الدعم الأميركي"للإسلام المعتدل": تركيا نموذجاً

تحدث الرئيس الأميركي السابف جورج بوش بعد هجوم تنظيم (القاعدة) على مركز التجارة العالمية بنيويورك في 11ـ سبتمبر عام 2001، عن "حرب عالمية ضد الارهاب"، ثم حددها "بالحرب الصليبية ضد المسلمين". ولما أدرك بوش خطورة رد فعل الدول الاسلامية والمسلمين، سارع الى انقاذ الموقف، وعبرّ عن تراجعه عن حرب الحضارات، وطرح على الميدان السياسي نظرية تقسيم الاسلام، الى "اسلام معتدل"، و"اسلام اصولي متطرف". من خلال هذا التصنيف ومشروع "الاسلام المعتدل" تمكن بوش من "جر" بعض الدول الاسلامية للوقوف الى جانب الولايات المتحدة في محاربة الارهاب، ووضع هذه الدول تحت الطلب ابتداء من المغرب العربي ووصولا الى الباكستان. ومن طرف آخر ساعد هذا المشروع في تلاحم وتقوية شبكة الاسلام الاصولي المتطرف في نفس المساحة، على اعتبار ان "أمريكا أساءت وتسيء الى المسلمين".

ان الادارة الامريكية الجديدة بزعامة الرئيس الجديد باراك اوباما تسير في نفس النهج السياسي القديم في تفتيت الاسلام الى مذاهب وفرق متعددة ومختلفة في الرآي والتشريع حتى أصبحت بعض الاطراف من هذا "الاسلام" مقرونا بالارهاب. الهدف من وراء هذه الاستراتيجية الامريكية هو تبرير حروب واشنطن وتدخلها في الشؤون الداخلية لبعض البلدان المخالفة لها. وتأتي هذه الحروب لتوطيد الامبراطورية الأميركية التي تترأس العولمة العالمية. هذه العولمة التي تتعارض مع ما ترفعه أميركا من شعارات تنادي بها، كإحترام حقوق الانسان وتطبيق الديمقراطية واقرارها. جاء هذا على مستوى الدول الاسلامية التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، حيث ستكون هذه الاستراتيجية واجهة أمام المد الصيني والتطور الاقتصادي في كل من الهند وروسيا.

ان سياسات الادارة الجديدة على المسرح الامريكي قد تختلف في الشكل والاسلوب عن سابقتها، ولكن ليس في المحتوى، بسبب انشغالها في الازمة الاقتصادية العميقة التي تهدد نظام العولمة العالمية، وكذلك الشأن الخارجي وتحدياته، لذلك تحاول أميركا بدايةً، ممارسة الدبلوماسية الناعمة ومد اليد للدول المناوئة لها والحوار معها، كما هو الحال مع كل من ايران وسوريا. اذا أراد باراك اوباما ان يكون رئيس السلم والسلام في أفريقيا، والشرق الاوسط، وفي آسيا، عليه ان يقاوم الدول الديكتاتورية ذات الانظمة الشمولية التي تمارس الظلم والارهاب بحق شعوبها، وان يقاطعها سياسيا ويفرض عليها عقوبات اقتصادية بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي لدفعها الى ترسيخ الديمقراطية والتعددية الحزبية، دفاعا عن حق الشعوب المضطهدة والفقيرة والجائعة، ولاجل حياة تسودها الكرامة والعدالة.

ان خطر هذه الدول على التنمية الاقتصادية والامن والاستقرار السياسي هو أكبر بكثير من خطر الجماعة الارهابية المسجلة في القاموس الامريكي.ان الرئيس الامريكي يتكلم عن "الحوارالمفتوح" والعمل على تعزيز تحالفات امريكا القديمة اضافة الى ذلك ايجاد تحالفات جديدة، ولكن مع من، وبأي اسلوب؟. هل هي الحاجة للتعاون مع ايران لنقل الجنود والمعدات العسكرية الى أفغانستان، أم انه يريد الحصول على مساعدة ايرانية لتحقيق الاستقرار فيها، كما أعرب ريتشارد هولبورك المبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان؟.، ليكن معلوماً بان هذا التعاون سيكون على حساب الشعب الايراني والقوميات المضطهدة. كيف يمكن الحوار مع الدول ذات الانظمة الشمولية التي لن تتنازل عن مصالحها في السلطة والتي تعيش على الفساد الاداري والمالي وسرقة اموال الشعب؟. كيف يمكن التعامل مع نظام الملالي في طهران والذي يمارس الارهاب بحق شعبه و"يرعى الارهاب في المنطقة"، حسب قول الادارة الامريكية وربيبتها الدولة العبرية.

كيف يمكن الحوار والمحادثات مع النظام السوري الذي يحكم البلد عن طريق الاحكام العرفية وحالة الطوارئ، وانتشار المخابرات في انحاء البلد، ناهيك عن دورالمحكمة العسكرية الامنية في دعم السلطة، حيث السجون مليئة بالسياسيين والديمقراطيين عربا وكرداً؟.

في الفترة الاخيرة إنطلقت زيارات ماكوكية رسمية للوفود الامريكية الى سوريا لممارسة الضغط على النظام لإبعاد المنظمات الفلسطينية، وحلها من "المحورالايراني" و"حزب الله" في لبنان. ان هذه المحادثات سوف تكون صعبة وعقيمة وفاشلة، لان استمرار هذا النظام مرهون بوجود هذا المحور، اللهم إلا اذا قررت الحكومة السورية الانفتاح على الشعب، والاخلاء عن جميع المعتقلين السياسيين، وفتح المجال للتعددية الحزبية لممارسة النشاط السياسي في ظل ديمقراطية مقبولة، وازالة القيود على حرية الفكر والصحافة.

ان سياسة الادارة الأميركية الجديدة تجاه تصنيف العالم الاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط بقيت على سياقها القديم. لقد غضت واشنطن الطرف وتغاضت عن الحقيقة في تعاملها مع الانظمة الديكتاتورية، لان هذه الدول التي تعتبرها "معتدلة" هي في حقيقة الامر انظمة شمولية، في ذات الوقت تضع المنظمات السياسية والاحزاب الوطنية التي تناضل من أجل الديمقراطية وحرية شعوبها في خانة الارهابي. الهدف من وراء هذه الاستراتيجية هو تصعيد وتسعير الصراعات الطائفية والمذهبية، وصولا الى الحروب الاهلية والاقليمية كما هو الحال في كثير من البلدان الاسلامية وبالاخص النزاعات العربية.

هناك نوعان من الارهاب :

1 ـ الانظمة الديكتاتورية التي تدعمها أمريكا والاتحاد الاوروبي لمصالح استراتيجية سياسية واقتصادية، وارهاب الدولة الذي تمارسه هذه الأنظمة ضد شعوبها، والذي يتسبب بدوره في خلق شرائح متطرفة تنعكس سلبيا على المجتمعات، حيث ترى هذه المجتمعات نفسها مهمشة، فتعتقد بإنضمامها الى الجماعات المتطرفة كالقاعدة، يمكن حل مشاكلها، وهكذا اصبحت القاعدة حاضنة لجميع الغاضبين على الدول الغربية.

2 ـ تنظيم (القاعدة) الذي تبنته أمريكا بتمويل عربي من بعض دول الخليج لمحاربة الوجود السوفيتي في أفغانستان، والذي ارتد عليها بعد اداء خدمتها، وتكريما لها صنفتها الولايات المتحدة بالارهابية. ان الادارة الجديدة سوف تفشل في سياساتها، اذا كانت هذه السياسات موجهة ضد مصالح الشعوب من خلال دعمها للنظم السلطوية. على الإدارة الأميركية ان تعدل من مواقفها تجاه الاشكاليات المعقدة اقليميا ودوليا، وعليها ان تدرك جيدا بأنها لن تتمكن من تحقيق اي نصر في حربها على الارهاب، البديل لذلك هو دعم مبادئها الحقيقية على نشر الديمقراطية والعدالة، وليس بالاعتماد على ما اطلق عليه الاسلام المعتدل.

الامبراطور العثماني الجديد والثورة الصامتة:

ان رئيس الوزراء التركي ورئيس (حزب العدالة والتنمية) رجب طيب أردوغان يمارس السياسة بنفسية الامبراطور، ويجد في شخصه الوريث الوحيد للامبراطورية العثمانية بعد تصريحه بالثورة الصامتة. في المشهد السياسي في المنطقة، تمكن أردوغان ان يوسع النفوذ التركي في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية منها. ان "الامبراطور الجديد" تمكن من تسييس الاسلام لصالح الدبلوماسية التركية، حيث أوجدت تركيا لنفسها بسبب الفراغ السياسي وتراجع دورالاسلام السني مواطئ قدم بين الدول العربية، وتنظيمات "الإخوان المسلمين" من المغرب العربي الى المشرق العربي. حتى أصبحت جماعات الاخوان سندا لسياسة أردوغان وغيرت أسماءها إلى أحزاب العدالة والتنمية.

ان تركيا أعدت لنفسها مخططا واسعا لأن تكون لاعبة أساسية في المنطقة، وفي اتجاهات عدة من خلال الملفات التي استعصت على الدول العربية من حلها:

1ـ الحوار السوري الاسرائيلي بوساطة تركية. 2 ـ نشاط دبلوماسي لحل الخلاف بين المنظمات الفلسطينية، والوقوف الى جانب منظمة "حماس" الإصولية خلال الاعتداء الاسرائيلي المدمرعلى قطاع غزة والذي سبب خلافا وتوترا شكليا وموقتا بين تركيا واسرائيل. 3 ـ عرض الوساطة بين أمريكا ونظام الملالي الايراني. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تقبل ايران وهي دولة اقليمية طموحة مثل هذه الرؤية التركية؟. كيف ذلك وإيران تعلم بأن تركيا تعتبر حليفا استراتيجيا قوياً لاسرائيل، في حين تتمسك ايران بفكرة تدمير الدولة العبرية بمساعدة "حماس" و"حزب الله"؟. ان أردوغان لن يكتف بهذه الادوارالاقليمية فحسب بل دخل في المزايدات السياسية كوسيط بين روسيا وجورجيا، ثم مشهد خروجه من مؤتمر دافوس الاقتصادي...هذا المشهد الذي لايمكن وصفه إلا بكونه مزايدة سياسية اخرى على الدول العربية لكسب الرأي الاسلامي السني داخل تركيا وخارجها.

ان تركيا من خلال هذا النشاط الدبلوماسي تحاول ان تحقق جملة من الاهداف السياسية تصب في خدمة سياستها، وبسط نفوذها على المنطقة، وهذا لا يتحقق إلا بعزل سوريا ومنطمتي "حماس" و" حزب الله" عن ايران، حسب مشروع أردوغان في ثورته الصامتة. الهدف هو أيضاً إظهارأهمية تركيا للاتحاد الاوروبي وللولايات المتحدة. ان هذا المسار السياسي التركي يثير في نفس الوقت وفي الخفاء ذوي الادوار المنافسة والذين يراهنون في السيطرة على العراق وسوريا، ودعم كل من "حماس" و"حزب الله" لها لمجابهة النفوذ التركي.

اذا كان أردوغان على حق، ويملك في قرار العدالة والسلام في وساطته المتعددة الاطراف للمصالحة بين الاطراف العربية ـ العربية من جهة وبين اسرائيل ودول المنطقة من جهة اخرى، فلماذا يغض النظر عن المصالحة الداخلية ويهمل أمر ترتيب بيته الداخلي؟. لماذا لم يقدم حلولاً منصفة لمشكلات الشعب الكردي؟. لماذا يتنكر للحقوق الطبيعية والشرعية للكرد؟، في الوقت الذي يتهم ألمانيا بالعنصرية لأنها تريد "صهر الاتراك المقيمين" في البوتقة الالمانية؟. هذه هي ديماغوغية أردوغان داخل تركيا وخارجها.

ان ثورة أردوغان الصامتة في تصرفاتها العدائية للكرد وإثارة حروب الابادة الجماعية،والتهجير الجماعي، واختطاف الوطنيين وقتلهم بالجملة ثم رميهم في الحفر والآبار، واطلاق الرصاص الحي على المواطنين الكرد المتظاهرين دون التفريق بين النساء والشيوخ والأطفال، وزج الناشطين في السجون، لا يختلف عما تفعله اسرائيل مع الشعب الفلسطيني. ان أردوغان لا يقتصر عمله على انكار الحق الكردي، وخلق بؤر التوتر واالخلافات بين المؤسسسات والمنظمات السياسية الكردية فحسب، بل يريد تصفية الحركة التحررية والقضاء على حزب العمال الكردستاني وكل حزب مخلص للقضية الكردية. على أردوغان وكل من على شاكلته في أمر معاداة الحركة الكردية التحررية أن يفهموا وأن يدركوا جيدا، بأن الثورة الكردية الحديثة التي استمرت وصمدت ثلاثين عاماً أمام الجنرالات والحكومات التركية والجيوش التركية، لا يمكن تصفيتها أو إخمادها، ولن يحل السلام في تركيا الا بالحوار والتفاوض في اطار الديمقراطية والاعتراف بالحقوق القومية الكردية والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم قائد الحركة الكردية عبد الله اوجلان. على أردوغان ان يختار طريق السلم والسلام والصداقة مع الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان.ان تصعيد وتيرة الحرب على حزب العمال الكردستاني، وقصف القرى الكردية أرضاً وجواً بتنسيق مع النظام الايراني في اقليم كردستان العراق، يزيد من تعقيد مشاكل أردوغان وأعوانه من الكرد التائهين والانتهازيين داخلياً وكردستانياً.

الدكتور: أحمد رسول
طبيب ومحلل سياسي كردي ـ ألمانيا