الكون بين العلم الدين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كتب لي أحد القراء تعليقاً على آخر مقال علمي عن الكون وهو الفقاعة الكونية بأن ما كتبته ما هو إلا محاولة للسير في حقول متشابكة وبشكل معقد سواء في المحتوى أو في طريقة العرض، وهناك من يتقبل أو لا يتقبل هذا النوع من الأطروحات حتى لو كانت معروضة على نحو علمي ممتع يعتمد على الواقع والملموس والتعامل مع الموجود من خلال الملاحظة والمراقبة والمتابعة مثلما هو شأن الإنسان العالم والواعي بمسؤوليته. إن نظرية الأوتار التي تطرقت إليها في مقالك وتطبيقاتها في الحياة، استخدمها البعض، لا عن دراية بل عن تقليد، ليثبت لنفسه ما يضمره من معتقدات في حين ما يزال العلماء في أول حبوهم في هذا المضمار، فهل بالإمكان فعلاً التوصل إلى حقيقة المكون المادي للوجود الذي نحن جزء منه؟ وأين محل المحرك الأول للأجسام المادية الحية " أي الروح" في خضم المعادلات والأفكار والنظريات والمقولات العلمية التي عرضتها ببراعة في مقالاتك العلمية السابقة؟ ماهو الزمن وهل هناك زمن بين المجرات والنجوم والكواكب وهل هو ذات الزمن الموجود في المجرات والنجوم والكواكب والمواكب لها؟ والمعروف أن الزمن لا يمكن أن يكون إلا بتوفر عنصرين أساسيين هما المكان والحركة وارتباطهما معاً وأن أي خلل في احدهما يلغي الزمن كما أشرت في أحد مقالاتك، فإن كان هذا صحيحاً فهل هناك زمن في الفراغ القائم. " الفراغ الكوني أو الفراغ الكوانتي"؟. إذا كانت الحركة مثبتة في الكون فإن المكان ليس مطلقاً وبالتالي هناك الفراغ أو اللامكان الموجود فوق وتحت وبين المكونات المادية الملموسة للكون فكيف يمكن أن ننظر إلى هذه المسألة؟ أعتقد بأننا سنبقى إلى الأبد أمام لغز الـ " ما قبل " وذلك إن عقل الإنسان بتركيبته الحالية عاجز عن تصور أو إدراك وجود اللاوجود، ولايمكنه أن يتخيل أو يتصور ما قبل كينونته، لأن ذلك من المستحيلات عليه، أما العدم فلا يعني اللاوجود بأي حال من الأحوال وإنما هو حالة لا ندرك ماهيتها الآن. هذا هو باختصار شديد مضمون ما ورد في أحد التعليقات الكثيرة جداً، وتحتوي على العديد من المشتركات، التي أفرزتها أقلام القراء وأثارت في نفسي نوع من الحبور والامتنان لأن ما يكتب وينشر لا يذهب هباءاً بل يؤثر ويحث النفوس والعقول على التفكير والتأمل والمشاركة.
فالتصديق بالأطروحات والنظريات العلمية عن الكون هو مسألة إيمان واعتقاد لا يختلف كثيراً عن الإيمان والاعتقاد بالأطروحات الدينية وما جاءت به الأديان السماوية من قصص ونظريات اعتبرتها حقائق مطلقة لا تقبل الجدل أو النقاش ناهيك عن الشك والطعن أو الدحض، إذ يتعين على العقلانيين أن يفرقوا هم أيضاً، بين الحقائق المجردة والمثبتة مختبرياً والمضاربات والظنون والتكهنات والفرضيات أو التصورات الافتراضية حتى لو كانت تكتسي المظهر العلمي. فمنذ أكثر من نصف قرن يتواجه بشراسة أنصار نظرية الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وخصومها أو المناوئين لها من العلماء وكل واحد من الفريقين لديه أدواته وحججه ومعادلاته وفرضياته العلمية، حتى لو كانت خيالية أو غير معقولة أو شبه خرافية. ويمكننا القول أن نظرية البيغ بانغ هي خرافة عصرية صاغها العلم خلال القرن المنصرم وحولها إلى دين علمي مقدس لا يسمح لأحد المساس به وبأسسه، في حين لا تتعدى أن تكون قصة جميلة مفترضة عن تاريخ الكون من البداية إلى اليوم، كما هو حال سفر التكوين الإلهي المنصوص عليه في التوراة أو العهدين القديم والجديد وفي القرآن وباقي الكتب المقدسة التي تحدثت عن قصة الخلق الإلهي المباشر، لكن هذا لايعني أنها غير صحيحة. كانت الولادة العسيرة للنظرية الكونية المعروفة اليوم بإسم البيغ بانغ سنة 1917 على يد آينشتين دون أن تحمل هذا الاسم بعد، وكانت بمثابة ثورة حقيقية ومهولة في مجال التفكير العلمي أثارت الرعب في نفس مؤسسها نفسه الذي كتب لزميله العالم بول إيهرنفست Paul Ehrenfest : " ارتكبت بخصوص الجاذبية أو الثقالة شيئاً يعرضني لخطر أن أوضع في مستشفى المجانين أو أستحق أن أسجن في مصحة للأمراض العقلية".
من المعروف أن علم الكونيات أو الكوزمولوجيا La Cosmologie كان علماً ممنوعاً منذ قرون من قبل الكنيسة الرسمية، وبالذات منذ القرن السابع عشر لانعتاقه من أسر الكنيسة ورجال الدين وتحرره من سطوتهم منذ عهد كوبرنيك، الأمر الذي لم يتحقق آنذاك للأفكار الفلسفية أو المعتقدات الدينية. وانجر العلم آنذاك إلى متاهة اكتشاف سر القوانين التي تسير الطبيعة وتتحكم بالظواهر الطبيعية بعيداً عن التفسيرات الدينية الجاهزة والخرافية. وحاول رجال الدين المتنورين من أمثال القديس أوغسطين وجورج لومتر saint Auguste et Geacute;orges Lemaitre، التوفيق بين الطرح الديني الموجود في النصوص المقدسة وبين ما صاغه علماء الكونيات وعلماء الفلك ولم يفلحوا فاضطروا إلى القبول بفكرة فصل المجال العلمي عن المجال الديني، وبقي كل منهما متمترساً خلف مسلماته.
يعتمد علم الكونيات على الرصد والمراقبة بيد أن نتائج هذه العملية يمكن أن تكون خادعة في بعض الأحيان، فأنصار نظرية الانفجار العظيم يؤكدون أنهم رصدوا إشعاعات تعود إلى مرحلة ماضية مغرقة في القدم من تاريخ الكون، قد يكون هذا صحيحاً وقد يحتمل تأويلاً آخر لأنهم في الواقع يمتلكون وقائع وملاحظات عن الكون كما هو موجود اليوم لذلك يلجأون إلى المحاكاة لإعادة ترتيب وتشكيل الماضي وهي عملية مبنية على الظنون والافتراضات والمضاربات العلمية. فالاشعاعات الحفرية " المتحجرة" التي يفترض هؤلاء أنها قادمة من أعماق الكون والتي يسبح فيها هذا الأخير، من المفترض أنها تعطينا انطباعاً عن الحقبة التي كان فيها عمر الكون يناهز الـ 380000 سنة بعد لحظة الصفر التي انطلقت منها عملية الانفجار العظيم، ولكن بعض العلماء يعتقدون أن ما نشاهده من تلك الاشعاعات هي ما هو موجود الآن كما وصل إلينا، والقابل للرصد والمراقبة والدراسة والقياس والباقي ليس سوى هرطقات أو تخيلات فنتازية يقوم أنصار البيغ بانغ بتفسيرها وترجمتها أو بالأحرى تأويلها ليعززوا افتراضاتهم، ويقومون بالبحث في خصائصها وسماتها ومزاياها الحالية وعلى الأخص التفاوتات والتماوجات التي تميزها عن غيرها من الاشعاعات الراهنة بالاستناد إلى نظرية تربطها بأحداث افتراضية وقعت في بدايات الكون بيد أن تلك النظريات، لاسيما نظرية التضخم الكوني، والتضخم الأبدي للأكوان ـ الفقاعات، التي تحدثنا عنها في المقال السابق، تخرج عن نطاق الفيزياء المعروفة عند البشر والتي لا يمكن التحقق من صوابها عبر التجارب المختبرية. وكذلك ما يتعلق بفرضية أن الجزء الأكبر من الكون يتكون من شكل من أشكال المادة غير المعروفة وغير المرئية والتي لا تبث إشعاعات مرئية قابلة للرصد والمسماة المادة السوداء أو الداكنة أو المعتمة حيث نجهل طبيعة وماهية هذه المادة المفترضة إذ أنها ليست " مادة طبيعية" على حد ادعاء أنصار البيغ بانغ توازي المادة التي تكون النجوم والكواكب والكائنات الحية وغير الحية والسبب هو ما تنطوي عليه هذه الفرضية وهو أن كمية كبيرة جداً من عنصر الدوتريوم deuteacute;rium، وهو الشكل الثقيل للهيدروجين، قد تم إنتاجه في مرحلة طفولة الكون أو في حقبة الكون البدائي والحال أن هذا غير وارد في سياق وحيثيات نظرية الانفجار العظيم. إذ لو تم اكتشاف المادة المعتمة أو السوداء حقاً وبشكل علمي ومختبري عبر التجارب لبات علينا أن نعيد النظر في أسس أنموذج البيغ بانغ، ومن أجل إنقاذ هذا الأنموذج القياسي أو المثالي اضطر العلماء لابتكار نوع جديد من المادة سميت بالمادة الغريبة أو المدارية exotique التي نجهل عنها كل شيء ولم يرصدها أحد. ونفس الشيء ينطبق على النوع الثاني من الطاقة المبتكرة أو المفترضة والمسماة الطاقة السوداء أو الداكنة التي اقترحوها لإنقاذ أنموذج أو موديل البيغ بانغ ولتفسير تسارع التمدد الكوني الغامض والذي يحتاج إلى تبرير علمي. فلقد اعتقد العلماء قبل عام 1990 أن توسع الكون أو تمدده يتباطأ إلا أن رصد نموذج معين من النجوم المعروف باسم السوبرنوفا supernovae، وهي النجوم التي وصلت إلى آخر عمرها قبل انفجارها وصارت تشع بقوة وهي ناصعة جداً، بين لهم عكس ما كانوا يعتقدون وهو أن التمدد والتوسع يتسارع بوتيرة عالية جداً مما يعرض أنموذج البيغ بانغ للمراجعة، فعمد أغلب علماء نموذج البيغ بانغ إلى استخراج مقولة الثابت الكوني من الأدراج، وهو المعامل الثابت الذي اقترحه آينشتين قبل عقود وبالتحديد سنة 1916، وأضافه لمعادلاته الرياضية ليوافق بين نظريته النسبية وأنموذج الكون الثابت والمستقر الذي كان يعتقد به آنذاك، لكنه سرعان ما تخلى عنه، بعد أن أعتبره أكبر حماقة علمية وأكبر خطأ ارتكبه في حياته. ومن أجل إنقاذ التواؤم بين الأنموذج السائد ونتائج الرصد والمراقبة الفلكية أضطر العلماء إلى الاستعانة مرة أخرى بهذا الثابت الكوني على شكل الطاقة السوداء أو الداكنة والمعتمة التي لا يعرف أحد ماهيتها وطبيعتها ومصدرها وقالوا عنها أنها شكل مكثف من " طاقة الفراغ" تترجم إلى قوة طاردة هائلة، الأمر الذي يفسر تباعد المجرات عن بعضها بتسارع مضطرد وتمدد للكون. والحال أن مراقبة ودراسة السوبرنوفا لا يترتب عليه حتماً إفتراض أن الكون في حالة توسع وتمدد متسارع كما يعتقد العالم الهندي المتخصص في الفيزياء الفلكية جايانت نارليكار jayant v. Narlikar المناويء لنظرية البيغ بانغ الذي يفسر نتائج الرصد بوجود أغبرة بلورية على شكل أبر أو صنارات aiguilles وهي عبارة عن أغبرة كونية تكونت من تكاثف الحديد الذي لفظته أجيال سابقة من نجوم السوبرنوفا المنفجرة عبر مليارات السنين وهذا التفسير يستند لحقائق انبثقت عن تجارب مختبرية عكس فرضية الطاقة السوداء أو الداكنة التي لم تنتج عن تجارب مختبرية، لذلك فإن تعنت العلماء المناصرين لنظرية الانفجار العظيم بأي ثمن برأي العالم الهندي فيه نوع من التعصب لا يختلف عن التعصب أو التشدد الديني، فهم لا يتركون مجالاً لأي نظرية بديلة أو منافسة لنظريتهم. ويفسر نارليكار هذا الموقف بأن هناك علاقة ربما غير مباشرة أو لا واعية بالمفاهيم الميتافيزيقية والدينية الغربية التي تؤمن بوجود بداية ما ولا يستطيعون إدراك أو تصور كون بلا بداية وبدون عملية خلق. في حين يمكن لشعوب وحضارات أخرى أن تتخيل ذلك بسهولة كالبوذيين الذين يعتقدون بإمكانية استمرار تولد المادة إلى ما لا نهاية وبلا بداية بدلاً من الركون إلى فكرة الانفجار العظيم كبداية لعملية الخلق.
يعتقد نارليكار أن فرضية تمدد وتوسع الكون تستند إلى بديهية أو ظاهرة جوهرية تتعلق بالانزياح الطيفي نحو الأحمر للأجسام. فكلما كان الجسم بعيداً عنا فان سرعة ابتعاده عنا تزداد بسبب تباعد مكونات الكون الذي هو جزء منها، كلما مال طيفه نحو الأحمر أكثر فأكثر. والحال أن مراقبة هذا الانحياز محدودة بمسافة لا تتجاوز الـ 10مليار سنة بينما يتجاوز أنموذج أو موديل البيغ بانغ هذه المسافة بكثير عندما كانت كثافة الكون آنذاك أكبر بمائتي مرة من كثافته الحالية وهذا لا يتلاءم مع القوانين الفيزيائية المتعلقة بمعدل الكثافة. لذلك يلجأ العالم الهندي إلى ترجمة مختلفة لتفسير الانزياح الطيفي نحو الأحمر، وهو تفسير غير مرتبط بتوسع أو تمدد الكون. فلو أخذنا حالة تشابك مجرتين تبدوان مرتبطتين بشبكة ألياف filament فإن هذا الارتباط يوحي لنا بأن الجسمين الكونيين مرتبطين فيزيائياً ومتواجدين على مسافة واحدة، ولكن عندما نقيس الانزياح الطيفي لكل منهما نحو الأحمر نحصل على قيمتين مختلفتين أي على مسافتين مختلفتين وهذا يعني أن الانزياح غير مرتبط بالتوسع أو التمدد وإلا كانت المسافة واحد للمجرتين بالنسبة لنا. وللدلالة على صحة فرضياته يقول رالينكار المؤيد للنموذج الكلاسيكي الثابت والمستقر للكون الواحد الذي قال به أستاذه فرد هويل Fred Hoyle، "ينبغي اكتشاف ورصد مجرات بعيدة جداً غير مرئية حالية بتلسكوباتنا الحالية وذات إشعاعات ضعيفة تنزاح نحو الأزرق بدلاً من الأحمر ولن يكون بوسع الموديل الشائع حالياً للكون وهو موديل البيغ بانغ أن يفسر هذه الحقيقة العلمية التي يتوقعها خصوم نظرية التوسع الكوني"، حيث يعتقد خصوم النمط الكوني السائد أن هناك مجرات يعود عمرها إلى 40 و 50 مليار سنة وهو رقم يتجاوز بأضعاف عمر الكون التقديري الحالي الذي تعطيه نظرية الانفجار العظيم والذي يقدر بـ 13.7 مليار سنة.
هناك في فرنسا اليوم بعض العلماء الذين لا يؤيدون نظرية الأوتار الفائقة بل ولا حتى نظرية الانفجار العظيم لكنهم يشعرون أنهم محاصرون منهم السيدة العالمة شوكيت بروهات Choquet-Bruhat و المهندس والعالم الفلكي جون بيير بتي jean pierre petit وغيرهم، وكان هذا الأخير قد قدم نموذجه للكون استناداً إلى أنموج الكون التوأم الذي قال به العالم الروسي الحائز على جائزة نوبل أندريه زاخاروف بعد أن قدم أطروحة عن التماثل الهندسي لموديل أندريه زاخاروف الكوني عن الكون التوأم " geacute;omeacute;trisation du modegrave;le cosmologique d'Andreacute;i Sakharov".
الحل الذي اقترحه زاحاروف لحل معضلة إمكانية تعايش وتواجد مشترك لجسيمات ذات طاقات متعارضة ومتباينة، إذ بدون اقتراح مثل هكذا حل فإن الكون سيختفي كلياً وكذلك الفوتونات، تمثل بفرضية تقول بأن تكون حركة الجسيمات مندرجة في صفحتين مختلفتين متماثلتين كلياً كالتوأم حيث تخيل عالم الفيزياء الروسي سنة 1967 وجود خلل طفيف في التماثل في اللحظات الأولى للكون في عملية خلق المادة والمادة المضادة نتج عنه فيما بعد رجحان كفة المادة على اللامادة وطغيان عملية إنتاج المادة على حساب اللامادة، فأين ذهبت اللامادة أو المادة المضادة؟ يقول زاخاروف أنها شكلت بدورها كوناً توأم من المادة المضادة يماثل ويشابه كوننا المادي تكون فيه الجسيمات ذات شحنة كهربائية معاكسة، ولكن في الوقت الحاضر لا يوجد أي ميكانيك فيزيائي مقبول أو مرضي نابع من فيزياء الجسيمات يمكن أن يفسر ظاهرة التماثل الكوني الأمر الذي حث بعض العلماء للجوء إلى فرضيات جريئة كفرضية الطرد أو التنابذ الثقالي بين المادة والمادة المضادة مما يفسر كيف ولماذا تباعد الشقيقان اللدودان في بدء التكوين وإمكانية تخيل نشوء كون موازي أو عدة أكوان موازية تحتوي على مجرات مكونة من المادة المضادة. والجدير بالذكر أن زاخاروف كان من بين الذين تم الاتصال بهم من علماء الأرض ومنهم الفرنسي جون بيير بتي من قبل الأوميون Les Ummittes وهم علماء من حضارة كونية في الفضاء البعيد في كوكب أومو Ummo متقدمون على حضارتنا بآلاف السنين اختاروا وسيلة مبتكرة للاتصال بسكان الأرض وهو انتقاء شخصيات معينة من مختلف المهن والجنسيات والمناطق في كوكب الأرض ليرسلوا لهم رسائل تبحث في مختلف العلوم والمناهج والاختصاصات وتتضمن معلومات متقدمة ومتطورة جداً تتجاوز بكثير ما توصل إليه البشر من مستويات علمية وفلسفية وفكرية بشهادة كبار العلماء ممن اطلعوا على تلك الرسائل التي تشكل بمجموعها موسوعة علمية ودائرة معارف لا تقدر بثمن وبضمنها معلومات عن الكون ساعدت زاخاروف وجون بيير بتي على وضع نموذجيهما عن الكون، بصورة تختلف عن النماذج السائدة في الوقت الحاضر. كما ظهرت في الآونة الأخيرة عدة موديلات ونماذج للكون تتحدث عن بدايات ونهايات لم يألفها البشر من بينها أنموذج أو موديل " القفزة أو الإنبثاقة REBOND " الذي نشر في شهر أيلول / سبتمبر 2008 في المجلة الفيزيائية العلمية المتخصصة فزيكال ريفيو physical Review بقلم العالم الفرنسي باتريك بيتر Patrick Peter من معهد الفيزياء الفلكية في باريس والعالم البرازيلي نيلسون بينتو بيتو Nelson Pinto Neto من مركز الأبحاث الفيزيائية في ريو ودي جانيرو، ويتحدث هذا الأنموذج أو الموديل عن كون ما قبل التاريخ Univers Preacute;historique يتلخص في أنه : بعد فترة كثيفة من التقلصات والتشنجات حصلت عملية قفزة أو انبثاق أدت إلى ولادة " كون جديد" في حالة تمدد وتوسع هو الذي نعرفه اليوم. وقد جاء هذا الموديل لسد الثغرات الكثيرة التي تعتور موديل البيغ بانغ وموديل التضخم الكبير الذي يدرس اليوم في الجامعات والمعاهد المتخصصة بالفيزياء الفلكية. ففي سنوات العشرينات من القرن الماضي راقب عالم الفك الأمريكي إدوين هوبل Edwin Hubble تباعد المجرات بسرعة متصاعدة فاستنتج تمدد وتوسع الكون مما يعني بالنسبة ولعلماء عصره أن الكون كان مركزاً ومنكمشاً في نقطة صغيرة جداً وهائل الكثافة، وهو الأمر الذي نظر له سنة 1922 العالم الروسي الكسندر فريدمان Alexander Friedmann و في سنة 1927 الراهب والعالم البلجيكي جورج لوميتر GeorgesLemaitre وقالا أن الكون ولد من حالة لامتناهية في الصغر، كثيفة وساخنة جداً، وفي لحظة الصفر للزمكان كانت المادة منكبسة داخل نقطة دخلت فجأة في حالة توسع. وقد تهكم عليهما العالم الانجليزي فرد هويلFred Hoyle وأطلق تعبيره الساخر واصفاً تلك الحالة بالانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وشاع هذا التعبير وحاز شهرة عالمية كبيرة، التي يعود عمرها إلى 13.7 مليار سنة، كما اكتشف العلماء لاحقاً في سنة 1964 لاسيما العالمين الأمريكيين آرنو بنزياس وروبير ويلسون Arno penzias، Robert Wilson، أن كوننا مسطح ومتناسق ومنظم من خلال المراقبة والرصد وهو أمر يثير الدهشة والاستغراب فكيف يمكن لمناطق متباعدة عن بعضها البعض بآلاف المليارات من السنوات الضوئية أن تتطور بنفس الطريقة المتشابهة والمتماثلة ولديهما درجات حرارة متساوية ومتماثلة؟ جاء الرد سنة 1981 على يد عالمي الفيزياء آلان غوث وأندريه ليند Alan Guth، Andrei Linde اللذين تصورا فترة زمنية بالغة القصر شهد فيها الكون حالة تضخم استثنائية بمعدل مئة مليون مليار المليار مرة انتشرت خلالها المادة بالتساوي وبتناسق مدهش كما لو أنها انفجرت بفعل قوة طاردة عنيفة حيث بدا الكون على إثرها مسطحاً وباتت خصائصه الفيزيائية متماثلة في كل مكان. المشكلة أن هذا السيناريو شبه الخرافي تضمن العديد من الثغرات أهمها أنه لا يقدم إجابة شافية لمسألة " الفرادة الأساسية "، وتجدر الإشارة إلى أن الفرادات هي مفاهيم رياضية تؤشر لنقاط زمكانية تبطل عندها كل قوانين الفيزياء التي لم تعد صالحة أو قابلة للتطبيق. فالثقب الأسود على سبيل المثال يمثل حالة فرادة لأن خصائصه كلها تنحو باتجاه اللانهاية، وكذلك نقطة الصفر بالنسبة لكوننا المرئي، كما وصفتها نظرية الانفجار العظيم، تمثل الفرادة الأصلية أو الأساسية. لذلك حاول العالمان الفرنسي والبرزيلي، باتريك بيتر و نيلسون بينتو نيتو، في الوقت الحاضر تفادي حالة الفرادة في أنموذجهما الكوني الجديد، وقالا أن قوانين النسبية العامة لآينشيتن لا تطبق على هذه اللحظة البدئية المرموز لها بالحرف ت T وطبقا طريقة أو منهج الكوزمولوجيا الكمية أو الكوانتية La meacute;thode de la cosmologie quantique التي تصف ما يحدث على مستوى اللامتناهي في الصغر أي عالم الجسيمات التكوينية الأولى. وعلى مر المعادلات الرياضية وتطورها من معادلة إلى أخرى ولد تاريخ جديد للكون. فهناك ما يمكن أن نسميه بـ " قبل " نقطة الصفر، حيث كان يوجد وجود كوني عديم الملامح شبه مسطح لا متناهي في سعته وشساعته موجوداً منذ الأبد لانعرف عنه شيئاً لحد الآن، لم يكن في حالة تمدد أو توسع بل في حالة تشنج ويعاني من تقلصات وانقباضات كحالة الطلق التي تصيب المرأة أثناء الولادة تقاربت مكوناته تدريجاً من بعضها البعض، وبما أن قوانين النسبية تقول أنه عندما تغدو التشوشات والاختلاطات promiscuiteacute; كبيرة جداً ينهار كل شيء وينضغط أو ينبعج وينكمش في حالة " فرادة"، وعندما يصبح الكون مكثفاً في نقطة صغيرة جداً عند ذلك لن تمارس قوانين النسبية فعلها عليه بل قوانين الميكانيك الكوانتي meacute;canique quantique التي تفعل فعل القوة الطاردة أو النابذة وكلما تقلص الكون كلما ازدادت أهمية التأثير الكوانتي أو الكمي quantique lrsquo;effet مولدة قوة معاكسة تتحول في نهاية المطاف إلى حركة تمددية أو توسعية، وهكذا ولد كوننا المرئي حسب رؤية وموديل باتريك بيتر. فنموذج القفزة أو الانبثاق من حالة سابقة للكون يستغني عن تعقيدات حالة الفرادة فلن يبلغ الكون أثناء عملية الطلق والتقلصات مطلقاً لا حالة الصفر dimension zeacute;ro ولا الكثافة اللامتناهية densiteacute; infinie لأنه يقفز أو ينبثق قبل ذلك، كما تستغني هذه النظرية عن مرحلة " التضخم الكوني" وتتحرر منها إذ أن مسألة التجانس والتماثل تحل أثناء عملية الطلق والتقلصات التي تسبق الولادة وكلما كانت التقلصات والانقباضات بطيئة أمكننا إهمال تأثيرات الثقالة في تلك المرحلة حيث يتحلل الغاز وينتشر قبل حدوث حالة الانبثاق rebond وحيث يكون الكون في حالة تناسق وتجانس ما يفسر كونه متماثلاُ ومتشابه الخصائص بعد الولادة. وهذا الموديل يأخذ في الاعتبار كافة نتائج الرصد والمراقبة الحالية وربما اللاحقة التي سيقدمها مرصد أو تلسكوب الفضاء بلانك الذي أطلق في شهر آيار/ مايو 2009 والذي سيقدم خارطة دقيقة للإشعاعات الكونية المتحجرة التي تعود للـ 380000 سنة الأولى من عمر الكون المرئي الذي نعيش فيه، وإذا لم تستوعب هذه النظرية حقائق الاكتشافات القادمة بفضل تلسكوب فرانك فإنها ستسقط كغيرها في بئر النسيان وتركن في أدراج العلماء، بانتظار الأفضل والأكمل. وكذلك ينبغي التأكد من قيمة التقديرات التي قدمها علماء هذه النظرية والتي تقدر بأن المادة الطبيعية التي نعرفها والمادة السوداء يشكلان معاً 27% فقط من محتويات الكون وهذا يعني أن 73% من باقي المحتويات يتكون من الطاقة الداكنة أو المعتمة مما يؤشر على أهمية " طاقة الفراغ"، والحال أن هناك خلاف جوهري بين علماء الكونيات وعلماء الجسيمات بشأن هذه القيم. ومن أجل أن يكون وصف الفريقين للكون منسجماً ومتوافقاً ومقبولاً من قبل الجميع، افترض علماء الجسيمات أن كثافة طاقة الفراغ يجب أن تبلغ 1091 أس 91 غرام في السنتمتر الواحد، والحال أن علماء الكونيات يتفقون على قيمة 1029 أس 29 من أجل تفسير التوسع أو التمدد الكوني وهما رؤيتان يصعب التوفيق بينهما تجاه الكون ذاته. وقد تخيل بعض العلماء أنواع أو نماذج أخرى من الطاقة الداكنة أو المعتمة إحداها سميت الكانتيسينس quintessence والتي ليس لها مقابل باللغة العربية وتعني حرفياً الجوهر أو العنصر الخامس، الذي، كما يقول الإغريق القدماء، يملأ الكون مع العناصر الجوهرية الأربعة الأخرى وهي التراب والنار والماء والهواء. كما يلعب هذا النوع من الطاقة دور العنصر الخامس الذي يسبح فيه الفضاء بعد المادة الـ BARYONIQUE، المكونة للذرات، والفوتونات، وهي جسيمات الضوء، والنوترينوات neutrinos وهي جسيمات تبث عند التفاعلات النووية من بين الكثير غيرها من الجسيمات الأخرى، والمادة السوداء المجهولة الهوية والماهية لحد الآن. هناك افتراض أن تقل كثافة مثل هذه الطاقة المفترضة مع مرور الزمن مما يقلل من عزم واندفاع تسارع التمدد الذي تثيره هذه الطاقة المجهولة الطبيعة والماهية هي الأخرى، بدرجة أقل مما تقوم به طاقة الفراغ. كما توجد فرضية أخرى عن طاقة داكنة أو معتمة سميت بالطاقة الشبحية eacute;nergie sombre fantocirc;me التي تقوم بفعل معاكس أي أن كثافتها تزداد مع مرور الزمن مما يقود إلى تضخيم تسارع التمدد والتوسع الكوني بالمقارنة مع معدل التسارع الناجم عن طاقة الفراغ. ولن يكون الاختيار سهلاً بين كل هذه الفرضيات الخيالية أو شبه الخرافية إلا بعد الحصول على نتائج وحقائق واكتشافات علمية جديدة بفضل التلسكوبات الفضائية المستقبلية المتطورة جداً التي يزمع إطلاقها خلال العقدين القادمين. والحال أن لكل ذلك تأثير مباشر على مصير الكون كما ترسمه لنا تكهنات العلماء. فلو تم إثبات تسارع التمدد والتوسع الكوني المفترض حالياً بثابت كوني مثبت، فإن المادة والطاقة الموجودتان في الكون سيذوبان se diluer في الفراغ الكوني وبعد بضعة مئات المليارات من السنوات ستبقى مجرتنا درب التبانة، بعد تطور طويل في أعماق الكون، وحيدة في فضاء هائل بلا حدود وسيكون فضاء فارغ إذ أن بقية مكوناته ستكون بعيدة جداً إلى درجة يستحيل معها رصدها أو رؤيتها مهما تطورت أدواتنا العلمية. إلا إذا كان تسارع التمدد لا يحدث بفعل طاقة شبحية، في هذه الحالة، وفي نفس المدة الزمنية، سيبلغ تسارع التمدد درجة من الكثافة بمكان يؤدي إلى تفكك وتفتت كل أنواع المادة في الكون بما فيها أجسادنا المادية التي ستنتشر في أجزاء الكون غير المرئية. يتنبأ العلماء بثلاث سيناريوهات عن مصير الكون وهي لا تخرج عن كونها مجرد تكهنات سوداوية تستند إلى أحد النظريات الكونية القائمة اليوم. ففي سنوات الثمانينات من القرن المنصرم كان مصير الكون كما صاغته نظرية الانفجار العظيم يتلخص باستمرار التوسع إلى ما لا نهاية مع حدوث تباطؤ تدريجي مع مرور الوقت ويبدأ الكون بالبرودة تدريجياً إلى أن يصل إلى حالة الموت الحراري السالب la mort thermique، بيد أن اكتشاف الطاقة الداكنة أو المعتمة غير منحى التوقعات فبرزت احتمالا أخرى مثل الانكماش أو الإنهيار العظيم Big Crunch والتجمد العظيم Big Freeze و التفكك أوالتمزق الكبير le Grand deacute;chirement - Big Rip. فالسيناريو الأول ظهر في الأفق في سنوات السبعينات في القرن العشرين وهو عبارة عن انفجار عظيم معكوس حيث يتوقف التوسع وينعكس اتجاهه ويعود أدراجه لنقطة البداية أو لحظة الفرادة وربما ينفجر مرة أخرى في بيغ بانغ آخر ليعيد الكرة إلى ما لا نهاية. السيناريو الثاني كان ممكناً قبل هيمنة فرضية المادة السوداء والطاقة الداكنة والمعتمة فهذه النهاية الباردة والمتجمدة، في حالة دعم تسارع التمدد بثابت كوني مثبت، حيث تبتعد المجرات إلى ما وراء الأفق الكوني وتبقى مجرتنا وحيدة في فراغ شاسع وموحش ومن ثم تنطفي نجومها الواحدة بعد الأخرى بعد احتراقها الكلي مع مرور الزمن ويعم البرد جميع أنحاء الكون ويصيبه التجمد التام. أما السيناريو الثالث فهو ألأحدث حيث تخيل العلماء طاقة داكنة شبحية وطاردة تزداد كثافتها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تمزق وتفتت كل أشكال المادة في المجرات والنجوم والذرات بينما تتناقص كثافة الكون، عندها يحدث تمزق عظيم في كون فارغ أكثر فأكثر. وهذه هي آخر الخرافات العلمية التي حلت محل الخرافات الدينية عن الوجود ومصيره بانتظار اليوم الآخر وهو يوم الحشر أو يوم القيامة حيث العقاب والثواب بانتظار الكائنات الحية وغير الحية التي سيكون مصيرها إما الجنة أو الجحيم.
د. جواد بشارة