تحقيق فينوغراد الحمساوي

ما أن انتهت الحرب الكارثية في قطاع غزة، و التي تتحمل فيها قيادة حماس المسؤولية الأساسية، بإعلانها انتهاء التهدئة و إطلاق الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية دون أن تكون مستعدة لتبعات عملها غير مسئول، حتى خرجت أصوات فلسطينية تعبر عن الأمل في إقامة لجنة تحقيق حمساوية مستقلة شبيهة بلجنة فينوغراد الإسرائيلية التي قامت بتقييم أداء السلطة السياسية و الجيش في إسرائيل خلال حرب لبنان. على سبيل المثال، نشر احمد أبو مطر مقالا على صفحات "إيلاف" بعنوان " هل سيصدر تقرير (فينوغراد) الغزاوي " متمنيا أن يكون التقرير "بنفس جرأة و شجاعة تقرير فينوغراد الإسرائيلي."

بطبيعة الحال تمنيات احمد مطر هذه كمن يتمنى شروق الشمس من جهة المغرب، فالأنظمة التي أتت إلى الحكم عن طريق الانقلاب و بالطريقة الدموية التي نعرف لا يوجد في قاموسها شيء اسمه الاستقلالية و المساءلة و تحمل المسؤولية. لكن ما حدث - و يحدث - في أنظمة الطغيان هو صدور تقارير داخلية - و في كتمان السرية - تنتقد جناحا معينا من الحكم بتصرفات سلبية نتيجة صراعات داخلية على السلطة. و أشهر هذه التقارير ما قدمه الرئيس السوفيتي السابق "نيكيتا كروتشيف" خلال انعقاد المؤتمر 20 للحزب الشيوعي السوفيتي بتاريخ 25 فبراير 1956 الذي أماط فيه اللثام عن جرائم ستالين.

و يبدو أن هذا ما حصل فعلا في حالة حماس بحسب ما نشرته المجلة البريطانية المتخصصة "دجينس ديفينس" على موقعها على الانترنت (www.janes.com). بدا التقرير بالتركيز على ضعف الأداء العسكري لحماس الذي أدى إلى خسائر في صفوف الإسرائيليين لا تتجاوز 6 جنود نتيجة نيران حماس (من مجموع 13) حسب ما ورد في التقرير، و الذي يتناقض مع ادعاءات "عز الدين القسام" بقتل 49 جنديا إسرائيليا. و يبدو أن سكان غزة أول من يعلم ذلك، إذ بدا التقرير بالحديث عن "تعبير المواطنين [في غزة] عن مشاعر الغضب و الخوف و التعب... و التساؤلات عن ضعف الأداء العسكري لحماس."

نقل تقرير المجلة المتخصصة على لسان مسئول كبير في الجناح العسكري لحماس انه تم إعداد تحقيق داخلي من طرف كتائب عز الدين القسام و جهاز الاستخبارات التابع للحركة "اقر بوجود قصور في الرد على الهجوم الإسرائيلي الذي قضى على ترسانة الصواريخ التي تمتلكها الحركة و دمر البنى التحتية المهمة". و مضى التقرير "إن انتقادات حادة قد وجهت إلى قادة عز الدين القسام... الذين انهوا التهدئة من جانب واحد في 19 ديسمبر الماضي، ما أدى إلى الهجوم الإسرائيلي قبل أن تكون الاستعدادات اللازمة للرد جاهزة."

لا يستبعد أن يكون الهدف من التحقيق "قيادة الخمس نجوم" للحركة المقيمة في الخارج، إذ انتقد خالد مشعل لدعوته إنهاء التهدئة "و بالتالي إنهاء حرب لم تكن حماس مستعدة لها،" محملا القيادة السياسية غير المسئولة -و لو بصفة غير مباشرة- مقتل سعيد صيام بالإضافة إلى "خمسين من خيرة خبراء المتفجرات في الحركة." كما لا يستبعد أن يكون التحقيق موجها أيضا إلى القيادة السياسية و العسكرية داخل القطاع من طرف قاعدة المقاتلين الذين واجهوا الرد الإسرائيلي العنيف في الوقت الذي اختبأت فيه القيادات في جحورها، و لم تظهر للعلن إلا بعد إعلان إسرائيل وقف الهجوم من طرف واحد، و دون أن تفسر هذه القيادات لعموم المواطنين الحكمة من استدراج إسرائيل للمعركة المعروفة نتائجها سلفا، إذا كانت المحصلة النهائية بعد كل الدمار الحاصل القبول بالتهدئة التي كانت متوفرة قبل الحرب.

د. أبو خولة

Abuk1010@hotmail.com