أصداء

ذاكرة الإرهاب في تاريخ العراق الحديث

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السقوط الدرامي للنظام العراقي السابق في ربيع عام 2003 الذي تم على أيدي القوات الأميركية ليس مجرد حدث فريد من نوعه في العالم العربي فقط بل أنه وضمن دواعي الأمن الإقليمي و الدولي قد جاء ليغطي على فظائع مرحلة تاريخية حساسة عاشها العراق و العالم العربي و حيث أخفيت بسبب فوضى الحرب و الإحتلال و حالة ( الفرهود ) أي النهب الوطني الشامل حقائق مريعة و توارت وثائق مهمة للغاية عن أحداث داخلية عراقية و على صعيد الصراع الداخلي للنظام البائد ذاته و المؤامرات التي كانت تحاك بسرية مطلقة و تركت نتائجها فيما بعد آثارا مهمة على مستوى الأمن الإقليمي!!

فقد هرب أو توارى العديد من قادة النظام السايق و قياداته الحزبية العاملة، و قبض على البعض الآخر ووقعوا تحت الرعاية الأميركية المباشرة و بالشكل الذي جعل من تدوين أحداث التاريخ العراقي القريب مسألة صعبة و معقدة إن لم تكن مستحيلة، و قد دابت مؤخرا بعض الفضائيات العراقية تحديدا على تنشيط الذاكرة التاريخية و أستدعت بعض البقايا من قادة النظام السابق أو القيادات البعثية السابقة التي لعبت دورا في صياغة أحداث التاريخ العراقي أو كانت على الأقل شاهدة عليه، وقد تبين من خلال متابعة تلك الذكريات بأن أغلبية القادة العراقيين السابقين ليسوا سوى مجرد ( شاهد ما شافش حاجة )!!، و قد أفصح وزير النفط العراقي الأسبق و عضو القيادة القطرية للبعث تايه عبد الكريم العاني عن تلك الحقيقة بوضوح قائلا من أنه كان ممنوعا على القياديين البعثيين مناقشة ملفين وهما الجيش أولا و أجهزة الأمن ثانيا!!

فماذا بقي إذن من شؤون الدولة لتناقشها القيادات الحزبية الأخرى؟ لذلك كانت جميع ملفات و حقائق المؤامرات التي أعلنها نظام البكر/ صدام حبيسة الأدراج السرية و لا يعلم أحد من العراقيين بحقيقتها سوى صدام حسين و الحلقة الضيقة المحيطة به، و لعل أشهر المؤامرات التي ظلت ملفاتها و حقائقها حائرة و تائهة في التاريخ العراقي المعاصر هي مؤامرة 30 حزيران/ يونيو 1973 المعروفة بمؤامرة مدير الأمن العام اللواء ناظم كزار و الذي كان في البداية و النهاية صنيعة شخص صدام حسين فقط لا غير، فناظم الرهيب الذي كان الشيوعيون العراقيون يعرفون سطوته و ساديته كان مجرد شقي من شقاوات و سرسرية حزب البعث و في الخط المعروف بالخط الصدامي أي الخط المسؤول عن المعارك و الإغتيالات و التصفيات للقوى المنافسة في الشارع و تم ترشيحه لمنصبه ألأمني بناءا على مسؤولية صدام حسين ذاته أيام كان نائبا لما كان يسمى مجلس قيادة الثورة و إستنادا إلى ماضيه الإرهابي و الترويعي في إنقلاب عام 1963 و دوره في تعذيب و قتل الشيوعيين العراقيين في مقرات التحقيق و التعذيب وهو نفس الدور الذي إضطلع به و تخصص فيما بعد في المعتقل التعذيبي الشهير ( قصر النهاية ) إعتبارا من عام 1968 و حيث بدأت العودة البعثية الجديدة للسلطة وقتذاك بسلخ جلود القوميين و الناصريين و البعثيين اليساريين جماعة دمشق مضافا لهم الإسلاميين من شيعة وسنة إضافة للشيوعيين وهي الحفلات التعذيبية الليلية الساهرة التي كان يساهم فيها بعض أعضاء القيادة الحزبية العليا من أمثال صدام وطه الجزراوي و برزان التكريتي و عبد الكريم الشيخلي و آخرون، و كان ناظم كزار يعتبر الدرع الواقي لحماية سلطة حزب البعث بعد أن قرر البعثيون عدم ترك السلطة تضيع من أيديهم و رفعوا شعار معروف ( جئنا لنبقى ) و ذللوا كل الصعاب و دمروا كل مخالفيهم بشتى السبل الدموية العنيفة، و لكن بقي التنافس و الصراع الداخلي واحدا من اهم نقاط ضعف البعثيين ليس في العراق فقط بل في الشام ايضا، فصراع الذئاب مستمر و دموي لا يعرف الهدنة، وفي صيف عام 1973 فوجيء الرأي العام العراقي بأنباء محاولة إنقلابية قيل أن مدير الأمن العامة ناظم كزار يقف خلفها بعد أن إختطف كل من وزيري الداخلية سعدون غيدان و الدفاع الفريق حماد شهاب التكريتي خلال دعوتهم لمعمل تعذيبي جديد تابع للأمن العامة فيما دبرت محاولة لإغتيال الرئيس السابق أحمد حسن البكر في مطار بغداد خلال عودته من زيارة رسمية لبلغاريا و كانت تلك الخطة مبرمجة وفقا للسيناريو ( الأوفقيري ) في المغرب نسبة لوزير الدفاع و الداخلية المغربي السابق الجنرال محمد أوفقير الذي دبرفي صيف 1972 محاولة لإغتيال الملك الحسن الثاني بتفجير طائرته في الجو فلما فشلت تلك المحاولة حاول قتله في مطار الرباط أيضا و هي التي فشلت أيضا !!

و كان سيناريو إغتيال الرئيس البكر في المطار يبدو شبه مضمون و لكن تأخير حصل في جدول عودة البكرأربك المتآمرين الذين إنسحبوا من محيط المطار لتكتشف المحاولة و يعدم كبار قادة الأمن العراقي و يهدم قصر النهاية و العجيب أنه لم تجر أبدا مساءلة حزبية أو سياسية حول ما حصل و كيف حصل؟ وحقيقة الرواي الرسمية للأحداث، كما لم تجر ابدا محاكمات علنية بل شكلت محكمة خاصة ترأسها عزة الدوري حكمت بالإعدام و نفذ على الفور في حديقة القصر الجمهوري و لكن الهزة الكبرى لحزب البعث كانت في إتهام القيادي البعثي الكبير المرحوم عبد الخالق السامرائي بالتورط في المؤامرة دون أدلة واضحة و معلومة و الحكم عليه بالإعدام ثم تخفيف الحكم بسبب تدخل مؤسس الحزب ميشيل عفلق و حيث بقي السامرائي معتقلا في سجن المخابرات العامة لستة أعوام أخرى قبل أن ينفذ فيه صدام حسين الإعدام بعد إستيلائه على السلطة في تموز/يوليو 1979 و مجزرة القيادتين القومية و القطرية و التي أنهت و أجهزت على حكم حزب البعث بالكامل و قبل سقوطه النهائي بربع قرن تقريبا!!

بعد أن تحول لإقطاعية عائلية و عشائرية خاصة بالرئيس الجديد وقتها و أعوانه وحيث تحولت مسيرة الوضع في العراق لتتخذ أشكالا كارثية من الحروب و الغزوات إنتهت بالإحتلال الأميركي عام 2003 و التي أخرجت نظام البعث العراقي من دائرة التاريخ، إرهاب دولة البعث العراقية لم يرحم البعثيين أنفسهم الذين تحولوا لجثث أو لطرائد في ظل خنوع تام و مطلق و عبادة للفرد الصنم و رغم المصائب التاريخية الثقيلة لم يزل الإرشيف الرسمي للأحداث في حالة غياب تام و مفجع وهو ما يعتبر إلغاء تام لذاكرة الشعب و الأمة.

داود البصري

dawoodalbasri@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إضافة لا بأس بها
ABCD -

الشيئ الذي لم يذكره السيد الكاتب أن البعث الصدامي صناعة أمريكية بحتة لضرب القومية الناصرية والبعث اليساري والشيوعية لأنها كانت تسبح في فلك الإتحاد السوفيتي وهي أي أمريكا بذلك توجه ضربة لخصمها اللدود كما إنها أدخلته في حرب نيابة عنها مع إيران ودعمته بكل قوة, وعليه فأمريكا هي نفسهاأيضا وضعت النهاية له في 2003 لأنه خرج عن طاعتها. الغريب والمشابه في الأمر أن امريكا أيضا صنعت القاعدة واستخدمتها في حرب أفغانستان لتحارب جيوش الإتحاد السوفيتي أيضا نيابة عنها ومدتهم بالسلاح والدعم اللوجستي وأظهرتهم إعلاميا على أنهم أبطال مجاهدين, وهي اليوم تسعي للقضاء عليهم مثل ما قضت على من صنعتهم سابقا.... هل رأيتم مثل هؤلاء؟

انسكلوبيديا
عراقي -

مقاله قيمه ، انه بالتاكيد فتره الحكم الصدامي من 1968 الى تاريخ السقوط في 2003 حافله بسجل هائل من المؤمرات و الدسائس و الاسرار التي بقيت لحد الان غامضه ولم يكشف عنها والذي عاش هذه الفتره بقى لحد الان لايستطيع فهمها و يسمع تفسيرات مختلفه لها وعلى سبيل المثال قتل وزير الصحه السابق رياض ابراهيم او أحاله حوالي 50 من خيره اساتذه كليه الطب في نهايه السبعينيات على التقاعد وهذا جزء بسيط من الكثير الكثير واعتقد ان الاسباب كثيره لغموض الكثير من الاحداث منها فظاعه النظام و قوته الامنيه في ذلك الوقت حيث لم تكن القدره للمقربين من الضحيه للتحدث بأي شئ اضافه الى ان رؤوس النظام سقطت بيد الامريكي الذي لايهتم لهذه التفاصيل وتعامله بليونه معهم ، فلو كتب احدهم اعترافات صدام حسين خلال حكمه وبدون كذب و مزايدات لكان ذلك اشهر كتاب في تاريخ العراق السياسي المعاصر

عزوة بغداد لبوش
كركوك أوغلوا -

نشرت الأسلام وفرضت الشريعة في العراق !!..؟؟!!..

عزوة بغداد لبوش
كركوك أوغلوا -

نشرت الأسلام وفرضت الشريعة في العراق !!..؟؟!!..

فيروس عجيب
رعد الحافظ -

شكرا للكاتب المحترم . وفي الواقع كل الحركات والايدولوجيات والأحزاب وحتى الأديان التي تحمل في مناهجها وسلوكها عوامل القتل والأرهاب والدكتاتورية والفساد هي في ذات الوقت تحمل فيروس داخلي لتدمير الذات.والأمثلة كثيرة ليس آخرها النازية والفاشية والصهيونية(لم تنتهي بعد لكنها آيلة لنفس المصير)وبدرجة أقل حزب البعث الذي سيطر على قيادته منذ ستينات القرن الماضي محترفي القتلوالمفاجأة بالنسبة لي هو إستمرار شقه الآخر في سوريا.وحتى ماركسية لنين إحتضرت بعد 70 عام في السلطة لانها تحوي ذلك الفيروس العجيب.ولاداعي لمناقشة الفرقة الضالة في الاسلام فالجميع يرى ويعيش يوميا تفاصيل فشلها الذي سيقودها حتما الى نفس المصير الثوري المحتوم(عادل إمام).

التحول العائلي العشا
زهير -

شكرا للأستاذ داود على هذه المقاله والتحليل وأود من الأستاذ أن يدخل في مقالاته المقبله بتفاصيل واضحه عن ما وردفي مقالته أعلاه :بعد أن تحولل لأقطائيه عائليه وعشائريه بالرئيس الجديد ....... وأكرر شكري

التحول العائلي العشا
زهير -

شكرا للأستاذ داود على هذه المقاله والتحليل وأود من الأستاذ أن يدخل في مقالاته المقبله بتفاصيل واضحه عن ما وردفي مقالته أعلاه :بعد أن تحولل لأقطائيه عائليه وعشائريه بالرئيس الجديد ....... وأكرر شكري