أصداء

تجارب دنماركية 27: مدرسة الجانحين الصغار ج1

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

(إنهم يكرهون الكبار)

" مصفى شاكر حسون " شاب عراقي أحبه كل من عرفه،ولكن في يوم 27/2/2009 يتم اغتياله في إحدى ضواحي العاصمة كوبنهاكن،من قبل عصابة،كل التحقيقات الرسمية أشارت إلى إن المرحوم ليس له أدنى علاقة بهم آو بغيرهم،ولكنه قُتل بالخطأ،بعدها تخرج مسيرة سلمية شارك فيها عشرات الآلاف من الدنماركيين والأجانب، سياسيون ورجال دين من ديانات مختلفة حملت نعش المغدور ولأول مرة في الدنمارك يُجاز قانونيا حَملُ نعش متوفى في مسيرة،حمل معه المتظاهرون رسالة سلام ورفض للعنف.
بالنسبة لمصطفى وعائلته وأصدقائه ومحبيه كانت نهاية محزنه لشاب مهذب طموح محب للحياة،ولكنها كانت نهاية حياته..!
أين البداية؟..البداية في العنف والجريمة، والسلوك الشاذ، وعلاجه، والمراكز المتخصصة بذلك؟!

في البحث عن البداية،كان اللقاء في الحلقة السابقة مع الصديق التربوي " مارتن ليبدال "،والذي سهل لي مشكورا اللقاء بإحدى السيدات التربويات " سوزانا مارسليو "،معلمة وتربوية في إحدى مدارس تأهيل الجانحين،في إحدى مناطق شمال غرب العاصمة كوبنهاكن المعروفة بازدياد معدل الجريمة فيها بالإضافة إلى كثافة سكانية لمهاجرين أجانب، هذه المدرسة متخصصة بفئة الأطفال الشباب 14-16 سنة،ممن لديهم مشاكل لم تسمح لهم بالالتحاق بالمدارس العادية مثل أقرانهم الباقين.
قبل اللقاء لابد من أن أشير إلى إن" سوزانا " سيدة بسيطة وتلقائية جدا وصريحة، كانت تسمي طلاب مدرستها ب" الأطفال الشباب " وأنا سأكتفي بتسميتهم بالشباب، وكانت تستخدم دوما مصطلح " مشاكل " حتى في تسميتها للجرائم، وأطفال " صعبوا المراس " أيضا في وصفها لمن ارتكب جرائم منهم،،بالإضافة إلى إنها لاتفضل مصطلح " أجانب " بل " من أصول مهاجرة، أو الجيل الثاني من المهاجرين،وأنا سأسميهم " أجانب " لسهولة الدلالة لاغير.


سوزانا مارسليو Susanne Marslev

- هذا اللقاء موجه لقارئ العربية،هل تعتقدين إن في تجربتكم الخاصة هنالك مايمكن أن يكون ذو فائدة للآخرين؟
- لاأستطيع أن أقول إننا مثال جيد،أنا لست واثقة من نظامنا، خصوصا في السنوات الأخيرة،لااعتقد انه يسير على مايرام،لدينا أشياء جيدة،ولكن يمكن دوما التعلم من الآخرين حتى من أخطائهم.
- ماهو عملك وطبيعة تخصصك؟
- تخصصت في الجامعة باللغتين الانكليزية والدنماركية،كذلك درست اللغة الألمانية، عملت لعشر سنوات في تعليم اللغة الدنماركية للأجانب،وأنا معلمة وتربوية،في مدرسة متخصصة " بالشباب " الذين لديهم مشاكل،عقلية، أو في الجريمة،مشاكل تعاطي الكحول، الحشيش،أو قدموا من عوائل تعاني مشاكل، كالإدمان على سبيل المثال، اغلب هؤلاء الشباب،لايستطيعون التواصل في المدارس العادية،ولهذا يُوجهون إلى مدارس متخصصة.
- ماهو الهدف الأساس؟!
- يجب أن نعلم هؤلاء الشباب نفس الأشياء التي يتعلمها أقرانهم في المدارس الاعتيادية،وهو عمل صعب،لأنهم يعانون صعوبات في " التركيز "، وهم يكرهون المدارس، والكثير منهم غاضبون وحانقون،يكرهون المعلمين، ويكرهون الكبار، جهدنا يتركز بنزع السلبية منهم وزرع الايجابية في تعلم شيء لم يستطيعوا تعلمه في المدارس الاعتيادية حتى وان كان ببطيء.
- للتوضيح لقارئ العربية، إنهم وقبل التحاقهم بمدرستكم، كانوا في مدارس اعتيادية، أليس كذلك؟
- نعم اغلبهم....حينها عانوا من مشاكل لمدة 5-6 سنوات،خائفون،متشردون،يتغيبون عن الدوام،ولهذا لم يتعلموا بما يكفي،وعلينا أن نبدأ معهم من الصفر،نعلمهم الحساب والكتابة، وإذا ماكانوا وكنا محظوظين، نؤهلهم مثل أقرانهم،لخوض الامتحانات في الصف التاسع،وهذا لايهم كثيرا،لان أهم شيء هو أن يكونوا سعداء بالالتحاق بالمدارس الاعتيادية ثانية،والأغلبية ينجحون بهذا.
- هل مدرستكم مغلقة، أي ممنوع على الطلبة مغادرتها؟!
- المدرسة ليست مغلقة، بعد نهاية الدوام،يذهب الشباب إلى بيوتهم،طبعا عدد غير قليل منهم يتسكع في الشوارع، وهي تضم عشرة صفوف كل صف عشرة طلاب، وفي كل صف، معلمَين تربويين اثنين،مدرستنا خاضعة لقانون المدارس في بلدية كوبنهاكن،ولان هؤلاء الشباب يكرهون المدارس، فان مدرستنا لاتشبه المدارس في تصميمها أو في طرق التدريس فيها،هي تشبه البيوت، وتشبه نادي ترفيهي للشباب.
- هل إن هؤلاء الطلاب الشباب كانوا مسجونين أو محكومين؟!
- لا ليس تماما، قلة قليلة منهم، لان السجن في الدنمارك لمن ارتكب جرائم خطيرة وكبيرة، وهؤلاء ارتكبوا جرائم صغيرة،كأن يسرقوا أشياء من المحلات كالكحول مثلا،أو يسرقوا الدراجات النارية، وأحيانا أخرى مارسوا العنف ضد أشخاص آخرين،وفي مدرستنا من يمارس العنف يُطرد من المدرسة.
- هل يلتحق هؤلاء الشباب الجانحون بمدرستكم طوعيا؟!
- يجب أن يقولوا نعم، لنقبلهم بمدرستنا،الكثير منهم لديهم مشاكل تكون بلدية المدينة على علم بها،وهي من تخيرهم بين أمرين الالتحاق بمدرستنا أو الذهاب إلى معاهد متخصصة أخرى يقيمون بها ولا يسمح لهم بالخروج منها،ولهذا يفضلون المدرسة على المعهد، بعضهم يكون سعيد بوجوده،والبعض الآخر لا.
- كم هو عدد المدارس التي تشبه مدرستكم؟!
- في الدنمارك لااعلم، ولكن في كوبنهاكن قرابة الثلاث مدارس،ولكن توجد مدارس أخرى متخصصة لها طريقتها، على سبيل المثال بالشباب الأكثر إجراما،إذ تدفع هذه المدرسة 50 كرونه 9 $ يوميا للشاب الذي يلتزم بالحضور وبإنهاء دوامه اليومي،مدرستنا وسط بين هذه الأخيرة المتخصصة بالمجرمين حقا والمدارس الاعتيادية.
لدينا شباب ليس لهم علاقة بعالم الجريمة تماما، بل لديهم مشاكل نفسية.
- عذرا.. يبدو لي غريبا أن يُدمج الشباب ذوي المشاكل النفسية بمن لديهم سوابق إجرامية!
- كلمة: سوابق إجرامية، ليست دقيقة، هي " أخطاء صغيرة " من أطفال بين 14-16 سنه، هذا ماقصدته،لان من لديه مشاكل نفسية خطيرة يذهبون إلى مدارس متخصصة بهم تحديدا، وهذه تكلف البلدية أموال كثيرة لطبيعة المتخصصين العاملين فيها.
- البلدية هي من تدفع لكم أيضا!
- نعم ولنكن أكثر دقة فهو المواطن العادي من يدفع، هي من ضريبته.
- هل العاملون بمدرستكم متخصصون نفسيا؟!
- كل العاملين حصلوا على دورات تدريسية بهذا العلم،ومدير المدرسة متخصص نفساني بعلم نفس الطفل،قسم من المعلمين هم تربويون متخصصون،لدينا أيضا طلاب جامعيون في طريق التخصص النفساني، وعملهم معنا جزء من التطبيق العملي لتخصصهم،وهو جزء من العلاج.
- أي علاج؟!
- جزء من طرق تدريسنا، أن نقوم بمحادثات علاجية لهؤلاء الشباب، لنعلمهم ثانية كيف يتحدثوا ويناقشوا أفكارهم بهدوء ثانية مع الكبار،لاتنس إنهم يكرهون الكبار.
- ماذا عن " الشباب " الأجانب في مدرستك!،لدي أسئلة كثيرة،ماهي نسبتهم،وجرائمهم إذا ماكانت لديهم جرائمهم،ودور عوائلهم،وخلفيتهم الدينية،الإسلام تحديدا!!
- سؤال ممتاز ومهم شكرا لك،ولكن قبل مواصلة الحديث، هل لنا باستراحة قصيرة؟!، أريد أن اذهب إلى " التواليت ".
يتبع


ضياء حميو
dia1hhotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف