العراق ليس بغداد وحسب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هناك ظاهرة ربما من الضروري بحثها هنا، لأنها تكاد تمثل ظاهرة فريدة وغريبة وتختص بالعراق دون سواه، فمن بين كل دول العالم لا توجد دولة تطغى عليها مدينة من مدنها مثلما هو الحال مع العراق، حيث نجد أن اسم بغداد يكاد يطغى على اسم العراق بل يكاد يكون بديلا عنه أيضا، وكلنا يتذكر الأغنية الكلثومية الشهيرة ( بغداد يا قلعة الأسود )، أو أغنية فيروز الشهيرة ( بغداد والشعراء والصور )، هذا ناهيك عن المئات من الأغاني والأشعار التي طغى فيها اسم بغداد على اسم العراق أو صادره تماما.
لقد اعتاد الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي العراقي على التركيز على بغداد دون بقية أنحاء العراق، فالأغاني والإشعار والخطب الحماسية لا تتردد في الإشارة إلى بغداد على أنها هوية لجميع العراق، حتى أصبح اسم بغداد مرادفا لاسم العراق في غالب الأحيان، وبطبيعة الحال قد يكون لمكانة بغداد السياسية والتاريخية دور في إعطاء بغداد منزلة هامة بين المناطق العراقية الأخرى، لكن ليس بان تتضخم لتغدوا أعلى مقاما من العراق نفسه، فللقاهرة مكانة لا تقل شانا عن مكانة بغداد ولاسطنبول كذلك، لكن لم تكن منزلتهما يوما أرجح من منزلة بلديهما، فلا القاهرة ولا الإسكندرية ساوتا مصر في المنزلة أو قدم اسميهما على اسم مصر، وبالتالي فان هناك أسباب أخرى لهذه الظاهرة، وليس ببعيد أن يكون للعامل السياسي ابلغ الأثر فيها بعد أن تحول العراق من مجموعة ولايات إلى دولة موحدة، وكان من الضروري نظرا لدمج بيئات ثقافية مختلفة مع بيئة الأصل، أن ظهرت الحاجة إلى خلق مركز مرجعي يمكن للإطراف الأخرى أن تامن إليه وتنصاع لهيمنته، ولابد أن يكون هذا المركز المرجعي مرتبط بسلطة البلاد السياسية، وبالضرورة التي يتحتم من خلالها دمج تلك البيئات أو الثقافات في بيئة واحدة تمثل مرجعا لها جميعا. لكن هذا لا يعني أن يتم تجاهل قلب البلاد النابض ومصدر هويتها المنطقة السهلية من العراق، فإذا كان في العراق بيئات ثقافية مختلفة فليس من الصحيح جمعها قسرا، كما لا يمكن خلق هوية مرجعية جامعة لجميع البلاد بالاستناد على العامل السياسي فقط، ليس لان هذه الطريقة عقيمة وفاشلة وحسب، وإنما لأنها تعزل العراق عن أصله وماضيه، فالعراق لم ينشا مع الفتح العربي أو مع مجيء الإسلام كما يوحي بذلك البعض، وهو لم يخترع اختراعا كما زعم بشكل مطلق ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا المعروف، إنما هو بلد قديم تعود جذوره الحضارية إلى عدة آلاف من السنين، وبالتالي ليس من السليم تجاهل هذا الماضي لان في هذا الماضي توجد هوية العراق الحقيقية.
إن ارتباط العراق مع ماضيه أو أصله، لا يعني قطع صلته ببيئات البلاد الأخرى، بل على العكس هو يعني أكثر من ذلك، أن يكون لتلك البيئات حريتها ضمن أنطقتها الجغرافية، فللأكراد تراثهم الخاص النابع من تكوينهم المستقل وبيئتهم الجبلية، وكذا الحال بالنسبة للبدو الذين لا يختلف اثنان على اختلافهم النابع من أصلهم البدوي وانتمائهم الصحراوي، أما ما يسمى بتراث بغداد الذي يحاول البعض تعميمه ليمثل التراث الجامع للعراق بأسره، فما هو إلا نسخة هجينة من تراث السهل الذي كان على الدوام قلب بغداد النابض ومصدرا للكثير من قيمها وتقاليدها، دون نكران بالطبع لتأثير البيئات الأخرى التي كان لها بالتأكيد تأثير ما في تراث بغداد وان ليس بدرجة تأثير السهل.
إن ابلغ الأدلة على هذا التأثير السهلي القوي و المتواصل استخدام البغداديون للزي الجنوبي التقليدي أي لبس اليشماغ، مع اختلاف بسيط وهو أن الجنوبيون يلبسون اليشماغ مع العقال فيما يلبسه البغداديون بلفه حول الرأس أي طريقة ( الجراوية )، وهي أيضا طريقة يعتمدها سكان الجنوب ولكن على نطاق ضيق، وأقدم إشارة إلى استخدامها من قبلهم تعود إلى العصور السومرية، حيث يوجد تمثال ل كوديا أمير لكش وهو يلبس اليشماغ بطريقة الجراوية، أما الغناء المشهور بالمقام العراقي فهناك أدلة كثيرة تؤكد على جذوره السهلية، منها احتوائه على سمة الحزن التي يشتهر بها الغناء الجنوبي وأطواره المختلفة وارتباطه بمعاناة الناس آنذاك، فمثلما يعبر الغناء الجنوبي عن معاناة الناس وآلامهم يعبر الغناء البغدادي عن رغبة الناس في الإفضاء عما يؤلمهم ويثير شجونهم، حيث تبدأ اغلب الأغنيات البغدادية بكلمة (أمان ) التي يراد بها إشعار الناس بالأمان وبان هناك فسحة متاحة للراحة والاطمئنان تكفي الجميع، هذا ناهيك عن سمات أخرى يدركها المختصون، كذلك من الأدلة على ارتباط الشخصية العراقية بالنموذج الجنوبي، التعاطي الدرامي مع هذا النموذج واعتماده أكثر من سواه في التعبير عن طبيعة الشخصية العراقية النمطية. وبالتأكيد فان هذه المعلومات ليست نابعة من ملاحظات عابرة، بل قد أكدها أيضا أشهر علماء الاجتماع العراقيين ( الدكتور علي الوردي )، منوها من خلالها إلى هذه الحقيقة التي غفلها كثيرون للأسف الشديد.
وبالتالي لابد إذا أردنا أن نؤسس لبناء عراقي متين من أن نغير تلك الصورة الخاطئة، وان نحيل بغداد إلى الأصل وليس العكس أي أن نحيل الأصل إلى بغداد كما جرت العادة، فليس من العدالة ولا العلمية تجاهل تلك الحقائق أو التنكر لها، ففي تجاهلها نكران للعراق نفسه وهذا أمر لا نتمناه في مرحلة البناء هذه.
التعليقات
Kabul
Rizgar -The city which we received poisons, chemical powders, plans with abnormal capacity of destroying life, a city with a head quarter of brutal army forces in the last 80 years , a city which was a station for genocide , deportation, cruelty , a city with inhuman prisons ..etc. I do agree Baghdad was more tolerant than other cities; again we have to say our Shea Arab brothers transferred Baghdad to a Kabul.
بردا وسلام على اهلي
mahmod -عزيزي الكاتب ستبقى بغداد قلعة الاسودونتمنى دائما ان نتغنى بعاصمتنا الحبيبهونشجع ان نحيل الجنوب لبغداد لان اكثرمكان متطوراجتماعيافي عراقنا هوبغداد العاصمه فارجوك لاتصنع من بغدادنامجتمع مغلق عشائريا وثقافيا مثل الجنوب وتتحكم به الاحزاب الدينيهوانا اعلم ان هناك الكثيرمن محافظاتنا تتمنى ان تصبح مثل بغداداما عن الحزن في الاغاني العراقيه فهوموجود في كل المقامات والاطوارالريفيهوفي الغناء والموسيقى العراقيه عموما وذلك ناتج لكم الحزن الذيتجرعه العراق والعراقيين على مرالزمان اماعن كلمة امان ياسيدي هيلاتعني بالامان الذي يطلبه العراقيين بل هي كلمه تغنى ورددها حتى الاتراك ولانعلم من اخذها من الاخراتحدث معك بصفتي دارسالموسيقى الشرقيه والعراقيه في العراقاما عن المرحوم دعلي الوردي فكان دائما متحيزلبغداد في كتاباتهحتى انه كان يقول يجب من يحكم العراق ان يكون من المدينهحتى لايسودتفكيرالقرى والعشائريه على الدوله وقوانينهاوانت تعلم ان بغداد هي خيرممثل لافكارالورديارجومنك ان لاتشجع الافكارالقديمه والعشائريه ان تسودفي هذه الفتره بالذاتمع العلم انه حتى بغداد اصبحت عاصمه متخلفه الان نتمنى نهوضهاواتمنى لكل العراق ان ينهض ثقافيا وعمرانياليصبح على الاقل مشابهالدول المجاورهولانقول دول العالم لانه ضربا من الجنون والخيالياناركوني بردا وسلام على اهلي العراقيين والعراق
بغداد المجد
د جمال -ستظل بغداد شوكه بعيون الصفويين وشوكه بعيون العمائم الحاقده ..وستبقى بغداد الرشيد قلعه لذالك التاريخ المجيد رغم انف حكومة الاحتلال اللقيطه المريضه التي احالت كل شيىء لخراب ..دمروا التماثيل دمروا الشوارع غيروا الاسماء ...ولكن هيهات ..ستعود بغداد النظيفه بعزها بجهود ابناء الرافدين ..
أتفق معك و أختلف
ناقد بن كاتب -أخي الكاتب، أتفق معك في فحوا و هدف الموضوع و نشكرك أيضا على إثارته، و لكن بنفس الوقت أختلف معك في جزئية أن في كل دول العالم لا توجد دولة تطغى عليها مدينة من مدنها. فلديك أمثلة مثل دبي، و بيروت، و لندن، و غيرها أخرى يطغي أسماء هذه المدن على أسماء دولها.
حب بغداد
عمر الاعظمي -ورغم التفجيرات والمفخخات التي قام بها جماعة القاعدة والبعثيين لتدمير بغداد , لكن بغداد عادت مشرقة عادت بغداد متوشحة بالحلم والتفائل , والمستقبل جميل انساء الله بعودة بغداد وهو عودة العراق ودولة المؤسسات والديمقراطية الوليدة .لقد قام البعثيين والوهابية ب باكثر من 50 عملية تفجير لكن بغداد مازالت تقف على رجليها وتواججهم واليوم بغداد بكل حب تعلن ان المستقبل بانتظارها تحية حب لبغداد
بغداد هي الاصل
البغدادي -احب اقول لصاحب المقال رغم القتل والدمار الذي تسببت فيه الحكومة العميلة ومليشياتها الصفوية المتمثلة بجيش المهدي ومظمة بدر العميلة هولاء الدخلاء على اهل بغداد الاصيلة لكن بغداد صامدة باذن الله ثانيا نحنو عمرنا لم نتاثر بل الجنوب كما تفول لان الجنوبيون يختلفون عن اهل بغداد بكل شى بل اللهجة بل لباس بل مقام البغدادي الاصيل حتي بل الشكل انتم من تاثر ببغداد بل اكثر من ذلك عبد الكريم قاسم مع انهو سني اتا بل الجنوبيين واسكنهم في اطراف بغداد المتمثلة بي مدينة الصدر حاليا والشعلة فا هولاء رغم سكنهم في بغداد منذ ذللك فلم يتاثر بهم اهل بغداد الاصلين فتراهم الى هذا اليوم يتكلمون بل اللهجة الجنوبية ولم يتاثر بهم اهل بغداد بل العكس صحيح
للكاتب؟
سعد موزان -ماتقصده هو كل الحكومات التي حكمت العراق منذ العهد الملكي الى الان كل اهتمامها يتركز على بغداد بمعنى تخصيص كل ميزانيه العراق الى بغداد وهذا يعني ان الانسان الذي يعيش في بغداد مواطن اما الانسان الذي في المحافظات باستثناء الموصل والانبار وتكريت واربيل وسليمانيه ودهوك والنجف وكربلاء فهو غير مواطن ولا يستحق الحياه فعليه مغادره العراق او يتحمل تلك الحياه القاسيه.
هؤلاء يحكمون بغداد
نامق سعيد -نوري كامل العلي قام بتشكيل لوائين اللواء الاول يتكون من1500 مقاتل جميعهم من اهالي قضاء الطوريج ........واللواء الثاني يتكون من (1000) مقاتل من مدينة كربلاء والاقضية والنواحي التابعة للمحافظه ومقرالتشكلين في المنطقه الخضراء التجهيزات تبرع بها وزير دفاع المنطقه الخضراء والاسلحة تم استيرادها من قبل المالكي وتشير المعلومات التي تسربت من المقربين جدا للمالكي ان الرواتب تدفع من المال الخاص للمالكي ( ) ...... وليذهب الفقراء والمعوزين الى اكوام القمامة ليعتاشوا منها وليذهب المرضى الى المقابر نتيجة قلة الدواء بسبب سرقة اموال الدواء وما تبقى منها يوضف لتشكيل قوات مهمتها قتل وتعذيب كل من يعارض ....وقوة اسناد لجيش القدس والحرس الثوري في حالة دخلوهم الى العاصمة ( )
الغراب والصقر
الوليد الهاشمي -اخواني الاعزاء وبكل اختصار ان حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة ..... وغيرهم من الاحزاب الذين على شاكلتم هم احزاب تأسست على اسس طائفية فلا يمكن لهذه الاحزاب ان تكون احزاب وطنية وتنظر بعين المساواة لكل العراقيين لانها تربت على التمييز بين المذاهب والتفريق فمستحيل ان تنظر للعراقيين على انهم واحد ومستحيل ان يصبح الغراب صقروهؤلاء ينظرون حتى لمدن لعراق نظره طائفيه ..هؤلاء يكرهون شيىء اسمه بغداد لأنها عباسيه وبنيت على سواعدهم ..هؤلاء يمقتون التاريخ ويمقتون بل ويشتمون اي تأريخ عربي نتيجة امراضهم المزمنه الغير قابله للشفاء ...لعن الله الاحتلال وكل اقزامه الحقيره وعاشت بغداد حره عربيه عباسيه عراقيه
حقائق - الى رقم 3 !
سليم العبيدي -الى الذي يسمي نفسه د.جمال رقم 3 : إن محافظة ميسان هي أغنى محافظة بالعالم بخزينها النفطي تليها البصرة و الناصرية بينما يعيش فيها من أفقر شعوب الأرض ! أنصحك بالكف عن الشتائم البذيئة و التحري عن الحقائق. لو جاز الأمر لأصبح من الممكن تبليط شوارع العمارة بآجر من الذهب الخالص بدلاً من شوارعها الترابية الحالية.أنت و أمثالك غير متفضلين على أهل الجنوب بل العكس هو الصحيح. !
قول حق
محمد -سلمت يداك يا اخي العزيز , والله الان اعرف ان في العراق اناس يفكرون مثلك , هذه هي الحقيقية التي يخاف منها الخفافيش المريضة, ان العراق وجد قبل الفتح الاسلامي (الان تحول الى غزو عربي) وكان لديها هويته الحقيقية, هوية التعددية الطائفية, وهذا ليس بعيب, الى متى لاتعقلون ان الطائفة ليس بعيب, وانما العروبة التي تدعون اليها هو سبب كل المشاكل, العراق لم ولن يكون عربيا كما تدعون, وبغداد ليس عاصمتها, فكل مدينة لها خصوصيتها التاريخية, لكن القادة القوميون الحمقى حولوا بغداد الى اسطورة وهي ليست في الحقيقة هكذا, اسال سؤلا بسيطا واطلب من اي قومي يجاوب بصراحة , اي قائد او رئيس دخل بغداد منذ تاسيسه وخرج منها بسلام او مات موتا طبيعيا؟ اهذا هو دار السلام ام هو في الحقيقة دار الموت
بغداد حبيبة كل العراقيين
باسم محمد حبيب -أود أن أقول لجميع الأخوة المعلقين .. شكرا جزيلا لما تفضلت به من ردود رائعة مهذبة ، وأود أن أبين هنا : أن هدفي من المقال ليس التقليل من شأن بغداد العظيمة التي أعتز بها كثيرا مثلما أعتز ببلدي العراق العظيم الكبير ، وآسف أن فهمت المقالة على هذا الأساس ، أو أن مضمونها - ومن دون قصد - قد طرح هذا المعنى ، بل ما أردت أن أقوله من خلالها : أن علينا أن نهتم بجميع المحافظات العراقية ، وأن ننظر إليها جميعا نظرة واحدة ، وأن بغداد مثلما هي قلب العراق ، فإن المحافظات تمثل جسده وكيانه ، إذ جاءت المقال ردا على من حاول التقليل من شأن الجنوب ! ، لذا ركزت على الجنوب أكثر من سواه ، مع فائق الشكر والتقدير لجميع الأخوة المعلقين .