أصداء

ومنها جائر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

المبادئ الثانوية التي أرسل من أجلها الأنبياء بما فيهم أولي العزم تتفرع جميعها على الأساس الذي يكفل للإنسان السعادة الأبدية ويكون ملتقى تلك الفروع في توحيد الله تعالى، فالأصل في الدعوة يتلخص في نبذ جميع العبادات المؤدية إلى الطرق الجائرة عن الإستقامة التي أمر الله تعالى بها على لسان رسله، ولذلك نجد أن الناس قد إنقسموا إلى قسمين فمنهم من شقى بسبب الرسالة ومنهم من سعد بها علماً أن الشقاء لم يكن إبتداءً وإنما هو نتيجة عدم القبول بالتكاليف التي بينها الله تعالى على لسان الرسل.

ولذلك نجد أن الأنبياء جميعهم يدعون إلى نبذ جميع العبادات غير الشرعية والإتجاه إلى عبادة الله تعالى،
كما قال جل شأنه: (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) الأعراف 59. وكذلك قال تعالى على لسان هود: (ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون) الأعراف 65. وكذا في صالح مع ثمود وشعيب مع مدين.

وبما مر يظهر أن الرسالة التي جاء بها الأنبياء على إختلاف العصور والمراحل يغلب عليها طابع التوحيد بغض النظر عن الإلتزامات الأخرى التي تأخذ الجانب الثانوي للأصل الذي بني عليه التشريع.

وهذا التشريع لايمكن أن يحقق أغراضه مالم تنبذ على ضوءه جميع العبادات ويجتنب الطاغوت كما قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) النحل 36.

وهذا هو المؤشر الذي يقود الإنسان إلى الطريق القاصد إلى السعادة الأبدية التي بينها الحق تبارك وتعالى، أما الشق الثاني الذي يريد الإنفصال واتباع طريق الأشواك لابد أن يكون ملاكه قد إنسل من الطرق والسبل الجائرة التي أراد الرسل دفع الناس عنها بواسطة الوسائل التي عملوا عليها، وهذه هي الحكمة الإلهية في هذه الدعوة التي أشار إليها تعالى بقوله: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) النحل 9. وفي الآية عدة مباحث أعرض لها على النحو التالي:

المبحث الأول: قال الزمخشري في الكشاف: المراد بالسبيل: الجنس، ولذلك أضاف إليها القصد وقال: [ومنها جائر] والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد، يقال سبيل قصد وقاصد، أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لايعدل عنه، ومعنى قوله: [وعلى الله قصد السبيل] أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه، كقوله: (إن علينا للهدى) الليل 12. فإن قلت: لم غير أسلوب الكلام في قوله: [ومنها جائر]؟ قلت: ليعلم ما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لايجوز، ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقيل: [وعلى الله قصد السبيل وعليه جائرها] أو [وعليه الجائر]. إنتهى. والإعتزال ظاهر عليه في مهاجمة الأشاعرة.

المبحث الثاني: قال الفخر الرازي: في الآية حذف، والتقدير: [وعلى الله بيان قصد السبيل] ثم قال: [ومنها جائر] أي عادل مائل، ومعنى الجور في اللغة: الميل عن الحق، والكناية في قوله: [ومنها جائر] تعود على السبيل، وهي مؤنثة في لغة الحجاز، يعني ومن السبيل ماهو جائر غير قاصد للحق وهو أنواع الكفر والضلال، وأضاف الرازي في مسألة أخرى على لسان المعتزلة قوله: دلت الآية على أنه يجب على الله تعالى الإرشاد والهداية إلى الدين وإزاحة العلل والأعذار لأنه تعالى قال: [وعلى الله قصد السبيل] وكلمة (على) للوجوب قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت) آل عمران 97. ودلت الآية أيضاً على أنه تعالى لايضل أحداً ولايغويه ولايصده عنه، وذلك لأنه تعالى لو كان فاعلاً للضلال لقال: [وعلى الله قصد السبيل وعليه جائرها] أو قال: [وعليه الجائر] فلما لم يقل كذلك بل قال في قصد السبيل إنه عليه، ولم يقل في جور السبيل إنه عليه بل قال: [ومنها جائر] دل على أنه تعالى لايضل عن الدين أحداً. ويضيف الرازي رداً على المعتزلة ويقرر الإجابة بقوله: أجاب أصحابنا: أن المراد على الله بحسب الفضل والكرم أن يبين الدين الحق والمذهب الصحيح، فإما أن يبين كيفية الإغواء والإضلال فذلك غير واجب، فهذا هو المراد والله أعلم. إنتهى.

وقال أبو حيان في البحر المحيط: السبيل هنا مفرد اللفظ وآل فيه للعهد وهي سبيل الشرع وليست للجنس، إذ لو كانت له لم يكن منها جائر، والمعنى: وعلى الله تبيين طريق الهدى، وذلك بنصب الأدلة وبعثة الرسل، ثم ينقل عن إبن عطية قوله: ويحتمل أن يعود [منها] على سبيل الشرع، وتكون [من] للتبعيض، والمراد: فرق الضلالة من أمة محمد (ص) كأنه قال: ومن بنيات الطرق في هذه السبيل، ومن شعبها. ثم ينسب أبو حيان إلى قيل قوله: آل في السبيل للجنس وانقسمت إلى مصدر وهو طريق الحق، وإلى جائر وهو الطريق الباطل، والجائر العادل عن الإستقامة والهداية كما في قول طرفة:
عدولية أومن سفين ابن يامن******يجور بها الملاح طوراً ويهتدي
أو كما قال آخر:
ومن الطريقة جائر وهدى******قصد السبيل ومنه ذو دخل. إنتهى

أما الطبرسي في مجمع البيان فيقول: [وعلى الله قصد السبيل] أي بيان قصد السبيل عن إبن عباس ومعناه واجب على الله في عدله بيان الطريق المستقيم وهو بيان الهدى من الضلال والحلال من الحرام ليتبع الهدى والحلال ويجتنب الضلال والحرام وهذا مثل قوله: [إن علينا للهدى]. إنتهى.

وللطباطبائي رأي آخر حيث يقول في الميزان: إن من نعم الله تعالى التي من بها على عباده أن أوجب على نفسه لهم سبيلاً قاصداً يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم وهداهم إليه، وقد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لأن سبيل الضلال ليس سبيلاً مجعولاً له وفي عرض الهدى وإنما هو الخروج عن السبيل وعدم التلبس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة وإنما هو عدم السبيل. وكيف كان فالآية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى وترك نسبة السبيل الجائر المؤدي بسبب المقابلة إلى نفي نسبته إليه تعالى، وإذا كان من الممكن أن يتوهم أن لازم جعله قصد السبيل أن يكون مكفوراً في نعمته مغلوباً في تدبيره وربوبيته حيث جعل السبيل ولم يتركه الأكثرون وهدى إليه ولم يهتد به المدعوون دفعه بقوله تعالى: [ولو شاء لهداكم أجمعين] أي إن عدم إهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلفين وظهورهم عليه بل لأنه تعالى لم يشأ ذلك ولو شاء لم يسعهم إلا أن يهتدوا جميعاً فهو القاهر الغالب على كل حال. إنتهى.

أقول: الآية المبحوث عنها وقعت بعد قوله: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون) النحل 8. وكأن في الآيتين نوع من الطرد بين تعداد النعم الناتجة عن وسائط النقل التي ذكرها تعالى متمثلة في الخيل والبغال والحمير التي يهتدي بها الإنسان إلى الطرق التي يسلكها، وهذه الطرق على حقيقتها الحسية لابد أن تكون سالكة وقاصدة إلى البغية التي يطلبها الراكب دون التخلف عن إختياره، ومن هنا إنتقل تعالى إلى الطرق المعنوية التي تؤمن لسالكها البغية التي تؤدي به إلى السعادة الأبدية فلذلك قال جل شأنه: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) النحل 9. ثم إستأنف تعداد النعم المادية التي من بها على الإنسان، فكأن الآية المبحوث عنها أشبه بالجملة الإعتراضية بين تعداد النعم المادية، فهي نظير قوله: (يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سؤاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير) الأعراف 26. فجمع تعالى في هذه الآية بين اللباس المادي واللباس المعنوي، فهكذا في موضوع البحث فإن الله تعالى قد جمع بين الطرق المادية والطرق المعنوية التي تؤدي بسالكها إما إلى قصد السبيل وإما إلى الجور عنه.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
Abdullahaz2000@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
زمن البلادة أنتهت
عقلاني -

وماذا عن نعمة التلفزيون والراديو والکومپيوتر والهاتف الجوال والساتالايت والکهرباء والطائرات والسيارات والدراجات وMP3 ؟، تری هل سيتجرأ أحد أن ينسب هذا الی فلان وعلان بعد أن نضج العقل وخرج من طور البلادة؟

يبارك الله
هاني جدوع -

بارك الله فيك استاذ عبدالله وانا اتصفح ففجات بمقالك الذي اخذنا الى ايام رفحاء الجميله حينها كنا نحضر لدروسك القيمه انا والسيد جليل والاخ سالم مدلول فمنا اليك الف تحيه وسلام(وهوه) نطلب منك اخ عبدالله ان تبحث لنا عن نضام الحكم في الاسلام وهل يختصب حق الاكثريه مثلما حدث في كربلاء وارجو من خلال القران وتفسيره

قديم وجديد .
الحكيم البابلي . -

ارجوك ان تكف عن نبش الماضي وأستحضار البالي ، وتذكر قول الأمام علي في ذلك : ( لا تُكرهوا اولادكم على عاداتكم ، فهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم ) . قال فلان وقال هذا وقال ذاك وهل في كل ماقالوا شيئ يستطيع ان يساعد مجتمعاتنا الشرقية من عجزها عن اللحاق بركب بقية المجتمعات ؟!. وكم اتمنى سيدي لو تتحفنا بمقالة علمية في المرة القادمة تقول لنا فيها ماذا قال وماذا فعل وما انتج وما اخترع وما قدم للبشرية جمعاء العالم الفلاني وألفلاني وألفلاني ...

الى مقال 3
صبار المالكي -

الناس كانو امه واحده في مرحله تسودها الفطره وبدا التناقض بين القوي والضعيف واصبحت الحياة الاجتماعيه بحاجه الى موازين تجدد الحق وتجسد العدل ز وتضمن استمرار وحدة الناس في اطار سليم. قال تعالى( كان الناس امه واحده فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) ان الدوله الاسلاميه ليست فقط مسؤوليه تقع على عاتق المؤمنين بالشريعه الاسلاميه ولكن هي الطريق الاوحد لاجل خلق مجتمع يشعر بالسعاده اذن هي ضروره شرعيه وحضاريه للانسانيه ولا خيار اخر قط لما تقوله . انا ابارك للاستاذ المبدع عبدالله واقول له بارك الله بك ونحن اليوم بحاجه الى مفسرين اكثر وللاسف الشديد في هذا الزمن العين نرى اغلب رجال الدين باعو ذممهم للسياسه وتسيسوا بها ولن يفلحو الوجهيين واصبحو كلذي خسر الدنيا والاخره. سيدي الفلضل المالكي عبدالله ان كلامك هذا هو عين الصواب وفقك الله ودمت مبدعا لخدمة الدين الحنيف.

الى رقم 1
عقلانية -

والله ماكو احد بليد غيرك!! يعني تريد القران يقول للناس انو بعد الف سنة وشوية رح يطلع اختراع اسمه النت؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ استعمل عقلك شوية

العلة الأساسية
خوليو -

عندما نقرأ هكذا مقالات تدخل الشفقة على قلوبنا ،واضح أن السيد الكاتب لم يقرأ سوى الكتب التي ذكرها وأمثالها، يقول الكاتب واستناداً على آية: وقد بعثنا إلى كل أمة رسولاً...ولنسأل أين هو رسول الأمة اليابانية أو الهندو آسيوية أو الهنود الحمر بعد أن انفصلت آسيا وأوروبا عن القارة الأميركية وماذنب كل هؤلاء الملايين لترسلهم إلى جهنم السماء أو لتقول عنهم أنهم أضلوا السبيل إن لم يعلموا شيئاً عن ابراهيم ونوح ولوط وهود وثمود وقريش إلا من فترة لاتتجاوز الألفي سنة، عمر البشرية كما تراها حضرتك 40 ألف سنة.

الى خوليو
صبار المالكي -

بما انك ذكرتاين رسول الامه اليابانيه او الهندوس او الهنود الحمر .ان الامه هي صاحبة الحقفي الرعايه وحمل الامانه وافرادها جميعا متساون في هذا الحق امام القانون, ولكل منهم التعبير من خلال ممارسة هذا الحق عن آرائه وافكاره وممارساتة العمل السياسي بمختلف اشكاله, كما ان لهم جميعا ممارسة شعائرهم الدينيه والمذهبيه واما عن ديانتهم فهي الديانه المسيحيه السماويه الجليله التي وهبها الله لهم وتخلو عنها واتخذو افكار اخرى وهذا يتحملون مايترتب عليهم مثل مايترتب عليك ياخوليو.

خوليو
سامي شريف -

عزيزي خوليو، كما هو واضح أن من الصعب مطارحتك ومناقشتك على صفحات إيلاف سيما اذا علمنا أن الرد لا يتسع لأكثر من 500 حرف! من قال بأن الأمة اليابانية والهندوآسيوية والفرعونية والبابلية لم يكن لهم أنبياء؟! هناك 124 ألف نبي أو 140 في قول آخر حسب اعتقاد المسلمين. ثم ما الذي تريد أن يقرأه رجل مثل الكاتب اذا كان هذا هو تخصصه؟ هل تريد من الفيزيائي أن يقرأ في الجغرافيا مثلاً ومن الأديب أن يقرأ في الطب؟ الرجل متخصص في العلوم الإسلامية على ما يبدو وكل بضاعته هي كتب التفسير واللغة والتاريخ والفلسفة والمنطق وأصول الفقه وما شابه. ومن اين أتيت بمعلومة أن عمر البشرية 40 الف عام؟ التاريخ العبري (الذي يسمونه تاريخ بدء الخليقة) يقول أنه أقل من ستة آلالف سنة وهو ما يلائم الاعتقاد الإسلامي بحساب عمر آدم ونوح وباقي فترات الأنبياء الى اليوم. لقد كانت لي مداخلة وددت تمريرها الى الأخ الكاتب لكنك سامحك الله شغلتني بالرد عليك مما قلص مساحة تعليقي ولكني سأقولها لاحقاً في تعليق منفصل. تحياتي لك

الى خوليو وسامي.
الحكيم البابلي . -

الأخوة خوليو وسامي . ان عمر الخليقة التوراتي هو ستة الاف سنة . اما عمر الأنسان الحقيقي ولحد آخر المكتشفات فهو بين (100) مليون سنة ، و (135) مليون سنة . راجعوا (google) واطلبوا ( mysterious origins of man )، مقدم البرنامج هو الممثل جارلستون هستون . يقول الفلم الوثائقي المصور ، انه تم العثور سنة (2006 ) على لوحات طينية متحجرة ، تحمل طبعات اقدام لديناصور وبجانبها طبعات اقدام ( يمين ويسار ) لأنسان . وعمر هذه الأثار ( 100 الى 135 ) مليون سنة . مع هذا الفلم عدة افلام اُخرى لا تقل علماً وروعة عن هذا الفلم . تحياتي .