السينما

نولان يسحر الجمهور في البرستيج

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد بازيد من سدني:من الشائع جداً في عالم السينما أن ينجح مخرج ما في صنع فيلم يصفق له النقاد والجمهور طويلاً، لكنه لا يلبث أن يتحول لعنة على صانعه خصوصاً إذا كان صغيراً في السن وكان هذا المشروع الناجح من بدايات أعماله الفنية. والسبب في تحول هذا العمل إلى نقمة على صاحبه هو كونه سيعيش طويلاً في ظل هذا العمل وسيواجه بتحدي صناعة عمل آخر يوازي أو يتفوق على روعة العمل الأول وجودته. ولكننا حين نقف أمام صانع الأفلام، المخرج والكاتب البريطاني الشاب "كريستوفر نولان" فإننا بلا شك نقف أمام حالة نادرة ومتفردة من النجاح المتواصل على المستويين النقدي والجماهيري على حد سواء. ويقف خلف هذا النجاح ستة أعمال سينمائية ناجحة بكل المعايير الربحية والنقدية، بالإضافة إلى عشرات الترشيحات لجوائز سينمائية عالمية.

الممثل الانكليزي الكبير مايكل كين


ما يميز أعمال المخرج "نولان" أنه يشارك في كتابتها جميعاً وهذا ما يمنحها نفساً إخراجياً مميزاً، ويجعل منها رغم اختلاف مواضيعها بشكل جذري ذات رؤية واحدة تكاد تجعل من التعرف على أيٍ من أفلام "نولان" متعة بصرية وفكرية.
وليس ما يميز أفلام "نولان" المظهر البصري الغني درامياً بما يخدم حدث وقصة الفيلم فحسب، بل يتميز "نولان" وبشكل جلي في بعثرته المتفردة لسيناريو وأحداث الفيلم بما يضمن حداً وافياً من المتعة الفكرية للمشاهد. وقد تجلت هذه البعثرة وبلغت أوجها في فيلمه الشهير "ميمنتو" 2001 الذي رشح عنه لجائزة أفضل سيناريو في حفل الأوسكار والغولدن غلوب وجوائز البافتا البريطانية وغيرها. حيث قام "نولان" في فيلم "ميمنتو" بقلب سيناريو أحداث الفيلم رأساً على عقب لتجد نفسك كمشاهد تبدأ من نهاية الفيلم متجهاً نحو بدايته في جرأة فنية حسبت لصالح "نولان" بالطبع.
ولم يكتف "نولان" بعد هذه التجربة والتي تلتها "الأرق" بالإبحار في عالم الجريمة والعصابات، بل قفز قفزة نوعية وشكلية حين قرر إخراج فيلم "بداية باتمان" عام 2005 والذي انتقل فيه من أقصى الواقعية الأمريكية وأفلام الشوارع والعصابات إلى الطرف الآخر حيث الفانتازيا وقصص الرسوم المصورة. وبالطبع لم يقف "نولان" عند حد القصة المصورة حرفياً وإنما اتجه إلى إضفاء عمق نفسي ودرامي إلى شخصية الرجل الوطواط الشهيرة، ما جعل النقاد والمتابعين يصنفون الجزء الذي أخرجه "نولان" أفضل أفلام السلسلة التي أنتج منها أكثر من خمسة أفلام سينمائية وتصدى لها مخرجون كبار.
وصولاً إلى آخر أفلام "نولان" الذي عرض نهاية العام الماضي 2006 وهو فيلم "البرستيج". تدور أحداث الفيلم في مدينة "لندن" منتصف القرن التاسع عشر ميلادي. حيث فرقة من سحرة العروض الترفيهية والألعاب الخفية تتكون من مهندس خبير يقوم بإعداد الخدع وتجهيز مسرح العرض هندسياً، ومعه مجموعة من العارضين يتقدمهم "روبرت" و"ألفريد" اللذان يتمتعان بخفة يد رائعة وحضور مسرحي يتفاوت لصالح "روبرت".
وأثناء أحد العروض يقع حادث عرضي من "ألفريد" يتسبب بوفاة زوجة "روبرت" التي تشارك في العروض مع الفريق. وبهذه الكارثة تنفصل الفرقة ويبدأ صراع خفي وتنافس غير شريف بالنشوء بين العارضين "روبرت" الذي يبحث عن الانتقام والتفوق بأي ثمن، و"ألفريد" الذي يعتقد أنه يملك حيلة سحرية لم تحصل من قبل ولا يمكن كشفها. وتبدأ رحلة الصراع تأخذ أشكالاً غامضة تشبه إلى حد كبير أجواء الألعاب السحرية التي يقدمها الفيلم عبر مشاهده.

ملصق الفيلم ما يثبته "نولان" في هذا الفيلم أن للسينما سحر يفوق سحر أي من الفنون الأخرى التي عرفتها البشرية. وهو -أي نولان- يمارس هذا السحر على مشاهديه باقتدار عارض ألعاب خفية كما هو في قصة الفيلم. فأنت كمشاهد تجد نفسك ومنذ بداية الفيلم في محاولة ذهنية مجهدة وممتعة لفك ارتباطات السيناريو المعقدة التي يمارسها أمامك "نولان". ثم لا تلبث بعد انتهاء الفيلم أن تجد نفسك فاغراً فاك أمام بساطة العقدة التي صنعها السيناريو، تماماً كما هي بساطة الحل في الألعاب السحرية التي تدهشنا، ثم لا نلبث أن نتعجب من اندهاشنا بها رغم بساطتها بعد أن نعرف حلها.
الأداء التمثيلي الذي ظهر به أبطال الفيلم يليق بحجم أسماءهم الكبيرة، فالنجم الانجليزي المخضرم "مايكل كين" يتألق بأداء دور المهندس المشرف على تنفيذ الخدع السحرية. والبطل الأثير لدى "نولان" والذي شارك معه في بطولة فيلم "بداية باتمان" الممثل الانجليزي الشاب "كريستيان بيل" والذي بدأ نجمه التمثيلي بالسطوع والتألق في أفلامه الأخيرة. ويشاركهم البطولة الممثل الأسترالي "هيو جاكمان" بطل سلسلة "الرجال الخارقون" الشهيرة. كما شاركت في العمل الممثلة الأمريكية الشابة "سكارليت جوهانسن" بدور لم يضف لها الكثير إلا مشاركتها في عمل من إدارة مخرج متألق بحجم "نولان".
رغم ما يبدو من ظاهر الفيلم والحديث عنه من كونه يحمل قصة مثيرة ومعقدة، إلا إن البعد الفلسفي لا يغيب بعيداً عن ذهن "نولان". فنحن نعيش من طرف خفي معاناة الفنان أو المبدع بشكل عام حين يسيطر عليه هاجس التفوق ويصبح الإبداع أداة تهلكته بدلاً من أن يكون أداة نجاته. وهو ما يبدو جلياً في حالة كلٍ من العارضين اللذين ضحيا بالكثير الكثير مقابل إرضاء هاجس السعي وراء الكمال الذي لم يزل بنو البشر يسعون للصول إليه منذ الأزل!

كادر داخلي:
بطاقة الفيلم
سنة الإنتاج: 2006
الدولة: الولايات المتحدة
تصنيف الفيلم عمريا: 13 سنة فما فوق
الصنف: دراما - غموض
إخراج: كريستوفر نولان
سيناريو: كريستوفر نولان - جوناثان نولان
تمثيل: هيو جاكمان - كريستيان بيل - مايكل كين - سكارليت جونهانسن
نبذة عن الفيلم: فرقة من عارضي الألعاب الخفية تتكون عارضين أساسين (جاكمان وبيل)، يتسبب خطأ أحدهما في وفاة زوجة الآخر أثناء تقديم أحد فقرات العرض. تنشأ على إثر هذا الحادث علاقة صراع وتنافس حاد بينهما ينتهي بنهاية مأساوية لكلا الطرفين.


كادر داخلي 2:
بطاقة المخرج
الاسم: كريستوفر جيمس نولان
- من مواليد 1970 لندن - بريطانيا
- بدأت موهبة الإخراج لدى "نولان" عند سن السابعة، حيث قام بتصوير أفلامه القصيرة باستخدام كاميرا والده السوبر 8 مم.
- استمر "نولان" في إنتاج أفلامه القصيرة بذات الكاميرا بعد تخرجه من المدرسة الثانوية وكان نتيجة ذلك أن عرضت بعض تلك الأفلام على القنوات التلفزيونية المحلية تقديراً للجهد المبذول فيها.
- درس الأدب الإنجليزي في جامعة لندن بينما كان يخرج أفلاماً قصيرة بكاميرا 16 مم لصالح معهد السينما في لندن.
- اشتهر "نولان" في كافة أفلامه بأن يظهر لقطة من لقطات النهاية في أول دقائق الفيلم دون أن يشرح معناها للمشاهد.
- يعتبر أن المخرج الراحل "ستانلي كيوبريك" هو مثله الأعلى في الإخراج السينمائي.

المواد الأضافية في الدي في دي
- فيلم وثائقي عن يوميات المخرج
- الدعاية الخاصة بالفيلم

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف