أصداء

أميركا المتحوّلة والمسلمون الثابتون

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا شك أن "الخطاب الرمز" الذي توجه به الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس الأول، من على منبر جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي، كان خطاباً تاريخياً بكل المقاييس.
وتاريخية هذا الخطاب، تكمن بالدرجة الأساس في أنه أسس لتاريخٍ جديدٍ في الحوار بين الغرب المسيحي والشرق المسلم.

الرئيس أوباما لم يخطب، في السياسة فقط، وإنما خطب في الفكر والثقافة والدين وفي ما حواليه أيضاً. عليه، فأنه لم يقرأ في خطابه الذي حمل رموزاً وإشاراتٍ ورسائل كثيرة، الفاتحة على سياسات سلفه جورج بوش فحسب، الذي طالما وصف "الشرق المسلم" بإعتباره نقيضاً للغرب المسيحي، والذي كان سبّاقاً في صك مصطلحات من قبيل "الفاشية الإسلامية" و"الحروب الصليبية الجديدة"، وسواها، وإنما قرأ الفاتحة، في ذات الخطاب، أيضاً، على روح أفكار صاموئيل هنتنغتون(1927ـ2008)، المتمثلة في نظريته المعروفة "صدام الحضارات"، والتي ألهمت المحافظين الجدد، وأضحت الركيزة الأساسية لسياسةأميركا الخارجية مع الآخر(المسلم)، على مدى أكثر من عقدٍ ونيفٍ من الزمان، وذلك لإيمانهم بحتمية الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لأنه صدام بين "ندين متناقضين".

ففي الوقت الذي حددّ فيه هنتينغتون "مشكلة الغرب الأساسية في الإسلام نفسه(كل الإسلام) بمختلف حضارته، وبأتباعه الذين يعتقدون بتفوق حضارتهم في نفس الوقت الذي نراهم مهووسين بتخلفهم"، حدد أوباما أمس، في خطابه، مشكلة الغرب والعالم كله في "المتشددين والمتطرفين من كل الأديان"، مؤكداً "أنّ للحضارة الإسلامية فضلٌ كبير على الإنسانية جمعاء، لأن الإسلام هو دين التسامح، وهو الدين الذي حرّم قتل النفس البريئة، كما جاء في القرآن: من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

الرئيس الأميركي، ومنذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، كرئيس جديد ل"أمريكا العهد الجديد"، بدا على عكس سلفه، مرناً في خطابه، ومتسامحاً مع الآخر، ولبقاً في إسلوبه، وذكياً في اختيار مفرداته، خصوصاً عند مخاطبته للعالم الإسلامي.
فهو منذ اللحظات الأولى من دخوله البيت الأبيض، وإلقائه لخطاب القسم، بدا متغيّراً ومنفتحاً في رؤيته إلى الإسلام والمسلمين، بعكس الكثير من الساسة والمفكرين الغربيين النمطيين الذي قسموا العالم إلى فسطاطين: "فسطاط الأصدقاء" و"فسطاط الأعداء"؛ "فسطاط معنا" و"فسطاط ضدنا"؛ "فسطاط"(نا) و"فسطاط"(هم).

هو منذ الأول من عهد أميركا(ه) الجديد، فصّل بين المسلمين والإسلام كدين، وبين المتطرفين والمتشددين الإرهابيين "الذين لا دين لهم". وهو، علاوة على ذلك، خاطب الإسلام، بإعتباره "داخلاً" لأمريكا، وليس "خارجاً" عنها أو عليها، وذلك حين قال: "إننا أمة تتألف من مسيحيين ومسلمين، من يهود وهندوس، ومن غير المؤمنين بأي دين، إننا مزيج من كل اللغات والثقافات، ونابعون من كل طرف من أطراف الأرض"(خطاب القسم).

في بعضٍ من خطابه أمس، أكد أوباما مجدداً، على الإسلام بإعتباره "جزءاً داخلاً" فيأميركا ومنها، وذلك في سياق حديثه عن جذور أبيه الإسلامية، وتصالحه مع الإسلام وثقافته.

الخطاب، كما قال أوباما نفسه، جاء خطاباً لتغيير الرؤية الغربية التقليدية، التي تمّ الربط المباشر فيها بين الإسلام والإرهاب، وبالتالي لقطع دابر الفتنة وسد الطريق أمام المتطرفين والمتشددين، الذين خلقوا أجواءً من الشك واللاثقة بين العالمين الغربي والإسلامي، بغرض التأسيس تالياً، لبداية جديدة، وعهد جديد من العلاقات القائمة على الإحترام المتبادل بين الطرفين.

هو، قال كلمته الفصل، ك"رئيس لأمريكا المتغيّرة"، منفتحاً على الإسلام والمسلمين: "جئتكم إلى عقر داركم، كي أقول لكم، أنأميركا ليست عدوة الإسلام والمسلمين، بل ما يربط بيننا هو أكثر".

على مستوى علاقةأميركا مع العالم الإسلامي، هناك الكثير ممن تحدث وبحث وكتب في "تغيّر أوباما"، الواقع منه والمتوقع، الممكن منه والمستحيل، القريب منه والبعيد، ولكن ماذا عن تغيّر "الآخر" المسلم، الثابت في معظمه، منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان؟

أوباما أميركا المتغيّرة، قال: "أنّ الإسلام جزء منأميركا، وما يربط بينهما هو أكثر بكثير مما يفرقهما"، وأشار إلى "أنّ للإسلام تاريخاً يدعو للإفتخار"، ولكن هل سيتغيّر المسلمون و شيوخ الفتاوى الثابتون، ويكفّون عن وصف أميركا ب"عدوة الله"، و"الخارجة على شرعه"، وعن الإفتاء ب"قتل" الأميركيين، ورش واشنطن وأخواتها بمادة الأنثراكس، حسب فتوى الباحث السياسي والأكاديمي الكويتي د. عبدالله النفيسي، التي بثتها أشهر فضائية عربية في 02.02.09؟

هل سيكفّ دعاة التاريخ الثابت، والإسلام الثابت، عن نصوصهم الثابتة، الذين يقسّمون تاريخ العالم إلى تاريخين متصادمين عدوّين: "تاريخنا الهالك" و"تاريخهم المهلك"؛ "تاريخ الأنا" و"تاريخ الهو"؛ "تاريخ الله" و"تاريخ الشيطان"؛ "التاريخ الكامل" و"التاريخ الناقص"؛ "التاريخ الخيّر" و"التاريخ الشرير"...إلخ؟

أوباماأميركا المتحوّلة، قال ل"إيران النووية"، أنأميركا ليست بعدوتكِ، وهي ليست بالضد من "نوويتك السلمية"، ولكن هل سيكفّ الملالي الثابتون، من أمثال أحمدي نجاد، عن وصفأميركا الدائم ب"الشيطان الأكبر"، وعن تهديدهم ل"شيطانها الأصغر" إسرائيل، بمحوها من على الخريطة، ومن أيّ وجود؟

أوباما الذي يصرّ في كل مناسبة على "ضرورة التغيير"، قال: المستقبل هو لقيم الديمقراطية، التي هي "ليست مجرد قيم أمريكية فحسب، وإنما هي قيم إنسانية عامة، لا يختلف عليها أي شعب أو أمة"، فهل ستتغيّر جماعات الإسلام السياسي الثابت، وتكفّ عن وصف الديمقراطية، بأنها "بدعة غربية"، و"ثقافة غريبة لا تمت إلى الإسلام بصلة"، وعن زج الدين في السياسة، وعن "شعار الإسلام هو الحل"، و"ولاية الفقيه"، و"دولة الخلافة"، و"الإمامة"، وما شابه ذلك؟

أوباما الباحث عن التغييّر، قال أن العراق هو للعراقيين، فهل سيتغيّر الطائفيون الثابتون، ويدعون طوائفهم الثابتة جانباً، ليصبح الدين لله والعراق للجميع، وليكون عراقهم "وطناً نهائياً"، لكل أبنائه، عرباً وأكراداً وتركماناً وآشوريين وكلدانيين وأرمنيين، سنةً وشيعةً ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وشبك وكاكائيين وفيليين وبهائيين...إلخ؟

أوباما، خاطب الفلسطينيين واليهود، بضرورة قبول حقيقة التعايش المشترك، بين الشعبين، في دولتين جارتين: واحدة للفلسطيين، الذين "يجب عليهم التخلي عن العنف"، وآخرى لليهود الذين "عليهم وقف بناء المستوطنات"، فهل ستتغير حماس وتتخلى عن سياساتها العنترية، وويلها وثبورها ل"الشعب اليهودي"، وتقبل بإسرائيل كدولة جارة، وتكف عن وصفها الثابت والسقيم لها، ب"الكيان الصهيوني"، و"دولة العدو"، و"دولة الفصل العنصري"، و"الدولة المارقة"، و"الدولة الخنجر في خاصرة العرب"...إلخ؟
وهل ستتغيّر إسرائيل، عن تطرفها تجاه الشعب الفلسطيني، وتكفّ عن سياسة التعامل معه ب"عقدة المحرقة"؟

أوباما الذي يريد للتغيير فيأميركا أن يكون، قال أن "أمريكا تحترم كافة القوى السياسية بما فيها تلك التي تختلف معها، وأنّ احترام إرادة الشعوب أمر لا يقبل التعامل بمعايير مزدوجة"، فهل ستتغير سلوكيات الأنظمة التوتاليتارية والأوليغارشية الثابتة، في الشرق المسلم مثلاً، ويكفّ القائمون عليها عن قمع إرادة الشعوب، وإقصاء وإلغاء الآخر، ودوس الحقوق والحريات والكرامات؟

أوباما، الماشي إلى تغييرأميركا وتحريرها من "السلوكيات النمطية"، دعا إلى الحرية الدينية، مستشهداً ب"إسلام الأندلس" كخير مثالٍ على التعايش السلمي، الذي شهدته تلك الحقبة من الحكم الإسلامي، بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ولكن هل سيكفّ إسلاميو مصر مثلاً، عن وصف أقباطهم ب"أولاد القردة والخنازير"، وب"الطارئين على مصر"، وب"أهل الذمة"؟
هل سيكف السني عن الإفتاء بقتل الشيعي وبالعكس.. وهل ستغيّر الشوارع الإسلامية، في أرجاء بلاد الإسلام من نظرتها إلى غير المسلمين، بإعتبارهم "ذميين"، أو "خارجين على مملكة الله"، أو مواطنين من الدرجة الدنيا؟

أوباما، الداعي لفتح عهد أمريكي متغيّر وجديد، دعا إلى إخراج نصف البشر(المرأة) من تعطيله، فهل سيعدل السلفيون والنصوصيون عن فتاواهم، التي لا ترى في المرأة إلا نصفها أو أقل، والتي كثيراً ما يُفتى فيها، على أنها "ناقصة عقلٍ ودينٍ ودنيا"؟

أمريكا منذ نشأتها، واستقلالها من المملكة المتحدة سنة 1776، هي في تغيّر دائم ومستمر.
مع أوباما، المختلف كثيراً عن سابقيه، جاء تغييرأميركا، هذه المرة(على مستوى الخطاب السياسي في الأقل)، كفرصة تاريخية كبيرة، لصالح العلاقة مع العالم الإسلامي، التي طالما شهدت الكثير من التوترات والعداوات والكراهيات، والتي أوصلت المسلمين، على امتداد بلاد الإسلام، إلى قناعةٍ تامة، ب"أنّأميركا هي عدوة الإسلام اللدودة".

هذا التحوّل أو النية في تحقيقه، كما يريد أوباما له أن يكون، يبقى، على أيّ حال، "نصف تغيير"، في نصف الطريق، لا بد من استكماله بنصف التغيير الآخر، الذي تقع مسؤولية نصف نجاحه على عاتق العالم الإسلامي، والذي بدون استعداده لهذا التغيير ودون تمكينه لشروطه، سيستحيل تحقيق أي تغيير، مهما بلغت درجة صدقيته وضرورته أمريكياً.

الرئيس أوباما، تحدث في الكثير من الثوابت، التي آن أوان تغييرها.
ولكن ما لم يقله أوباما، أو سكت عنه، ربما ليقوله في القادم المتغيّر من خطاباته، هو : "ان الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بانفسهم"(الرعد: 11).

في خطوة سياسية غير مسبوقة أمريكياً، غيّر أوباما ما بنفسه وبنفسأميركا وخطابها السياسي تجاه الإسلام والمسلمين، ليسجّل بذلك موقفاً تاريخياً يُحسب له ولأمريكا(ه)، فهل سيغيّر المسلمون ما بأنفسهم تجاهأميركا، ويلتحقون بركب التغيير، أم أنّ القائمون على شئون الثابت من الدين والسياسة والثقافة منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان الثابت، سيجهلون أوباما ويتجاهلون خطابه، وكأنها "ضرطة في سوق الصفافير"، على حد قول المثل العراقي؟


هوشنك بروكا


hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
خطاب الرئيس اوباما
محمد تالاتي -

بعيدا عن الكلام الانشائي،حرص الرئيس الامريكي اوباما في خطابه في جامعةالقاهرة على اعطاء صورة مخالفة للخطاب الرسمي لادارة الرئيس السابق.لكنه لم يكن كذلك.تأييد اسرائيل لم يتغير،وكلامه عن تجميد المستوطنات سبقه اليه جيمس بيكر وزير خارجية ادارة الرئيس بوش الاب.وقول الرئيس الاسمر بطي صفحة المبدأ الذي اعتمدته الادارة السابقة في فرض النظام الديمقراطي في منطقة الشرق الاوسط عن طريق التدخل،هو تحصيل حاصل لحال الفشل الذريع،وليس انقلابا سياسيا او عقائديا وانجازا لادارة الرئيس اوباما.ولا زالت الادارة الامريكية تحمي الديكتاتوريات وانظمةالاستبداد والفساد في المنطقة ضمانا لمصالحها.والكلام عن تغيير حقيقي في الادارة الجديدة مبالغ فيه وسابق لاوانه.

بداية الهزيمة
معجب بالرئيس بوش -

كلام اوباما هو اعلان لهزيمة امريكا امام الخطاب الأرهاب الأسلامي المتطرف الذي نجح في فرض رؤيته على اكبر دولة العالم , و لو ان اوباما من اصل مسلم لكن خطابه لم يكن نابعا من قناعته و انما من خوفه و تخاذله امام الأرهابيين و هذا مما سيجعلهم يتمادون في سقف مطالبهم لأمريكا و ادخال الشريعة الأسلامية في الدستور الأمريكي او دفع الجزية

باختصار شديد
rashow alias -

صاحب التعليق رقم 2 أصاب قلب وبطن وقاعدة وقمة وكبد الحقيقة , والله يرحم ابوك , وما علينا الا ان نقول الله يطول في عمر بوش , آمين آمين آمين

صراع الحضارات قائم
عراقي -

انا اتفق مع مقال الاخ هوشنك بروكا تماما الا في النقطة التي اشار فيها الى سامويل هانتنكتون, لان الصراع بين الحضارة الغربية والعالم الاسلامي قائمة الأن ولايمكن لاحد انكار ذلك, وهو صراع بين قوة ثابتة لا تقيم للتغير وزناوتعارض الديمقراطية وحقوق المرأة علنا,وتتخد من الدين كايديولوجية وسياسة. وبين قوة متحركة تقيم للديمقراطية وحقوق المراءة والكثير من المسائل الاخرى وزنا واساسا لسياساتها وايديولوجياتها في ادارة سياستها الخارجية. اذا كان القارئ يبحث عن ادلة فالادلة موجود في جميع دول العالم, ففي الدول الاسلامية غير المسلم منبوذ كافر يستحق ان يقتل او يستعبد, وفي الدولة الغربية المسلمون مستائون من جميع دساتير وانظمة الحكم الذين يعيشون فيها, حتى في فرنسا وبريطانيا اوائل الدول التي هاجر اليها المسلمون, ورغم انهم يشكلون اقلية في الكثير من الدول يريدون فرض الشريعة الاسلامية بالقوة وعندما لا يحدث ذلك يلجئون الى العنف والى حجة الجهاد ضد الكفار. اما العالم او الغربيون وغير المسلمون في العالم الاسلامي ينظرون الى المسلم كصالب حرية ومتربص لقتله وقتل عائلته بحجج الدين وهم مستائون من طريقة تعامل المسلمون معهم, ولم يحسبو يوما انهم شعب واحد رغم انتمائهم الى نفس الاوطان. هناك الكثير الكثير من الادلة. حتى في الدول الاسلامية التي يتصور الناس ان فيها نوعا من التسامح الديني, هي ليست تسامحا وانما معضم هذه الدول تحكمها اما دكتاتوريات تريد الحفاظ على الأمن او ملوك يريدون ان يحافضوا على حكم عوائلهم ويحتاجون الى اجهزة الاستخبارات الغربية لهذا الغرض.