أصداء

لم يكحلها بوش.. عماها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001 تمكن 19 (مجاهدا) من خطف أربع طائرات مدنية واستخدامها، مع ركابها، في هجمات انتحارية ضد العملاقتين التوأمين في منهاتن ليكتب التاريخ بتلك الطائرات بداية مرحلة دموية أغرقت الكرة الأرضية كلها انطلاقا من أفغانستان ثم العراق بعد ذلك.

قبل تلك الكارثة بأسابيع كنت أتناول طعام الغداء في أضخم وأشهر مطعم في العالم، ذلك هو الكائن في إحدى التوأمين، بدعوة من رئيس طباخيه المواطن المصري محمد غصوب. كانت دهشتي كبيرة وأنا أتأمل عظمة تلك البناية الهائلة، بسلالمها ومصاعدها، وأناقة جدرانها وبلاطها وزجاجها، وأثاث قاعاتها وصالاتها العديدة المتناثرة في جميع طوابقها.

وكان أكثر ما أدهشني زحمة البشر في مداخلها وعلى سلالمها ومصاعدها. خليط عجيب من رجال ونساء جاؤوا من جميع أرجاء المعمورة. كنت أسمع فيها لغات لم أسمعها من قبل. عيون مختلفة الأشكال والألوان. جباه عريضة وضيقة، بارزة وضامرة، فرحة وحزينة. شوراب ولحى كثيفة وذقون حليقة. عمائم وقبعات وشعور منمقة وصلعات لامعة مضيئة. نساء ساحرات الجمال وأخريات أخذ منهن العاطي كل جمال، ولم يتكرم عليهن سوى بالأصوات والكعوب العالية.

كان على يميني، في المطعم الأنيق العاطر الوثير، رجل في الأربعينيات، بشوارب مرسمومة بدقة مثل خط من الفحم الأسود على لوحة بيضاء، وسكسوكة حمراء تتدلى من ذقنه الطويل، وإلى جانبه على المائدة، وليس قبالته، صبية جميلة ساحرة تجاوزت العشرين من عمرها بقليل، لم تكن تبدو سعيدة جدا بتلك الرفقة، وكان لا يكف عن احتضانها وتقبيلها، ثم يطلق ضحكة سمجة مفتعلة في أعقاب كل قبلة وكل احتضان.

ورغم أن المطعم كان من أغلى المطاعم التي أكلت فيها في حياتي، إلا أنه كان عامرا بالآكلين القادرين على تحمل ضخامة فواتيره الباهضة. ومع ذلك فلم لم يكن من السهل عليك أن تدخله دون حجز مسبق وبالأرقام.

يومها خطر على بالي سؤال: أليس في اجتماع كل هذه المجاميع البشرية الهائلة الأتية من كل بقاع الكرة الأرضية في بناية واحدة كهذه البناية ما يدعو إلى الخوف من خطر الموت في لحظة من لحظات غضب أحد أبناء عمومتنا العربية أو الإسلامية الذين فهوا تعاليم الدين الإسلامي بالمقلوب، وتوهموا أنهم، وحدهم، ورثة الله وجنوده المكلفون بتطهير الأرض من الكفرة الذين يجلسون على كراسي وطاولات لا على فرش من إستبرق، ويحلقون شواربهم ولحاهم ولا يطلقونها، ويرتدون البدلة وربطة العنق الصليبية، ويحتسون عصير العنب الأبيض والأحمر، ويستمعون إلى موسيقى الجاز، ويدخنون الغليون والسيكار، ويدفعون فواتيرهم بالدولار؟

ماذا لو دخل علينا هنا في هذا المطعم الخالي من أي حارس أو رقيب أحد مجندي حسن البنا أو أسامة بن لادن فألقى علينا قنبلة حارقة وهرب؟

وأجبت نفسي قائلا، ستكون كارثة. ولعل أكبر خسائرنا، أو أكبر خسائري أنا شخصيا، هما عينا هذه الفتاة الساحرة التي لا يتوقف هذا العاشق الكريه عن مص شفتيها أمامنا دون حياء. ثم تذكرت أنني سأكون ميتا أيضا فأحرم من لذة الإحساس بتلك الخسارة الفادحة.

عدت بعدها إلى جدة، حيث كنت أقيم، وغرقت في عملي اليومي المضني في مقاتلة صدام حسين، على موجات أثير إذاعة صوت الشعب العراقي المعارضة. لم يكن يخطر على بالي يومها أنني أناضل من أجل تسليم العراق وأهله لجحافل المجاهدين، إياهم، المحليين والقادمين من أعالي البحار لحرق الوطن كله بنيران قنابل الظلام. لقد ندمت كثيرا لأنني قاتلت ظالما واحدا وسارقا واحدا وجاهلا واحدا لأنصب من بعده وفي مكانه مئاتٍ بل آلافا من الظالمين والقتلة والجهلة واللصوص.

بعد ذلك الغداء الحافل الثري بأسابيع، وبالتحديد في 11 سبتمبر 2001 فتحت عيني على شاشاتCNN فصعقت وأنا أشاهد طائرة بيونغ ضخمة تدخل البناية التي يقع فيها المطعم ذاته، لتخرج منها وهي كرة من نار.

لم يكن يخطر ببالي أبدا أن يصبح كل ذلك الجمال والأناقة والضخامة، في دقائق، نثارا من حديد ورماد ودخان.

لم أعرف ماذا حل بتلك الجموع من الرجال والنساء الذين يدخلون البنايتين التوأمين كل صباح ويخرجون منها كل مساء، ولا ماذا حل بصديقي محمد غصوب رئيس الطباخين في ذلك المطعم الأنيق، ولا ما حل برواده السياح القادمين من أرجاء الدنيا الواسعة، وبعض منهم قد يكون مسلما تقيا ورعا لم ينقض وضوؤه بعد.

ولكن الأسوأ من كارثة التفجير، بكل هولها وبشاعتها، كانت كارثة أن يكون، يومها، رئيسا لأمريكا، واحد فاق جميع من سبقه من رؤساء، وقد يفوق من سيجيء بعده أيضا، بقصر نظره وصغر عقله وقلة خبرته وشحة مروءته ونفاذ صبره، ليدشن حربه على الإرهاب، فيزيد من عمى حياتنا، كلنا، وكان يقصد تكحيلها.

ولا أريد هنا أن أدخل في تلافيف الحكايات والرويات التي روج لها رفاقنا المحللون والكتاب العرب المؤدلجون، والتي زعموا فيها بأن فجيعة 11 سيبتمبر كانت تدبيرا بوشيا يهوديا صهيونيا لاختلاق الحرب على الإرهاب، وتصفية حسابات صليبية قديمة مع الإسلام الحنيف. فهذا كله في تقديري كلام فاضٍ لا يدخل في رأس بعوضة.

أما بالنسبة لي فإن (أصخم) نتائج غزو المجاهدين الــ (بن لادنيين) لمركز التجارة العالمية في مانهاتن هي تلفيقات ديك تشيني والمحافظين الجدد التي صدقها الرئيس الهمام ليدخل العراق، غازيا، من الكويت، فيسقط نظام (القتل الديكتاتوري)، ويقيم على أنقاضه، نظام جديدا عبقريا لـ (القتل الديمقراطي) الجديد، تديره الكرة الأرضية كلها، أمريكا وإيران وسوريا وإسرائيل وتركيا وحزب الله وحماس وطالبان والأردن والسعودية والكويت والإمارات والبحرين والسودان والصومال وجيبوتي وجزر الوق واق.

بصراحة يغمرني حزن شديد في كل عام حين تعودني ذكرى ذلك اليوم الأسود الكريه، على كل ما حصدته تلك الحماقة من نفوس بريئة، وما نثرته على البشرية كلها من مآتم وفجائع ومصائب لم تنته بعد، ولن تنتهي.

وفي كل عام أيضا أكون أكثر حزنا حين أتذكر عيني تلك الصبية الساحرة التي كان ذلك العاشق الكريه لا يتوقف عن اعتصار خصرها أمام أعيننا دون حياء. ترى هل هي الآن ترقد في أمان في إحدى مقابر شهداء الحادي عشر من سبتمبر اللعين؟ أم هي احترقت أيضا مع من احترق وتبعثرت أشلاؤه بين حطام البنايتين التوأمين؟

إبراهيم الزبيدي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بين اليوم و الأمس
علي الأعرجي -

لا أعلم إن كانت الحكمة الإلهية هي التي أرادت أن يكون رئيس أميركا وقت حدوث تلك الجريمة هو جورج بوش, أم الأمر كان خارج الرباني. و لكن, يا سيد العزيز, العراق اليوم رغم كل المآسي التي أعقبت الأطاحة بنظام كنت أنت تقاتله بالكلمة و القلم خير من عراق الأمس الذي لم نكن نرى فيه بريق أمل و لو كان كاذباً للخلاص من صدام و زبانيته. أنا أحد الذين أعتقلوا أيام حكم البعث, و تركت العراق بعدها إلى إحدى الدول الأوربية, و اليوم أنا في العراق ثانية, و لكن هذه المرة لا أخشى ما قد يصيبني لأن اليوم هناك شيء لا أستطيع أن أتنازل عنه لم يكن موجوداً أيام حكم صدام. هذا الشيء يا سيدي العزيز هو الأمل أن غد سيكون أفضل من اليوم. لهذا السبب أكاد أجزم, أن الحكمة الإلهية هي التي شاءت أن يكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقت حدوث الكارثة هو جورج بوش , الذي آمن ان الإطاحة بصدام كان ضرورة لا غنى عنها, مهما كانت الأسباب وراء إقدامه على هذا العمل العظيم. و لك جزيل الشكر على مقالتك الجميلة

خيانة اهل السنة
ساهر الناي -

اهل السنة والجماعة طربوا ورقصوا للصباح لان سيدهم ابن لادن الذي علمهم السحر قتل 4 الاف انسان مظلوم دفعة واحدة في منهاتن ! لماذا ينتشي ويسكر بدماء الابرياء ؟ لماذا لم تحرج مظاهرة سنية واحدة من اجل استنكار عمل ارهابي واحد في العراق راح ضحيته اطفال ونساء ؟ البارحة فجر ابناء السنة والجماعة حي كردي بالموصل عندما كان فقراء المسلمين من الاكراد يتناولون وجبة السحور الرمضاني دون رحمة وخجل , ولا نستغرب من صيحات حسني مبارك وعبدالله الاردني من التحذير من الهلال الشيعي , لان التشيع رحمة للبشرية بينما التسنن تفخبخ واحزمة ناسفة وخيانة , نعم خيانة والدليل بالامس لم يسلم من خيانتهم رجل الامن الاول والمحترم في الخليج الامير محمد ابن نايف آل سعود عندما غدر به , واطلب من سمو الامير ان يجعل الامن الخاص المعني بحمايته من الاخوة المسلمين الشيعة اوى المسيحيين لانهم اكثر امنا اطلب من الاخوة السنة من المتنورين فضح الفقه السني لانه النازية الجديدة دون خجل او تعصب لان النبي محمد دمر فكر عشيرته الاقربون من قريش تدميرا وقتل في غزواته ابناء عمومته لانهم ارهابيون دمويون فلا تخجل اخي السني من مهاجمة التطرف السني لانه الطاحون الجديد وانفلونزا الكون .

ساهر الناي
احمد حسن -

ان التطرف في المنطقة العربية والاسلامية بدء بالفكر الشيعي لان كل البلدان العربية والاسلامية كانت قبل وصول الخميني الى السلطة ابعد ما تكون عن التطرف الديني -حيث لا طالبان ولا قاعدة ولا غيرها - بل ان معضمها كانت تحكم بقوانين حضارية وبعيدة عن التعصب الديني ولكن ما ان جاء الخميني وجاء بعده حزب الله الذي قام بالتفجير الانتحاري للسفارة الامريكية في بيروت الامر الذي ادى الى انسحاب الامريكان من لبنان الامر الذي فتح عيون المتطرفين الى فعالية التطرف الديني في القضايا السياسية ان منهج السنة والجماعة هو منهج وسطي فهم لا يسبون احد ولا يكفرون احد ولكن بعد ان جائت امريكا الى العراق لمساعدة الشيعة على بناء دولة دينية متخلفة في العراق - يقضي شعبها طيلة ايام السنة في زيارات ماراثونية مشيا على الاقدام مئات الكيلومترات - ولا شغل ولا عمل ولا صناعة ولا زراعة بل ان الكهرباء منذ ستة سنوات ولا زالت مقطوعة عن القسم الاكبر من اهل العراق بل فقط لطميات وتطبير بالسيوف والالات الجارحة حتى تسيل الدماء من الرؤوس - اقول ان مساعدة امريكا لهذا التطرف الشيعي ادى الى موجة عارمة من الاصولية السنية وهنا اختلط الحابل بالنابل وجميع ذلك كله كان خدمة للمشروع الاسرائيلي في المنطقة - والذي ترعاه امريكا - والذي ينص على اضعاف شعوب المنطقة في نزاعات مذهبية وقومية لتبقى اسرائيل هي القوة العظمى الوحيدة في المنطقة

الى أحمد حسن
مازن -

يا أخي أنا أنسان محايد , نعم الشيعه يبكون ويلطمون لكنهم لم يقتلوا أربعة آلاف أنسان برئ في ساعة واحدة , الشيعة يعذبون أنفسهم لكنهم لا يعتدون , وهم أرحم ألف مره من السنه الذباحين , أما قولك بأن حزب الله قام بعملية أنتحارية ضد السفارة الأمريكية نعم لأن أمريكا كانت قد أنزلت قواتها في لبنان فهو أحتلال , لكن لم نسمع بشيعي واحد مارس الذبح والقتل على الهوية فنحن نعيش معهم , لقد صبروا وطفح الكيل بهم حتى جاء ردهم وهو رد خجول بكل المقاييس ولا يساوي ما فعله أرهابيي القاعدة بهم , أطلب من كل العالم الأسلامي أن يتحول الى التشيع لأنه مذهب فيه تسامح ويسمح لباقي الأديان بممارسة شعائرهم ولا يكفرون أحدآ , بالمناسبة , أنا رجل محايد وقد قلت الحق في ذلك

ممكن سؤال
حدوقه -

الخاطفون خرجون من افغانستان ماذنب مليون عراقي مسلم ابادتهم امريكا ؟!

حزب المفخخات
عبدالله -

الشيعة حزب الدعوة هم اول من ادخل السيارات المفخخة الى العراق

يا مازن ساهر الناي
احمد حسن -

يا مازن الناي انت تقول ان الشيعة لم يقتلو احد فمن هو اذن ابو سجاد وابو درع ومن هي عصابات جيش المهدي الم يقتلو عشرات الالاف من اهل السنة ومواقع الانترنت مليئة بالافلام التي توثق عمليات الذبح هذا بل ان احد الافلام يعرض صور حديثة لابو درع في طهران ومن هي فرق الموت والتي اعترفت وزارة الداخلية انها فصلت من صفوفها 40 الف منتسب للاشتباه في انتمائهم الى جيش المهدي وفرق الموت ومن كان يختطف السنة من المستشفيات الحكومية وكان يقتلهم بعد ذلك ومن كان يقتل المئات من السنة على حواجز التفتيش الحكومية لان اسمائهم عمر او بكر او عثمان فيا مازن الناي اكعد اعوج واحجي عدل والشمس لا يمكن ان تغطى بغربال

الى أحمد حسن
مازن -

أبو درع وغيره حالة طبيعيه نتيجة للجرائم التي مورست بحق ابناء طائفته وهذا كان ردآ على الأستهداف المنظم والمبرمج الذي كان يستهدف الشيعه وكل الأقليات الدينية والعرقية الأخرى , يا أحمد حسن لا تحاول قلب الحقائق لقد عشت أنا في بغداد وخطفت على ايدي أرهابيي السنه ولا أعرف كيف خرجت سالمآ , كنت أسمع أحاديثهم الأجرامية وطرق القتل التي يتفننون بها , في تلك اللحظة أنتابني شعور غريب كأني مع وحوش أو ليسوا بشر , كان يتقربون لله حسب أعتقادهم بذبح الشيعه وباقي البشر من الأقليات الدينيه الأخرى , وكان بينهم كثير من غير العراقيين عرفتهم من لهجاتهم , كيف تريد من هؤلاء أن يؤمنوا بالتعايش بين ابناء البشر , كيف لهؤلاء أن يؤمنوا بأن الأرض يعيش فيها بشر أخرون لهم أديانهم ومعتقداتهم الخاصة , هؤلاء واقصد السنه يعتقدون بأنهم يجب أن يغيروا العالم ويكون العالم كله على طريقتهم حتى يكفون اذاهم عن البشر , العالم ممكن أن يتعايش مع المسلمين من ابناء الطائفة الشيعيه لأنهم وكما ذكرت ولي اصدقاء كثيرون منهم ناس مسالمون , يمكن أن لهم فلسفتهم الخاصة وطريقة تعبدهم الخاصة وهي البكاء وهذا شئ نحترمه , فالأنسان حر في ما يعتقد على أن لا يؤثر على الآخرين , لكنهم بكل الأحوال أفضل من ارهابيي السنه