ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ليس هناك شك في أن لواقعة الطف الإسلامية تأثير كبير في الوجدان العراقي، وهذا نابع كما اعتقد من تأثير الإرث الطقوسي والبكائي لحضارة وادي الرافدين القديمة، حيث تمثل طقوس التعزية والبكاء جزءا أصيلا من ذلك الإرث المفجوع بتفاهة الحياة وعدمية الموت وهيمنة الفوضى والخراب على الكون، تماشيا مع النظرة الرافدينية المتشائمة والتي لا تؤمن بمبدأ البقاء بل الزوال، الأمر الذي لمسناها في الكثير من الملاحم الأسطورية الرافدينية، التي مثلت التخريج الفكري الأسطوري لتلك النظرة التشائمية، كملحمة نزول عشتار إلى العالم الأسفل وموت تموز وملحمة جلجامش وغيرها.
ونظرا لان حضارة وادي الرافدين لم تخرج من الوجدان الشعبي بعد، ومازال لبعض عناصرها هيمنة كبيرة على العقل العراقي، لذلك حصل تماهي بين واقعة الطف الإسلامية وبعض عناصر ذلك الموروث، لان الواقعة قد ايقضت بمأساويتها ارث الفجيعة القديم وغدت الممثل الحي له، ولذلك لا غرابة أن نجد تشابها كبيرا بين أحداث النسخة الشعبية من واقعة الطف وبعض عناصر الموروث القديم، كما هو الحال بالتقليد الذي يجعل أمد الواقعة عشرة أيام، الذي يشبه احتفال العراقيين القدماء بعيد الاكيتو، الذي يبدأ مع بداية السنة ويستمر مابين عشرة إلى احد عشر يوما، أو لاحتفال بعرس القاسم الذي يشابه الاحتفال بطقس الزواج المقدس لدى العراقيين القدماء، وحتى تلاوة مصرع الحسين يوم العاشر يشابه إلى حد ما التقليد القديم بتلاوة قصة الخليقة والصراع بين قوى الخير والشر يوم العاشر من عيد الاكيتو، واستذكار فرحة الزهرة الذي هو استعادة لفرحة عشتار ( الزهرة ) بعودة تموز من العالم الأسفل، ونضيف إلى ذلك أيضا بكاء الحسين الشديد على أخيه العباس، الذي هو استعادة لبكاء جلجامش على أخيه بالتبني انكيدو، إذ نلاحظ اهتماما خاصا بموضوع حزن الحسين على أخيه العباس، مع أن الحسين آنذاك كان مشرفا على اللحاق به، فهذا الحزن هو قرين لألم الفقد الذي تمثله الصورة الرافدينية التي يمثلها حزن جلجامش.. هذا الحزن الذي كان مغروسا في الوجدان الرافديني، وكانت نسخته الرافدينية ماثلة آنذاك، إلى أنها طمست بعد أن تقمصتها الملحمة الجديدة ونزعت منها ردائها القديم.
فالي حد ما ربط العقل الشعبي بين فداء انكيدو لجلجامش وفداء العباس لأخيه الحسين، فهناك أكثر من سبب لهذا الربط، أولا رباط الأخوة، لان انكيدو قد غدى أخا لجلجامش بالتبني بعد إعلان ننسون أم جلجامش أمومتها له " يا انكيدو القوي الذي ليس من رحمي: قد اتخذتك منذ الآن ولدا، ثم قلدت عنقه بقلادة من الجواهر لتكون موثقا منه وقالت له: ها أنا أتمنك على ولدي فأرجعه إلي سالما " ( ملحمة جلجامش. طه باقر. طبعة بغداد.ص 104 ) ثم موقف كل من انكيدو والعباس اللذان اظهرا ولاء شديدا واحتراما كبيرا لرابطة الأخوة، العباس عندما رفض أمان العدو له، ورفض التخلي عن الحسين وقت الشدة، بل وفدى الحسين بنفسه بعد أن تقدم أمامه إلى المعركة، وهو شبيه بما فعله انكيدو، الذي أشارت الملحمة إلى انه كان يتقدم جلجامش ويدرا عنه المخاطر أثناء سفرهما إلى غابة الأرز الخطرة. وأخيرا حالة الحزن التي أراد الراوي الشعبي أن ينطلق بها إلى تلك الواقعة القديمة، فيجعل منهما نسقا واحدا، فجلجامش كان يبكي انكيدو بحرقة "من اجل انكيدو خلي وصاحبي أنوح نواح الثكلى انه الفأس الذي في جنبي وقوة ساعدي والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرا عني وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي " ( المصدر السابق. ص 126) وكذا فعل الحسين عندما بكى أخيه العباس حسب الرواية المتداولة، حيث كان يردد " الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي... الخ ".
وبالتالي قد لا نغالي إذا قلنا: أن هناك تشابها كبيرا بين الصورتين، ولعل الراوي الشعبي قد ربط بينهما بعد أن لمس هذا التشابه، وأدرك قيمته بالنسبة لموضوع روايته، فواقعة الطف ليست محض حادثة تاريخية، وليست مرتبطة بأحداث تلك الواقعة المأساوية فقط، بل هي استحضار لإرث قديم كان لابد أن يعبر عن نفسه من خلال موضوع ما، الأمر الذي أنتج هذا التخليد الذي امتازت به الواقعة، والذي نبع كما قلنا من ذلك العمق الوجداني القديم وليس من مجرد التعاطف مع الواقعة، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن هذه الواقعة ما كان لها أن تبرز بهذا الشكل وتتخلد على هذا النحو، لولا وقوعها في هذه الأرض القديمة وتناغمها مع ذلك الموروث الموغل في القدم، وإلا فان فواجع كثيرة حصلت لم تحض بما حضت به واقعة الطف من تخليد، كما هو الحال مع مصرع عبد الله بن الزبير وواقعة فخ وقتل الأسرة الأموية على يد العباسيين.
وأخيرا لابد أن نشير إلى أن نمط الحزن المرافق لواقعة الطف، هو النمط الرافديني المتشائم من الحياة والمؤمن بعدمية الموت، وليس ذلك النمط الذي يرى في الشهادة تخليدا جسديا وحياة أخرى، وهذا الأخير ليس مختفيا بالتأكيد عند استذكار هذه الحادثة، بل هو المعبر عن قالبها الإسلامي، إلا انه ليس غالبا كما في ذلك النمط المترسب في أعماق أعماق الوجدان للشخصية العراقية.
باسم محمد حبيب
التعليقات
تعجب
ازهر مهدي -من العجيب الربط بين قصة الامام الحسين واخيه العباس وبين قصة جلجامش وانكيدو اعتقد ان اسطورة جلجامش ضلت حبيسة الرقم الطينية حتى جاء من يستخرجها ومن ثم يترجمها في العقود الاخيرة في حين كان رواة مقتل الطف يتداولون الاحداث روائيا منذ مئات السنين وهل كانوا عالمين باللغة المسمارية واكتشفوا الالواح ونقلوها الى العربية وطبقوها على واقعة الطف ؟؟؟؟
إختيار من الله
عبدالله العبابسي -لا أؤمن كثيراً بكلام الكاتب حول تشابه الموضوعين ولكن حتماً ليس صدفة أن يختار الله أرض العراق لتكون شاهد على ملحمة كربلاء كما أنة ليس صدفة أن يجعل الله أرض العراق مسرح ومثوى لكثير من الأنبياء والأوصياء والصالحين لدرجة أن في كل مدينة عراقية سوف تجد لهم أثر أو مشهد او ضريح ؟! هذا تخطيط رباني ولا تنسى إن المشروع الرباني يحتاج الى أشخاص مؤهلين لحملة ولذلك ( الله أعلم حيث يجعل رسالته )؟ والسلام على الحسين وعلى أخيه العباس مابقي الليل والنهار
السلام على الحسين
متابع -لا يوم كيومك يا ابا عبدالله
تحليل بين السطور
كمال الحائري -لاارى سببا وجيها لدى الربط بين الواقعتين الذي اشار بهما الكاتب الاانه بشكل اوباخر يحاول ان يقلل من الانتشار العفوي والواضح لشيعة ال الرسول الاكرم ص بتجسيد واستذكار المظلومية ال الرسول ص وبمقارنته هذه يريد ان يقول لنا بان الشخصية العراقية ومنذ الازل كانت ومازالت حبيسة الدموع والاحزان حتى اصبحت تلك سمة وبصمة اعتادت ان تتقمسسها على طول السنين ولو اني معه في بعض تحليله هذا الا ان لواقعة الطف لايمكن ان تقارن بغيرها والاسباب عديدة واهمها لقرب رحم اصحابها لاكرم خلق الله تعالى وهو رسولنا محمد ص هنا يتجلى تمسك الناس والشيعة خصوصا بستذكار الدروس والعبر والمواقف التي تجسدت فيها ودليلنا قول الرسول ص بحق الحسين بن علي ع { حسين مني وانا من حسين }تمنياتنا للكاتب ان لايقيس بما يحدث للقلة القليلة من الشيعة في العراق او البلدان الاخرى من تجسيد الخاطئ للشعائر عبر ممارسات تنم عن فطرة وعواطف وموروث شعبي لايمت للواقعة بشي .
الاخ عبدالله تعليق 2
the witness -لم يختار الله اى منطقة ولا يحزنون , لم يضهر نبى او رسول فى السويد او اليابان او الارجنتين على سبيل المثال مع ان هناك بشر من خلق الله موجودون قبلنا ولم يرسل لهم شىء.ازا لمازا هزا التكدس بالانبياء فى منطقة الشرق الاوسط وانعدامه كليا فى كل ارجاء العالم.انا اعتقد ان الموضوع يعكس الثقافة السائدة وهى على الاغلب يهودية المنشأ
مجرد وجهة نظر
دكتور خليل شاكر حسين الزبيدي -الارث الحضاري عادة ما يكون محل اجتهاد الباحثين وتاريخ الشعوب هي ميدان خصب للمقارنات وتواصل الافكار.والحال فان الكاتب اراد ان يحد علاقة وجسرا بين تاريخ بلاد الرافدين القديم وتاريخها الاسلامي وحاول استجلاء مكامن الحزن والتركيز عليه بحيث اصبح الحزن ملازما لسكان بلاد الرافدين.وهي وجهة نظر علينا ان لا نرفضها باعتبارها محاولة للربط حول اسباب هذا الحزن المقيم والمتجدد.
ال البيت
امل -للاسف ان كل يعمل على شاكلته ال البيت يستحقون =قراءة القران الكريم والدعاء فقط وليس اللطم والبكاء والتمثيل اهم مؤمنون والله لا شريك له الم تقراؤ القران الكريم وحده لا شريك له لبيك الله يا خالق السموات والارض بديع السموات والارض وكل من عليها فاني الا وجهه سبحانه رب العرش العظيم .. ال البيت بشر وهذه حقيقة وقال رسول الله ما انا الا بشر مثلكم واليوم اكملت لكم دينكم يا عباد الله انقوا الله في انفسكم ودينكم وتفقهوا والزموامساركم بدستوركم العظيم القران الكريم وانا لله وانا اليه راجعون واستغفر الله العظيم من كل ذنبا عظيم
الى المعلق رقم واحد
سليم الرأس -سيدي لا يحتاج وتراث الحضارات عاداتها وتقاليدها قراءة الرقم الطينية, فهناك كثير من العادات البابلية تجدها عند العراقيين وخاصة في جنوب العراق, وحتى بعض المفردات اللغوية, مثلا فيجميع بلدان العرب يقولون رز , والعراقيون يسمونه تمنأنها كلمة سومرية , وغيرها فهل قرأها العراقيون في الرقم الطينية, ويمكن ذكر كثير من الامثلة, للعراقي سيكولوجية خاصة تختلف حتى عن أقرب بلد عربي مجاور, مع أن العراقيين يجمعهم وجيرانه اللغةالواحدة والدين.
Think
Hassan -وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار, والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى, أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله, ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم, وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا, ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم, وثناء عليهم; ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.