حقول الموت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تعتبر تركيا من الدول التي إنضمت الى إتفاقية (أوتاوا) لإزالة الالغام في العالم، والتي دخلت حيز التنفيذ عام2004. ومنحت هذه الإتفاقية كل دولة مهملة عشرة سنين لتنفيذ التزاماتها. ومن بين ما يتوجب على تركيا في هذا المضمار القيام به هو مسح حقول الألغام على طول حدودها المشتركة مع سورية. على هذا الخط الحدودي البالغ طوله 510 كم يوجد حوالى 650،000 لغم مزروع. زرعت هذه الالغام منذ بداية عام1956. هذه المدة الطويلة يجعل من عملية إزالتها أمراً صعباً، كما أن قسماً كبيراً منها تبدلت أماكنها بسبب عوامل البيئة من أمطار وسيول الخ... حسب التخمينات.
تركيا توصلت الى إتفاقيات مع بعض الشركات الاسرائيلية لتنظيف تلك الحقول. تركيا تتذرع بأنها لا تستطيع تحمل المصاريف الباهظة اللازمة لذلك وتدعّي أن جيشها ليس لديه المؤهلاًت للقيام بتلك المهمة وتنقصه الخبرة في هذا المجال.....والحكومة الآن هي بصدد تقديم مشروع القانون اللازم الى البرلمان للمصادقة عليه.
التعويض الذي ستحصل عليه إسرائيلَ و"شركاتها"هو إستثمار أو "إستئجار" تلك الأراضي التي جرى تنظيفها من الالغام لمدة 44 عاماً للزراعة العضوية{ أي عدم إستعمال أية أسمدة أو مواد أخرى إصطناعية في الزراعة وذلك بعد إزدياد حالات السرطان في العالم و التي يُشك بأنها تعود الى إستعمال الأسمدة الإصطناعية. ومحاصيل الزراعة العضوية غالية والإقبال عليها منقطع النظير في العالم كله}.الأراضي تلك هي الأكثر خصوبة في المنطقة كلها وتعرف بمنطقة "خط المطر" كما أنها ستصبح أراضي مروية قريباً، حيث سيصل اليها مياه الفرات من سد اتاتورك ــ مشروع غاب الشهيرــ كذلك ستصل اليها مياه نهر دجلة. مساحة تلك الاراضي{216 ألف دونم} هي ضعف مساحة دولة قبرص وثلثي مساحة اسرائيل.
على طرفي الحدود يسكن فقط الشعب الكردي مع وجود إستثناءات هنا وهناك من السكان العرب في الطرف السوري. تاريخ الكرد مع حقول الالغام هي تراجيديا مليئة بالمعاناة قل نظيرها في التاريخ البشري. لقد وصل الإستهتار التركي بحياة الإنسان هناك بحيث كانت حقول الالغام تقع على بعد أمتار قليلة من دور السكن في بعض الأماكن "مدينة نصيبين".بالرغم من عدم وجود أية إحصائية حول عدد الضحايا، فإن الرقم لا يقل عن عشرات الآلاف من القتلى وأضعاف أضعاف ذلك الرقم من الذين فقدوا الأرجل والأيادي وأصبحوا معاقين وهم في ريعان شبابهم. في الواقع إنها كانت "حقول الموت" للشعب الكردي زرعتها الدولة التركية والتي لديها الإحصائيات ولكنها لا تنشرها نظراً لهول عدد الضحايا وخوفاً من ردود أفعال من المنظمات الإنسانية العالمية. كل أولئك الضحايا سقطوا بسبب الفقرومحاولتهم سد الرمق عن طريق" التهريب"عبر الحدود، وكان" المهرب" يحمل على ظهره 30ـ40 كيلوغرام من القهوة والشاي أو الألبسة المستعملة مشياً بين الالغام ليكسب منها قوت أسبوعين أوثلاثة على الأكثر. الدولة التركية لم يكن هدفها منع التهريب وإنما كان هاجسها وهلعها الوحيد هو التواصل الكردي على طرفي الحدود، خاصة إذا علمنا أن 90% من الالغام كانت ضد الأشخاص وليس ضد الآليات.كاتب هذه السطور أيضاً مرّ من بين تلك الحقول ولكن لأسباب أخرى. وسأعود الى ذلك مستقبلاً.
الآن هناك مخطط تجهله كل شعوب المنطقة، ولكن من تعرفه هي دول سوريا واسرائيل وتركيا. الأمر الغريب هو أن تركيا ستؤجر الارض ولمدة نصف قرن الى اسرائيل التي هي في حالة حرب دائمة مع جارتها سوريا. الأغرب هو السكوت والرضى السوري المشبوه، وكأن كل هذا يحدث في كوكب آخر.
تركيا إتخذت القرار في مجلس الأمن القومي ومعنى ذلك أن القرار هو قرار الدولة كلها من حكومة وجيش وإستخبارات.....الخ ويتوجب على الحكومة تنفيذها.
إذا تمعن المرء في الأمر ملياً سيصاب بالدواروالدوخة. هذا المخطط يجمع بين تناقضات عجيبة. أنه يجمع بين سورية واسرائيل شمالاً، وبعكس الحدود الجنوبية التي تغص بالتحصينات والاسلحة الفتاكة، ستكون الحدود الجديدة مليئة بالزهور والفواكه والخضار. والأرض مهداة من دولة تعتبر "حبة رمل"من أراضيها أقدس المقدسات، وتؤجر أرضاً هي ضعف مساحة قبرص ولمدة نصف قرن الى من غزّوا "غزة" في تلك المسرحية الشهيرة في"دافوس"السويسرية، والتي كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردغان بطلها.
الولايات المتحدة لا شك أنها على علم بالموضوع، بل الإحتمال الأكبر أن لها دور العّراب في كل ما يجري.
تركيا صحافة ودولة وأحزاب ونقابات وجامعات......الخ تنام وتستيقظ على هذا الموضوع الخطير. اليكم بعض السطور من مقالة للسيد (تاشغيتيرن) الكاتب المعروف بصراحته والمحسوب على حزب السلطة أي حزب أردوغان. الرجل يقول : الحكومة غير شفافة في هذا الوضوع....إنها تعاني من موقف محرج....ولكنها لا تستطيع الإفصاح عن ذلك....ثم يورد طلب رئيس الوزراء السيد اردوغان من نوابه في البرلمان المصادقة على مشروع القانون المتعلق بتأجير الاراضي: أرجوكم أن تصادقوا على هذا القانون....لا تحرجوني...إنه لمصلحة تركيا بكل تأكيد.....أعذروني لا أستطيع الرد على إستفساراتكم، الموضوع سريّ... هذا مستحيل...صدقوني ولا تسألوا المزيد. ثم يقول الكاتب رأيه: إذا أرادت الحكومة الإنتحار...فلتؤجرها الى اسرائيل إ ذن.
هذه الأرض يجب أن تكون لساكنيها ولأصحابها الأصليين أي كرد المنطقة، وهم الذين ذاقوا الأهوال من "حقول الموت" تلك.علماً أن تلك الأراضي كانت أملاكاً للسكان هناك وإستولت عليها الدولة لزرعها بالالغام. وبدلاً من تعويض الضحايا وإعادة أراضيهم نجد أن الدولة تمارس العداء للكرد كسابق عهدها. أما "أشبال البعث" وثوريوا دمشق أبطال "الصمود والتصدي" فهم كأهل الكهف نائمين، أو أن لديهم مخطط سري"لإلقاء اسرائيل في البحر"نحن نجهله..!!.
الأسئلة كثيرة:
ــ لماذا لا تطلب تركيا العون من حلف (الناتو) لمسح الالغام، وهذا من حقها بإعتبارها عضوة دائمة فيه.
ــ ما الذي ستحصل عليه سوريا مقابل قدوم الجارالحبيب "إسرائيل الثانية" ــ ولكن هذه المرة ليست "اسرائيل الكردية "بل اسرائيل الحقيقية بشحمها ولحمها!!. قد يكون الثمن "تحرير الجولان"؟.
ــ هل الحملة المجرمة الحالية على الكرد من قبل النظام السوري هي جزء من المؤامرة أم انها الخطوة الأولى؟.
ــ هل هناك مشروع إستيطان فلسطيني جديد سيموّل من المشروع و يراد منه إدخال الفلسطينيين في حروب جديدة مع خصم جديد هو أربعين مليون كردي؟.
ــ هل نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني هو جزء من هذا المخطط؟.
ــ هل هناك دور ل"أنصاف الرجال" أيضاً؟. حيث ان الجليد السميك بدأ يذوب في الآونة الأخيرة بين "الرجل"و"الأنصاف".
هذا المشروع هو من أخبث المشاريع في المنطقة. الصحافة التركية تشير بأصابيع الإتهام الى تمويل من البحرين أيضاً؟؟...
إقليم كردستان العراق ايضاً صامت. صمته لا يقل عن الصمت السوري.على الأقل الكرد ينتظرون من حكومة الإقليم تسريباً إعلامياً بسيطاً...
النظام السوري معذور على صمته، لأن الموضوع برمته قيد النقاش والدراسة ومنذ شهور في قيادة"الجبهة الوطنية التقدمية". وهذه القيادة تصل الليل بالنهار وتنوء تحت أعباء المسؤلية الثقيلة على الرغم من تضرعات الرئيس لها بضرورة الإسراع في الوصول الى قرار ما.
ملاحظة: يوم 28مايس ـ أيار أعاد البرلمان في أنقرة مشروع القانون الى لجنة الصياغة لأجراء تبديل على فقرة "تأجير الاراضي". المشروع سيناقش و يصوت عليه يوم الثلاثاء 2 حزيران المقبل.
بنكي حاجو
طبيب كردي ــ السويد
التعليقات
سياسة المصالح
شيرين -انها السياسة ومن يلعبها جيدا سيفوز. اين هم الكورد من ذلك؟!! انهم مشغولون بكيفية تأمين لقمة العيش لابنائهم واحزابهم تنادي بالنضال السلمي من اجل حقوقهم الثقافية .من سيسمع لهم من قوى العالم،لااحد. القوة هي التي تضغط على الاخرين من اجل قبول طلباتنا وتأمين حقوقنا. هاهو الغرب يتحاور مع الارهابيين الفعليين من اجل تخفيض الضرر عن نفسه كما في العراق وغيره. هاهو يحاور النظام السوري مع انه يعلم بكل ارهابه.
أنه لمن أعجب العجاب
جياي -الخبر خطير وغريب في آن واحد, شكرا للكاتب الذي يسعى لتوصيل آرائه ووجهات نظره حول القضايا التي تمت بشعبنا, وأن صح الخبر فهو فضيحة ما بعدها فضيحة للعرب ولتركيا التي الآن تمثل دور البطل التي تواجه خطر أسرائيل من المنظور العربي -الغلبان-والتي دائما تنتظر منقذين لمهام هم الأولى بتنفيذها, ولن يكون تنفيذ خطوة كهذه دون أن يكون للكورد موقف معارض لأنهم هم معنيين بها لأنهم هم أصحاب المصلحة المعنيين بالأمر مباشرة. ولا أستطيع هضم حقيقة أن جيش تركيا الجرار لا يستطيع بنفسه رفع الألغام هذه,فالمئات من الآلاف من هذه الألغام وبتعاون أممي رفعتها سلطات أقليم كوردستان, فكيف لا تتمكن تركيا من ذلك؟
أنه لمن أعجب العجاب
جياي -الخبر خطير وغريب في آن واحد, شكرا للكاتب الذي يسعى لتوصيل آرائه ووجهات نظره حول القضايا التي تمت بشعبنا, وأن صح الخبر فهو فضيحة ما بعدها فضيحة للعرب ولتركيا التي الآن تمثل دور البطل التي تواجه خطر أسرائيل من المنظور العربي -الغلبان-والتي دائما تنتظر منقذين لمهام هم الأولى بتنفيذها, ولن يكون تنفيذ خطوة كهذه دون أن يكون للكورد موقف معارض لأنهم هم معنيين بها لأنهم هم أصحاب المصلحة المعنيين بالأمر مباشرة. ولا أستطيع هضم حقيقة أن جيش تركيا الجرار لا يستطيع بنفسه رفع الألغام هذه,فالمئات من الآلاف من هذه الألغام وبتعاون أممي رفعتها سلطات أقليم كوردستان, فكيف لا تتمكن تركيا من ذلك؟