الثورة، أعلى اشكال الابداع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كما يبدو فإن الثورة العربية يجب أن تتوقف في مكان ما حسب حسابات الغرب و الولايات المتحدة حيث ان تداعي احجار الدومينو قد يطيح بأحجار ثمينة في سلسلة المصالح العالمية و الغربية لا يمكن السماح بسقوطها. تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون بأن ليبيا قد تنتقل نحو الديمقراطية او نحو حرب اهلية و التصريحات المختلفة للقادة العسكريين حول امكانية اقامة منطقة حضر طيران، هذه التصريحات التي تتأرجح بين هذا و ذاك، تذكرنا بأجواء التصريحات الامريكية في اعقاب هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت و انتفاض الشعب العراقي ضد الحكم.
فهل ستعيد الدورة الشريرة كرتها فيعاد تنصيب حكام انتهت صلاحيتهم بانتظار بديل مرغوب؟
من الممكن ان يتطور السيناريو الليبي بالارتباط مع المهمات الحيوية للغرب التي انيطت به مثل الهجرة و الطاقة ومصادر اخرى غير معلنه للثروة على الاراضي الليبية ( ليس بينها على اية حال موقفه من حقوق الانسان) اكثرمما حدث في تونس مثلا، أي ان القضية الليبية اكثر تدويلا وبالتالي فإن تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون توحي بأن من الممكن ان يحقق الزعيم الليبي انتصارا ناقصا أو من الممكن ان يدرك قادة الثورة الليبية ( إن كانت قيادة مثل هذه موجودة اصلا) أن تدويل الثورة لديهم أمر واقع و إن عليهم ادراك ضرورة مراعاة العامل الدولي دون مزايدات تعبر عن الافراط في تقدير الامكانيات.
قد تمثل التصريحات الامريكية اشارة لا يمكن اغفالها تلقفها القذافي ( فالطغاة في العادة يكونون اذكياء في التقاط ما يساعد على اطالة حياتهم) أو أن رسالة بهذا المحتوى قد وصلته صراحة، و في كل الاحوال فإن من الواضح ان القذافي يحاول ان يستعيد المبادرة و قد ينجح في ذلك، و لكن بقدر ما يرغب الغرب و بقدر ما يفقد معارضوه الثوريون الارادة السياسية في الحسم.
و لكن اللوم في المراوحة التي تعاني منها الثورة الليبية لا يقع بالكامل على المجتمع الدولي الذي سوف يخضع للنتائج الذي تفرض عليه بل أن جزءا مهما يقع على الثوار انفسهم، فوفق تكتيكات العمل الثوري، فإن الأساليب التي اتبعها الثوار لم تتماش مع تكتيكات العمل العسكري الكلاسيكي حيث وضعت الثورة نفسها في موقف دفاعي بسبب افتقادها للقيادة و ركونها الى انتظار التالي: أن تنتفض طرابلس بدون دعم المناطق المحررة. و من المعروف ان الثورة وفق نظريات التكتيك الثوري اياها تموت اذا ما وضعت نفسها في موقف دفاعي.
فهل ستمر ليبيا بحقبة من الانتظار الدموي التصفوي على غرار ما حصل في العراق في اعقاب حرب الكويت و تنتظر عقدا لكي تحصل على حسم عسكري خارجي بعد ان يستغيث اهلها ليحصلوا على خلاص لن يكون، كما لم يكن عندنا خلاصا ابدا؟
الثورة المصرية، الثورة الدائمة، و برلمان الشارع
تتوفر الثورة المصرية على خصائص اخرى. فكما الثورة التونسية بقي الجيش متماسكا و محايدا او مدركا لضرورة الاستجابة.
يدرك شباب الثورة المصرية إنها تحتاج إلى مفهوم الثورة الدائمة ليس بالمعنى الذي اشار اليه تروتسكي و انما بمعنى ارتباطها ببرلمان الشارع الذي يديم الثورة و يشكل مصدر ضغط و مطالبة حتى تستقر المؤسسة الدستورية و التنفيذية.
إن قوى الثورة المضادة ( هذه المصطلح استعلمه هنا لاول مرة بضمير مرتاح) سوف تعمل كل ما بوسعها لافراغ الثورة من محتواها و اعادة الاعتبار لقوى الفساد و الاستغلال البشع اللذين يرتبطان بعلاقة عضوية. كان احد متظاهري ميدان التحرير على حق حين أشار إلى أن الثورة لا يمكن ان تحقق اهدافها بدون عدالة اجتماعية. فتطور اقتصاد السوق الحر لا يمكن ان يتحقق في ظل هذا المستوى من الفقر و انعدام الخدمات و وجود آلاف من العوائل التي تسكن في المقابر.
الثورة و الابداع
كان التتويج الابداعي للعشرات من الفنانين و الشعراء مثل رامبو هو الانخراط في الثورة باعتبارها اعلى اشكال الابداع.
الثورة كانت خلاقة في مصر و ذات طابع ابداعي إلى حد كبير، هذا الطابع الخلاق لشباب الفيس بووك، جعل أمثالنا من المثقفين التقليديين نبدو متخلفين، و اظهرنا كما نستحق كثرثارين عديمي الفائدة، هذا الطابع الخلاق يدفع المرء على التفاؤل في ان الثورة المصرية قادرة على الاهتداء إلى طريقها و ايجاد طرق لاعادة البناء على اسس ينبغي ان تكون غير مسبوقة و غير مطروقة. فلا التطور الرأسمالي المنفلت الذي سوف يعيد انتاج مراكز الثروة غير المشروعة والفساد، و لا طريق التأميمات الكلاسيكية التي قادت إلى الإتكالية و تدني الانتاجية بصالحين لحل السؤال المصري الكبير: كيف نخرج من نفق الفقر، و كما انتصرت الثورة المصرية بطريقة ابداعية فإنها مدعوة لحل الاسئلة اللاحقة بالطريقة الابداعية نفسها. وضع المساعدات الخارجية في ايدي نظيفة و استعمالها حقا من اجل الشعب لن يكون الا بإدامة الثورة عبر برلمان الشارع.
"ثورات" الخمسينات
امام ثورات الشعب المصري و التونسي و الليبي بات السؤال مشروعا: هل ما انجزه الجيش المصري و الجيش العراقي في اعوام الخمسينات كان ثورة حقا ام مجرد انقلابات عسكرية ؟ و اذا ما كنا سنختلف على الجواب، ربما بدوافع النوستالجيا وحدها احيانا فإنه بات مؤكدا ان "ثورات" الخمسينات قد فشلت و تحولت الى القمع و الانفراد بسبب ادوات النتفيذ: الجنرالات ام الشعب؟ فالجنرالات بقوا يعتقدون بقوة بأنهم متفضلون على الشعب و هذا الشعور الذي لم يفارقهم لحظة أبقى على ميلهم لازدراء ارادة الشعب و الشعور بالتفوق ازاءه حتى لو تمت الاستجابة لمطالبه مؤقتا.
اداة تنفيذ الثورة لا تقل اهمية عن منجزاتها و ينبغي ان لا نستبدل هذا بذاك، لكن رهطا منا قد صار الى اعتبار المنجزات التي تحققت اكثر اهمية من الفعل الشعبي مما عزز الفوقية و الانفراد ثم الهجوم على الحقوق و التراجع عنها.
قائد ثوري: لا قيمة لاية ثورة ما لم تعرف كيف تدافع عن نفسها.