أصداء

المليارات المضاعة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا أتحدث هنا عن الفساد فى العراق، فقد شبعنا من هذا الحديث لحد التخمة، ولكنى سأتحدث عن المليارات التى ضاعت والتى ستضيع اذا لم تلتفت الحكومة وتضع حدا لتبذير الأموال فى استيراد بضائع فاسدة وايادي عاملة مشلولة من وراء الحدود.

قرأت حديثا خبرا عن استيراد الحكومة العراقية لبعض التجهيزات العسكرية الرديئة الصنع من دول العالم الثالث، وكان فى الامكان استيراد نفس المواد من الدول المتقدمة بنفس الأسعارأو أكثر بقليل من التى دفعتها للمجهزين من دول العالم الثالث. وذكرالخبر مثلا لذلك استيراد مركبات (همر) العسكرية الأمريكية الأصل ولكنها مصنعة فى مصر، بنما مثيلاتها المصنعة فى أمريكا أرخص وأجود وأكثر أمانا للجنود الذين يستعملونها. وقبل ذلك استوردت الدولة طائرات سمتية غير صالحة من بولونيا، على ما أذكر، وأهدرت ملايين الدولارات.

أنا لا أعرف كثيرا عن تلك المركبات والطائرات ولا عن أسعارها، ولكن المقالة ذكرتنى بحرب عام 1948 بين جيوش ست دول عربية وجيش اسرائيلي صغير ولكنه مجهز بأحدث الأسلحة وجنوده دربوا أحسن تدريب، فانهزمت جيوش (الأصفار الستة) كما سماها الغربيون فى وقتها. وللهزيمة تلك أسباب كثيرة لا مجال لتفصيلها هنا، ولكنى واثق كل الثقة من أن رداءة الأسلحة التى تسلحت بها الجيوش العربية كانت من أهم أسباب الهزيمة. والذين عاشوا تلك الأحداث المأساوية لا بد أنهم يتذكرون الأسلحة الفاسدة التى استوردتها مصر لجيشها على عهد الملك فاروق. وفى العراق أيضا نفذ حكم الاعدام بالتاجر اليهودي العراقي (عدس) الذى أدانته المحكمة بتهمة شراء أسلحة فاسدة لوزارة الدفاع العراقية فى نهاية الأربعينات أو بداية الخمسينات على ما أذكر.

من خبرتى العملية الطويلة فى التجارة، فان الاستيراد وخاصة استيراد الأسلحة يجب أن يتم من قبل وزارة الدفاع فقط وبعد استشارة جهات وأشخاص كفوئين وطنيين نزيهين، وبعكسه تخسرالدولة ليس الأموال فقط بل الأرواح أيضا وهي الأهم طبعا. ويجب أن تستورد من المناشىء والمصانع المعروفة عالميا، فانه لا يمكن أن نشترى شيئا مصنوعا فى الصومال مثلا لأنه أرخص من مثيله فى ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا او الولايات المتحدة، او لأن تلك الدولة عربية أو مسلمة.

بعد سقوط الحكم الملكي، استوردت الدولة بدالة تلفونية من الاتحاد السوفييتي ونصبت بالقرب من ساحة النهضة فى بغداد الشرقية، وبعد تشغيلها اكتشف الناس انه عندما تتكاثف الغيوم فى سماء بغداد، تبدا التلفونات بالحشرجة، وتسكت سكوت الأموات بعد هطول المطر. واستوردنا حينذاك أيضا سيارات سوفييتية أرهقت شرطة المرور الذين كانوا فى أكثر الأحيان يضطرون الى دفعها عندما تتوقف فجأة فى الشوارع مزدحمة. واستوردت مديرية اسالة الماء مكائن لحفر خناق لأنابيب المياه، تعطلت بعد اسبوع من استعمالها. وقد ذكر لى مدير الاسالة العام فى وقتها بأنه يخشى أن يتقدم بشكوى على الشركة الروسية التى صدرتها الى العراق فتحصل له مشاكل بسبب سيطرة الشيوعيين على الأوضاع آنذاك!.

أما عن استيراد الأيدي العاملة، فهذه مسألة لا تقل أهمية عن استيراد البضائع والمكائن والمعدات، اذ يجب أن تكون هناك ضوابط محددة مدروسة من جميع الجهات المختصة فبل السماح بدخولها الى العراق. ان الأيدي العاطلة العراقية كثيرة جدا حاليا، وتحتاج الى التدريب باشراف خبراء ومعلمين اختصاصيين. وأن تمنح الدولة للمتدربين اثناء تدريبهم نصف الراتب المخصص للمتخرجين عندما يتم تخرجهم تشجيعا لهم على الاستمرار فى التدرب.

ولا ريب اننا سنحتاج الى ايدى عاملة أجنبية، ولكن لا يجب أن نكرر ما فعله البعثيون حينما جلبوا للعراق ملايين المصريين على أساس أنهم عمال او فلاحين، ولكن أكثرهم فى الواقع اشتغلوا بالبيع والشراء، وأول شيء كانوا يفعلونه هو شراء الكهربائيات من السوق الحرة بالعملة الأجنبية المخصصة لكل قادم الى العراق، وباعوها على الأرصفة فى شارع الرشيد والشورجة، فزاحموا بذلك العراقيين الذين يدفعون بدلات ايجار كبيرة الى ملاكي الدكاكين.

أخبرنى أحد أصدقائي وهو من الأطباء المعروفين قائلا أن الأطباء بدأوا يكتشفون اصابات بمرض البلهارزيا (البول الدموي)، ظهرت بعد وصول الفلاحين المصريين الى العراق، بعد أن كان قد قضي على هذا المرض الخبيث فى العراق واختفى منذ ما لايقل عن ثلاثة عقود من الزمن. ووجدوا أن الفلاحين المصريين يتبولون فى ترع المياه والأنهار، فتنتقل بيوض المرض الى الفلاحين العراقيين. لعل عشاق المطرب عبد الحليم حافظ يتذكرون أنه مات بهذا المرض الذى كان (وربما لا يزال) يفتك بآلاف المصريين كل عام.

كان البعثيون قد فتحوا العراق لكل من هب ودب، وكان العرب يدخلون الى العراق بدون تأشيرة، ولم تفرض أية شروط صحية على الداخلين لغرض الاقامة والعمل. وفى فترة متأخرة من حكمهم فرضوا على القادمين فحص الدم للتأكد من عدم اصابتهم بمرض (الأيدز)، فكان أكثر القادمين يدفعون الرشاوى على الحدود فيعفون من الفحص. أما من لا يدفع الرشوة، فان عينة من دمه ترسل الى المختبرات فى بغداد، وبعد وصول القادم الى بغداد بأسبوعين أو ثلاثة قد يحصل على شهادة سلامته من (الأيدز)، ولكنه ان كان مصابا به ولم (يتعفف) فى تلك الفترة من الانتظاريمكن تصور الكارثة التى يجلبها على العراقيين الذين يتصل بهم.

ولقد تعددت المرات التى استورد فيها العراق أدوية منتهية المفعول، وأغذية فاسدة، وحنطة ملوثة ببرادة الحديد. ان مراقبة الأغذية والأدوية المستوردة من قبل القطاعين الخاص والعام يجب أن تتم بكل دقة وعناية، ومعاقبة المفسدين بأشد العقوبات. ويمكننا الاستعانة بالألمان فى هذا المجال، فهم يضعون أقسى الشروط على السماح لدخول الأغذية المستوردة الى بلادهم.

وذكرت الصحف مؤخرا بأن الحكومة العراقية عازمة على جلب خبراء من مصرللمساعدة فى اعادة اعمار العراق!!، ولاأدري لماذا لا يجلبون خبراء من الصومال وأريتيريا أيضا؟! لم يسمع أحد بأن مصر تملك خبراء بالاعمار والا لماذا تجد البطالة متفشية فيها، وعمارات تتداعى من وقت لآخر، وشوارع القاهرة خاصة المزدحمة بفضاعة ولا يتمكنون من معالجتها أو معالجة الكثير من المشاكل التى تواجه المواطن المصري.
ولا يملك المرء الا أن يتساءل هل أن الفقير يطلب المشورة من فقيرمثله ليرشده الى طريق الغنى؟ أو الأصلع يطلب دواء لصلعته من طبيب أصلع مثله؟

وقرأت فى هذه الأيام أيضا بأن الحكومة العراقية تفاوض الحكومة الفلبينية للسماح لليد العاملةالفيلبينة بالعمل فى العراق. لم يشتهر من الفيليبينيين الذين يعملون خارج بلادهم سوى الممرضات، فهم من أشهر وأمهر الممرضات فى العالم، وحالما تتخرج الممرضة الفيلبينية فى مدارس التمريض حتى تسعى للحصول على تأشيرة الدخول الى الدول الغنية التى تتسابق على استقدامهن، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا والسعودية والامارات.

ان استقدام الأجانب واستيراد المصنوعات والأجهزة والمعدات والمنتوجات الأجنبية على اختلاف أنواعها يكلف العراق المليارات من الدولارات سنويا، والعراق فى الوضع الاقتصادي العالمي المتدهورالحالي بحاجة الى كل دينار ودولار لاعادة اعماره وتلبية متطلبات شعبه ليحيا حياة حرة كريمة.

عاطف العزي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الازدواجية
بغدادي -

ان مشاكل العراق في الوقت الحالي هي كثيرة ومن بينها المخدرات التي يدخلها الايرانيون الى العراق والتي بدئت تنخر باسس المجتمع العراقي ومشاكل العراق اليوم هي العبوات اللاصقة التي ادخلها الايرانيون الى العراق والتي شاهدها الملايين عبر شاشات الفضائيات واالتي كتب عليها -صنع ايران - ان عاطف العزي لا يكتب عن مشاكل العراق الحالية بل يتحفنا بمواضيع لا تمسح بما نحن فيه الان فهو اتحفنا قبل اسابيع بمقالة كيف ان اللاجئين الفلسطينيين في العراق وعددهم بضعة الالاف انهم هم من اضطهد ملايين الشيعة في العراق واليوم في مقالته يقول ان العمال المصريين في العراق في زمن صدام هم سبب الخراب الاقتصادي في العراق ان هذا الخقد الطائفي الذي جعل عاطف العزي يكره كل من هو عربي - مصري سوري فلسطيني سوداني - لانهم ليسو من طائفته ولكنه يحب حزب الله بينما يكره حماس مع ان اجندتهما متشابة ان تحليل اي موضوع يجب ان يبتعد عن الحقد الطائفي ويكون حياديا حتى تكون نتائج هذا التحليل مستساغة من القارئ القارئ لهذه المقالة

اتركوا الأمور للمختص
عبد الرحيم العاملي -

كل الأمور التى سطرها الكاتب الفاضل لا يمكن لغير المحترفين القيام بها . المثل العراقي يقول (انطى الخبز بيد خبازته) ، ولكننا نرى رجال الدين يسيطرون على كل الأمور الى درجة أنهم نسوا واجباتهم الدينية . فلنترك الأمور الى ذوى الأختصاص والاخلاص ، وهم كثيرين فى العراق ولكن يجب أن تتاح لهم الفرصة لخدمة بلدهم.

لست الوحيد
من التعليم -

تحية طيبة لكل نفس تضع امرها في الميزان واتوجه للسيد العزي بما هو حاصل لكل الدوائر وكمثال على ذلك وزارة التعليم العالي حيث تجلب المستلزمات كيفما اتفق ومن اتعس المناشئ كما نقول بالعامية نخالة ناهيك عن صرف المليارات من جلب تلك البضائع الرديئة ومنها الحاسبات التي لا تعرف ماهيتها ولاول اسبوع تذهب الى سلة المهملات في المخزن واني احد الذين اصابهم الشلل في العمل جراء الاجهزة التي تنصب لنا والله اعلم عن ما يحصل تحت العباءوهذا القليل الذي يمر علينا والحبل على الغاربسلام لكم ولكل قلم يفضح هكذا اعمال

الى المعلق بغدادي
سلطان -

أما أنت مصري أو فلسطيني ولست بغدادى . اذا كان استيراد المواد التالفة ليس من مشاكل العراق فما هي؟ أتريد أن يسطر لك الكاتب جميع مشاكلنا وتحتاج الى مجلدات . لا أرى طائفية فى الموضوع كله بل حقائق دامغة .

طائفية
فول سوداني -

ان الموضوع مهم جدا وليس فيه طائفية كما ذكر المعلق الأول البغدادي . ولم يذكر فيه لا فلسطيني ولا سوداني . قال ان مصر والعراق فى زمان الملكية استوردو اسلحة فاسدة ، فهل الكاتب ضد العراق أيضا. كنا نتهم أمريكا واسرائيل على مشاكلنا والآن اكتشفنا الطائفية وكل من لا يعجبنا فهو طائفيتحياتى للكاتب ولأيلاف

فساد العراق
رعد -

ربما يحتاج جميع الشعب العراقي إذن الى تطعيم خاص ضد الفساد , لكن هذا ذنب أميركا المجرمة والغرب الحاقد ,إذ لماذا لم يكتشفوا هذا المصل المضاد للفساد لحد الآن ؟؟أنا لا أفهم , من هو غير الفاسد في العراق ؟لذلك سأقتبس كلام السيد المسيح وأقول ..من كان منكم بلا فساد فليرجم الحكيم بحجر !

زيوت ملوثة
حسن -

صدق الأستاذ الكاتب فقد قرأت اليوم فى الجرائد بأن السيد وزير التجارة عبد الفلاح السوداني ذكر بأن الزيوت المنتجة من المادة الخام المستوردة من اوكرانيا ملوثة بالأشعاعات .

إلى البغدادي
ليث -

مما يدل على أنك لست بغدادياً أو حتى عراقياً هو اتهامك للسيد العزي بالطائفية ، وأنت هنا من خلال أسلوبك إنما تقصد طائفة بعينها وهي الطائفة الشيعية ، فاعلم يا( لا أعلم من أين) أن عائلة العزي هي عائلة عراقية عربية سنية عريقة ضاربة في القدم ، ومَن في بغداد كلها من لا يعرف عائلة العزي لو كنت بغدادياً بحق؟ ، أخرجوا منها أيها العرب ودعونا وشأننا واهتموا بشؤنكم فبلدانكم ينخرها الفساد، فلقد عرفنا وسئمنا أساليبكم الفجة ، لا تقحموا أنفسكم بشأننا

العزي
بغدادي -

ان عشيرة العزي هي عشيرة سنية باغلبيتها ولكن يوجد فيها من تشيع حالها كحال الكثير من العشائر العربية التي ينتقل ويعيش افرادها في المناطق الشيعية كما يوجد الكثير من الاكراد الفيلية تلقبوا باسماء قبائل عربية مثل البعض الذي يتلقب ب عشيرة السعدون والبغدادي والعزي وعشيرة العزي الكريمة مشهورها بانتمائها العروبي وكرهها للفرس ولكن التحول للطائفة الاخرى تجعل الشخص يتحول الى عدوا لكل ماهو عربي او فلسطيني لان الكثير من الشيعة اعتزازهم بايران والفرس اكئر بكئير من اعتزازهم بقوميتهم العربية بينما لا تجد فارسي واحد يسب القومية الفارسية فارجوا من احدكم ان يفسر لي سبب كره الشيعة العرب للعرب وحبهم لبلاد فارس واهل فارس

إلى (ألبغدادي)
ليث -

إهتموا بشؤنكم ولا تقحموا أنفسكم بنا ليس لكم فيه، أنت لا تعرف معنى ان تكون عراقياً ،ولن تعرف هذا ما حييت ، جدلك هذا هو جدل بيزنطي وسفسطة واضحة ، فأنت لست بعراقي ومع ذلك تتحدث عن عوائل العراق ، لم يتشيع أحداً أبداً من عائلة العزي ، وكانوا ومازالوا في معقلهم في الأعظمية في بغداد ، وعاطف العزي رجل علماني وليس له المسائل التي أخترعتموها أنتم ، لو كنت تقرأ جيداً لعرفت ،وما تقول ليس سوى أكاذيب تستطيع أن تقنع بها غير العراقيين ، فالعراقيون يعرفون أهلهم جيداً ، فلا تحاول ولا تلعب في غير ملعبك ، ألكاتب يتحدث عن العراق وما يجري فيه ، وهذا فيمابيننا نتقاتل نتصالح ليس هذا من شأنكم، أخرجوا منها ، لن تستطيعوا أن تعيدوا وتهيجوا ما جرى في الخمس سنوات الماضية ، موتوا كمداً ن وخير لكم أن تحاولوا بانفسكم أن تخرجوا الأحتلال من دياركم دون تحميل العالم كله مسؤليتكم وأنتم تعيشون في أوروبا مرفهين وليس لكم سوى التنظير

ويلنا من الفلسطينيين
رقيب -

يظهر ان المعلق (بغدادي) فلسطيني عاش أو يعيش فى العراق وممن يعبدون صدام حيا أو ميتا . لم أجد فى المقالة ذكر لفلسطين ولا الفلسطينيين . كيف توصل الى أن الشيعة يكرهون العرب ويحبون الفرس؟ انه الدس الرخيص الذى يقوم به أعداء العراق للتفريق بين أهله . أقول له بأن الفلسطينيين يشبهون اليهود فى تصرفاتهم وأخلاقهم ، وان الأذى الذى أصاب كل العرب من الفلسطينيين أكثر من الأذى الذى أصابهم من اليهود.