أصداء

ملاحقة البشير .. عودة للسياسات الاستعمارية الشريرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمود عبد الرحيم: وحدها نظرية المؤامرة ، أو بالاحرى لعبة مصالح الكبار على الساحة الدولية التي تفسر، بجلاء ، ما يجري في السودان منذ سنوات ، واخرها ، قرار المحكمة الجنائية الدولية توقيف الرئيس السوداني عمر البشير ، فما ان يلبث النظام السوداني يخرج من ازمة معقدة حتي يجد نفسه غارقا في اخرى اكثر تعقيدا ، وما ان ينجح في تسوية في الجنوب حتى يتم فتح جبهة جديدة في الغرب ، ثم في الشرق ، وما ان يصل لتفاهمات مع فصيل متمرد حتى يخرج عليه فصيل اخر ، علاوة على عمليات عسكرية متواصلة هنا وهناك ، مدعومة امريكيا واسرائيليا ومن بعض دول الجوار الافريقي ، بل ومحاولة انقلاب كادت ان تنجح.

ولاشك ان هذا كله ، عمل على استنزاف السودان وتشتيت طاقته ، وجعله متفرغا ، فحسب ، لإطفاء حريق هنا أو هناك، أو تقديم تنازل لهذا اوذاك ، بدل من البناء والانماء واستثمار ثراوته الطبيعية من نفط ومعادن نفيسة ، أو حتى موارد المياه والتربة الخصبة في الخروج من حزام الفقر وتعويض السودانيين عن السنوات العجاف الطويلة.

ان القضية ليست البشير ، لأن هذه الضربة ليست موجهة له ، شخصيا ، فحسب ، وانما الى الشعب السوداني بشكل خاص والامة العربية بشكل عام ، لأن المقصود من هذا التحرك وغيره من التحركات على طول الخارطة العربية تحقيق مصالح الامبرياليين الجدد التي تتناقض بشكل رئيس ، بل وتتصادم مع مصالح الامة العربية ، لأن تحركاتهم سواء كانت سياسية أو قانونية مشبوهة ولا تنهض على قيم اخلاقية ، وتعيد للاذهان السياسات الاستعمارية البغيضة ، والا لما دعموا انظمة ديكتاتورية ومازالوا ، والا ما سكتوا علي جرائمهم ، طالما ينفذون الاجندات دون ادن اعتراض ، ولو كان على حساب مصالح شعوبهم أو سيادة اوطانهم .

انه البشير ، وقبله صدام حسين يتم تصويرهم كرموز للشر والفساد والجريمة والديكتاتورية في العالم العربي ، ثم استهدافهم لجعلهم فزاعة وعبرة لغيرهم من الحكام الضعفاء ، لتوجيه ضربات للنظام العربي تضعفه اكثر مما هو ضعيف وتنال من سيادته ، انطلاقا من استغلال اخطاء الانظمة التي تبدي قدرا من الممانعة ، رغم ان من يدقق النظر سيجد انهم ليس اسوأ من غيرهم ، بل ربما الاقل سوءا ، فالحكام العرب من المحيط الي الخليج لهم نفس النهج الديكتاتوري ولا يستند حكمهم على رضاء شعبي أو شرعية ديمقراطية ، فلماذا يتم غض الطرف عن هؤلاء ، ويتم استهداف اولئك؟ انه السؤال الكبير الذي يجب أن نتوقف عنده طويلا ، حتى لا ننخدع في الشعارات المرفوعة في الغرب.

ولاشك أن الاجابة نجدها في لعبة المصالح التي تتغير قواعدها باستمرار ، وصراعات الكبار علي الهيمنة علي مقدرات الشعوب الضعيفة ، إلى جانب دخول الكيان الصهيوني في المعادلة الاستعمارية ، سواء بالتحرك المباشر في صراعات المنطقة العربية ودعم جهود التفتيت ، أو ان تترك المهمة لحلفائها الكبار ، لجهة توفير حماية استراتجية لها ، عبر اضعاف محيطها العربي ، وفي النهاية تتلاقى المصالح والاهداف الشريرة.

وللاسف ، سواء رضى الامبريالين الجدد عن حكامنا الديكتاتورين أو غضبوا عليهم ، فالخاسر الاكبر هو الشعوب العربية المقهورة التي تدفع الثمن الباهظ في كلتا الحالتين من ثراوتها ومصائرها واستقلالها وحريتها.

ان تحرك المحكمة الجنائية الدولية بهذه السرعة وهذه الديناميكية ، تحت غطاء دولي كبير امر يثير الكثير من الريبة ، فاذا كان ثمة مصداقية ونزعة اخلاقية من وراء تحريك ملف محاكمة البشير، لتم التجاوب الغربي مع طرح الجامعة العربية والاتحاد الافريقي الرامي الي تأجيل الملاحقة القضائية للبشير ودعم جهود التسوية لانجاز السلام والمصالحة في السودان ، فضلا عن جهود التنمية ، بدلا من عرقلة كل جهد يرمى لتجنيب السودان شرور الانقسام والحرب الاهلية.

ثم ماذا عن الجرائم الاسرائيلية الواضحة للعيان على شاشات التليفزيون ضد الشعب الفلسطيني ، واخرها مجازر غزة ، لماذا لم يتحرك المجتمع الدولي ولم نجد نفس الحماسة ، من قبل اوروبا وامريكا والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ، وقبلهم المؤسسات الحقوقية الغربية التي ضخمت ما يحدث في دارفور والذي لا يعدو عن كونه خليط من صراعات قبلية وانتهاكات لحقوق الانسان وميراث سنوات من سياسات التهميش الذي اعترف بها النظام السوداني نفسه ، وبعثة الجامعة العربية التى زارت المنطقة ببعثة لتقصى الحقائق ، وليس جرائم حرب وضد الانسانية بل وابادة جماعية ، كما فعلت اسرائيل في غزة.

اننا لسنا ضد محاكمة اي مجرم حرب او مرتكب جرائم ضد الانسانية ، سواء كان لمواطن عادي او رئيس دولة ، ولكن لابد من ان تتم هذه المحاكمات دون تسيس ، وبعيدا عن اجندات الاستغلال والهيمنة ، مع مراعاة عدم القفز على اعراف وقواعد قانونية مستقرة في القانون الدولي من قبيل حصانة الرؤساء لحين انتهاء ولايتهم ، خاصة ان مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ، مع ضمان تحقيق نزيه ، وليس استنادا على تقارير مؤسسات مشبوهة اوروبية وامريكية او اشخاص مؤجورين ، أو طامعين في دور سياسي مثل زعيم التمرد الدارفوري عبد الواحد محمد نور الذي يفاخر بدعم اسرائيل له ، فضلا عن احتضان دول غربية له .

ودون ذلك ، سيظل الشك قائما ازاء اى تحرك ، والنظر اليه على انه استحضار للحقبة الاستعمارية وازدواجية المعايير ، ما يضيع سمعة المحكمة الجنائية الدولية ، ويجعلها تنضم الى مؤسسات دولية اخرى كصندوق النقد والبنك الدوليين ومجلس الامن ، التى تحولت الى اداوت للهيمنة وممارسة الضغوط على الدول الضعيفة وحدها ، بغية استنزافها وتحويلها الى كيانات هزيلة تقبل بدور التابع ، لا الدولة المستقلة ذات السيادة.

mabdelreheem@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أتمنی
yamolki -

أتمنی فی کل دقيقة أن يعود استعمار الدول المتقدمة لنا لنحیا الحیاة الکریمة. اغلبکم فی الخارج وتتمتعون بحکم الاجنبی النزيه‌ فلماذا تکثرونها علینا. ثانيا يعنی الغرب ما عدهم لا شغل ولا عمل فقط يتآمرون علی العرب والمسلمین

اتقي الله ياستاذ
El Asmar -

هل من مصلحة السودان والعروبة ان يحكمها سفاحا قتل 300 الفا وشرد عدة ملايين من ابناء الوطن؟ هل المطالبة بالعدل والمساواة اصبحت جريمة؟هل المطالبة بحقوق الإنسان عمل إستعماري ؟اليس الظلم والإستعباد وسرقة ثروات الشعوب هو اقبح انواع الإستعمار و العنصرية؟

ايه الكلام ده يا زول
عمر -

الاخ محمود عبد الرحيمشو مالك يا زول مؤامرة ضد السودان والامة العربية ...فوق يا محمود واذكر لي سبب واحد يجعل الغرب بماله وهيلمانه يتأمر على السودان...يا سيدي السودان من يوم الله ما وضع الخليقة وهو لم يتغير...وعليه يا ريت يا زول يكون اهل السودان سعداء بمحاكمة كل زعيم مجرم يقتل في شعبه وكون ان قرار المحكمة سياسي هذا لا يعني ان قرارات المحكمة مؤامرة وياريت ننسى خطاب الف ليله وليله قبل فوات الاوان ونصير كلنا سودان...

ولا يدع رحمة الله..
رعد الحافظ -

عذرا فلأول مرة سأكتب تعليقي على مقالة دون قراءتها.لقد إكتفيت بالسطر الاول وبالتحديد بالجملة الاولى (وحدها نظرية المؤامرة تفسر ما يحدث في السودان)..ولا داعي لمناقشتك يا سيدي الكاتب في محتوى مقالك الكريم لأني كما قلت لم أقرأه ,لكني أذكرك فقط برد فعل البشير المباشر على قرار المحكمة الدولية,فقد قام بعد دقائق من صدور القرار بتعليق عمل المنظمات الدولية الانسانية والطبية التي تساعد الشعب السوداني في دارفور للبقاء على قيد الحياة..وسؤالي لك هو التالي, لو قام بذلك أي رئيس غير عربي تجاه شعبه؟؟ماذا كنت ستصف ذلك الاجراء المضاد ؟؟؟لن أعطي رأيي الشخصي بهذا العمل ,فقط أقول ,ألا يشعرنا ذلك أن الشعب هو رهينة بيد الرئيس يقطع عنه المساعدات الدولية (وليست مساعداته هو شخصيا)أنى شاء؟؟ما كل هذه الرحمة بشعبه؟؟إنظر إليه كيف يرقص بعصاه وستفهم ما أقصده .وأشكرك

اين المجرميين
على حسين عبد السلام -

يا حكماء العالم الحر لماذا البشير فقط اين بوش الذى خرب العالم اجمع اين اولمرت اين قادة الجيش الاسرائيلى من الوزير لاصغر جندى اين ليفنى التى خدعت الجميع 0ولكن اتضح الاتى الدول الغربية عموما فرنسا وانجلترا وتتزعمهم امريكا واسرائيل بعد ما ظهر البترول فى دارفور سال لعابهم كالذئب عندما يجد الفريسة للبترول والخير العميم من مياة لتربة خصبة لنفط وخيرات كثيرة فحاكموا المجرمين الحقيقيين وبعدين دوروا على البشير وكلامى هذا ليس دفاعا عن البشير وعند المحاكمة سيدافع الراجل عن نفسة فاذا كان مخطئ سياخذ عقابة واذا كان برئ سيفرج عنة ولكن المجرمين امام القانون الدول سواء 0رجاء النشر

اللة يستر
jabir -

ياخوفي علي الشعب السوداني من الموئمرات الدولية والهجمات الاستعمارية الجديدة مثل الذي حصل للصومال من عام 1991 م الي الان وهو يبحث عن امن وغذا ودواء بئسم القضاء علي الدكتاتوريات القائمة الان -اللة يحفض السودان من كل كيد الحاسدين امين

jabir
Hala Hassoun -

jabir, Number 6As usual, you blame everyone else except yourself!The Americans went to Somalia to aid the people. What happened to them? They were shot at and the corpse of their martyrs were dragged in the street.You are people who do not deserve life!

لدي فقط سؤال
مــحمـــــــــد... -

لدي فقط سؤال واحد.....لمــاذا يا ترى ...عنــدنـا الرؤساء فوق القانون ولا يحاسبون...يظلون قابعين على صدور شعوبهـم....ينهبون ويبذخون بينما الناس لا تحصل على قوت يومه...ولادواء وان صرخ وان ..من الالم...فيكون ذلك كيد الصهيونية والامبريالية...على من نضحك...؟؟؟؟

///
... -

اسلوب ادبي جميل.. مسيرة موفقة

اسطوانة مشخوطة .
الحكيم البابلي . -

وها قد عادت حليمة الى عادتها القديمة ( نظرية المؤامرة ، امريكا وأسرائيل ، الشعوب العربية التي تدفع الثمن ) . اخي الكاتب : نظرية المؤامرة اصبحت اسطوانة ( مشخوطة ) ولم يعد العقل الحضاري يقتنع بها ، وهي انما عقدة نقص في الضمير العربي . اما اميركا وإسرائيل فهم لا يمثلون مسطرة او وحدة القياس الوحيدة ، انظر الى بعض الدول العربية وألأسلامية وهي تأكل بعضها البعض الأخر ( مثال واحد فقط ) - ان رقعة الأراضي العربية المحتلة من قبل ايران اكبر وأغنى من رقعة اسرائيل .. وألحبل على الجرار بألنسبة لايران . فهل حرك ضمائركم وأقلامكم ؟!!، وألسبب معروف .. ايران دولة اسلامية !!!. اما الشعوب العربية التي تقول عنها .. سيدي الكاتب .. بأنها تدفع الثمن ! فهي انما تدفع ثمن عدم مبالاتها بألحضارة ككل ، لمجرد ان صناع الحضارة اليوم هم ممن تسموهم ( كفرة ) ،كما انها تدفع ثمن جهلها وتأخرها عن الركب وتشبثها العقيم بتأريخها الغابر وغيبياتها التي لا تستطيع ان تطعم جائع ، كما انها تدفع ثمن عنجهية وبربرية وجهل حكامها الذين يمثلونها خير تمثيل . وكم كان حكيماً الامام علي في قوله : ( كما انتم يوَلَ عليكم ) .

hashish
mo -

poor arabs and moslems no freedom no brain no future.

مبروك
ranafwz -

السلام عليكم المقالة جدآ رائعة استمر على هذا الطريق وبالتوفيق

معاك حق في كل كلمة
توتا -

من ينظر للواقع العربي وللأنظمة الحاكمة يجد حقاً أن غالبيتها ديكتاتورية وتعمل على قمع الشعوب, أي لا يقتصر الأمر على حادثة البشير الذي يجب أن نتسآ ءل لماذا السودان فلينظروا إلى اسرائيل مثلأ ؟؟؟ ولعل ذلك يثبت جيداً أن المقصود به هو تدمير البلدان العربية كما كانت البداية في العراق الشقيق ولكن النهاية لم تحدد بعد..........

رائع
mona -

المقاله رائعه موفقه وتعتبر عن وجهه نظر محايده فيما حدث ويحدث وعن تسيس قضاينا العربيه لنكون نحن ضحيه مرتين مره لحاكما ومره اخرى عندما تبعثر كرامتنا العربيه على متاحف المحاكم الدوليه التى تجاهلت كل ما حدث فى غزه ..ام ان اهل غزه لا يستحقوا جلسه او قرار دولي؟؟ ام هو فيتو امريكى حتى على القانون؟؟ليس الغرض هو نقد الحكم بقدر ما هو انتقاذ للسياسيه التى اصدرت الحكم فاصبح حكم مسيسلك تحياتى محمود

اه يا سودان
shimaa khairy -

بصراحةالموضوع دةمهم جدا بالنسبة لكل العرب لانه بيستهدفهم كلهم وخاصة الدول العربية القربية من مصروهدفهم يضعفواالعرب و يهدموا وحدتهم كل دة بيحصل والرأى العام الدولى غير مهتم بأى حال ومن قبل السودان فلسطين اللى حصل لهااطول فترة احتلال وانت مشكور كتير لانك بتحاول تصحى ضمائر الشعوب .

مقال موضوعي
محمود خلوف/فلسطين -

مرحبا ردا على من ادعو بأنك منحاز للبشير أو غيره فمن يبص في المقال جيدا يشعر أنك موضوعي..وتشخص ظاهرة ليس أكثر، موفق يا محمود، كان لدي أمل بالتعمق أكثر بالحديث عن مجازر الاحتلال وازداوجية المعايرر لصالح إسرائيل بشكل معمق أكثر

تحفة فنية
abeer -

اولا بجد مبروك على المقال لانه بجد بيشرح ويفسر وضع العرب الان فى عالم كله وبالخصوص دولة سودان حيث تعتبر دولة سودان من اغنى مناطق عربية بالثروات طبيعة ولكن نظرا لما تمر به الان من قرار المحكمة الدولية الظالم بتوقيف البشير فهذا يعتبر تجنى واضح على سيادة هذه دولة وهذا ليس دفاع عن بشير بصفته شخصية ولكن لانه يمثل دولته ومن ثم العرب باكملهم وبجد اسلوبك وصياغتك للحوار اكثر من رائع يا استاذ محمود

congratulations
mouna -

Felicitations, c’est un article tres interessant qui discute la situation actuelle du monde arabe, Vous avez droit dans chaque mot, ce qui se passe aujourd''hui est l''elimination des peuples et des pays arabes, bonne continuation.