أوباما وخيار إعادة تجربة الإنتظار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ عودة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من واشنطن ولقاءه الرئيس بارك اوباما الى جانب عدد من الشخصيات والهيئات الامريكية ذات الصلة بهياكل صنع القرار الامريكي، والمنطقة تعيش على ايقاع التسريبات الاعلامية التي تتعمدها سواء بعض الجهات الامريكية او الاسرائيلية حول ما صار يعرف بخطة اوباما للسلام في الشرق الاوسط، المزمع اعلانها اثناء زيارته المرتقبة للقاهرة مطلع الشهر القادم.
فعلى ضوء ما قيل انها خلافات طغت على تصورات الجانبين الامريكي والاسرائيلي اثناء مباحثات واشنطن حول طبيعة الحل ومساراته، وبعد ما قيل ان أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وجهوا رسالة إلى الرئيس باراك أوباما يطالبونه فيها بالانتباه إلى "المخاطر" التي يمكن أن تتعرض لها إسرائيل في سياق أي اتفاق سلام بالشرق الأوسط.، فضلا عن تعمد نتنياهو نفسه اثناء وبعد الزيارة التقليل من شأن اي خلاف امريكي اسرائيلي، انصب اهتمام المنطقة على تحديد مساحة التقاطع بين المقاربتين الامريكية والاسرائيلية لتنشيط عملية السلام.
والقراءة المنطقية للاهتمام بما سيقدم عليه اوباما من تغييرات على تصوراته التي بلور خطوطها العريضة مع الملك عبدالله الثاني لتفعيل عملية السلام هو ان سقف التوقعات والتطلعات العربية قابل للهبوط اكثر فاكثر، او بالاحرى انه قابل بما يقبل به الجانب الاسرائيلي شريطة تلافي الاحراج الذي قد يتسبب به اي صلف اسرائيلي، من شأنه ان يضع بعض الجهات العربية امام عجز القدرة على تسويق هذا الطرح او ذاك.
والغريب في اي طرح من هذا القبيل - ان حدث- فانه سيكون اصرارا امريكيا اسرائيليا على الاستخدام الاسوء لاستخلاص التجربة الرديئة للدولة العربية، التي توسع جهازها السلطوي الى درجة طغيانه على على مختلف اجهزة الدولة الاخرى، وهو امر ادي الى النظر لمكونات الدولة على انها دوات ذات ضرورات تحددها السلطة، اي انها توظيف لديمومتها.
فقد ادى ادخال وترسيخ ثقافة ارتهان الوجد على المستويين الفردي والجمعي بوجود السلطة وسلامتها وقوتها، الى اذعان اجتماعي زاد من قوة سلطة الاستبداد، التي تحول دون اي من اشكال النقد والرفض، الى درجة ان السلطة نفسها دخلت ازمة تصنيع ما يعصرنها ولو من حيث الشكل فقط، كما يحدث الان من محاولات بائسة لبناء مجتمع مدني يسوقها عالميا، وبالتالي فان انعدام وزن المجتمع وقواه المتنوعة، قد حرر صانع القرار العربي حتى من مجرد التفكير بهذه القوى، واصبح طليق اليدين في معظم القرارات وخاصة منها ذات الطابع السياسي السيادي.
فقد نقل كارتر في كتابه حرب على حرب في جانبه المتعلق بمفاوضات كامب ديفيد 1978 انطباعة عن الفرق بين السادات وبيغن ان الاول لم يكن ليدخل رئيس وزرائه ولا نائبه في الوفد الذي معه، ولا يعمل إلا لوقت قليل مع مساعديه، ولا يحب أن يتواجدوا معه عندما كان يتباحث والرئيس كارتر، ولا تبدو عليه الراحة عندما يكونون في صحبته. أما بيغن فهو بالعكس، لقد كان يتعاون مع فريقه الذي معه تعاونا وثيقا، ولم يكن يكف عن النظر إلى المحيطين به على اختلافهم، فيرى فيهم في نهاية المطاف، نعمة من نعم السماء، لقد كان السادات أكثر رغبة في إنجاح المؤتمر من مستشاريه الرئيسيين على عكس بيغن.
كما ينقل كارتر عن بيغن قوله في وصف علاقة السلطة بالمجتمع في العالم العربي: أ ّن المصريين شعب قابل للتأثر، وإنهم يسلِمون قيادهم إلى رئيسهم الذي يملي عليهم معتقداتهم ومواقفهم. فالرئيس المصري، أقنعهم بعيد وصوله إلى السلطة بأن السوفيات هم أفضل حلفائهم، ثم ّلما غير رأيه بعد ذلك تبعوه بحماسة، فكان من نتائج هذا، طرد 19000 خبير وتقني سوفياتي وإعادتهم إلى بلادهم. وكان رؤساؤهم قد وقفوا بهم في عامي 1967 و 1973 ضد إسرائيل، ونجم عن ذلك حربان، ثم لم تكد تمضي سنوات أربع، وصولا إلى العام 1977، حتى قام الرئيس بتغيير مفاجئ، بإعلانه أن الإسرائيليين قد أصبحوا مذ ذاك وصاعدا أصدقاء لمصر، فاحتفلوا بذلك وأعلنوه بطلا من أبطال السلام.
ولئن كانت ارضية من هذا القبيل تخلق مناخا مريحا للجانبين الامريكي والاسرائيلي لزيادة ضغطهما على الجانب العربي لمزيد تقديم التنازلات، ولئن كان من شأن ذلك ايضا ان يؤدي الى نتائج ملموسة على هذا المستوى، غير انها قد لا تكون ذات دلالات كبرى على المعنى الدلالي للحدث، خاصة عندما يتعلق الامر بصنع تعايش مشترك بين شعوب تقابلت في ساحات الموت ردحا طويلا من التاريخ.
ولذا فالمنطقي ان لا يشكل عجز الدولة العربية عن ادارة مفاوضات ناجحة مع اي من الجانبين الامريكي اوالاسرائيلي او كلاهما معا، ارضية اغراء لهذين الطرفين لتشديد ضغطهما لابتزاز المزيد من التنازلات منها، لان الامر يتجاوز النصوص الاتفاقية والتعاقدية، حيث لا تشكل ضمانة كافية للبناء المستقبلي بقدر ما تحمل عوامل انهيارها عند اول تغير في وقائع الصراع.
ومن المفترض ان تقود تجربة اكثر من ثلاثين عاما من السلام المزعوم مع مصر وحوالي نصفها مع كل من الاردنيين والفلسطينيين، لاستنتاج، ان اعادة انتاج تعايش مغاير للمنطقة مع دولة كدولة اسرائيل، هي اكثر تعقيدا من النصوص، خاصة اذا ما كانت ذات طابع املائي يعيد تصنيع الاحتلال بصور اخرى، وان الامر يتعلق بابنية ثقافية تحتاج المنطقة لتشييدها الى ازالة الرعب وانعدام الثقة المتبادلة بين الاطراف، بتغيير الوقائع على الارض.
والاكثر قدرة على تغيير تلك الوقائع، هو الطرف الاقوى، والذي يمتلك مقومات وامكانيات اعادة الامور الى نصابها متى بدأت تلوح في الافق بوادر خطر اوفشل. والواقع هنا ان اسرائيل هي التي تمتلك ذلك وهي المطالبة بالتجريب، اي انها الطرف المعني بالتقديم لانها الطرف الذي يملك، فيما الدول العربية -وفي ظل سياساتها الراهنة- لا تملك لكي تعطي الا وعود واهية، ثبت فشل مثيلاتها في العراق وافغنستان وباكستان وغيرها.
يضاف الى ذلك ان الهوة السحيقة التي تفصل معظم الدول العربية عن مجتمعاتها، عملت على الانفصال بين اهداف الطرفين، حيث لم يعد من المؤكد ان للشعوب العربية نفس الاهداف التي لدولها من وراء عملية السلام، حتى بعد ان ُجرب على بعضها تنفيذ عقوبات ابادة مفجعة، وهو ما يعني ان الضغط الامريكي والاسرائيلي على الدول العربية، لتقديم مزيد من التنازلات، هو اجبارها على تقديم تعهدات ليست لها القدرة الكافية على الوفاء بها.
بل ان المزيد من اجبار هذه الدول على التنازل، هو تعميق لخطوط التباعد بينها وبين شعوبها، التي ستنساق نحو محاولات اعادة توازن داخلي، عبر تحولها الى عناصر اعادة توازن اقليمي، بعد الخلل الذي قد يصيب المعادلة الاقليمية، جراء تسوية، تميل بثقلها الى الجانب الاسرائيل.
ولذا فان يصار الى الاهتمام اكثر بما سيقدم عليها اوباما من تنازلات لرئيس الوزراء الاسرائيلي بدعوى خلق ميكانزمات واقعية للخروج باي طرح الى واقع الممارسة، وابتداع الذرائع لابداء التفهم ازاء ذلك، هو في حقيقة الامر الاندفاع نحو الانتحار، الذي لا يقابل محاولة تجنبه سوى ادارة الظهر للعملية برمتها، لان النتيجة في حالة كهذه قد تكون اقل من الانتحار.
وحقيقة ان يقدم اوباما على تغيير في رؤيته لخطة تحريك عملية السلام، تزداد واقعية مع تقدم الزمن يوم بعد يوم، حيث ان ما يقلق الادارة الامريكية هو عدم قدرتها على التكهن المسبق بنتائج الانتخابات الايرانية، حيث يحدوها امل كبير في ان تسفر عن هزيمة ساحقة للتيار المحافظ في النظام الايراني، يمنعها عن تقديم اي فرصة لتسيل عودته الى السلطة بارتكاب هفوات من شأن هذا التيار استغلالها.
ولذا فان ما يتردد الان من ان الرئيس الامريكي قد يؤجل زيارته للقاهرة بدعوى قيام نتنياهو بلخبطة " الاجندة" الامريكية نتيجة تصريحاته هناك وتهييج اعضاء الكونجرس الامريكي ضده، وانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية، التى تجرى يوم 12 يونيو، حتى يكيف خطابه وفقا لطبيعة القيادة الايرانية الجديدة، هو احتمال ينطوي على قدر كبير من الوجاهة، حيث سيتمكن من خلال ذلك من حسم طبيعة خطته لتحريك عملية السلام، وتحديد مستوى المواجهة مع حكومة اليمين الاسرائيلي.
فقد ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية في عددها يوم امس ان الرئيس الامريكي اوباما سيعلن في خطابه الذي سيلقيه في القاهرة عن خطة سلام جديدة يدعو من خلالها الدول العربية الى اتخاذ خطوات لبناء الثقة تجاه اسرائيل، بهدف تحسين الاجواء قبل بدء مفاوضات حل اقامة دولتين لا يزال نتنياهو يرفض الاعلان على الملأ بانه يؤيده.
وتقول الصحيفة انه انطلاقا من الحرص على أمن اسرائيل، فان خطة اوباما ستؤكد على ان لا يكون للدولة الفلسطينية جيش مستقل ولن يكون بوسعها عقد تحالفات عسكرية مع دول اخرى، كما تقضي الخطة بان لا يعطى حق عودة للاجئين، كما يطالب الفلسطينيون، وانه بدلا من ذلك فان الولايات المتحدة، ودول اوروبية وعربية، وستحرص على تعويض اللاجئين وترتيب مكانتهم القانونية في الدول التي يقيمون فيها - بما في ذلك تلقي جوازات سفر الدول التي يتواجدون فيها.
وفي خطابه سيكرر اوباما دعوته لاسرائيل بالوقف التام للبناء في المستوطنات، بينما سيطلب من العالم الاسلامي والعربي ان يمد اليد لاسرائيل وان يعبر عن جدية النوايا. كما سيكون لاوباما اقتراحات عملية فهو يتوقع من الدول العربية أن تسمح للاسرائيليين بالاتصال الهاتفي بالسكان في نطاقها، والوصول للزيارة كسواح والسماح لشركة ال عال بالعبور في مجالاتها الجوية.
وما قد يقلل من احتمالات المواجهة بين اوباما ونتنياهو، هو احتمالات جدولة الخطة ضمن سلم اولويات، يبدأ بمجموعة الالتزامات العربية والاسلامية نحو اسرائيل، مقابل وقف البناء في المستوطنات، واعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي لقبولة مبدأ الحل على اساس الدولتين، الذي سيحدد له اوباما اطارا زمنيا لتحويله لواقع يمتد لاربع سنوات، اي حتى نهاية ولايته الاولى كرئيس للولايات المتحدة.
ولوضع خطة باراك اوباما في اطارها الاسرائيلي يذهب غيورا ايلاند رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق لمخاطبة الرئيس الامريكي بصورة غير مباشرة، مؤكدا له خطأ الافتراضات التي يعتمدها في بناء تصوره لكيفية احياء وتحريك عملية السلام.
فتحت عنوان " الخطأ الامريكي... سبع فرضيات مغلوطة " يكتب ايلاند في يعديعوت احرانوت يوم 25 ماي الجاري مفندا كافة الافتراضات التي بنى عليها صانع القرار الامريكي تصوره لتحريك العملية السلمية، حيث ينفي ان يتوقف الطموح الوطني الفلسطيني عند بناء الدولة الفلسطينية في حدود 1967 باعتبار ان فرص من هذا النوع سنحت للفلسطينيين في اعوام 1937، و1947 و 2000، وفي المرات الثلاث رفضوا العرض بركلة، على حد تعبيره.
ثم ينفي صحة الافتراض القائل بان "الفجوة بين مواقف اسرائيل والفلسطينيين قابلة للجسر". فالحد الاقصى الذي يمكن لحكومة في اسرائيل (كل حكومة) ان تعرضه على الفلسطينيين وتنجو سياسيا في نفس الوقت بعيد عن الحد الادنى الذي يمكن لحكم فلسطيني (كل حكم) ان يوافق عليه، ان يقبله وان ينجو سياسيا، في اشارة قد لا تجانب الصواب حول افتقاد طرفي الصراع لاجماع قومي حول مفهوم السلام المنشود.
ويمضي غيورا ايلاند مفندا صحة الادعاء القائل بان مصر والاردن يريدان حل النزاع، وانهما جهة مساعدة". فكلاهما يفضلان استمرار الوضع القائم.
وحسب وجهة نظره فان الدولة الفلسطينية الصغيرة والمنقسمة، لن تكون "قابلة للحياة" والاحباط الذي سينشأ عن هذا الوضع (وبالتأكيد في غزة)، حين لا يكون لاسرائيل "حدود قابلة للدفاع"، فان ذلك هو اساس واضح لانعدام الاستقرار.
وفي معرض رفضه لاعتبار الاوضاع الراهنة فرصة يجب اغتنامها يقول ان فرصة افضل منها ولدت عام 2000، للتوصل الى اتفاق بالقياس الى الوضع الحالي، ولم يحصل ذلك. فهل يمكن اليوم الوصول الى اتفاق في "يهودا والسامرة " دون الحديث عن غزة، حين تكون حماس هي الحركة الفلسطينية السائدة؟
اما عن فرضية ان "التقدم في الموضوع الفلسطيني حيوي من اجل الاستعانة بالدول العربية ضد ايران". فان ايلاند يتسائل عن الصلة بين الموضوعين؟ ما دامت للدول عربية مصلحة عليا لصد ايران، مع او بدون الموضوع الفلسطيني.
وبعد ان يرفض مقولة ان للصراع حل واحد، فانه يؤكد ان الفرصة في الوصول الى اتفاق دائم في صيغة "دولتين" وتطبيقه بنجاح ليست اكبر من فرصة النجاح التي كانت في 1993 (اوسلو)، 2000 (كامب ديفيد) و 2007 (انابوليس).
ولئن كان من غير المعروف ان غيورا ايلاند قد اراد من وراء رسالته غير المباشرة هذه للرئيس الامريكي، ان تكون بمثابة سطل من الماء البارد ليغمر به رأسه، من خلال قوله له ان كافة اكتشافاتك هي من قبيل خلع الابواب المفتوحة، فمن المؤكد انها تبريد لبعض الاجواء الاسرائيلة التي قد تركبها المعارضة الاسرائيلية في مواجهة حكومة اليمين المتطرف، للتذكير بان ما ستأتيه هذه الحكومة من افعال لا تعدو ان تكون تكرارا لافعال سابقة اقدمت عليها حكومات اسرائيل المتعاقبة، وبالتالي فان كان هناك من ضرورات للضغط فلتتجة نحو اوباما، ليعيد النظر في حماسته هذه، خاصة وان الجانب العربي اكثر استعدادا لاعادة التجربة، تجربة الانتظار.
هاني الروسان