الإعلام والتحريض على العنف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رغم أن التلفزيون العراقي هو الأول في منطقة الشرق الأوسط تملكه الحكومة، إلا أن الإذاعة المصرية كانت الأوسع انتشارا وريادة في مجال الإعلام وتأثيراته الاجتماعية والسايكولوجية والسياسية على عموم المستمعين والأهالي في معظم دول المحيط العربي وعلى اتجاهات الرأي العام ومزاج الجمهور الواسع ابتداءا من بث حفلات أغاني أم كلثوم ولوعاتها كل آخر خميس من كل شهر وانتهاءا ببرامجها الحماسية والمثيرة التي كانت تنقل خطابات الرئيس عبدالناصر ثم يعقبها نمط من التعليقات الأكثر حماسية والتي برزت بأسلوبها التهييجي والمبالغ به في حرب حزيران عام 1967م وبالذات في تعليقات طيب الذكر الإعلامي احمد سعيد وانتشار شعار رمي إسرائيل في البحر الذي اعتبره كثير من المراقبين واحدا من أهم أسباب انتصار وقبول إسرائيل عالميا وإعلاميا.
وفي العراق الذي كان لفترة ليست قصيرة، مستقبل ومتفاعل جيد مع وسائل الإعلام المصرية آنفة الذكر إلا إن بداية ظهور مدرسة إعلامية محرضة ومرعبة كان بعد قيام الجمهورية وانقلاب 8 شباط تحديدا ومن ثم تعاطي الإعلام العراقي الموجه مع مفردات الحرب وما قبلها في بث مجموعة من البرامج والمشاهد المثيرة، وربما لن ننسى تلك المشاهد البشعة للإعدامات في الميادين والساحات وإبقاء جثث المعدومين معلقة على أعمدة المشانق أو الكهرباء لساعات وأيام، سواء مباشرة أو من خلال شاشات التلفزة التي نقلت تلك المشاهد منذ أحداث الموصل وكركوك وما حصل في أعوام 63 وما بعدها في 68 وأكملت دورتها الإعلامية على صفحات الجرائد التي نشرت تلك الصور للمعدومين المعلقين على أعمدة المشانق.
لقد كان برنامج ( صور من المعركة ) واحدا من اخطر تلك البرامج التي كانت تبث يوميا بعد نشرات الأخبار الرئيسة في محطات التلفزة العراقية ابان الحرب مع ايران ولسنوات طويلة وربما كان هناك مثله على الجانب الإيراني، وما كان يعرض فيه من مشاهد بشعة عن الحرب وضحاياها وأشلاء الجنود وعمليات الدفن الجماعي للضحايا في حفر كبيرة وما إلى ذلك من صور حية من ساحة المعركة بما فيها مشاهد القتل والتدمير التي ترافقها دوما موسيقى صاخبة ومارشات عسكرية وتعليقات حماسية غرائزية تثير نزعة الانتقام وتكرس الكراهية والعنف وتديم تشنجات الحرب وتعقيداتها لتبرر بذلك كل المآسي والويلات.
لقد اعتمدت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الأنظمة السياسية الدكتاتورية أسلوب الترهيب والرعب لتخويف الأهالي وغرس تلك الصور في أذهانهم إن هم عارضوا أو وقفوا بالضد من حكمهم ولسنوات طويلة استخدموا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لتصوير وتوثيق عمليات الإعدام الجماعي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وما كان يرافقها من عمليات بتر الأيادي أو الأكف أو قطع الألسن والأذان ووشم الجبين، كأسلوب دعائي وإعلامي لخدمة النظام وإدامة الحرب من خلال إشاعة الرعب والإرهاب لدى الأهالي سواء من كان منهم مدنيا أو عسكريا، حيث يتم عرض تلك الأفلام المصورة عن الإعدامات الجماعية للهاربين والمتخلفين والمعارضين السياسيين وبحضور ذويهم وأمام جمهرة من المسؤولين الحزبيين والعسكريين في إشاعة الخنوع والاستكانة وزرع الخوف والرعب وما يترتب على ذلك من سلوكيات منحرفة ومرضية ظهرت تباعا منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا في ما يجري من دوامة العنف والإرهاب والنهب والسلب وما سمي بالحواسم من عمليات السرقة المنظمة للدولة من قبل النظام السابق ومنتسبيه.
ولقد بدا واضحا تأثير تلك البرامج وذلك الإعلام الموجه في كثير من الممارسات التي رافقت الحرب سواء في إقليم كوردستان أو في الاهوار أو ما حصل في بعض المدن والبلدات التي تعرض فيها الرئيس أو أي مسؤول رفيع لمحاولة اغتيال وكيف كانت تتعامل القوى الرسمية الحكومية مسلحة أو غير مسلحة مع المدنيين أو حتى مع الأسرى والمسجونين والجرحى بإرهاب وقساوة لا نظير لها بما يؤكد مديات ذلك التأثير البالغ لوسائل الإعلام والبرامج الموجهة إذاعيا أو تلفزيونيا، بما يؤثر قيميا على المستمع والمشاهد حتى يكفي تصريح رسمي لمسؤول ما باتهام سكان أي قرية أو بلدة بالتعامل مع المخربين أي المعارضين كونهم كفارا وخارجين عن الملة لإبادة تلك القرية وقتل كل أفرادها واستباحة أموالهم وممتلكاتهم كما كان يحصل في مداهمة القرى والمدن أبان سبعينات وثمانينات القرن الماضي في كوردستان العراق وتسعيناته في الوسط والجنوب في أسوء عمليات إبادة السكان فيما أطلق عليه بالأنفال وصفحة الغدر والخيانة التي راح ضحيتهما مئات من الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والتي سبقتها حملة إعلامية مكثفة ضد سكان تلك القرى والاهوار بما يمنح منفذي تلك العمليات مسوغات نفسية وانفعالية وشرعية للإفراط في تنفيذ أوامر النظام دونما اعتراض أو تفكير.
إن للإعلام دورا مهما في التأثير على مجريات الأحداث وأنماط السلوك واتجاهات الرأي العام سلبا وإيجابا على خلفية ما ذكرناه آنفا، فكما باستطاعته إشاعة الأمن والسلم الاجتماعي والاستقرار النفسي والتآلف الاجتماعي، فانه أيضا وسيلة خطيرة في إشاعة الخوف والقلق ومن ثم التحريض على العنف واستساغة أكثر الصور بشاعة في القتل، كما يحصل في العديد من القنوات التلفزيونية وهي تعرض بدراية أو بغيرها صورا دموية عن ضحايا الحروب أو الانفجارات وعمليات الإرهاب المنظم وصور الذبح والإعدام وما يصاحبها من أفعال وردودها لدى الضحايا والجلادين بما يخلق جوا من القبول أو عدم الامتعاض التدريجي لتلك الأحداث ومن ثم إدامة دوامة العنف والتحريض عليه.
لقد تم الاتفاق والتوقيع في مناسبات كثيرة على وثائق واتفاقيات تحت مختلف التسميات تحضر استخدام الإعلام وأجهزته لإشاعة ما يحرض على العنف والكراهية أو الانتقام، إلا إننا ما زلنا نحتاج إلى آليات وعهود عملية وتنفيذية في منع وصناعة برامج عنفية أو تحريضية لأي شكل من أشكال العنف والإرهاب وصوره على الشاشة بما في ذلك صور أشلاء الضحايا والدماء وعمليات القتل أو التعذيب التي يتم بثها في العديد من القنوات المحلية أو الفضائية، بما ينتج ما ذهبنا إليه من قبول أو استساغة تدريجية لتلك الصور من شرائح الأطفال والشباب وما ينتج لاحقا من تطبيقات عملية لتلك المشاهد والصور كأحداث تحت أي من المسميات السياسية أو الدينية مثل ما ظهر من مشاهد تدريبية لأطفال ومراهقين انتحاريين على تلك الخلفية.
التعليقات
ايران وحماس
عبد الفتاح - غزة -ما تصفه من ارهاب يمارس حتى هذه اللحظة في منطقة الاحواز العربية المحتلة ايرانيا. ايران تعقد حفلات اعدام جماعية من حين لآخر في صفوف شباب الاحواز العرب. وكذلك حماس فعلت ذلك بعد انقلابها قبل عامين حيث اعدمت وسحلت والقت فتحاويين من اسطح الابنية وقامت بتصوير ذلك وكذلك اضطهاد المساجين وتعذيبهم. نحن هنا نتكلم عن مسلمين ايرانيين وحمساويين فلسطينين وهم اشد خطر من اسرائيل.
حكم الشاشة
نواف -لقد حكمتنا شاشة التلفزيون لاكثر من ثلاثين عاما من حكم حزب البعث وصدام حسين واليوم تحكمنا بقايا ذلك النظام وفلول القاعدة من خلال مجموعة شاشات فضائية هنا وهناك.ان الاعلام العربي ما يزال اسير تلك العقلية البدوية التي تعتمد السيف والحصان والمبارزة وقطع الرؤوس.