السلطات السورية على خط الخلافات الآشورية

وفق تقويمهم القومي الخاص، الذي جاء تعبيرا عن ضوابط الفعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني في المجتمع الأكادي/ البابلي، احتفل آشوريو(سريان/كلدان) سوريا، في الأول من نيسان، ببداية عام آشوري جديد(6759)،المعروف بعيد "الأكيتو"،عيد تجدد الحياة في الطبيعة وانبعاث الآلهة.قديماً،كانت تقام احتفالات هذا العيد بين أحضان الطبيعة على مدى اثني عشر يوماً،تبلغ ذروتها بقيامة"مردوخ" من الأموات وتتويجه ملكاً والهاً على الكون. تلك الطقوس والشعائر الخاصة بعيد الأكيتو كانت تنطوي على دلالات وأفكار فلسفية وعقائدية عميقة تركت بصماتها على معظم الفكر الديني"الميثيولوجيا"في الشرق القديم.

بعد دخول الآشوريين الديانة المسيحية، تخلوا عن معظم الطقوس والشعائر المرتبطة بالمفاهيم والمعتقدات الوثنية الخاصة بعيد الأكيتو،واكتست احتفالات العيد طابعاً حضارياً جديداً.ومع بروز الأحزاب والحركات القومية، بدأت الخلافات السياسية في المجتمع الآشوري السرياني تهيمن وتطغى على المهرجانات الاحتفالية بعيد الأكيتو،وبشكل أكثر مع دخول السلطات السورية على خط هذه الخلافات، ومن بوابة الاحتفالات ذاتها.فرغم تنكر "الدولة السورية" للقومية الآشورية،احتضنت مهرجاناً خاصاً أقيم احتفاءً بعيد الأكيتو في بلدة القحطانية،منطقة القامشلي، اقامته "مجموعة سريانية مستوردة مشبوهة" لها امتدادات وارتباطات اقليمية تلفّها الشكوك والغموض، برزت مؤخراً على الساحة الآشورية السريانية في سوريا،تدير من دولة السويد "فضائية سريانية"موالية للحكم السوري.إن الرعاية السورية الرسمية،غير المعلنة، لهذا المهرجان،تجلت بشكل واضح بأكثر من مشهد أو مظهر.ابرزها،حضور الاحتفال، مدير منطقة القامشلي، ووفود محلية من الحزب الحاكم، وسفير سوريا في البرازيل، ووفد قيادي من الحزب السوري القومي الاجتماعي القريب من الحكم والممثل في الجبهة الوطنية.كما تليت في الاحتفال كلمة مطولة لمفتي سوريا الشيخ "أحمد بدر الدين حسون"،و برقية تهنئة بالعيد من البطريرك "زكا عواص الأول" الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في سوريا والعالم.هذا وقد أوردت جريدة الثورة الحكومية السورية ليوم 4-4 2009،خبراً عن احتفالات الآشوريين السوريين بعيد رأس السنة الآشورية الجديدة. قطعاً،هذا الاهتمام المفاجئ وغير المسبوق بعيد الأكيتو الآشوري من قبل السلطات المحلية في محافظة الحسكة، ومن قبل رجال دين مسيحيين ومسلمين بارزين، ما كان له أن يحصل من دون توجيهات وأوامر من قيادات سياسية وأمنية عليا في البلاد.ولا يخفى على أحد، بأن "طبقة الاكليروس"، على رأسها البطريرك زكا،تعادي العمل القومي الآشوري وتنبذ كل من يحتفل بعيد "الأكيتو" بذريعة أنه تقليد وثني لا يمت الى المسيحية بشيء،فضلاً عن أن البطريرك زكا تنكر لقوميته السريانية الآشورية وبدلها بالعروبة كهوية وانتماء،فهو صاحب مقولة"دم العروبة يسري في عروقنا"،ولم يسبق له أن أرسل برقية تهنئة بعيد الأكيتو.

أن ترعى جهات حكومية وتحتضن احتفالات شعبية خاصة بأي مكون من مكونات المجتمع السوري، وأن تقدم التسهيلات المادية والمعنوية اللازمة لإنجاحها وتطويرها هي، من دون شك، خطوات ايجابية وهي تأتي في اطار الواجبات والوظائف الاساسية للدولة تجاه مواطنيها.لكن أن يأتي اهتمام السلطات السورية في وقت يتنكر الحكم للقومية الآشورية وللحقوق السياسية والثقافية للآشوريين السوريين، ويقتصر هذا الاهتمام فقط على ما تقوم به مجموعة آشورية سريانية تعادي معظم التنظيمات الآشورية الموجودة على الساحة السورية وتطرح نفسها بديلاً منها،موقف تحيط به الكثير من الشكوك ويطرح جملة تساؤلات وإشارات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية التي تتخفى خلف هذا الاهتمام السوري غير المسبوق بعيد الأكيتو الآشوري.فالمهتم بالشأن السوري يدرك جيداً، دور النظام القائم في تكريس الخلافات بين مختلف القوى والأحزاب السورية،لا بل وداخل الحزب الواحد. في هذا الإطار تأتي وتصب رعاية السلطات السورية لاحتفالات عيد الأكيتو في بلدة القحطانية.إنها(السلطات السورية) تهدف الى تكريس وتجذير الخلافات بين تيارات وفصائل الحركة الآشورية. تالياً،الى تقويض الحركة الآشورية في سوريا وتفريغ هذا العيد الآشوري من مضامينه القومية والسياسية.ما يعزز هذا الاعتقاد لدى مختلف الأوساط الآشورية هو ازدياد اهتمام السلطات السورية بهذه المجموعة المستوردة وغير المنتمية اصلاً،وسعيها بطرق واشكال مختلفة لفرضها على الساحة الآشورية، بعد انضمام "المنظمة الآشورية الديمقراطية" الى جبهة المعارضة السورية وتوقيعها على وثيقة"اعلان دمشق" للتغير الديمقراطي،وبروز فعاليات ومنظمات آشورية سريانية جديدة في سوريا.

اعتقد، أن المهم اليوم بالنسبة إلى آشوريي بلدة القحطانية،حيث احتضنت السلطات السورية مهرجاناً بعيد الأكيتو،ليست الاحتفالات والخطابات والشعارات الجوفاء،وانما استكمال بناء وتشييد مدرستهم السريانية التي توقف العمل فيها بعد أن اقدم مخربون على هدم سورها قبل أشهر.وأن يلقى القبض على ارهابيين قتلوا سريانيا في منزله بعد يومين فقط من احتفالات أكيتو - في الثالث من نيسان الحالي- في وضح النهار رغم كثرة المفارز الأمنية ومراكز الشرطة في هذه البلدة الصغيرة.فالشعور السائد اليوم في الشارع الآشوري السرياني، بأن ملف هذه الجريمة الارهابية البشعة سيقفل ضد مجهول، كما اقفل من قبل ملف هدم سور المدرسة السريانية.قطعاً،وقف نزيف هجرة الآشوريين وتعزيز وجودهم واستقرارهم في سوريا لن يتم باحتضان السلطات لبعض المهرجانات الكرنفالية وبالخطابات المستهلكة، وانما بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين و بالانفتاح الحقيقي على الحالة الآشورية والاعتراف الدستوري بالوجود القومي والسياسي والثقافي للأشوريين والقيام بكل ما من شأنه اشاعة الطمأنينة في نفوس الآشوريين الذين زادوا احباطاً ويأساً من المستقبل بعد ما حل بآشوريي ومسيحيي العراق من ويلات ومآسٍ وتعرضهم لعمليات تطهير عرقي وديني من مناطقهم التاريخية.

سليمان يوسف

آشوري سوري... مهتم بقضايا الاقليات
shosin@scs-net.org