقطون الواحد تلو الاخر يا جيل العمالقة .. أ أبكيك ام ابكي شوقي ولوعتي لكل ما هو من طين العراق وانت من مخلوقات طين العراق أجدت وابدعت ياباشا.... الف شكر لك والف الف دمعة وداع لا تواسينا فيك

تصحيح
أحمد الصالح -

السيد المحرر ..ارجو تصحيح اسم المسرحية الذي ورد في تعليقي أعلاه.. و الصحيح هو مسرحية (كوريالانوس) لبرتولد برشت و أخراج الراحل عوني كرومي .. بدلا من ( لويس كورفلان\ الشخصية الشيوعية التشيلية لعن الله الذاكرة ).. مع الشكر.. أحمد الصالح.

وداعا ايها الباشا
علي الغرباوي -

يا سادتي الكرام في دوائر الفن و الاعلام , الى متى يبقى العراقيون يموتون بعيدا عن أهلهم و ذويهم و محبيهم و الأقسى من ذلك يموتون بعيدا عن حبيبتهم بغداد !

الباشا رحل
ليث -

يرحمك الله يا عبد الخالق الى متى يموت المبدعين في المنافي

تبقى في القلب
K -

كانت صدمة كبيرة ربما لاننا كنا نتمنى ان يكون قد تحسن بعد الانتكاسة الاخيرة- الحقيقة ليست هناك كلمات تعبر عن حزننا ولااعرف ماذا اقول- ورغم تخصيص بعض الفضائيات وقتا لاحياء ذكراه وتكريمه الا انه في الحقيقة لم يكن كافيا وربما لن يكون- لكن كنا نود من هذه الفضائيات بث اعماله على الاقل لليلة بدلا من المسلسل العربي الباهت.

وانا ايضا !!؟؟
عشتار -

وانا ايضا , لم تبارحني وترحم وجعي الممزق وانيني المشتت , تلك التي لاتجف او تكف الانبثاق الطوعي ! شلالات الدمع المنهمرة اخالها كزخات وابل المطر الثائر على روح *شبابك* الاشيب الكهل المعبئ بالاهات ومتاهات الغربة القسرية المقررة . يااريج العراق المعفر وداعا . رحمة الله عليك . عشتاركم

الى رحمة الله
سعد المسعودي -

الى رحمة الله ايها الصديق الصدوق في كل شئ..... حتى اكياسنا الهوائية لم تعد تتحمل مفارقات قدرنا وتخلت عنك بعد ان قاسمتك هموم الوطن والغربة والترحال الممزوج بالالم والابداع والنجاحات العديدة كان اخرها الباشا ولمة الاصدقاء في تكريم الشرقية الرائدة والانسانية ,وعدتك باني ساكون في دمشق الشهر القادم قادمامع نادي الصحافة في باريس ؟ولكن وجعك العراقي كان كبيرا ولم تعد تحتمل كليتك الوحيدةهواء الغربة .الى رحمة الله ياصديقي والى الجنة بدعوات محبيك وذويك.. المحب لك دوما..سعد المسعودي

وفاه جبل العراق
ريم العراقيه -

الى رحمة اللة يا ايها الجبل الصامد

الى رحمة الله
سعد المسعودي -

الى رحمة الله ايها الصديق الصدوق في كل شئ..... حتى اكياسنا الهوائية لم تعد تتحمل مفارقات قدرنا وتخلت عنك بعد ان قاسمتك هموم الوطن والغربة والترحال الممزوج بالالم والابداع والنجاحات العديدة كان اخرها الباشا ولمة الاصدقاء في تكريم الشرقية الرائدة والانسانية ,وعدتك باني ساكون في دمشق الشهر القادم قادمامع نادي الصحافة في باريس ؟ولكن وجعك العراقي كان كبيرا ولم تعد تحتمل كليتك الوحيدةهواء الغربة .الى رحمة الله ياصديقي والى الجنة بدعوات محبيك وذويك.. المحب لك دوما..سعد المسعودي

الى رحمة الله
سعد المسعودي -

الى رحمة الله ايها الصديق الصدوق في كل شئ..... حتى اكياسنا الهوائية لم تعد تتحمل مفارقات قدرنا وتخلت عنك بعد ان قاسمتك هموم الوطن والغربة والترحال الممزوج بالالم والابداع والنجاحات العديدة كان اخرها الباشا ولمة الاصدقاء في تكريم الشرقية الرائدة والانسانية ,وعدتك باني ساكون في دمشق الشهر القادم قادمامع نادي الصحافة في باريس ؟ولكن وجعك العراقي كان كبيرا ولم تعد تحتمل كليتك الوحيدةهواء الغربة .الى رحمة الله ياصديقي والى الجنة بدعوات محبيك وذويك.. المحب لك دوما..سعد المسعودي