ولمَّا اشوف حد يحبك، يحلالى اجيب سيرتك وياه!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تلاقينا قبل بضعة أيام. زيارة مقتضبة جمعتنا، وكما هى عادتنا دائما إنطلقنا حول فناجين القهوة الغامقة نتبادل الأفكار والآراء، نختلف غالبًا فى أطروحاتنا ومنهجنا، ولكننا نجتمع دائمًا على حب "مصر". والإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، كما هو شائع. ولكننى أقول هنا أن الإختلاف فى الرأى هو أساس النقاش وجماله، والمركز الذى تدور من حوله الأفكار بين شخصين، فتطرح على أرض الواقع الآراء المختلفة، كالأزهار المختلفة الألوان المتناثرة فى حديقة غناء، تضفى بتنوعها جمالا يفوق الجمال الذى كانت ستبدو عليه لو كانت كلها من نوع واحد وبنفس اللون. هذا طبعًا بشرط أن نعرف جيدًا كيف نختلف، وليس كما يختلف المتناحرون على برامج الفضائيات العربية الشهيرة، الذين يتوقفون فقط عند حد الإيذاء البدنى عند أول بادرة للإختلاف فيما بينهم.
وهكذا تجمعنا حول الحديث عن أحوال مصرنا، فطرح هو "فكرة" فى أن الظاهرة الأغلب على واقع المصريين اليوم هى "ظاهرة التدين". وتساءل هو هل المصريون فعلا شعب متدين، على الأقل كما يبدو للمتطلع على الاحصائيات المنشورة أخيرًا التى تؤكد ذلك؟ وعقب على فرق الساجدين واللاعب الخلوق وحجاب الفنانات وتأسلم الكتاب والمفكرين. ثم أعقب تساؤله هذا بسؤال ثان، وهو تأثير الثقافة الإسلامية الوهابية التى جلبها المصريون الذين نزحوا للعمل بدول الخليج فى الثمانينيات، ثم عادوا مشبعين بتلك الثقافة المتشددة عمومًا، ومحملين بريالات ودنانير البترول إلى مصر. وغلبت تلك الفكرة على حوارنا لفترة. وبالرغم من اتفاقنا على أهمية ذلك التأثير الوهابى إلا أننى بقيت متحيرا فى كيفية أن تنجح هذه "الحفنة" الضئيلة عددًا نسبيًا طبعًا على التأثير على المجتمع المصرى بل والعربى ككل خلال تلك الفترة القليلة بالقياس بعمر الشعوب.
وهنا تذكرت رواية "ثلج" لأورهان باموك، الروائى التركى صاحب النوبل، حينما كتب عن أصولى سماه "أزرق" وكان يقود حركة سرية تعد لثورة إجتماعية سياسية على أساس دينى إسلامى قابله بطل الرواية "كا" الشاعر الذى يعود من منفاه بألمانيا إلى مدينة "كارز" الصغيرة بتركيا ليتحرى عن سلسلة حوادث انتحار فتيات بالمدينة، فيتبين له أنهن كن ينتحرن اعتراضًا على منعهن من ارتداء الحجاب إلى المدارس. ونتبين فيما بعد بأن "أزرق" هذا ما هو إلا شخص فاسد مختف خلف تدينه وتزمته هذا، ولكنه فى الواقع على علاقة جنسية غير مشروعة بحبيبة البطل، وأختها فى وقت واحد، تلك الفتاة المحجبة التى كانت تقود الحملة المتشبثة بالحجاب حتى الموت. ولكن استوقفنى كما قلت لصديقى ذلك الحوار الذى دار بين "أزرق" وبين "كا" الذى كان يحاول خلاله أن يضمه لصفه، والذى قال له فيه أنه تعلم مبادئ تدينه وأسس الحركة التى كان يقودها عن طريق كتابات "سيد قطب" الإسلامى المصرى. نعم، ذكره بالإسم على لسان الزعيم الأصولى فى تركيا.
وتساءلت ماذا يعنى أن تلك الكتابات التى نشرها "قطب" بالعربية فى النصف الأول من القرن العشرين، قد ترجمت من العربية إلى التركية ليقرأها الشاب التركى المتخيل بالطبع فى رواية "باموك" وإن كان يمثل واقعًا كتب عنه المؤلف وتعمد أن يذكره بالإسم فوق صفحات روايته. وطرحنا سويًا سؤالا وهو إلى كم لغة تمت ترجمة تلك الكتابات ومن قام بتوزيع كل تلك الكتب، ومن الذى اضطلع بتحمل تكاليف كل هذا؟
إذن فنشر أفكار إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب لم يتم نقله إلى مصر وباكستان وتركيا وأفغانستان وأندونيسيا و.. إلخ لم يقم به مجرد بضعة آلاف من العاملين كانوا قد ذهبوا إلى الخليج وعادوا. الحكاية إذن أكبر من هذا.
وهنا قلت أن الشعب المصرى كله قد أصابته لوثة التدين الظاهرى تلك، ولا يقتصر هذا على المسلمين وحدهم، بل وشملت المسيحيين أيضًا، فى حين انتشرت ظاهرة قد تكون أشد خطورة وهى انعدام الأخلاق والفساد المستشرى عبر كل طبقات المجتمع. بل والعجيب أن ذلك التناقض الظاهرى بين المظهر العام وبين تصرفات الأفراد لم يعد يؤرق أحدًا بعد. وتطرق الحديث إلى ذبح الخنازير بدون سبب علمى وبالرغم من اعتراض وزير الصحة على جدوى ذلك فى الحد من انتشار المرض، إلى حد إطلاق نكتة "خلاص قضينا على الخنازير، ومش فاضل غير إننا نقضي بقى على الأنفلونزا". فساد فكرى يلبس رداء التدين الزائف، فالإسلام لا يدعو أبدًا للإيذاء الحيوان وقتله، بل وإلقاء قطعان الخنازير فى (الجير الحىّ) لتعذر ذبح كل تلك الأعداد خلال فترة وجيزة، ناهيك عن قطع أرزاق الذين كانوا يتكسبون من تربية الخنازير، والتهام تلك الخنازير لأطنان القمامة، التى طفرت تتراكم يومًأ بعد يوم وتساعد على النتشار القذارة وتغذية الذباب ويساهم تراكمها فى انتشار الأمراض (بحق وحقيق) هذه المرة!
قال أن الأمر لا ينحصر فى المتأسلمين، فماذا عن تصريحات الكنيسة عن تأييدها للتوريث وعن ترحيبها بأن يتولى جمال الحكم بعد أبيه. قلت أن الكنيسة تقول ذلك فيما أعتقد تحسبًا للبديل المفترض من وصول "الإخوان" للحكم. قال أن قيادات الكنيسة من المفروض ألا تتعاطى السياسة وإلا فلماذا لا نرحب بإسلاميين سياسيين؟ قلت "نرحب؟" وماذا عن الـ 88 أعضاء مجلس الشعب عن "الجماعة المحظورة"؟؟ وزدته بسؤالى عن معنى أن يكون هناك عضو مجلس شعب عن "الجماعة المحظورة" ونقيب الأطباء أو المحاميين من "الجماعة المحظورة" أو حفل إفطار تقيمه "الجماعة المحظورة" وتدعو إليه كبار مثقفى البلد وساستها؟ ما هو معنى "الجماعة المحظورة" بالظبط؟ وما أبعاد "حظرها المزعوم"؟ وما معنى ما ينشر من اضطلاع قادتها بعمليات غسيل الأموال الخارجية؟ وردهم بأن مصادر تمويلهم داخلية مائة بالمائة؟.
قال لى بأنه بات موقنًا من أن ذلك التدين الظاهرى ما هو إلا محاولة يقوم بها كل مواطن على حدة للتكفير العام عن كل الذنوب التى يقترفها كل منهم فى حق نفسه وحق جاره وحق بلده. وهكذا عند كل صباح، يخرج المواطنون من منازلهم فيرتكبوا معاصيهم، التى صارت اللون الغالب على تصرفاتهم اليومية، ويجدوا أنه ليس بوسعهم سوى أن يتمحكوا فى مظاهر التدين، لعلهم يحصلون خلالها على الغفران الذى يتيح لهم أن يستمروا فى العيش فى تلك الحياة الفاسدة، بدون أن يلجأوا مثلا إلى حالة من الإنتحار الجماعى بسبب يأسهم من ممارسة حالة حياتية "سوية" ليست مثقلة بذلك الكم من الخطايا!
قلت "فالتدين الزائف هو الحل إذن"، فقال "لا.. الديموقراطية هي الحل". قلت "الديموقراطية هى التى أتت بحماس إلى الحكم"، فقال"وهى التى أتت بأوباما أيضا". قلت "ولكن الديموقراطية تحتاج إلى بطون ممتلئة لتطبقها"، وقال "أوافقك". قلت "أخيرا نتفق على شىء! ولكن ينبغى أن أضيف أنه لا معنى للديموقراطية إلا فى ظل سيادة القانون، فالديموقراطية والظلم لايتفقان، فلو جاءت (حماس) إلى حكم (مصر) فى غيبة القانون فستقضى على (فتح)"، فقال "أوافقك من جديد، ولكن ذلك يا عزيزى لا يعنى أن يتوارث الحكم الإبن عن أبيه لمجرد الخوف من الإسلاميين". قلت "سمعت النكتة التى تقول أن الطبيب إتصل بالزوجة فى المنزل قائلا بأن نتائج تحاليل زوجها قد اختلطت مع تحاليل مريض آخر لتشابه الأسماء فيما بينهم. وذلك يعنى بأن زوجها إما يعانى من (ألزهايمر) أو (مصاب بفيروس الإيدز) فصرخت الزوجة منفعلة وماذا أفعل الآن لأعرف الحقيقة؟ فرد عليها الطبيب ببرود، عليك أن تصحبى زوجك إلى (وسط البلد) وتتركيه هناك بمفرده، فإذا عرف كيف يعود إلى البيت بمفرده، فلا تعاشريه!!".. فضحك صديقى.. وماتزال الحوارات بيننا ممتدة.
التعليقات
الدين
ابو الرجالة -الدين الحقيقي هو رحمة وحب للاخر مقالتك رائعة ولكنها جرس انذار للمتدينين جميعا فلو استمر الغلو والتظاهر في الدين دون روح الدين التي هي حب ورحمة وعطف وعظمة الايمان فان الالحاد في الطريق امر لا محالة
نحتاج ريتشارد داوكنز
نيوترال -الأصولي العنيد لن يفيد معه الحوار بأسلوب فرج فودة و سيد القمني ولا حتى جمال قطب ، ما نحتاجه فعلا هو صوت الملحد إللي مقطع بطاقته ومش فارقة معاه أي حاجة ، عندها الأصولي سوف يكش ويتلم ويخفض من سقف إدعاءاته ومطالبه بل سوف يعتبر فريق المتشككين والمنافقين رحمة مقارنة بالحارة السد التي دخلها مع الملحد وهنا تبدأ عملية تليين دماغ الأصولي ويشرب اللبن ويسمع كلام ماما وبابا ويغسل سنانه ورجليه قبل ما ينام خوفا من ان الملحد يظهر له فى المنام فيفتنه عن دينه أو البقية المتبقية منه لديه . هذا الطيف موجود بالكامل فى المجتمعات الغربية ويعمل بشكل ممتاز لكن بالنسبة لمصر والعالم العربي فهم يفتقروا تماما إلى الملحد إللي مقطع بطاقته كريتشارد داوكنز ولذلك تجد الأصوليين بيبمبكوا مع أمثال جمال البنا وسيد القمني لأنهم لم يجدوا داوكنز يلمهم ويعلمهم الأدب . هناك نقطة أخرى مهمة و هي أن مهزلة جدل الأديان تبدو وقد أوشكت على الإنتهاء وكل فريق جاب اخره ولم يعد هناك جديد يقال والأهم من ذلك أن الفريقين مثخنان بالجراح والطعنات والكثير من المتفرجين تم بالفعل زلزلة إيمانهم وإعتقادهم والمسرح أصبح معد و مهيأ لإستقبال النسخة العربية من داوكنز و التي ستبتلع الذين صدعوا رؤوسنا بخرافاتهم .