أصداء

المبادرة العربية بعد قمة الدوحة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

شاءت الظروف أن تُعقد القمة العربية الحادية والعشرون في الدوحة، قبل يوم واحد من تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حكومته للكنيست لنيل الثقة، وهي الحكومة التي تضم أحزاباً تعلن يصوت عال عدم التزامها بعملية السلام، وعزمها توسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين والمضي قدماً في عملية تهويد القدس، وعزلها عن بقية الأراضي المحتلة عام سبعة وستين، ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان قمة الدوحة الذي تحدث مجدداً، عن تفعيل المبادرة العربية المطروحة منذ عام ألفين واثنين كأساس للتسوية السلمية مع إسرائيل.


إعلان الدوحة طالب بوقف السياسات الإسرائيلية أحادية الجانب، وإجراءات فرض الأمر الواقع على الأرض، بما في ذلك الوقف الفوري لكافة النشاطات الاستيطانية، وإزالة جدار الفصل العنصري وعدم المساس بوضع القدس الشريف والمحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.


البيان الختامي لقمة الدوحة الذي أطلق عليه "إعلان الدوحة" تحدث كذلك عن عدم قبول التسويف والمماطلة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي استمر عبر حكومات إسرائيلية متعاقبة، إضافة إلى ضرورة تحديد إطار زمني محدد لقيام إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام، والتحرك بخطوات واضحة ومحددة نحو تنفيذ استحقاقات عملية السلام القائمة على المرجعيات المتوافق عليها دولياً، لاسيما مبادرة السلام العربية، مشيراً إلى أن المبادرة العربية لن تبقى على الطاولة طويلاً، لكن الإعلان لم يحدد البدائل التي سيتخذها العرب في حال عدم قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية، خاصة وأن نتنياهو طرح الاقتصاد والتعاون الأمني كمدخل للسلام ولم يتحدث في بيانه تقديم حكومته إلى الكنيست عن مبدأ الأرض مقابل السلام.


إزاء ذلك ارتفعت علامات الاستفهام، ومن بينها هل بات على العرب إعادة النظر في إعلانهم أن عملية السلام خيارٌ استراتيجيٌ وحيد، خاصة وأن كل الشواهد تؤكد على أن ما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية يعد رفضاً للمبادرة العربية، وإذا كان البعض قد اخطأ في فهم مبادرة السلام العربية في بعض الأحيان، فإن المبادرة لم تكن مجرد رؤية تقدم أساساً لتوافق فلسطيني ـ إسرائيلي، بل تضمنت ما نصت عليه خريطة الطريق التي تزعم تل أبيب أنها تدعمها بشكل كامل، ألا وهو العودة إلى حدود الرابع من يونيو عام سبعة وستين كشرط أساسي لبدء التفاوض حول الحدود، وقيام الدولة الفلسطينية، وحل مشكلة اللاجئين، ولم يكن التفاوض حول هذه المسائل المحورية الثلاث شرطاً تفرّدت به المبادرة العربية، ذلك لأن هذه المسائل بالذات تمثل الأسس المعترف بها دولياً لعملية السلام.


وقد تبلورت مواقف جديدة إزاء مبادرة السلام العربية، أولها: موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبوله للمبادرة العربية من حيث المبدأ، مع إدخال تعديلات عليها، حتى تتمكن إدارته من تسويقها لدي حكومة إسرائيل، والتعديلات تشمل أمرين أساسيين: الأول حق العودة أي عودة الفلسطينيين اللاجئين إلى ديارهم، وهو ما ترفضه إسرائيل، والثاني إعادة النظر في حدود سبعة وستين، على الرغم من وجود قرارين شهيرين لمجلس الأمن الدولي هما 242، 338، ينصان على وجوب انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو عام سبعة وستين، وتطرح الإدارة الأمريكية أفكاراً من قبيل تبادل الأراضي، وضم مستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل، مقابل تعويض الفلسطينيين بأراضٍ في النقب، وهذا يعني من وجهة نظري طرح مبادرة جديدة على المقاس الإسرائيلي، خاصة وأن المبادرة العربية تستند على قاعدة القرارين الدوليين 242، 338.


الاتحاد الأوربي عبَّر كذلك، عن دعمه الكامل للمبادرة العربية، وأعربت جمهورية تشيكيا الرئيس الحالي للاتحاد الأوربي عن القلق من عدم تجاوب إسرائيل مع المساعي السياسية على أساس خريطة الطريق وأن الرد سيكون حازماً، أما طبيعة هذا الرد فغير معلوم، وقد دأب قادة الاتحاد الأوربي على ترديد مثل هذه التصريحات بين حين وآخر، بدون اتخاذ موقف حقيقي ضاغط على إسرائيل لاسترجاع الحقوق العربية.


إذن ما خرجت به قمة الدوحة من مطالبة إسرائيل بالالتزام بحل الدولتين واستئناف المفاوضات وإضافة عبارة "أن المبادرة العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد" غير كاف بل لا بد من إظهار أنياب العرب من خلال التزام القادة العرب، بعدم التفاوض ثنائياً مع إسرائيل على كافة المسارات، قبل أن تقبل مبادرة السلام العربية، ويجب أن يدرك قادة إسرائيل أنهم لا يمكنهم الجمع ما بين مواصلة الاستيطان والحصار والعدوان مع الحديث عن السلام، وليقم العرب بتفعيل خيارات أخرى يمتلكونها اقتصادياَ وسياسياَ وثقافياَ وإعلامياً وقانونياً، وحتى عسكرياً، حتى تدرك إسرائيل ومن يدعمها، أنَّ هناك ثمناً قد يدفعه كل طرف يدير ظهره للمطالب العربية. ولابد من التلويح بهذه البدائل، وإدراجها في القمة المقبلة المقرر عقدها في ليبيا، فمَنْ يريد السلام فعلاً، لابد أن يعمل على أن تكون لهذا السلام قوة تحميه وقوة تنتزعه، إذا تطلب الأمر ذلك.

فؤاد التوني
إعلامي مصري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف