التوافق بالقوة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"الاستقرار في لبنان يتحقق بالتوافق وليس في الانتخابات"
الرئيس السوري بشار الأسد
أكثرية منتصرة، وأقلية خاسرة، وسلطة تتشكل تبعاً لنتائج الانتخابات، مصطلحات سياسية ومفردات لا يستسيغها كثيراً الرئيس الأسد. ليس لأنها ترد في مجال الكلام عن النظام الديمقراطي، وهو موضوع قد يكون محرجاً للرئيس السوري ويفضل عدم مقاربته، لكنه يفضل الكلام عن "التوافق"، وله ربما في تفضيله هذا أكثر من دافع وخلفية. وبالرغم من كون التوافق شعار جميل ونبيل بالمطلق، لا بد من الإشارة إلى التناقض فيما بين مثالية مضمون هذه الكلمة، وما يراد لها أن تعنيه على الصعيد السياسي اللبناني. أي أنه ومرة أخرى يتم توسل مقاربة الحالة السياسية اللبنانية، بواسطة مفردات حق، يراد بها باطل. وبغض النظر عن جدلية اعتبار بعضهم موقف الرئيس السوري تدخلاً بقضايا داخلية لبنانية، من المهم التنويه بمدى رومانسية هذه الدعوة، وغيرتها وتعاطفها واهتمامها لإحلال الوفاق بين الأولاد "الشياطين" في لبنان، والذين ما زالوا من منظار الرئيس السوري ليس فقط دارجين على الخصام والتقاتل بوعي أو من غير وعي، ولكنهم أيضاً قاصرين وغافلين عن السبيل الصحيح الذي بإمكانه إيصالهم إلى بر الأمان والاستقرار.
والملفت هو تبني الرئيس السوري لشعار "التوافق" بدل "الديمقراطية التوافقية"، الشائعة الاستهلاك في الكلام السياسي اللبناني. ويمكن رد ذلك إلى توسل الاختصار في التعبير كما أنه من الممكن أن يكون وراء ذلك تفادي الغوص في مطبات الكلام عن الديمقراطية. يبقى أن الأمر الأكيد هو أن "التوافق" هو البرنامج السوري المقبل لإنتاج الحكومة اللبنانية المقبلة. فشكراً على هذه الغيرة!
وللذين لم يفهموا الرسالة، وربما استمروا في المستقبل في وصف الانتخابات المقبلة بال"مفصلية"، ذكر الرئيس الأسد ب"مفصلية"أحداث 7 أيار أيضاً........ والحقيقة أن هذه الأحداث المشؤومة ما زالت ماثلة في ضمير ووجدان وأجساد وممتلكات شريحة واسعة من اللبنانيين، تذكر دائماً بفداحة مسألة تحويل السلاح إلى الداخل، ولم يكن الرئيس السوري بحاجة لاستحضارها في مجرى كلامه للصحيفة الخليجية.
وفي سياق آخر وفي حال سلمنا جدلاً بأهمية "التوافق" كوسيلة لصيرورة السلطة، يظل التساؤل حول ضرورة المضي بإجراء انتخابات بعد هذا التسليم. إلا أذا نظرنا من منظار الرئيس السوري الذي يرى في إجراء الانتخابات، حاجة لتغطية الشمولية المعتمدة في الممارسة السياسية بشكل عام. وقد يأتي التوافق في مقدمة هذه البراقع المجملة، كونه برهن عن فعاليته وقدرته على إنتاج "حكومة وحدة وطنية" قبلاً، وبالتالي قد لا يرى الرئيس مانعاً من استعماله مرة ثانية، وربما ثالثة.... وكل مرة، عند تشكيل الحكومات. وأن تكون الحكومة القائمة المنبثقة من "التوافق" السابق الشهير، مرتعاً للشجار والمناكفات، ومصدراً لتقارير نكايات ومزايدات، ولبيانات حول برامج تناحر مستقبلية، ليس بذات أهمية، المهم المحافظة على الأوضاع المهترئة إلى أجل غير مسمى. وأن تقوم حكومة تتمتع بالأكثرية البرلمانية كما هو وارد ومعتمد في النظم الديمقراطية الصحيحة، وتكون متجانسة، وغير مكبلة ومشلولة، وقادرة على العمل وعلى تفعيل المؤسسات، وعلى النهوض بالبلد، فهو احتمال تفضل القيادة السورية تأجيله إن لم نقل إلغاؤه بالكامل. وإذا كان التوافق سوف يؤدي إلى تأبيد الأوضاع السابقة المتردية، فلما لا، طالما يشكل ذلك مدخلاً للتدخل الدائم في الأوضاع اللبنانية؟
وبما أن شريحة واسعة من اللبنانيين توافق الرئيس السوري في رأيه ونظرته لمرحلة ما بعد الانتخابات وهي بوارد التصريح عن موقفها هذا في أكثر من مناسبة وتشدد على ضرورة المشاركة في الحكم أياً كانت النتائج، لما لا تلغى إذا من الدستور اللبناني الانتخابات، لأنها وضمن هذا التوجه سوف تشكل مضيعة للوقت وتبذيراً إضافيا يطال خزينة الدولة، لا طائلة ولا فائدة منه.
قفزة عملاقة إلى الوراء؟ ربما، نتذكر في هذا السياق تغني شريحة واسعة من المفكرين اللبنانيين في الخمسينيات بالنموذجية التي كانت تميز ديمقراطية لبنان، وتفوق لبنان في هذا المجال على كافة دول المشرق العربي. وربما كانت هذه الديمقراطية مقلقة لدول الجوار وكان لا بد من هدمها على رؤوس أهلها. وكان لهم ما أرادوا بعد ثلاثة عقود من الحروب المتواصلة ومن القتل والتهجير والاغتيالات. ألبارحة نظام هجين ومسخ اسمه "الديمقراطية التوافقية"، واليوم محو كلمة ديمقراطية من الجملة، على أن تًختصر بكلمة "التوافق".ومن يدري ربما يعمد غداً للالغاء شعار التوافق بالكامل لمصلحة مواقف أكثر تشدداً وصرامة.
قد يرى بعض المحللون بأن تهويل الرئيس السوري بالثبور وعظائم الأمور، يندرج في سياق إستراتيجية التأكيد لمن يريد أن يسمع، بأنه ما زال ممسكاً بالأوضاع في لبنان، وبأنه ما زال قادراً على تحويل لبنان إلى "ساحة" يمكن استبدالها أو المقايضة بها، في سياق التسويات والمصالحات المقبلة على المنطقة. في الحقيقة إستراتيجية الرئيس السوري تخصه، ولا يجب أن تؤثر على خيار اللبنانيين الذي من المفترض أن يبقى حراً وشجاعاً. والمهم هو التكاتف والاعتماد على النوايا الصادقة وعلى تمسك بعض اللبنانيين المخلصين بأطر وقواعد النظام الديمقراطي الصحيح. أي فقط بما تنتجه صناديق الاقتراع. على أن يشكل بعد الانتخابات "اعتماد المبادئ الدستورية الواردة في اتفاق الطائف باعتباره المرجع الأول والأخير لتنظيم العلاقات بين المؤسسات الدستورية...." المدخل الصحيح لإحراج السلطة الحاكمة من المراوحة ومن حالة التناحر والخناق على كل شاردة وواردة،وبالتالي نشل البلد من حتمية المضي في منحدر التقهقر والتردي.
ويبقى سؤال أخير وهو: هل رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري هو أكيد من الفوز في الانتخابات؟ أي من كسب الأكثرية مرة جديدة؟ الشيء الأكيد أنه يعمل من أجل ذلك وهذا حقه. ولكن ما من أحد يمكنه أن يؤكد مئة في المئة نتائج الانتخابات. لماذا إذا صرح بأنه يقبل بنتائج هذه الانتخابات، أياً كانت، ومستعد على عدم المشاركة في الحكومة حتى يتثنى للأكثرية الصادرة عن الانتخابات أن تحكم بحرية أكثر، على أن يحتفظ بحق المعارضة كما هو معتمد بكل الأنظمة الديمقراطية الصحيحة. والجواب الواضح والبديهي هو أنه يعتبر خيار الشعب أمراً مقدساً، ويبدي المحافظة على النظام الديمقراطي على أي حسابات سلطوية أخرى.
مهى عون