تونس بين الغنوشيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
للقدر مواقف عجيبة يصعب تصديقها أحيانا، ومن هذه المواقف أن الزعيم الحبيب بورقيبة أقال سنة 1987 الوزير الأول الحالي محمد الغنوشي بعد ثلاثة أيام من تعيينه، وكانت حجته لدى وزيره الأول آنذاك "كيف يقبل بوزير يحمل الإسم العائلي نفسه لعدوه اللدود "راشد الغنوشي" الذي كان يريد على ما صرح في حينها قطع رأسه"، على الرغم من أن الرجلين لا ينحدران من منطقة واحدة، فالوزير قادم من منطقة الحكم "الساحل" وتحديدا من مدينة سوسة، أما الثاني فقادم من منطقة الثورة الجنوب، وتحديدا من بلدة "الحامة" من محافظة قابس.
و تستمر حكاية الرجلين بعد ما يناهز الربع قرن من ذلك التاريخ، حيث يشرف الوزير الأول محمد الغنوشي على قيادة حكومة الوحدة الوطنية، أو الحكومة المؤقتة التي وجدت قبولا شعبيا على مضض، وسيكون آداؤها خلال الأشهر القليلة القادمة المحدد الأساسي لنجاح الثورة التونسية في إقامة نظام ديمقراطي، فيما يقود راشد الغنوشي أهم الحركات الإسلامية وواحدا من أقوى الأحزاب السياسية التونسية، وسيكون لمواقفه القيادية وسلوك وتصرفات مريديه وأتباعه أبلغ الأثر، إيجابا أو سلبا، في إدراك تجربة الانتقال الديمقراطي لمراميها.
و قد التقى الرجلان، أي الوزير الأول محمد الغنوشي والزعيم الإسلامي راشد الغنوشي، في الإعلان عن رغبتهما في مغادرة الحياة السياسية بعد انتهاء الفترة الانتقالية، التي يفترض أن تدوم أشهرا، فالأول يرغب في أن يغادر السياسة من الباب الكبير بعد أن أوخذ عليه عمله لفائدة حكم الرئيس بن علي الشمولي طيلة ما يزيد عن العقدين، وتتويج مسيرته الحافلة بالعطاء للدولة التونسية بالمساهمة في نقل البلاد إلى الديمقراطية، بينما يرغب الثاني فيما يبدو في عدم تضييع ما يراه ربع قرن من الصمود في وجه الطغيان، وتفادي السقوط في معارك التفاصيل والصراعات الحزبية والسياسية التي يقدر أن تشهدها تونس خلال الفترة القليلة القادمة.
و بالقدر الذي يحظى به الرجلان من تقدير لدى عدد كبير من التونسيين، الأول لنظافة يده ووطنيته وعمله ما أمكنه على صون عمق الدولة التونسية أيام الحكم الشمولي، والثاني لمواقفه السياسية الثابتة في مواجهة الطغيان والشمولية، فإن الغنوشيين يعتبران أيضا وكما يرى ذلك كثيرون، من أهم عناوين السياسة التونسية المتأزمة خلال العقود الأربعة الماضية، وأن تجديد الحياة السياسية كما تقتضي آمال الديمقراطيين، مرتبط إلى حد كبير بإفساح الرجلين المجال أمام وجوه وعناوين شابة وجديدة.
و مثلما يمثل محمد الغنوشي بالنسبة لعدد من التونسيين شبح التفاف الجهاز الإداري والحزبي القديم على الثورة التونسية ومساعدة من أسماهم السياسي التونسي منصف المرزوقي بعناصر الردة، فإن راشد الغنوشي يمثل لعدد آخر من التونسيين شبح الدولة الدينية وعنف الأصولية ومشاريع الانقضاض على مكتسبات الحداثة وحقوق المرأة واستغلال أجواء الحرية والديمقراطية لتحقيق أهداف رجعية وديكتاتورية.
قدر تونس بين الغنوشيين إذن..فهل يدرك الرجلان جلل القدر..وهل يسيران معا صوب الحمد والرشد..فتنفتح أمام تونس أبواب الحكمة؟
* كاتب تونسي