أصداء

الأكراد ليسوا كشفاً آركولوجياً في تركيا!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هذا الرجل موهوب. بل كتلة من المواهب. تدبَّجُ في حقِّهِ المدائح ومطوَّلاتُ القصائد العصماء، عربيَّاً وإسلاميَّاً. ولشدَّة إتقانه المراوغات والمناورات، يصلح أيضاً أن يكون لاعب كرة قدم. أحياناً، يقول عن نفسه: حارس مرمى الدولة. وأحياناً، تجده قلب الهجوم. وأحياناً، في الوسط، أو في الجناحين. لكن، حارس المرمى، لا ينفع أن يكون مراوغاً وبهلوانيَّاً، ولا ينفع أن يكون من مواليد الأبراج الهوائيَّة، لئلا يسجّل على نفسه أهداف كثيرة. ياله من موهوب؛ رئيس الوزراء التركي، وزعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، إذ يمتلك طاقة هائلة في تدبيج الخطب الإنشائيّة المؤثِّرة التي تُدمِع الأعين، وتقطع أنياط القلوب وتدميها!!؟. لكن، الكثير من الخُطب السياسيّة والثقافيّة في تركيا، ما أشبهها بالقنابل الصوتيَّة والدخانيَّة، التي تصدع الرؤوس وتصمّ الآذان، وتجعل الأعين تفيض دمعاً حارقاً، وتهيّج العواطف وتجيّش المشاعر، وتعمي الأبصار والبصائر.


إنَّه رجلٌ موهوب؛ يتحدّث عن الانفتاح على الأكراد، ويوصد الأبواب في وجوههم، واضعاً عليها أقفالاً ثقيلة!. يتحدّث عن الموزاييك الحضاري، الإثني، الديني، المذهبي...، في تركيا، ويشير إلى ملحمة "مم وزين" للشاعر الكردي الكبير أحمدي خاني، ويمدح أغاني الفنان الكردي شفان باروار، في البرلمان التركي...، ثمّ يقول في اليوم التالي: "تركيا، شعبٌ واحد، لغةٌ واحدة، علمٌ واحد"!. يقول: إنَّه أطلق مشروع حلّ القضيَّة الكرديَّة، سلميَّاً، ديموقراطيَّاً، وأنَّه مشروع الأخوَّة والسلام والعدالة الاجتماعيّة والمساواة، ثمّ يسلِّم الملفّ لوزير الداخليَّة بشير آلتالاي، ما يعني أن النظرة الأمنية للقضيَّة الكرديَّة ما زالت على حالها!. وما يؤكّد ذلك، قول أردوغان في وصف "انفتاح الدولة" على الأكراد: إنَّه مشروع القضاء على الإرهاب!. أنَّه أردوغان؛ يَعِدُ، ويُخلِف وعوده، وبل يتبرَّأ منها!. ألم أقل لكم: إنَّه موهوب، يجيد القفز في الهواء، والتزلُّج على حوافّ الماضي!. كثيراً ما ينطبق عليه المثل العربي الدارج: "كلام الليل يمحوه النَّهار"!. وينطبق عليه أيضاً، قصَّة "الراعي والذئب"!

مثقفو تركيا أيضاً، لا يشذُّون كثيراً عن مواهب زعيمهم أردوغان في المراوغة، وحرفة الانزلاق للوراء. هم أيضاً يطالبون بالانفتاح على الأكراد. يكتبون في أعمدتهم، حول اكتشافهم للأكراد في تركيا، كلاماً من طينة؛ حين كان آباءهم موظفِّين أو ضبَّاط في المناطق الكرديَّة، كان لديهم جيران أكراد، وكانوا كذا وكذا!. أو أنَّهم في يومٍ ما، مرَّوا بسيَّارتهم بقرية كرديَّة جبليَّة فقيرة، أو أنَّه كان لديهم صديق كردي، على مقاعد الدراسة...الخ!. يعني، يتعاطون مع الملفّ الكردي، بكثير من التعالي، وكأنَّ الأمر، لا يعنيهم، وليسوا هم أيضاً متورِّطين، كمثقفين وإعلاميين، في إدامة وإطالة حرب تركيا على أكرادها!. ويأتي حديثهم عن الوجود الكردي في تركيا، ودوره السياسي والثقافي والاجتماعي الدامغ، وكأنَّه كشف أركولوجي، تمَّ توَّاً، أو أنَّه من تفاصل الفلكلور والتراث والذاكرة، التي كانت على وشك النسيان!. والمثقف التركي، في استحضاره لبصمات الأكراد، على ماضي وحاضر تركيا، وكأنَّه يتحدَّث على مضض، وبخوف، أو أنَّه هنالك مسدَّس مصوَّب إلى رأسه!. لذا، نراه، يتحدّث بما يوحي بأنَّه انفتاح، ما يلبث لأن ينزلق لتكرار كلام أردوغان _ باشبوغ، من قبيل؛ "زعيم الإرهابيين... المنظّمة الإرهابيَّة... لن نفاوضهم...الخ". يقولون: هنالك أكراد، لكن لا يوجد شعب كردي!. نحبُّ الأكراد، فُرادى، ولا نحبِّهم جماعات!. نحبُّهم بالمفرَّق، ونكرههم بالجملة!. يحقّ للكردي أن يتعلَّم لغته الأمّ، ولا يحقّ للشعب الكرديّ، أن نضمِّن حقّ أبنائه في تعلُّمهم لغتهم الأمّ في الدستور التركي!. يقولون: نعم للحوار مع الأكراد، ولا للحوار مع الكردستاني!؟. طيّب، والحال هذه، هل كانت تركيا تقاتل الأشباح طيلة 25 سنة!؟. لا يسألون أنفسهم: هل نجحت إسرائيل في فصل منظّمة التحرير الفلسطينيّة (الإرهابيَّة)، وزعمها (الإرهابي)، الراحل ياسر عرفات عن الشعب الفلسطيني، حتّى تنجح تركيا في فصل الأكراد عن العمال الكردستاني وزعيمه!؟. مع مَن تفاوضت جنوب أفريقيا؟ أليس مع (الإرهابي) و(زعيم الإرهابيين) نيلسون مانديلا؟. مع من تفاوضت إرلندا؟ أليس من (الإرهابي) و(زعيم الإرهابيين) غيري أدمس؟!

المُشكل في تركيا، ألاّ أحد يودّ رؤية نفسه في المرآة، ناهيكم عن أن الأتراك، لا يحبّون شراء المرايا. وما يزيد طين الأتراك بللاً؛ هو أنَّه لا يوجد أحد في أوروبا وأميركا، من يجازف بتصدير مرايا حديثة إلى الأتراك، عوضاً عن المرايا الأتاتوركيَّة، المحاطة بإطارات عثمانيَّة، قوميَّة، يساريَّة _ إسلاميَّة، منذ 86 سنة!

هكذا "انفتاح" تركي على الأكراد، أقلُّ ما يُقالُ فيه: إنَّه سعي لإركاع الأكراد، ودفعهم للاستسلام. وهذا ما لم ولن يحصدوه، ولا ينبغي لهم، أن يحلموا بذلك. ويبدو أنّ ساسة تركيا وعسكرها ومثقفوها، بعجرهم وبجرهم، أدمنوا رؤية بلادهم تنزف على حوافّ الهاوية!. أدمنوا وضع الرؤوس في الرمال!. يدركون ويفهمون أن أوجلان وحزبه، قد تنازل كثيراً من حقوق الأكراد، صوناً لوحدة تراب وشعوب تركيا، لكن لا يمتلكون الشجاعة بالاعتراف بذلك. يدركون ويفهمون أن أوجلان، خدم تركيا، ويريد خدمتها، مثلهم، وربما أكثر، لكن، لا يجرؤون على الاعتراف بذلك!. ينظرون ويقرأون تجربة إسرائيل، في تعاطيها مع منظمة التحرير الفلسطينيَّة، وتجربة إرلندا، وتجارب أخرى، لكنّ، لا زالوا يرددون كالببغاوات في إعلامهم: "زعيم الإرهابيين أوجلان... لن نتفاوض مع الإرهاب... لن نعفو عنهم...الخ!. يدركون ويفهمون أن تركيا ينبغي لها أن تعتذر من الأكراد، لا العكس. وأن هذا، ما يمليه التاريخ والحاضر والمصالح المشتركة عليها. يتّهمون الأكراد بالانفصال، وهم من يدفع الأكراد نحو ذلك!. يطالبون الأكراد بالثقة، تحت تهديد البنادق والتمشيطات العسكريَّة وقصف المدافع والطائرات التركيَّة، وسياسات الإنكار والتصفية!. شأن الأتراك، شأن مَن كذب على نفسه كذبة، وصدَّقها!

في نهاية المطاف، يحيلك الفعل التاريخي في تعاطي تركيا مع أكرادها للقول: إذا كان زعيم تاريخي تركي، من طينة مصطفى كمال أتاتورك، قد وعد الأكراد بالحكم الذاتي، وقال لهم: إنّ الجمهوريّة هي شراكة تركيَّة _ كرديّة، وأخلف وعوده، فمن هو أردوغان، أو غيره، حتّى يفي بالوعود؟!


والحال هذه، ومع تجاهل أردوغان وباشبوغ وفريقهم، سياسة "منتصف الطريق" في التعاطي مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان، هذا يعني أن قادة تركيا، يريدون لها أن تبقى عائمة في بحار دماء أبنائها، لربع قرن آخر!. هذا يعني أنَّ تركيا الحاليّة، تنزلق للوراء تباعاً، وما أشبهها الآن، بما كانت عليه السلطنة العثمانيَّة في خواتم أيَّامها!. يعني، أنَّهم هم، من يدفع تركيا نحو تقسيم جديد، لكونهم يدركون أنَّ بلداً تنهشه الحرب، لا مستقبل له. لكنَّهم عاجزون عن التخلّي عن أولغارشيتهم. لذا، سيبقى قطار مستقبل تركيا، خارج سكَّته، ويسير في الاتجاه المعاكس، ما دام، أردوغان وباشبوغ، موهوبون، ومحترفون في إبقاء تركيا أسيرة الماضي. فليس كلّ ما في الماضي، يستحقّ الاحترام، ناهيك عن استحقاقه للعبادة. لا يمكن في تركيا أن تنظر للمستقبل، وتسعى للمُضي نحوه، وأنت معبَّأ بالماضي!. وهل يحقُّ لنا أن نتحدّث كلاماً سلسبيلاً عن المستقبل، طالما نحن عبيد الماضي؟

كاتب وصحفي كردي
Shengo76@hotmail.com

تنويه: هذه المقالة نشرت جريدة "راديكال" التركيّة الترجمة التركية لها في يوم 10/9/2009، لكن بتصرف الجريدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نقاش هادئ
محمد تالاتي -

لقد اصاب الكاتب في اشارته الى كره الساسة والمثقفين الاتراك للمرايا الحديثة خصوصا،لانهم لا يريدون رؤية حقيقة سياستهم وثقافتهم التي يغلب عليها طابع انكار حقوق الكرد الاساسية في داخل تركيا وخارجها.وبالرغم من التطور الاقتصادي والازدهار والانفتاح الكبير على القضية الكوردية في عهد حكومة العدالية والتنمية،فقد واصل الساسيون الاتراك حكومة ومعارضة السير على النهج الاتاتوركي الانكاري لحقوق الكرد في الحرية والمساواة. مثل هذه النظرة لخصها فلم تركي كوميدي قديم حول عصابة تهريب الاشخاص الى المانيا،حيث قامت العصابة بنقل شخص بسيط،بعد ان اخذت منه كل نقوده، من بلدته الى اسطنبول وقالت له انه في المانيا،ففرح الرجل كثيرا وقال لنفسه بفخر الالمان ايضا يحكون التركية.هذا ما يقوم به الساسة الاتراك مع الكرد،دون ان يفكروا انهم لن يستطيعوا منع الكرد الى الابد من نيل حقوقهم المشروعة.ومن جهة اخرى هذا اول مقال اقرأه للاستاذ هوشنك وهو من انصار حزب العمال يتضمن هذه الموضوعية والكثير من الجرأة في حديثه عن الحزب وزعيمه عبدالله اوجلان حين يقول(ان اوجلان وحزبه قد تنازل كثيرا عن حقوق الاكراد صونا لوحدة وتراب شعوب تركيا)ولكن سكوته حول هذا التنازل ربما يدل على قبوله به.ويضيف الكاتب(ان اوجلان خدم تركيا مثلهم وربما اكثر منهم لكنهم لا يجرؤون-يقصد المسؤولين الاتراك- على الاعتراف بذلك)ويناقض الكاتب في كلامه عن الزعيم التركي مصطفى كمال ما يقوله اوجلان عنه الذي يمتدح دوما سياسته تجاه الكرد ويلقي بالمسؤولية عن تخلي مصطفى كمال عن وعده للكرد بالشراكة في الجمهورية على رفاقه وعلى القادة الكرد مثل الشيخ سعيد بيران الذي دفع ثورته الى نقض الزعيم التركي لوعده للكرد،ولا يكتفي اوجلان بهذا الدفاع عن اتاتورك بل يقوم بقلب حقائق التاريخ حين يكرر كلام الاتاتوركيين قديما وحديثا بان الانكليز ساعدوا الشيخ في ثورته في حين ان التاريخ يقول ان الطائرات الانكليزية هي التي قصفت قوات الشيخ الكردي وان الغرب ساعد مصطفى كمال على القضاء على الدولة العثمانية.ومع اعجابي بالمقال لكني لا اوافق على تشبيه سياسة تركيا الانكارية تجاه الكرد وحزب العمال وزعيمه مع سياسة اسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها الراحل ياسر عرفات،لان الديمقراطية الموجودة في اسرائيل غائبة تماما في تركيا،ولان اسرائيل تتحاور مع منظمة التحرير ومع حماس بشكل غير مباشر بشأن ج

لماذا المناورة
جان كورد -

كلنا يعلم أن حزبنا (الكوردستاني!) هذا (وهو لم يعد كوردستانيا البتة) حين تخلى عن كل مطالبه الانفصالية منذ اللحظة الأولى لاعتقال زعيمه واختطافه، ومع ذلك يدور الحديث كله عن امكان أن يؤدي ما يمنحه(!!!)الترك للكورد من أشباه حقوق هو سير في الاتجاه الانفصالي....البازار منته والعقود السرية مبرمة وكل هذا الكلام ليس الا ضجيج هدفه دفن الطموح الحقيقي للأمة الكوردية بذريعة أن حزبا ;كوردستانيا; وافق على هذه الحقوق...فلنفتح عيوننا نحن النائمون المغفلون جميعا...البازار أنهى صفقته السرية وسيظهر كل شيء للعلن قريبا

watn
sadiq -

ما هو غير مفهوم ان الدولة التركية جعلت من الاكراد اما ان يكون مع حزب اوجلان اومع الدولة ولم تسمح ابدا للافكار اخرى

تركيا سوف تزول
الكوردستاني -

تركيا اصبحت كالرجل الاعمى لا تعرف اين تتجه بفضل رجال ونساء صمموا على دفن عساكرهم في الجبال فليفعلوا ما بأستطاعتم سوف يرون مايحل بهم هؤلاء آناس لايفهمون الا بكسر اضلاعهم