أصداء

ماذا يجري في ايران؟ إن يوم الفصل كان ميقاتا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جميع وسائل الانباء في العالم ركزت خلال الايام الاخيرة على الاحداث في ايران. كلها يقول ويكتب ان ايران تغلي بالصراعات المحتدمة بين مختلف الاجنحة في النظام و بانتفاضة شبابها ورجالها ونسائها. شعارات تطالب بموت الدكتاتورية وتناشد الحرية. صيحات الله اكبر من اسطح المنازل. اشتباكات بين المواطنين وقوات الامن والحرس. رشق القوات القمعية بالحجارة والعصي. ضرب المتظاهرين بالصي وقتلهم بالرصاص. هجوم في الساعة الثانية من منتصف الليل على عنبر الطلاب لجامعة طهران واقتحام غرف النوم للطلبة وضربهم وجرحهم. شوارع طهران وحرم جامعة طهران تشابه ساحة حرب. مئات الآلاف خرجوا الى الشوارع، كثيرون قالوا ان عدد المتظاهرين فاق المليون اومليون ونصف، وخلقوا مشهداً يذكرها الناس الذين اعمارهم يتجاوز اربعين عاما. المشاهد نفسها في عام 1979 التي ادت في نهايتها الي سقوط نظام الشاه.

فالسوآل الذي يفرض نفسه هو ما هي هذه الظاهرة؟ هل هي ظاهرة تأتي في اطار منطق التطورات ام وقائع غريبة لم يكن لاحد التنبؤ بها؟

في الرد على هذا السوآل يمكن الاجابة بمصرع من الشاعر الكبير محمد اقبال اللاهوري حيث قال:"لابد للمكبوت من فيضان".
ويبدو ان الشعب الايراني شعب حي اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر. نعم ديجور الظلم وقيود الدجل باسم الدين يجب ان ينجلي وينكسر.

الثورات الثلاثة في ايران
لكن الرد علي السؤال اعمق من ذلك:
هذا الشعب شعب اصيل وله تاريخ عريق في السعي من اجل تحقيق الحرية والديمقراطية. هذا الشعب قام بثلاث انتفاضات خلال قرن والآن نحن على اعتاب رابع ثورة او انتفاضة.

الانتفاضة الاولى جاء في السنوات الاولى من بداية القرن العشرين حيث تحرك الشعب الايراني ضد الاستبدادية المطلقة الشاهنشاهية مطالبا بالحرية وبالدستور وبالمجلس النيابي ورفض المحاكم الشرعية و... هذه الانتفاضة ادت الى اقرار دستور للبلاد والاعلان بالمجلس النيابي من خلال انتخابات عامة.
بعدها استطاع الاستعمار ان يقضي على الحياة السياسية وجاء بناس الى الحكم الذين دهسوا جميع اسس الدستور تحت اقدامهم.

حركة الدكتور مصدق
ثم جئنا الى منتصف القرن العشرين وفي بداية الخمسينات منه حيث ظهر قائد الحركة الوطنية الدكتور محمد مصدق وبعد نضال طويل ودؤوب استطاع من فرض ارادة الشعب على البلاط الملكي ومن تأميم النفظ. وهذه المبادرة اصبحت مثلا يحتذي به في عديد من دول الشرق الاوسط والعالم الثالث. منها في مصر حيث قام جمال عبدالناصر بعد بضع سنوات بتأميم قناة السويس.
والدكتور مصدق كان مدعوما بجميع فئآت الشعب.
طبعا الاستعمار كان بالمرصاد لان مصدق هدد مصالح بريطانيا والغرب في تأميم النفط. دبروا له مؤامرة وقاموا بتدبيرانقلاب عسكري ضده في 1953. وجعلوا ايران والشعب الايراني مرة اخرى تحت سيطرة الدكتاتورية التابعة للغرب.

الانتفاضة ضد الشاه
وبعد ربع قرن من الاطاحة بحكم الدكتور مصدق انتفض الشعب الايراني مرة اخرى في نهاية العقد السابع من القرن الماضي. وفي هذه الثورة والانتفاضة كان للشعب الايراني رصيد كبيرمن المناضلين والمجاهدين الذين دخلوا ساحة النضال ضد الشاه في الستينات واعدموا على يد الشرطة السرية للشاه "السافاك". لكن خميني وجماعته استطاعوا من السيطرة على الثورة وعلى مقاليد السلطة وفرضوا القمع على جميع مناحي الحياة.

لكن هذه المرة وبسبب الاسترخاء الذي حصل بفعل سقوط الشاه استطاعت منظمة مجاهدي خلق من استقطاب جيل الثورة وتنظيم وتأطير مئات الآلاف من الشباب الذين كانوا في ريادة الثورة ضدالشاه. وقد دخل هذا الجيل المنزّه المنظم الى ساحة السياسة من اوسع ابوابها. وخلال اقل من سنة من سقوط الشاه رشح هذا الجيل زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي ليكون رئيسا لايران. فتوثب الرعب في اوصال النظام. صحيح ان مجاهدي خلق لم يصوتوا لصالح الدستور وقاطعوا الاستفتاء على الدستور، لانهم قالوا ان هذا الدستور مخالف لاسس العقيدة والدين والديمقراطية لانه مبني على ولاية الفقيه، لكنهم اعلنوا انهم سيعملون في اطار هذا الدستور اذا بقي النظام الحاكم وفيا بمواد الدستور. لكن خميني امر بان من لم يصوت لصالح الدستورلايحق له ان يرشح نفسه للرئاسة. وبذلك شطب اسم مسعود رجوي من قائمة المرشحين.

وكتبت صحيفة لوموند في 24 آذار 1980 الفرنسية بانه اذا بقي رجوي في المنافسة لكان يحظى بملايين من اصوات الايرانيين.
بعدها شارك مجاهدو خلق في الانتخابات التشريعية الاولى وكرسوا حركتهم بصفتها المعارضة الرئيسية للنظام الحاكم. لكن النظام لم يسمح لاحد من مجاهدي خلق ان يدخل المجلس.

يوم الفصل
بعدها بدأت فترة الاعتقالات وممارسة التعذيب ضد السجناء ومنع اقامة المظاهرات والتجمات والهجوم على المكاتب وحرق الصحف و... حتي جاء يوم الفصل.

ففي يوم العشرين من يونيو من عام 1981 دعت منظمة مجاهدي خلق الي مظاهرة في طهران. فجاء اكثر من نصف مليون شخص الى شوارع طهران رافعين شعار الحرية وادانة الديكتاتورية تحت ستار الدين.

فقام النظام باطلاق النار على المتظاهرين وقتل منهم عشرات وجرح مئآت واعتقل آلافا.... وبدأت الاعدامات الجماعية. في كل ليلة احيانا في سجن واحد مئات الاشخاص. وامتد حتى جاء صيف عام 1988. عندها امر خميني باعدام جميع المجاهدين المتبقين في السجون. وخلال بضعة اشهر اعدموا اكثرمن ثلاثين الف سجين سياسي في ايران.
وبذلك استطاع نظام الملالي فرض سيطرته على المجتمع.

وجميع زعماء هذا النظام الذين يشكلون في الوقت الحالي مختلف التيارات كانوا مشاركين في هذه الاعدامات وهذه المجازر او في الاقل مؤيدن لها.

وهذا الواقع ماثل امام الناس. وعند ما بدأ ميرحسين موسوي حملتها الانتخابية الاخيرة ففي كل جامعة دخل، جاء الطلاب بلافتة امام عينيه مكتوب عليها يجب عليك ان ترد على مجازر ارتكبت عام 1988.
ومعنى ذلك ان عشرات الآلاف من جيل الثورة فدوا انفسهم من اجل مواجهة الديكتاتورية الدينية و تحقيق الديمقراطية في ايران. فهؤلاء الدماء الطاهرة هي الوقود لانتفاضة الشعب الايراني في طهران وجميع المدن الايرانية.

نعم هناك رصيد كبير لتصدي الاستبداد ولتحقيق الحرية وعشرات الآلاف بل مئات الآلاف - اذا اخذنا في الحسبان من دخل السجن ومورس بحقه التعذيب - من ابناء هذا الشعب نذروا انفسهم وقدموا النفس والنفيس والغالي والرخيص من اجل التصدي لهجمة الملالي على الشعب الايراني وعلى جميع القيم الدينية والانسانية.

مدينة اشرف رمز الصمود والمقاومة
واهم من كل ذلك ان هذا الجيل الذي قدمه نفسه قربانا في مواجهة الظلامية والتطرف الديني وفي سبيل الحرية والديمقراطية له امتداد تنظيمي وله ممثلون يعيشون الآن في مدينة اشرف. انهم استمرار لهذا الجيل. واذا تتحدث مع كل منهم فاذا بعشرات الاشخاص من اقاربه واصدقائه استشهدوا في هذا الدرب. انهم موجودون ومقاومون ومستعدون ان يأخذوا على عاتقهم مهمة تواصل الطموحات التي راح من اجلها عشرات الآلاف. فانهم يعتبرون "بقية السيف" الذين هم اكثر عددا وابقى ولدا. فهؤلاء الذين هرعوا الى الساحة في طهرن والمدن الاخرى هم من نفس الطيبة. انهم يريدون ان يخلقوا من ايران واحة من الديمقراطية والحرية والانسانية وان يخلقوا من ايران البلد والشعب ما يمثله اشرف من قيم الوفاء والاخلاق والانسانية والتواصل مع الآخرين وقيم الاخوة والصداقة والسلام والهدوء مع الجيران. واعتقد هذا ما يحتاجه الايرانيون بعد هذه السنوات العجاف في ظل نظام ولاية الفقيه.

د. سنابرق زاهدي
رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف