إقتفاءً لأثر جبران: على الهامش
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعية الخيرية الصينية
لي وقفة على هامش رحلتي التي كنت أتتبع من خلالها أثر جبران في الولايات المتحدة. فكما رحبت أمريكا بجبران خليل جبران حينها عندما أتى طفلا عربيا، ترحب هي اليوم بغيره من الأطفال والرجال والنساء من جميع العرقيات والجنسيات ومن ضمنهم السيد/ "جيلبرت هو" الذي أتى إلى أمريكا فتىً يافعا ليصبح رئيس الجمعية الخيرية الصينية التي ورثت المبنى الذي كان حتى عام 1976 مدرسة كوينزي الابتدائية للبنين والتي كانت يوما المدرسة الإبتدائية لجبران.
وكما ذكرت في الجزء السابق، كان " جيلبرت" كريما في ترحيبه بي وفي تخصيص جزء كبير من وقته كي يشرح دوره وفلسفته كراعي للمبنى مؤكدا على حرصه البالغ للإبقاء على كل الآثار التاريخية للمبنى من طوب وخشب وحجر والتي تفترش الممرات والغرف للمبنى الذي احتضن طلبة العلم على مدى قرن ونصف من الزمان. لقد دهشت بمقدار العناية التي أولاها للحفاظ على هذا الإرث، وما كنت لألومه لو قام في معرض تجديد وصيانة المبنى بالتخلص من ألواح الكتابة السوداء (ألواح الطبشور/ الطباشير) وما كنت لأستغرب لو أنه استبدل الألواح الخشبية للجدران والأروقة بألواح جديدة.
يعتقد السيد " جيلبرت" أن مهمته تتمحور حول مساعدة الأجيال القادمة لبني جلدته على الإبقاء على ثقافتهم الصينية. فهو كصيني أمريكي يدرك أن هذه الهوية وهذا المخزون المعرفي والثقافي هو نعمة له ولكنها في نفس الوقت مسؤولية تثقل كاهله. أكد لي أن الفرد الأمريكي بغض النظر عن عرقيته لا يُفْتَرض أن ينسى أو أن يتناسى تاريخه المرتبط بثقافة أجداده وإنما أن يحافظ على كل ما يثري حياته في وطنه الأمريكي وأن يشارك بقية المجتمع بما يملكه من آراء ومعارف جديدة أو مختلفة.
ذكرني " جيلبرت" بأن حي ساوث إند South End لم يكن دائما رديفا لـ "تشاينا تاون" ldquo;China Townrdquo; بل كان رديفا للتنوع العرقي للمهاجرين الذين قدموا من أقصاع متفرقة للعالم سواء كان من أوروبا أو الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى. فكانت مدرسة كوينزي الإبتدائية التي شيدت في عام 1847 تحتضن الطلبة من جميع تلك العرقيات؛ فكما احتضنت جبران في نهاية القرن التاسع عشر احتضنت المدرسة ذاتها وفي نفس المبنى - 90 شارع تايلور في بوسطن - زوجة "جيلبيرت" الصينية الأصل في ستينيات القرن الماضي.
لم تحيد مهمة المبنى عنما أنشِئَت من أجله، فمازال هذا البنيان معبرا لتوسيع آفاق الطلبة ولكن المفارقة أنه كان يودع في عقول طلبته العلوم والثقافة "الأمريكية" وأصبح اليوم يضخ في العقول الأمريكية فيضا من الثقافة الصينية. فكل حجرة (أو فصل) يجري منها علم من العلوم لتصب جميعا في نهر الثقافة الصينية-الأمريكية والتي تصبح فيما بعد - بشكل من الأشكال - جزءا من الثقافة الأمريكية الأعم. فهناك اللغة والموسيقى والطبخ وفنون القتال الصينية التقليدية، فلا تكاد تخلو مدنية متوسطة أو كبرى من مراكز تدريب لفنون القتال الصينية، كما يبقى الأكل الصيني خيارا أساسيا على قائمة خيارات الأكل خارج المنزل.
تلك قصة أمريكا؛ احتضنت جبران فعاد بالفائدة على أمريكا وعلى العالم العربي واحتضنت "جيلبرت" الذي يبقي على الثقافة الصينية في الضمير الأمريكي ونبقى مدينين للاثنين ولمنظومة كبيرة على ما قدموه ويقدموه لهذا المجتمع.
(الجزء الثالث في الأسبوع القادم؛ جبران: الموهبة الغضة)
وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
digitaloutreach@state.gov
http://www.america.gov/ar
http://walidjawad.maktoobblog.com