أصداء

عودة فرنسا الميمونة إلى العراق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل ستستعيد فرنسا السوق العراقية الغنية بعد أن فقدتها لعقود طويلة؟ هذا ما يتمناه الكثيرون في فرنسا اليوم. كنت وما أزال واحداً من هؤلاء، ومن أوائل من لفت انتباه المسؤولين الفرنسيين وحثهم على التركيز على العراق في دبلوماسيتهم الشرق أوسطية في مقالة نشرتها قبل بضعة أشهر عن توجهات الدبلوماسية الفرنسية الجديدة وقلت فيها بالحرف الواحد:" تبدو فرنسا هذه الأيام متفهمة لخيارات الحكومة العراقية السياسية والاقتصادية لاسيما مشروع الاتفاقية الأمنية التي يجري التفاوض حولها بين العراقيين والأمريكيين لتنظيم وجود القوات الأمريكية على الأراضي العراقية بما يحفظ سيادة واستقلالية البلد، حيث ينتهي التفويض الدولي للقوات الأجنبية بموجب قرار الأمم المتحدة في نهاية ديسمبر من عام 2008. وبعد زيارتين قام بهما وزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير إلى العراق والتعهد بإنعاش التعاون الثنائي بين فرنسا والعراق في مختلف الميادين لاسيما الاقتصادية والاستثمارات والتدريب العسكري الخ.. وقيام مسئولين عراقيين كبار بزيارة فرنسا وعلى رأسهم الرئيس جلال طلباني، بات لابد من حث الرئاسة الفرنسية على القيام بمبادرة ملموسة وذات مغزى تجاه العراق تتمثل بتنظيم زيارة رسمية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى العراق لترسيخ أسس التعاون المشترك ووضع البرامج والآليات اللازمة لانطلاقة هذا التعاون الذي سوف يعود بالفائدة للبلدين معاً ومن المفترض أن تدرك فرنسا أهمية العراق لفرنسا من الناحية الاقتصادية وكمورد لا ينضب للطاقة، خاصة وأن لها خبرة عميقة في هذا المجال، حيث أن العراق هو ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم إن لم يكن الأول لو تم تأكيد وجود حقول عملاقة في المنطقة الغربية من العراق حيث هناك متسع أمام فرنسا للقيام بعمليات الاستثمار النفطي في التنقيب واستخراج النفط وبناء المصافي وترميم البنيات التحتية في هذا القطاع الحيوي وغير ذلك من المشاريع المشتركة. كما أن العراق يشكل سوقاً استهلاكية هائلة للبضائع والمنتجات الفرنسية التي سوف تحرك الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني من الركود اليوم. وبما أن الرئيس الفرنسي قد برمج زيارة لسورية في نهاية الصيف نظراً لأهمية هذا البلد على الرقعة الدبلوماسية الشرق أوسطية، فما المانع أن يكمل الرئيس الفرنسي مشواره على بعد 45 دقيقة بالكاد بالطائرة ليحط الرحال في بغداد ويلتقي بالمسئولين العراقيين وتكون مبادرة قيمة لتمتين أواصر الصداقة بين البلدين وقلب صفحة الماضي مرة وإلى الأبد؟ وهذا مقترح لايمكن إلا أن
يكون إيجابياً للبلدين معاً ويستحق الدراسة والتمعن فيه".


توقعت حدوث انعطافة دبلوماسية فرنسية تجاه العراق وتمنيت أن تحدث في أسرع وقت ممكن ونوهت إلى إمكانية قيام الرئيس الفرنسي بزيارة مفاجئة إلى العراق منذ الأيام الأولى لتسلمه منصب رئاسة الجمهورية الفرنسية سيما بعد زيارته الأولى للشرق الأوسط، والفضل في هذا النجاح الدبلوماسي الباهر يعود بالطبع إلى ديناميكية وحيوية الدبلوماسية العراقية وواجهتها الواعية في باريس ممثلة بشخص سعادة السفير العراقي في باريس الأستاذ موفق مهدي عبود ونشاطه الدءوب في هذا المجال وتقبل الدبلوماسية الفرنسية لهذا الطرح والتشخيص العقلاني. فهذه الزيارة " التاريخية" هي أكثر من ضرورية لقلب صفحة الماضي الكئيب وإعادة تأكيد الحضور الفرنسي بقوة وعلى كافة الصعد وفي جميع المجالات على الساحة العراقية. فالزيارة تعد بمثابة خطوة أساسية لكي تسترجع فرنسا مكانتها الحقيقية ودورها الهام في الشرق الأوسط. فالفرنسيين ما يزالون يتذكرون بمرارة موقف الإدارة الأمريكية من معارضتهم للحرب على العراق وتصريحات المسئولين الأمريكيين حول:" الصفح عن روسيا وتجاهل ألمانيا ومعاقبة فرنسا لمواقفهم الرافضة لتلك الحرب". بيد أن أحداثاً وتحولات جذرية وقعت منذ ذلك الحين وتغيرت الظروف الدولية وموازين القوى وترتيب الأولويات كما تغيرت الوجوه الحاكمة في فرنسا وألمانيا وأمريكا وروسيا وانفرجت العلاقات الدولية نسبياً بعد انتهاء حقبة جورج دبليو بوش وصقور البنتاغون والبيت الأبيض والمحافظين الجدد وانحسار سلطاتهم وسطوتهم. كما تحسن الوضع الأمني في العراق على نحو ملموس وحدثت تطورات إيجابية وجدية على طريق المصالحة الوطنية الحقيقية، وتم إبرام اتفاقية بين العراق وأمريكا نصت على انسحاب تام من العراق بحدود نهاية العام 2011 واستعادة العراق لسيادته الكاملة. لقد حان الوقت لتقديم كافة أنواع الدعم والمساعدة للعراق كما أجمع المراقبون والمتابعون للشأن العراقي، خاصة من جانب فرنسا لترسيخ وتكريس التجربة الديمقراطية الفتية في العراق. فالرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما قام بقراءة صحيحة للملف العراقي وبموجب ذلك قرر سحب قواته من العراق خلال ستة عشر شهراً وبطريقة مسئولة وواقعية لأن الرئيس الأمريكي مقتنع الآن بضرورة تركيز جهود بلده في مكافحة الإرهاب على الساحتين الأفغانية والباكستانية وهذا يعني إرخاء القبضة الأمريكية على العراق وجعل الساحة العراقية مفتوحة أمام توغل دول كبرى أخرى غير الولايات المتحدة لتستثمر وتساهم في عملية إعادة البناء والإعمار خاصة وأن التجربة الفرنسية في السوق العراقية عريقة وعميقة ومجربة ومعروفة وكانت العودة الفرنسية تحتاج إلى قادح أو لمبادرة لإطلاق الحملة التعاونية بين البلدين استثمرته السفارة العراقية في باريس وجسدته بترتيب زيارة الرئيس الفرنسي السريعة والمفاجئة للعراق التي سيعقبها حتماً مبادرات وخطوات وزيارات أخرى بين الجانبين العراقي والفرنسي تأتي على رأسها زيارة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون وبرفقته وفد كبير من الوزراء ورؤساء الشركات والمصانع الكبرى ورجال الأعمال التي تمت برمجتها قبل حلول الصيف القادم، وزيارة رئيس الوزراء العراقي المرتقبة لباريس والتي ستتم قريباً جداً وتسبقها زيارة وزيري الدفاع والنفط العراقيين إلى فرنسا في الأيام القليلة المقبلة. وبالتالي يمكننا القول أن زيارة الرئيس الفرنسي لبغداد جاءت في التوقيت الدقيق والصحيح والمطلوب بعد عشرة أيام من إجراء انتخابات مجلس المحافظات التي تكللت بالنجاح مما ساهم في تدعيم موقع وسلطة رئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري المالكي علماً بأن العراق يستعد من الآن للانتخابات النيابية أو التشريعية القادمة في نهاية ديسمبر من هذا العام 2009.


أود الإشارة إلى حقيقة تتعلق باستحسان أغلب العراقيين لإطاحة النظام السابق وإنقاذهم من قسوة ووحشية وبطش نظام صدام حسين البائد ولو كان ذلك عن طريق الحرب وتقديم آلاف الضحايا والكثير من الدمار لكن العراقيين مستاءين اليوم من الأمريكيين لعدم نجاحهم في تقديم أي شيء وعدوا به لتحسين ظروف المعيشة وتوفير الخدمات وتعويضهم عما افتقدوه لسنوات طويلة، حتى الديمقراطية لم يقدمها الأمريكيون الذين كانوا ينوون حكم العراق حكماُ عسكرياً مباشراً لعقدين من الزمن على الأقل لولا تدخل المرجعية الدينية والقوى الوطنية العراقية الذين أصروا على إجراء الانتخابات الديمقراطية الحرة وكتابة الدستور بأقلام عراقية مستقلة. لذلك فإن آفاق التعاون الفرنسي العراقي باتت تلوح في الأفق والأبواب مشرعة أمام البلدين حيث أتمنى على الفرنسيين أن يبدعوا في المجالات التي يتقنونها ويتفوقون فيها على منافسيهم العالميين وأعني بها الطاقة، أي النفط والطاقة الكهربائية، والمياه الصالحة للشرب والتصريف الصحي والتسليح والتدريب العسكري والأمني، والنقل وخاصة السكك الحديد ومترو الأنفاق. فالعراق بحاجة ماسة لكل هذه المجالات التي تعتبر فيها فرنسا رائدة. وأتمنى على رئيس الوزراء العراقي اقتناص الفرصة والاستعداد الفرنسي لتعاون بلا حدود، لتوفير الخدمات التي يحتاجها المواطن العراقي بعد حرمان دام قرابة الأربعة عقود مما سيزيد من شعبيته وشرعيته لدى الجماهير العراقية، خاصة وأن أمريكا لم تعقد عقبة أمام عملية إعادة البناء واحتكار السوق العراقية لها. فلقد ولى زمن الضغوط والإملاءات الأمريكية على العراقيين كما جاء على لسان رئيس الحكومة العراقية وباتت الطريق معبدة أمام فرنسا لكي تعود وتستثمر علاقاتها وتجاربها وخبرتها السابقة في بلد السواد، سيما وأن فرنسا تنشط وتتحرك من أجل عراق موحد وقوي ويتمتع بسيادة كاملة ومستعد للالتزام بكل تعهداته مع شريك مستعد هو الآخر للقيام بكل ما يطلب منه لتحقيق الأهداف المنشودة.


من هنا، وبكل مقاييس التحليل السياسي والإعلامي، بوسعنا وصف زيارة ساركوزي المفاجئة لبغداد بأنها " ضربة دبلوماسية" ذكية وموفقة أثارت الدهشة والإعجاب في آن واحد واستحقت بالفعل تسمية " الزيارة التاريخية" بكل جدارة سواء من الجانب الفرنسي أو العراقي على السواء. فهو أول رئيس فرنسي يزور العراق منذ سنوات طويلة وهو أول رئيس أوروبي يزور بغداد منذ الحرب سنة 2003. كانت تصريحات الرئيس الفرنسي في مؤتمريه الصحفيين بصحبة الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي قد اكتست بعداً واقعياً ورمزياً في نفس الوقت. فأول شيء توحي به هذه الزيارة هو التعبير عن تضامن فرنسا مع الشعب العراقي ودعمه وتشجيعه للمضي إلى الأمام في طريق الديمقراطية والتحرر والاستقلال الناجز :" ففرنسا بحاجة إلى عراق قوي وموحد وديمقراطي وذو سيادة كاملة" على حد تعبير الرئيس الفرنسي إذ:" أن فرنسا ترغب في إعادة إدماج العراق في منظومته الإقليمية واستعادته لمكانته الطبيعية في المحيط العالمي". إن هذه الزيارة جاءت لتكمل الخطوات الدبلوماسية الفرنسية السابقة حيال العراق التي تجسدت بزيارة وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير في آب 2007 وحزيران 2008.

وستكون هذه الزيارة بمثابة المفتاح بيد الشركات الفرنسية لتشارك بقوة في برامج ومشاريع إعادة الإعمار والبناء في العراق حيث طالب ساركوزي الشركات والمؤسسات الفرنسية التوجه وبأقصى سرعة إلى العراق للمساهمة بلا حدود وفي كافة المجالات المدنية والعسكرية والثقافية والاقتصادية والتربوية من خلال توفير المنح والبعثات والزمالات الدراسية للطلاب العراقيين للدراسة في فرنسا وتسليح وتدريب قوات الجيش والشرطة العراقيتين وإعداد وتأهيل وتكوين الكوادر العراقية، ودعم العراق في المحافل الدولية. ولا يخفى على أحد أن التعاون مع العراق يعني سوقاً بقيمة 80 مليار دولار وهي دعوة عراقية صريحة لفرنسا لأخذ المبادرة والتواجد بجدية داخل السوق العراقية وتمهيد عملية الدخول من خلال تعيين ملحقيات وبعثات دبلوماسية وعسكرية وتجارية وفتح قنصليات إضافية في شمال العراق وجنوبه إلى جانب ما هو موجود في العاصمة بغداد وبناء سفارة جديد على أن يتم كل ذلك بتعاون وتنسيق مع أمريكا باراك أوباما التي لم تعد تعترض على الوجود الفرنسي في العراق بعد طوي صفحة الماضي وإنهاء سوء التفاهم بين الحليفين الأمريكي والفرنسي الذي نشب إبان عهد الرئيسين السابقين جورج بوش وجاك شيراك وانتهى اليوم خاصة بعد عودة فرنسا لأحضان القيادة المركزية الموحدة لحلف
شمال الأطلسي.

د. جواد بشارة
jawadbashara@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هذوله جايين على شنو؟
نوخذ -

هذوله الفرنسيين جايين علشان البيزات كما يقول الخليجيون او علمود الفلوس كما يقول العراقيون .مرة يبيعون اسلحة مرة يسوولهم شغلة مابيها فايدة ابنوا مستشفى ولكم لو سسولكام طريج او عيادة !!!!!هذوله ماراح يخلون الشعوب تتنعم بخيراتها يخطفون اللكمة كبل ما توصل للحلج .بس العتب على حكامنا

عبقريه
احمد حسين -

اهنئك على هذا الاكتشاف المذهل والعبقري(الأمريكيون الذين كانوا ينوون حكم العراق حكماُ عسكرياً مباشراً لعقدين من الزمن على الأقل لولا تدخل المرجعية الدينية) يعني الامريكيون خافوا جدا من المرجعيات وغيروه خططهم!!! الى متى نبقى نضحك على انفسنا!!!