أصداء

أسوأ أنواع الاستبداد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم أكن أرغب في الكتابة عن الاستبداد، فهو واضح وضوح الشمس في المجتمعات العربية والمسلمة. لكن ما يوجّه القلم نحو هذا الأمر هو الاستبداد الديني، الذي أعتبره أسوأ أنواع الاستبداد، لأسباب كثيرة، ولنتائجه المذهلة، ولفريقه الجماهيري الذي يملأ المساجد ودور العبادة!! فمن نتائج هذا الاستبداد الخارج من عباءة الإسلام السياسي، أن لديه شريحة كبيرة جدا من الجماهير المؤمنة غير المبالية بما يمارسه المستبد الديني وحاشيته من انتهاكات أخلاقية وإنسانية. لذلك تبدو أبرز نتائج الاستبداد الديني هي إفساد الأخلاق والدين. فهو يهيئ الأرضية لممارسة صنوف مختلفة من السلوكيات غير الأخلاقية من أجل تثبيت نفسه قائدا مطلقا مستمد مشروعيته من السماء. ويأتي على رأس تلك السلوكيات، الكذب، الذي يبنى عليه مختلف صور الظلم والوصاية والتمييز والإكراه وانتهاك حقوق الإنسان، ثم الاعتقال والتعذيب والقتل والتدمير، كل ذلك من أجل بقاء المستبد الفقيه أو الولي أو أمير المؤمنين على كرسيه، غير مبال للنقد الموجه إليه وإلى سلوكه ومقامه، لأن أصل وجوده ومشروعية كرسيه واستمراره في الحكم لم يأت من الأرض بل من الله. بالتالي "تبقى إذناه صماء" كما يقول المفكر الإيراني عبدالكريم سروش في رسالة بعثها مؤخرا إلى مرشد الثورة في إيران آية الله علي خامنئي.


يستند الاستبداد الديني إلى ما يسمى بـ"الثوابت الدينية". لذلك تجده يفرض رأيه مستندا إلى "ثقافة المطلق"، التي تدوس على معارضيها والمختلفين معها من "الإصلاحيين" و"الليبراليين" و"المنافقين" و"المرتدين". فخطاب الاستبداد يتضمن "مسلمات" ينبغي الإذعان لها، أو اختيار الطريق المجهول، ما يعني أن إقصاء المختلف هو الرهان لتثبيت تلك "المسلمات".


كما أن "ثقافة المطلق" تدّعي امتلاك نظام متكامل للحياة صالح لكل زمان ومكان، لذلك من السهل أن ينفذ إلى أجندتها سحق الرأي المعارض لرؤيتها، وأن تمارس الإرهاب وتشرعن قتل الأبرياء من دون أي تأنيب للضمير. هذا ما حدث ويحدث في إيران بعد الانتخابات الرئاسية.


إن "ثقافة المطلق" تدفع بالهيمنة السلطوية المتمثلة بالمستبد الديني إلى الوصاية على العقول والأبدان، وتسعى إلى أسر حرية الفكر والتعبير في سجنها الكبير، كل ذلك لكي تتحكم بما يجب أن يقال ويقرأ وينشر وما يجب على أفراد المجتمع أن يفكَّروا فيه. بالمحصلة هي تستهدف قتل الحرية، لكنها لاتستحي من أن تمشي في جنازتها. إنها تزعم وجود سلبيات للحرية، لكنها لا تشير إلى آفات ثقافة الوصاية والهيمنة والاستبداد. فإذا كانت الحرية تجلب الفساد فإن الاستبداد يجلب فسادا أكبر. لذلك من الخطورة بمكان أن تستند "ثقافة المطلق" إلى الدين، لأنه سيتم رفض أي نقد يوجه إليها، وسيكون ذلك بمثابة نقد موجّه إلى الدين. وهنا يكمن الخطر إذ ستتلطخ سمعة الدين وستتهدد مكانته الروحية في المجتمع.


كيف يعكس المستبد الديني وجود أزمة أخلاقية في المجتمع؟ إن "ثقافة المطلق" ومواقف المستبد الديني وأنصاره لا تعير أي اهتمام بحقوق الإنسان التي أصبحت العنوان الرئيسي لموضوع الأخلاق في العصر الحديث، بل تهتم بمصيرها وبقائها في السلطة ولو أدى ذلك إلى محاصرة الإنسان بالحديد والنار والسيطرة عليه بمختلف صنوف الظلم. لكن، لماذا لم يهتم المستبدون وجماهيرهم الواسعة بحقوق الإنسان؟ أعتقد أن سبب ذلك هو عدم وجود ثقافة في منظومتها الفكرية تعير اهتماما بحقوق الإنسان، بل همّها هو استمرار الدولة الدينية برئاسة الحاكم الديني المطلق والقوانين الدينية البعيدة عن الثقافة الإنسانية الحديثة.


وحول الأحداث التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية في إيران، يعتقد الكثير من المراقبين بأن مرشد الثورة يميل إلى المحافظين لأنهم يعززون الدور الفردي المطلق المستبد للفقيه في الحكم، ويقللون من دور الشعب ومسؤولياته. بالنسبة إليهم "السلطة السياسية ليست من شؤون عامة الناس، ورضا العامة ليس مصدرا للشرعية السياسية"، كما يقول الباحث السعودي توفيق السيف في كتابه "حدود الديموقراطية الدينية" (دار الساقي، الطبعة الأولى، 2008). لذلك يخشى المحافظون من مفهوم "الجمهورية" بسبب "معناه التطبيقي، أي محورية دور الشعب في تفويض السلطة والمشروعية، إضافة إلى الدور التشريعي لممثلي الشعب في البرلمان". من جانب آخر يتبنى التيار الإصلاحي فهما للدين والحكومة يتعارض جوهريا مع الفهم المطلق المستبد، لذلك تم سحقه بقوة. يقول السيف إن "النموذج الإصلاحي قام في وسط اجتماعي أقرب إلى مفاهيم الحداثة وتمثلاتها في المعيشة والسياسة، ولهذا فقد نحا خطابه نحو نموذج الديموقراطية والليبرالية". ويؤكد بأن "نموذج السلطة الذي يعرضه الإصلاحيون ينطوي على تباين كبير مع النموذج الثوري (المحافظ) في أرضيته الفلسفية، وفي المفاهيم التأسيسية للنظام السياسي والاجتماعي الذي يستهدفه".


في مقتطف من رسالته التي تتحدث عن الاستبداد الديني، والتي وجهها مؤخرا إلى خامنئي حول أحداث القمع التي تلت الانتخابات الرئاسية، يقول سروش: "أنا سعيد لأن صرخات الذين استيقظوا باكراً، وصلت أخيراً إلى السماء وأشعلت نار الانتقام الإلهي. أنت مستعد للتضحية لصيانة كرامتك. أنت تقبل بأن يبتعد الناس عن الدين وعن التقوى شرط ألا يبتعدوا عن ولايتك وزعامتك. أن ينهار الدين، والتقاليد، والحقيقة، لكي يظل ثوب ديكتاتوريتك نقياً. لكن مشيئة الله لم تسمح بذلك. والقلوب المحطّمة والشفاه المكمّمة والدم المسفوح والأيدي المبتورة والتنانير الممزقة لم ترغب بذلك ولم تسمح به. الأتقياء والحكماء والأنبياء لم يكونوا يريدون ما تريده أنت. والمحرومون والمسحوقون والمضطهدون لم يسمحوا به. إنهيار وتآكل الخوف وشرعية حكم الفقيه كان أعظم إنجازٍ لانتفاضة الشرف على السلب، وقد أيقط أسد الشجاعة والقوة النائم. لقد آذن وقت حصادِ مزرعة الحركة الخضراء. لقد تضرّعنا لله لكي يحدث ذلك، والله معنا. ليس لانقلاب الموائد من دليلٍ أحلى وأرقّ من تحوّل جميع احتفالاتك إلى جنازات. إن ما كان يثير ضحكك في الماضي بات الآن يدفعك للبكاء والارتعاش. إن الجامعة التي كُنتَ ترجو أن تضفي عليك المدائح باتت كابوسك. مظاهرات الاحتجاج في الشوارع، والتجمّعات الدينية، ورمضان، ومحرّم، وطقوس الحج والعزاء، باتت جيمعاً رموزاً لطالعك السيئ وهي تعمل كلها ضدك. نحن جيل محظوظ. سوف نحتفل بانهيار الديكتاتورية الدينية. وفي أفقنا الأخضر يلوح مجتمع أخلاقي وحكومة غير دينية".
لننتظر ما تخبئه الأيام حول مستقبل الاستبداد الديني في إيران...

كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كما تقولون بالكويتي
سعيد -

بل اسوء انواع الاستبداد هو الاستبداد العلماني على الاقل الاستبداد الديني يعطينا الفرصة لاداء فروضنا الدينية والحياة وفق ما نعتقد اما الاستبداد العلماني فيصادر حقنا في مزاولة ما نعتقد يصادر الدين يشنق العلماء والخطباء ومحفظي القرآن الكريم والمحدثين ويغلق المساجد ويحولها الى بارات وزرائب لا يا عم الاستبداد الديني ارحم وايد كما تقولون بالكويتي ؟!

تـأيـيـد و رأي
أحـمـد بـسـمـار -

اؤيدك فيما كتبت يا سيدي الكريم, حرفا بحرف, حتى آخر فاصلة. وكم أتمنى زيادة عدد الكتاب من الأنتليجنسيا العربية أو الإسلامية الذين يجرؤون على تفجير هذه الحقائق الصارخة مثلك. لا ازيد ولا كلمة أخرى لأن مقالك واضح كامل تام.أما ردي للمعلق سعيد, تبارك لك قبولك وقناعتك. ابق كما أنت ـ مع الأسف ـ لأنك تمثل الملايين من المخدرين بحالتهم المسكينة التعيسة من آلاف السنين.أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة.

أرضى بالاستبداد
ناصر السنة -

نعم أقولها بأعلى صوتي أرضى بالاستبداد إن كان مصدر هذا الاستبداد الذي سيقودوني الى صلاح الدنيا والآخره تعاليم القرآن العظيم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولى المدعو بسمار أنت من خدرك الغرب بأفكاره التي ستقودك لخراب دنيتك وآخرتك أجبني لكم 100 عام وأنتم تحكمون بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة هل استطاعت الأمة أن تنهض أو تتقدم؟! أنتم ودسائسكم سبب تأخرنا يامن أبتغيتم العزة بغير دين الله فأذلكم الله وصرتم أذنابا للغرب.أرجو النشر لحق الرد وشكرا ايلاف

عـودة إلى الـمـوضـوع
أحـمـد بـسـمـار -

استغرب أشد الاستغراب أن مقالا بهذه الجرأة وهذا الوضوح وهذه الأهمية الفكرية والسياسية.. وحتى الدينية, لم يثر أي اهتمام من قراء هذا الموقع المعتادين وغيرهم, حتى هذه الساعة... كأنما المسلسلات التلفزيونية اليومية السطحية في هذا الوقت هو شغلهم الشاغل. وكأنما من يفكرون, يوجهون تفكيرهم بالاتجاه الآخر, حيث البحث عن لقمة العيش اليومية, أو تثبيت الكرسي أو المنصب والوظيفة, والبعد عما يسمى دارجا ;وجع الرأس; !!! أفهم كل هذا. ولكنني لست براض عن هذا البعد عن شجاعة المساهمة ودعم الحقيقة ونصرتها. وما صمتنا الدائم وخنوعنا ورضانا بأحوالنا وجهالتنا وجهلنا المأساتي سوى استمرار لأسباب الطغيان الغيبي والسياسي والاجتماعي والمعيشي, وخاصة استمرار الجهالة والجهل الذين يسيطران على شعوبنا منذ قرون طويلة, حتى يومنا هذا. يا للأسف والحزن والخجل!!!...أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة

ليس غريبا
فرات -

ليس غريبا ياسعيد على امثالك تزييف الحقائق وتحويل الحق الى باطل والعكس كذلك وكله باسم الدين اتحداك ان تعطي دليل واحد على افترائك بالعلمانيه وتعطينا دوله علمانيه انتهكت الدين كما وصفت من تفوهات وشعارات زائفه

الاستبداد من أي مصدر
بكر أبوبكر -

الاستبداد الديني مرفوض كما الاستبداد العلماني مرفوض كماانه من أي نوع جاء مرفوض فالاستبداد والجبروت والسلطة المطلقة مرفوضة تحت أي مسمى ولا يجوز أن نؤجر عقولنا لمن يغسلها تحت ادعاء النيابة عن الله او تحت ادعاء ان الحرية باللادين

نداء عاجل
ابو هيثم -

اؤيدك سيدي الكاتب وكل من معك بان الافيون الديني صار سلاحا بيد المعممين واصحاب اللحى والمسابح الطويلة ... من كل الملل والاطياف والالوان ومقالك الرائع هذا شّخص الخلل وان لم يقترح حلول ولكن كتاب الله العزيز الجليل واضح وصريح((لااكراه في الدين)) وهذا هو الدين ومتلخصات العبادات المترتبة على الالتزام الديني( والتي سيحاسبنا العلي القدير عنها يوم يبعثون) فما بالكم باجتهادات في امور ومقاليد القيادة والادارة القائمة على اجتهادات فردية وجماعية لايضر الاختلاف فيها ان لم يكن القصد الافساد في الدنيا.........اخواني انا سارسل هذا المقال الى اكثر من جهة واوزعه على من اعرف وارجو من الاخوة فعل ذلك ايضاً لتعم الفائدة على الجميع والسلام عليكم