أصداء

واحدة من عقد النقص

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الذي يشاهد الفضائيات في الشرق الأوسط يظن ان جميع الدكاترة هناك يظهرون على هذه الشاشات حيث لا يخلو برنامج واحد, حتى لو كان برنامجاً للرقص الشرقي إلا وفيه" دكتور".

يبدو أن الألقاب هي أهم بكثير من أصحابها في تلك البقعة من العالم بالرغم من أن الشخص هو الذي سعى وجاهد حتى نال تلك المرتبة العلمية واللقب الذي يسبق إسمه. ونلاحظ أن إسم الشخص يتبخر وهو في ريعان الشباب بينما اللقب يستمر في "ركوب صاحبه" الى آخر نفس في حياته.

في تلك البرامج النقاشية يبدأ مقدم البرنامج بتقديم المشاركين بأسمائهم للمشاهدين كالعادة. بعد ذلك تغيب الأسماء ويخاطب الضيوف بعضهم ب"دكتور" حتى يشمل ذلك مقدم البرنامج بل أحياناً المشاركين بالهاتف. ويضيع المشاهد المسكين بين هؤلاء "الدكاترة"....نعم دكتور....لا لا يا دكتور....أرجوك دكتور...يادكتور على مهلك..الخ. كأنك في عالم الجن...لا أسماء.

في اليوم التالي عندما يلتقي الأصدقاء ويأتي الحديث الى إحدى تلك البرامج, حيث لا يعرف الكثيرون أسماء المشاركين فيقولون: ذاك الدكتور أبو الصلعة, أو الدكتورالذي كان يشتم, أو ذلك الدكتورالبليد، أو ذلك الذي كان يزعق....الخ.

المصيبة أنك لا تعرف مجال إختصاص "الدكتور". هل هو دكتور في علم الرقص؟. أم في الفول والفاصوليا أو في علم التهريج؟. المهم هو "دكتور" وكفى. أما الإسم والإختصاص فهما تفاصيل لا تستحق الذكر.

الكثير من مقدمي البرامج يعتقدون أن مناداة الضيوف ب"الدكتور" يضفي على البرنامج هالة من التبجيل والإحترام والجدية غير عابئين بالمستوى الثقافي والعلمي للمشاركين. هناك الكثير من الضيوف يظهرون على ضحالة في الفكر والطروحات والمستوى المعلوماتي مما يؤذي المشاهد والذوق العام.....ولكن ماشاء الله "دكاترة".

بالمقابل هناك آخرون يبرزون بأخلاقهم العالية وعلو شأنهم في المستوى الفكري والعلمي والمعلوماتي. هؤلاء يحظون بالإحترام والتقدير حتى لو أسبغت عليهم لقب "راقصة" بدلاً من دكتور.

عندما إنتقلتٌ الى دمشق للدراسة في كلية العلوم 1968 تفاجأت بحادثة لا أنساها مدى الحياة. نحن الطلاب كنا مبتدئين في الجامعة. وكما هو معروف كنا نخاطب كل من يلقي علينا الدروس ب أستاذ. وكلمة " استاذ" هذه عادة إكتسبناها لمدة 12 عاماً في مراحل الدراسة السابقة. وفي أحد الأيام خاطب أحد الطلاب الأستاذ الجامعي "حضرة الدكتور" بكلمة "أستاذ"، فرد "الدكتور العظيم": أستاذ براسك يا غبي, هل تظن أنك لا تزال على مقعد الثانوية؟. [تصوروا مدى إحتقار هذا الدكتور لأساتذة مرحلة الثانوي, والذين كانوا أساتذته قبل سنوات خلت, أي قبل أن يصير دكـ"توراً", اللهم إذا كان يعتقد أنه آت من المريخ. أما اليوم فيخاطبه أي بعثي نكرة ب"يا كلب" وهو مضطر للرد عليه بإبتسامة تملئ شدقيه خوفاً على الوظيفة وعلى لقبه "دكتور"]. وإستطرد قائلاً....يجب عليكم من الآن فصاعداً أن تنسوا كلمة أستاذ وان تستعملوا كلمة "دكتور" عوضاً عنها, أنتم جامعيون منذ الآن. طبعاً قال كلاماً أقسى وبالعامية لذلك الطالب المفجوع أمام كل زملائه..من بطيخ فصاعداً الى حم....

مسكين ذلك الدكتورحينها, وحالياً بعض ضيوف البرامج الفضائية ومقدموها, ذلك أنهم لا يعلمون أن كلمة أستاذ أعلى مرتبة بكثير من لقب دكتور.

بعدها درستٌ الطب في جامعة استانبول. هناك دهشت عندما وجدت أن الجميع ينادون البروفسور بلقب "خوجة" أي أستاذ بالتركية, وهو نفس اللقب المستعمل في جميع مراحل الدراسة, من الإبتدائية فصاعداً. وكلمة "خوجة" لقب أئمة الجوامع ورجال الدين منذ العهد العثماني وحتى الآن, وكذلك تطلق على جميع أساتذة التعليم ويشير بإختصار الى "الذي يعلّم الآخرين". حالياً أقيم في السويد حيث لا ألقاب بتاتاً من رئيس الوزراء وصولاً الى أصغر عامل نظافة.

لنعود الى فضائياتنا مرة أخرى, ففي إحدى البرامج كان بين الضيوف المشاركين "دكتور" والذي كان في نفس الوقت صاحب فضائية خاصة به ولازال. حدث وأن ناداه مقدم البرنامج ب "أستاذ" وليس دكتور. هاج "الدكتور" وماج ونسي موضوع النقاش موجهاً كلامه الى المضيف: لماذا لا تناديني ب"دكتور" [rsquo;أسوة بفلان وفلان ذاكراً الأسماء] قائلاً أن الدكتوراة التي يحملها هي أعلى مرتبة من دكتورات الآخرين. وذكر إسم الجامعات...والله أعلم...ناسياً أن القاصي والداني بات يعرف أسواق الشهادات, والتي كانت تباع سابقاً بآلاف الدولارات أما الآن فنزلت الى فئة المئات أي صارت "أرخص من الفجل" كما يقال بالعامية السورية. إن برنامجاً حول سوق الشهادات هذه سوف يكون شيقاً.

السيد هنري كيسينجرهو في الواقع أستاذ جامعي ويحمل لقب بروفسور دكتور.هل سمعتم في يوم من الأيام من خلال أجهزة الإعلام هذا اللقب؟. طبعاً لا. لماذا؟. لأن إسمه وطول باعه في السياسة "وليس في الأخلاق" أشهر بكثير من بروفسورودكتور...الخ. وإسمه يطغى على كل ألقابه.

في الحياة اليومية والعادية يكون إستعمال اللقب لأجل معرفة المهنة هو أمر إعتيادي طبعاً, وعموماً يلقى لقب دكتور على الأطباء وهو في حد ذاته لقب فخري ولا يعني أنه حائزعلى شهادة الدكتوراة في الواقع. أما في البرامج التلفزيونية وغيرها في أجزاء أخرى في العالم فيتم تقديم المشاركين بالألقاب والأسماء لمرة واحدة, وبعدها يستعمل الأسم أوالكنية فقط,,على الأقل لكسب ذلك الوقت الذي يضيع في تكرار الألقاب.

وإذا سألتموني عن أحب وأرفع لقب إلى قلبي, فإن جوابي,وبعد ستين عاماً من العمر، هو:"أستاذ" ولكن أستاذ في الحقيقة أي من أستاذ المرحلة الإبتدائية حتى الثانوية. وإذا سألتم عن سبب تأخرنا عن ركب الحضارة والتقدم عن الآخرين وسيرنا في" الإتجاه المعاكس" فالسبب عقد كثيرة، وقد حاولت تقديم واحدة منها...


بنكي حاجو
طبيب كردي السويد
bengi.hajo@comhem.se

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
دكتور مع وقف الحقيقة
إنجي -

أحسنت حضرة بنكي حاجو .. ولكنك وضعتني في حيرة مخاطبتي لك .. حيث أنك طبيب وفي ذات الوقت تعلن عن أحب الألقاب لقلبك وهو أستاذ ولكنك لست كذلك ؟لذا وقع إختياري على ما بدأت به.. وعلى أي شيء يتشاكلون السادة الملقبون ؟فماذا عن بعض منها دكتوراة فخرية أو بفعل البيع والشراء؟ .. أذكر وأنا صغيرة أن أول من نبهني لعدم أحقية مخاطبة كل من كان بلقب دكتور .. هو الفنان المصري الراحل كرم مطاوع ..حين خاطبته المذيعة بدكتور فأبدى إعتراضه على اللقب وأخبرها أنه ليس طبيب وإنما إجتاز شهادة ما..أما الأن فبعد ما إختلفت المعايير وإختلطت المفاهيم بفعل إعلام شرس مؤهلاته إمتهان الكلمة واللقب والصورة ..فلن نجد من السادة الحضور والسيدات الحاضرات من يعترض على عدم دقة الكلمات أو على إختلاط الألوان التي جعلت الصور ضبابية أحياناً ومسخ أحياناً أخرى0

دكتور مع وقف الحقيقة
إنجي -

أحسنت حضرة بنكي حاجو .. ولكنك وضعتني في حيرة مخاطبتي لك .. حيث أنك طبيب وفي ذات الوقت تعلن عن أحب الألقاب لقلبك وهو أستاذ ولكنك لست كذلك ؟لذا وقع إختياري على ما بدأت به.. وعلى أي شيء يتشاكلون السادة الملقبون ؟فماذا عن بعض منها دكتوراة فخرية أو بفعل البيع والشراء؟ .. أذكر وأنا صغيرة أن أول من نبهني لعدم أحقية مخاطبة كل من كان بلقب دكتور .. هو الفنان المصري الراحل كرم مطاوع ..حين خاطبته المذيعة بدكتور فأبدى إعتراضه على اللقب وأخبرها أنه ليس طبيب وإنما إجتاز شهادة ما..أما الأن فبعد ما إختلفت المعايير وإختلطت المفاهيم بفعل إعلام شرس مؤهلاته إمتهان الكلمة واللقب والصورة ..فلن نجد من السادة الحضور والسيدات الحاضرات من يعترض على عدم دقة الكلمات أو على إختلاط الألوان التي جعلت الصور ضبابية أحياناً ومسخ أحياناً أخرى0

alhqiqa
welat -

العقد النقص الحقيقي ليس في الألقاب وأنما في المضمون ولأفكار.لاأجد أية نقص لشخصأ قد حصل على درجة الدكتوراة في دراستة للأحد العلوم الأنسانية.أما كلمة طبييب التي يقابلها في الأنكليزية physician وهذا تسمية فقط للأطباء البشريين،اما الدكتور فيسمى تللك الأطباء الحاصلين على درجة الدكتوراة في أحد أختصاصات الطب،ألا أنه حرت العادة في كل العالم منادات ألاطباء بالدكتور.وكذللك المهندسين والمحامين بألاستاذ. .