لعبة القط والفأر بين إيران والغرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هنالك معضلة عويصة تواجه المجتمع الدولي في تعامله مع إيران وبحثه المضني عن مقاربة ناجعة لمعالجة الملف النووي الإيراني الشائك والحساس. فلا أحد يتجرأ داخل إيران في الطعن بمشروعية البرنامج النووي الذي أصبح مطلباً وطنياً شبه مقدس لا يحق لأحد مناقشته أو التراجع عنه، وبذلك قطع الطريق أمام التيار الإصلاحي الإيراني في استغلال هذا الموضوع في حملته الانتخابية للفوز بالرئاسة ومنافسة الرئيس الإيراني الشعبوي populiste والمتشدد محمود أحمدي نجاد. فلم تبد حكومة نجاد إشارات إيجابية رداً على اليد الممدودة التي عرضها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نحو جدي لإجراء حوار صريح ومباشر وبلا شروط مسبقة بهذا الصدد. فالمتشددون في إيران يتقدمون في استطلاعات الرأي ويمتلكون أوراق ضغط رابحة في مقابل الإصلاحيين سيما بعد انسحاب محمد خاتمي من معركة المنافسة على الرئاسة كمرشح عن التيار الإصلاحي. وقد استغل الرئيس الإيراني مؤتمر دربان 2 حول العنصرية ليناور ويستغل خطابه بشكل تكتيكي بارع لكسب التعاطف معه داخل أوساط الراديكاليين والمتطرفين وضمان أصواتهم لصالحه، ولم يبال بردود الفعل الدولية المنددة بخطابه وانسحاب ممثلو الاتحاد الأوروبي من الاجتماع. ولم يتردد النظام الإيراني في استفزاز الغرب في كل مناسبة تتوفر له كالحكم بالسجن ثمان سنوات ضد الصحافية الأمريكية من أصل إيراني روكسانا صابري بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي لفقت لها، والتمادي في مناكفة الغرب عن طريق إصرار النظام الإيراني بالمضي في تخصيب اليورانيوم على نحو صناعي داخل إيران وامتلاك دورة الوقود النووي الكاملة مما سيمكن إيران إن آجلا أو عاجلاً لامتلاك السلاح النووي، وهو الهدف الذي تسعى إليه طهران بلا أدنى شك، كما بدا ذلك واضحاً من خلال احتفال إيران باليوم الوطني للطاقة النووية في أصفهان في التاسع من نيسان 2009 حيث يشكل مصنع أصفهان خطوة جديدة ومهمة على طريق البرنامج النووي الإيراني المثير للغط والمعارضة الدولية. يوجد لدى طهران أكثر من 7000 جهاز للطرد المركزي في ناتانزNatanz، إلى جانب أجهزة جديدة من طراز جديد تفوق بكثير قدرة الأجهزة السابقة، ومن المتوقع أن يبلغ عدد الأجهزة 50000 جهاز في إطار الخطة المعدة للسنوات القليلة القادمة حسب تصريحات رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية في 19 شباط الماضي.
يحدث ذلك في وقت تقدمت مجموعة الستة، أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بمبادرة للحوار مع إيران مع التعهد بتقديم رزمة من المحفزات المغرية شريطة أن تتخلى طهران عن مساعيها للحصول على السلاح النووي والاكتفاء بالجانب السلمي والمدني للبرنامج النووي وإخضاع هذا البرنامج للمراقبة الدولية. اللاعب الآخر في لعبة القط والفأر الدائرة بين إيران والغرب هو إسرائيل الإبنة المدللة لأمريكا وأوروبا. فهناك شبه حرب سرية غير معلنة بين طهران وتل أبيب حيث لا تثق هذه الأخيرة بنوايا إيران وتخشى من طموحاتها الإقليمية. فطهران قامت بتفكيك عدة شبكات تجسس تعمل لصالح أمريكا وإسرائيل وهذه الأخيرة بدورها قامت بقصف قافلة داخل السودان ادعت أنها تحمل أسلحة إيرانية للمقاومة الفلسطينية، وقامت باغتيال شخصيات مقربة من إيران في كل مكان في العالم بما فيها داخل سوريا كما حدث مع عماد مغنية رئيس الجناح العسكري في حزب الله في شهر شباط سنة 2008 في دمشق واغتيال الجنرال السوري المقرب من الرئيس السوري بشار الأسد المكلف بالعلاقات مع حزب الله وإيران وهو محمد سليمان والذي تم اغتياله في طرطوس في آب 2008. لقد قررت إسرائيل أنها سوف تمنع إيران من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن كان حتى لو اضطرت إلى استخدام القوة المباشرة وتدمير المنشآت النووية الإيرانية بنفسها إذا لم تتمكن المجموعة الدولية من إرغام إيران على الإذعان والتخلي عن البرنامج النووي العسكري. فالزعماء الإسرائيليون يعتقدون أن إيران دخلت اليوم في مرحلة مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل من خلال دعمها لحماس وحزب الله ونتيجة لخطابها المعادي لإسرائيل والداعي إلى إزالتها من الوجود وإصرارها على المضي إلى النهاية في برنامجها النووي الذي يشكل خطراً على مصير إسرائيل وبقائها على قيد الحياة. أي أن الإسرائيليون يترجمون دعم إيران لحزب الله وحماس على أنه إستراتيجية لتطويق إسرائيل ومحاصرتها بأسلحة فتاكة وصواريخ تضرب العمق الإسرائيلي. الهدف الإستراتيجي الذي يحظى بالأولوية حتى على عملية السلام العربية الإسرائيلية هو منع إيران من إمتلاك السلاح النووي وعمل ماهو ضروري، وبكل الطرق الممكنة لتحقيق هذا الهدف، وفي نفس الوقت منع وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية لحزب الله وحماس بمساعدة حلفاء وأصدقاء إسرائيل في العالم.
بات معروفاً أن إسرائيل قامت بعمليات نسف وتخريب لعدد من المواقع العسكرية والمنشآت النووية الإيرانية بواسطة عملائها داخل إيران واغتيال علماء وشخصيات مهمة ومؤثرة تعمل في هذا البرنامج النووي الإيراني وتحريض وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لممارسة الضغوط على إيران. كما اغتالت إسرائيل في حزيران 2007 أحد أشهر علماء الذرة الإيرانيين وهو آردشير حسينبور وقيل أنه قتل نتيجة تسرب غازات مشعة في مفاعل أصفهان. وقد صرح رئيس المخابرات الإسرائيلية الموساد مائير داغان إن أحد أهم أولوياته هي تدمير البرنامج النووي الإيراني، وكان مائير وراء قصف منشأة عسكرية في شمال سوريا في أيلول 2007 وعملية تخريب في مصنع للسلاح الكيمياوي في سوريا أيضاً ومنع إيران من شراء أجهزة ومعدات متطورة تكنولوجياً من الدول المتقدمة مخصصة لبرنامج تخصيب اليورانيوم عبر شركات وهمية تعمل كواجهات أجنبية لتمرير تلك البضائع الممنوعة أو المحرمة دولياً بموجب قرارات المقاطعة والعقوبات المفروضة على إيران. والجدير بالذكر أن هروب أو اختطاف مسؤول إيراني كبير في الحرس الثوري مكلف بالعلاقات مع حزب الله أثناء تواجده في تركيا في عام 2007 وهو علي رضا أصغري، قد أثار مخاوف جمة لدى إيران بالكشف عن الكثير من أسرارها العسكرية، والكرة الآن في الملعب الإيراني فإما أن تتجاوب وتستعيد مكانتها كدولة تحظى بثقة المجتمع الدولي أو تبقى على صورتها كدولة مارقة وترفض اليد الممدودة لها وتضيع فرصتها الأخيرة وتجلب الويل لشعبها.
د. جواد بشارة
jawadbashara@yahoo.fr