أصداء

التكنولوجيا الثورية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

دخول التكنولوجيا العصرية على خط التغيير والصراعات السياسية ليس بأمر جديد في إيران. ويكاد يصبح شبه تلازم، هناك، بين التغيير والتكنولوجيا، رغم "التوجس" التقليدي المعروف، ويا للمفارقات المؤلمة، وانتهازياتها الماكيافيللية، بين الحداثة وأدواتها "التكنولوجية"، والقيم المحافظة بشكل عام، ومؤسساتها الكهنوتية التي ترفض الحداثة جملة وتفصيلاً، وتضع حولها الدوائر الحمراء.

فلا زالت المخيـّلة تستحضر، وبكثير من الوضوح الصافي، رغم اكتظاظها بالمدلهمات الكاويات الناسفات، كيف اقتحم آية الله روح الله الموسوي الخميني، عبر الحداثة وآلياتها، والتي كان يقف بالضد، وافتراضياً، من مفاهيمها العامة وثقافتها، عرش الطاووس الشاهنشاهي في أواخر سبعينات القرن الماضي، وقوّض إلى الأبد، ربما، حكم أسرة آل البهلوي، في ثورة تكاد تكون على النمط الغاندي أو البرتقالي والمخملي أو البنفسجي...إلخ، حيث وقف الجيش، يومذاك، موقف المتفرج، لا بل انحصرت مهمته في استقبال "قصف" الجمهور له بباقات الزهور، بالابتسامات ورد التحيات بأحسن منها، على سنة وهدي الإسلام.

ولعبت الكاسيتات، أو أشرطة التسجيل التقليدية، الدور الرئيس والأكبر، في تلك الثورة عبر إلهاب عواطف الشعب الإيراني ضد الشاه، وإذكاء الروح الدينية في نفس هذا الشعب المحافظ تقليديا، عبر خطب ورسائل مسجلة كانت تجد طريقها، وتتنقل بسهولة وانسياب إلى قلب الشارع الإيراني الثائر اللاهبً الغاضب. واستطاعت تلك "الكاسيتات" المهرّبة، والبسيطة، أن تجمع خلفها الملايين من المحتجين ضد سياسات الشاه، وعاش الشعب الإيراني حقبة زاهية من التحدي لسلطة الشاه، والترقب لما يحمله كاسيت وآخر، من نوفل لوشاتو الضاحية الباريسية، حيث كان الإمام الخميني يقيم مع مجموعة من أرفع مساعديه البارزين. ولم تستطع السافاك، الجهاز الأمني الإخطبوطي الإيراني في ذلك الحين، وبكل قوتها، وبطشها المعهود، أن توقف "زحف" الكاسيتات باتجاه مختلف المدن والبلدات والقرى الإيرانية، والتي كانت تتلى في المساجد بمشاعر حماسية ترافقها طقوس حسينية. وأجبرت المظاهرات الصاخبة التي كانت الكاسيتات وقودها الروحي في النهاية، الشاه محمد رضا بهلوي، على الهرب، على "أول" طائرة قاصداً ميمماً شطر صديقه المصري، الرئيس المؤمن، محمد أنور السادات، وبقية "الحتوتة"، الإيرانية معروفة.

ويأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه، في المرة الأولى، وكما قال ماركس في أحد تعليقاته على هيغل، على شكل مأساة، وفي المرة الثانية، على شكل، ملهاة، ولكن، في هذه المرة، الحالة الإيرانية، وهي من المرات الكثيرة، التي لم تصدق فيها النبوءات الماركسية، حيث بات الطابع الملهاوي يغلب على التاريخ الإنساني، ككل، بسبب إصرار الإنسان على عناده، ورفضه التعلم من عبر التاريخ، وحكم وأحداث الزمان.

ويظهر اليوم "سلاح" الموبايلات، كواحد من أقوى الأسلحة المؤثرة في المواجهات الدائرة، بين قوات النظام، والمحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي على ما يبدو، لم يحسب له أحد أي حساب، قبل الآن، وهذه لعمري واحدة أخرى من الدلائل على حيوية إيران. ويكاد هذا السلاح الفتاك، يحرج كثيرين، في دوائر القرار العليا الإيرانية، ويحبط الكثير من الجهود الرامية للتعتيم الرسمي الممنهج على الأحداث، أولاً، ويحبط أية محاولة لشن هجوم مضاد يفضي لقمع شامل لحركة الاحتجاج. والخوف من سلاح الموبايل هذا من أن ينقل للعالم التفاصيل المملة، والصور المعبرة، التي لا ترضي مشاهدتها أحداً، لا داخل إيران، ولا خارجها. والمتابع لتطورات الحدث الإيراني، يدرك جيداً، ما تفعله هذه الموبايلات اليوم، رغم تركيزها وتكثيفها الشديد وربما توجهها ونمطيتها الأحادية، ناهيك عمن يكون وراءها، من أثر في قولبة رأي عام يساهم في تبني مواقف قد لا تصب في طواحين النسق الملي المحافظ الذي يقبض على مفاصل المشهد الإيراني.

ويمكن لنا، أن نستعير، هنا، من الماركسية أيضاً، نذراً من مقولاتها، وربما تصدق ها هنا، والقائلة، بأنه كلما تطورت أساليب القمع، كلما استـُنبطت آليات جديدة للمقاومة والرفض والاحتجاج والنضال. ولاشيء يرعب الجميع اليوم مثل سلاح الإعلام، الذي بات خارج حدود السيطرة، تماماً. إنه سلاح وواقع قائم، وقد يكون من الصعب جداً، هزيمته، أو حتى تهميشه، والتقليل من شأنه، وباستطاعته اختراق حتى تلك الحصون التي ضربت حولها هالات من التقديس، والمحرمات.

وإذا كانت الكاسيتات سبباً في انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس أول جمهورية إسلامية في التاريخ، فهل تكون الموبايلات، كآليات حداثية، حاول الملالي جاهدين إبعاد خطرها "المدمـّر" عن إيران، السبب في تقويض أسس وركائز ذات الثورة التي صنعتها كاسيتات آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأولى؟ وهل تفلح موبايلات الشباب في تقويض ما بنته سابقاً، كاسيتات الخميني، لتنبئ فعلاً بظهور عصر الإعلام الجماهيري الحقيقي الذي يقبض عليه، ويحركه العوام، ويسقط الأنظمة، ويصنع التاريخ، ويلهم الناس؟

لا شك، أن إيران جديدة ستنبثق، هذه المرة، من رحم إيران الثورة الخمينية، وبعد كل ما حصل ويحصل من تطورات. إيران مختلفة كلياً عما كانت عليه قبل الثاني عشر من يونيو/ حزيران 2009، والسبب، ربما، نقول ربما، يكون، هذه المرة أيضاً، سلاح الموبايلات.

نضال نعيسة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال مبهر
احمد محمد ( مصر ) -

فى العادة انا لا اعلق على اى مقال الكترونى مهما كان براعته لكنى وجدت نفسى اكتب تعليقا على هذا المقال لروعته وللفكرة التى ارتكز عليها . . تحية كبيرة والى الامام دائما

مقال مبهر
احمد محمد ( مصر ) -

فى العادة انا لا اعلق على اى مقال الكترونى مهما كان براعته لكنى وجدت نفسى اكتب تعليقا على هذا المقال لروعته وللفكرة التى ارتكز عليها . . تحية كبيرة والى الامام دائما

بطولات
مقهور -

ابطال كثيرون حكموا سوريا،وكل واحد منهم له بطولة خاصة به،كان يفتخر بها وينتفخ،ويسحر بها الشعب السوري رغما عنه.والبطل الحاكم اليوم بطل ادخال المعلوماتية الى سوريا،لكن ليس كل المعلوماتية للاسف،بل المعلومات التي يحبها هو وحده،لذلك أمر بحجب كل معلومة لاتصفق لبطولاته الداخلية والخارجية.اليس هذا تناقضا يا استاذ نضال؟

بطولات
مقهور -

ابطال كثيرون حكموا سوريا،وكل واحد منهم له بطولة خاصة به،كان يفتخر بها وينتفخ،ويسحر بها الشعب السوري رغما عنه.والبطل الحاكم اليوم بطل ادخال المعلوماتية الى سوريا،لكن ليس كل المعلوماتية للاسف،بل المعلومات التي يحبها هو وحده،لذلك أمر بحجب كل معلومة لاتصفق لبطولاته الداخلية والخارجية.اليس هذا تناقضا يا استاذ نضال؟

الى مدقق ردود القراء
-

تحياتي الى مدقق اراء القراء او لمن يقرء ردي هذا ياخي لماذا هذه الانتقائية وعدم نشر ردي كقارئ مع ان ردودي لا تتصادم مع قوانين نشر ايلاف الحرة,منذ اكثر من خمسة ايام وانا محاصر بصورة غريبة واحسست انها ليست صدفة ان ردودي لا تنشر فاذا كان هناك مشكله يمكنك ان تهبني النصح بها فبريدي الالكتروني لديكم او انه حجر مقصود ارجو الاجابة واتمنى ان مااظنه ليس هو الحقيقه لاني لن اتخلى عن ايلاف فهي نافذتي الوحيدة الحره التي لم يشوبها ضجيج الاعلام الدكتاتوري وانا منتظر ردكم حبي واحترامي لكل العاملين والاقلام الحرة في جريدة ايلاف الالكترونية الغراء

الى مدقق ردود القراء
-

تحياتي الى مدقق اراء القراء او لمن يقرء ردي هذا ياخي لماذا هذه الانتقائية وعدم نشر ردي كقارئ مع ان ردودي لا تتصادم مع قوانين نشر ايلاف الحرة,منذ اكثر من خمسة ايام وانا محاصر بصورة غريبة واحسست انها ليست صدفة ان ردودي لا تنشر فاذا كان هناك مشكله يمكنك ان تهبني النصح بها فبريدي الالكتروني لديكم او انه حجر مقصود ارجو الاجابة واتمنى ان مااظنه ليس هو الحقيقه لاني لن اتخلى عن ايلاف فهي نافذتي الوحيدة الحره التي لم يشوبها ضجيج الاعلام الدكتاتوري وانا منتظر ردكم حبي واحترامي لكل العاملين والاقلام الحرة في جريدة ايلاف الالكترونية الغراء

مطلوب انتخابات سورية
محمد -

يجب ان يتعلم بشار الاسد الدروس من حلفائه .. بالامس خسروا في لبنان وقد يخسروا في ايران والقاسم المشترك بين الحالتين هو وجود انتخابات حقيقية ..... لماذا لايتم اجراء انتخابات في سورية حتى يعرف بشار الاسد حجمه الحقيقي بين الشعب السوري. من المعروف ان حافظ الأسد وعندما انقلب على رفاقه الانقلابيين أصلا سنة 1970 قام بالغاء الانتخابات واستبدلها بالبيعة والتي يتم تجديدها كل 4 سنوات حيث تتولى المخابرات عملية ملىء الاستمارات بنعم وتقدمها للرئيس ويحصل الرئيس على 99.999 واستمرت هذه الاضحوكة بعد توريث المملكة السورية الاسدية الى ابنه بشار الاسد أي أن بشار الاسد هو وريث انقلاب عسكري ثم انقلاب سلمي .. لماذا لايتعلم بشار الاسد أن يجري انتخابات

مطلوب انتخابات سورية
محمد -

يجب ان يتعلم بشار الاسد الدروس من حلفائه .. بالامس خسروا في لبنان وقد يخسروا في ايران والقاسم المشترك بين الحالتين هو وجود انتخابات حقيقية ..... لماذا لايتم اجراء انتخابات في سورية حتى يعرف بشار الاسد حجمه الحقيقي بين الشعب السوري. من المعروف ان حافظ الأسد وعندما انقلب على رفاقه الانقلابيين أصلا سنة 1970 قام بالغاء الانتخابات واستبدلها بالبيعة والتي يتم تجديدها كل 4 سنوات حيث تتولى المخابرات عملية ملىء الاستمارات بنعم وتقدمها للرئيس ويحصل الرئيس على 99.999 واستمرت هذه الاضحوكة بعد توريث المملكة السورية الاسدية الى ابنه بشار الاسد أي أن بشار الاسد هو وريث انقلاب عسكري ثم انقلاب سلمي .. لماذا لايتعلم بشار الاسد أن يجري انتخابات

Strange readers
Yaser -

What is really troubling here is the man is writing about a subject (Iran and mobile phones)or any other subject and some readers are commenting on the syrian coverment.I see this every time the writer post an article-any article-are you people crazy? what''s this have to do with that?

Strange readers
Yaser -

What is really troubling here is the man is writing about a subject (Iran and mobile phones)or any other subject and some readers are commenting on the syrian coverment.I see this every time the writer post an article-any article-are you people crazy? what''s this have to do with that?

إلى مستر yasser
جابر -

ألم تلاحظ أن الكاتب يتهجم دومآ على العرب وثقافتهم وتاريخهم ويدافع بشكل مستميت عن النظام السوري مبديآ إعجابه بالحضارة الفارسية .. اليوم سبق السيف العذل وسقطت أقنعة الشمولية الايرانية لتتظهر حقيقة النظام الاستبدادي الشمولي الذي حاول ويحاول تصدير ثورته إلى لبنان عبر النظام السوري كوسيط ... فلا عجب أن يربط القارئ بين ماتكتبه نعيسة اليوم وما كانت تكتبه أمس عن عظمة الحضارة الايرانية وعبقرية النظام السوري...

إلى مستر yasser
جابر -

ألم تلاحظ أن الكاتب يتهجم دومآ على العرب وثقافتهم وتاريخهم ويدافع بشكل مستميت عن النظام السوري مبديآ إعجابه بالحضارة الفارسية .. اليوم سبق السيف العذل وسقطت أقنعة الشمولية الايرانية لتتظهر حقيقة النظام الاستبدادي الشمولي الذي حاول ويحاول تصدير ثورته إلى لبنان عبر النظام السوري كوسيط ... فلا عجب أن يربط القارئ بين ماتكتبه نعيسة اليوم وما كانت تكتبه أمس عن عظمة الحضارة الايرانية وعبقرية النظام السوري...