السينما

إطار سينمائي جميل وعزف على وتر الكبت الجنسي دون ابتذال..

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رفقي عساف:شخصياً، أختلف كثيراً مع توجه المخرجين العرب الحاصلين على الدعم الأوروبي إلى طرح مواضيع وثيمات معينة دون غيرها عن المجتمعات العربية في أفلامهم، كثيمات الكبت الجنسي والقمع الديني، وكأن مشاكل مجتمعاتنا تتلخص فقط في هذه المشكلات، بينما في الواقع هناك مشكلات واقعية أدهى وأمر لا يتطرق إليها أحد خوفاً من المساءلة السياسية ومن إغلاق أبواب التمويل الأوروبي والأسواق الأوروبية في وجه هذه الأفلام، وتنحو اللبنانية "نادين لبكي" نحو هذا الاتجاه في فيلمها الأول "كراميل" أو "سكر بنات" في ترجمته العربية، حيث تتطرق بصورة واقعية وفي إطار سينمائي جميل في فيلم أنثوي بامتياز إلى قضايا الكبت الجنسي والحرمان العاطفي عند المرأة العربية (اللبنانية تحديداً) في مجتمعها المحافظ.

سكر بنات

نادين لبكي في فيلمها "كراميل" تسرد من خلال مجموعة فتيات يعملن في صالون نسائي وحيواتهن قصصاً مختلفة لنماذج نساء لبنانيات تختلف مشكلاتهن بين الكبت الجنسي والعلاقات غير الشرعية والمثلية الجنسية والحرمان العاطفي، وتحاول العزف على أوتار تفتح الأسواق الأوروبية لفيلم لبناني يجد أن أكبر مشكلات مجتمعه هي انعدام الحرية الجنسية للمرأة، وأنا هنا سأتناول الفيلم بالقراءة الموضوعية بعيداً عن رأيي شخصي في هذه الأفكار.


الفيلم فنياً، فيلم راق جداً، وغير مبتذل، ويتناول تلك القضايا الحساسة بصورة رمزية بعيدة عن الإسفاف، وبتلقائية وواقعية، ورغم انتقائية السيناريو في اختيار نماذج لشخصيات تخدم ما يريد الفيلم قوله، وعدم إبراز أي نموذج مختلف يطرح وجهة نظر مغايرة ويحافظ على موضوعية الفيلم، إلا أن الشخصيات جاءت حية وواقعية، وبدت نماذج لشخصيات حقيقية موجودة في المجتمع، الخطأ الوحيد كان بتعميم النموذج الذي يعاني من الكبت على كل شخوص الفيلم دون أي نموذج آخر يمثل شريحة أخرى بصورة إيجابية، والتركيز في الشخصيات جميعها دون استثناء سواء الذكورية أو الأنثوية على تركيبات الشخصيات المأزومة.

أكثر ما اعتمد عليه الفيلم هو الأداء العالي لممثلاته وممثليه، فكانت التلقائية سمة أساسية في الأداء، وتألقت أكثر من ممثلة، لعل أكثرهن تميزاً كانت سهام حداد، في دور مساعد هو دور "روز" الخياطة التي نذرت حياتها لرعاية شقيقتها الكبرى المريضة عقلياً "ليلي" والتي لعبت دورها "عزيزة سمعان"، والتي كانت بدورها الشخصية الكوميدية التي أضفت على الفيلم العميق والحساس بعداً ترفيهياً عالياً وكانت بأدائها أيضاً إحدى العناصر الأساسية في نجاح الفيلم، سهام حداد في هذا الفيلم ورغم صغر دورها نسبياً تقدم أداء عالمياً تستحق عليه الكثير من الثناء، وأبدعت في تقديم دور المرأة العانس التي تضحي بحياتها الخاصة من أجل شقيقتها المريضة، كما تألقت جيزيل عواد في دور "جمال"، المرأة المطلّقة التي ترفض فكرة أنها كبرت في السن وتعيش حياة الشابات وأبدعت في نقل الانعكاسات النفسية لهذه الشخصية المركبة.


سيناريو الفيلم وحواره جاءا محكمين، وبناء الشخصيات جاء بناء واقعياً سلساً قابلاً للتصديق إلا من بعض المبالغات الصغيرة، وأكثر ما أعجبني هو الرمزية وعدم الابتذال في تناول قضايا غاية في الحساسية، فقد قدمت نادين لبكي قضايا الجنس والمثلية من خلال رموز جاءت كوميدية أحياناً خففت من وطأة حساسيتها، وبرأيي شخصي لا أكثر فما خان كتاب السيناريو الثلاثة رودني الحداد وجهاد حجيلي ونادين لبكي من ناحية حوار الفيلم هو إقحام بعض المفردات التي ورغم واقعيتها تظل ثقيلة على سمع المشاهد العربي، ورغم صدامية فكرة الفيلم مع المشاهد العربي أساساً إلا أن نادين لبكي وزميليها حافظوا على جمالية الفيلم بابتعادهم عن الابتذال في تقديم هذه الفكرة.
إخراج الفيلم جاء على سوية عالية جداً، وأثبتت نادين لبكي علو كعبها كمخرجة سينمائية متميزة، جاء الفيلم سهل الهضم، خفيفاً رغم عمقه، هادئاً، وتفاوت إيقاعه بين البطيء والمتوسط ولكنه يحافظ على اهتمام المشاهد وانتباهه حتى في المشاهد التي يفلت فيها الإيقاع قليلاً. المونتاج الذي تولته الفرنسية "لور جارديت" والتي تمتلك تجارب سابقة في السينما الفرنسية جاء جيداً بشكل عام، ورغم إفلاته من الإحكام في بعض النقاط إلى أنه أسهم في نقاط أخرى في رسم رمزية الفيلم مثل مشهد آلة الخياطة، التصوير كان مميزاً ومن حسنات الفيلم، فاللبناني "إيف صحناوي" يقدم صورة سينمائية جميلة وإضاءة عالية المستوى، فيركز في تصويره للحي البيروتي على اللون الأصفر الترابي الباهت، القريب من معاناة الشخصيات في هذه الكوميديا السوداء، وإن كان مشهد الزفاف برأيي قد خانه فجاءت الإضاءة مصطنعة لا أدري لماذا، ربما بهدف رسم فكرة السعادة الوهمية الكارتونية على اللحظة، ولكن النتيجة لم تكن موفقة برأيي في هذا المشهد، الموسيقى التي ألفها "خالد مزنر" زوج المخرجة لبكي، جاءت شرقية جميلة، وكانت محايدة إلا في بعض اللحظات التي قدمت فيها دوراً فاعلاً في الإحساس بالفيلم وبالذات في لحظات دخول الغناء الصولو.

نادين لبكي في تجربتها السينمائية الأولى "كراميل"، تقدم فيلماً "حلو المذاق" رغم تناوله لسواد المجتمع، وتقدم ثيمة لا يبدو أننا سنرى الدعم الأوروبي قد سمح بالتخلي عن تكرارها قريباً، عن الكبت الجنسي والحرمان والمثلية الجنسية في مجتمعاتنا، ولكنها تقدمها دون ابتذال، وفي فيلم قوي فنياً وتقنياً وجمالياً، باختصار تقدم لنا سينما حقيقية، سواء اتفقنا مع الفكرة والهاجس الذي تقدمه أم لم نتفق، لكننا نستطيع أن نتفق على ولادة مخرجة سينمائية مهمة تحترم عقل المشاهد، وتقدم رؤاها الخاصة لقضايا غاية في الحساسية بأسلوب كوميدي يلتزم الحد الأدنى من خدش الحياء، من خلال رموز ذكية تنم عن فكر عميق.


*شاعر ومخرج اردني




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
برافووو
نزار -

اتفق مع الاستاذ الكاتب فما قدمته نادين لبكى فى فيلم سكر بنات كان اجمل فيلم واعاد السينما الى الرقى والمتعة النافعة التى تحترم العقل

Interesting
Reader -

I read a lot about this movie on elaph and it seems interesting to watch especially that i heard it''s Lebanon''s nomination for the oscars but there is one info i''d like to correct it''s not Nadine''s first movie, she directed THE BOSTA movie before this and that too was amazing.

كراميل
إيمان -

انا بوافقك الرأي جدا ايها الكاتب المحايد... الفيلم ممتع وقصته جذابة بدون زيف وبتلقائية استطاع ان يغريني على المتابعة حتى آخر مشهد. نادين لبكي شكرا قدمت عملا أكثر من رائع , اتمنى لك دوام التقدم والنجاح

ممتاز
الشامخه -

لقد شاهدت الفيلم ونشكر المخرجه والجهد المبذول

مع الشكر
adham -

للمخرجة العزيزة ..شكراً على ما قدمت لنا نتمنى التالي أن يكون أرقى و أجمل ..وشكراً

عقل عربي بنظرةغربية
عزيز -

هذه السينما لا يمكننا بثاثا أن نسميها السينما العربية لأنها تتطرق لمشاكل وأفكار غربية لا تمث بصلة إلى همومنا العربية التي يمكن أن تكون جسر تواصل بين العرب و الغرب ، بل نرى أن جل المخرجيين العرب سارو في درب العين الواحدة المال ثم المال، هنا نتحدث عن هجرة الأدمغة ثم غسلها من الهوية العربية لترى بعيون غربية في الأوطان العربية كأنها ليست منهاووا ووا آسفاه على الثقافة العربية .

الى عزيز
إيمان -

يا اخي العزيز عزيز:لو شاهدت الفلم فعلا لما قلت ما قلته.ليس غريبا ابدا ما تطرقت له لبكي في فيلمها.. نحن تعودنا ان ننفي اي تهمة عن مجتمعاتنا. تعودنا ان كلو تمام يافندم.. وهذا ابدا مش صحيح.. مجتمعاتنا مليئة بالامراض وتعج بالمشاكل ولكننا نحن من ندفن رؤوسنا في الرمال لكي لا نرى ما حولنا وما هو حالنا. وقفة صادقة مع النفس ولو للحظات وستكتشف ان كلامي على حق وان نادين لم تأت بشيء من بنات افكارها... مع تقديري وشكري

تصحيح ل Reader
مي الياس -

فيلم البوسطة من تمثيل نادين فقط وليس من اخراجها... فهو للمخرج اللبناني المبدع أيضاً فيليب عرقتنجي

ارحمونا
Nada -

كالعادة التطبيل و المبالغات و الغرور الأجوف,,,, شاهدت الفيلم في باريس وكنت المشاهدة رقم 5 في صالة العرض و غيري 4 افراد عرب بالطبع,,, الفيلم مجرد فيلم خفيف لا أكثر ,,, مسلي,,,,متواضع من حيث التنفيذ,,, المخرجة قدمت للمتفرج الغربي كل ما يود أن يراه في فيلم عربي,,, أجساد نساء ,,, مسحيون و مسلمون ,,, أغاني ,,, فتيات تسعين لأعلان شذوذهن الجنسي ,,, فقد نجحت المخرجة في تجميع هذه العناصر الحريفة فتحمست علي الفور منتجة فرنسية و من ثم سال لعاب المتفرج الغربي,,, وبالمناسبة فأن عرض الفيلم في مهرجان كان في سوق المهرجان و ليس ضمن أي من الأقسام الرسمية,,,فأي فيلم يمكن أن يعرض في السوق طالما دفع الرسوم و استأجر القاعات,,,, أرحمونا من المبالغات و التطبيل

أوافق
kareem -

أوافق الأستاذة ندي في الرأي تماما

اني لم اشاهد اي شي
رائد العراقي -

اني لم اشاهد اي شي وعلى كلن انا اشكركم على كل جهد الذي قدمتمو يا حبايب معه الشكر والتقدير

عمان الاردن
احمد سعد -

انا لا احب السينما ولكن احب اجسام الممثلات مثل ممثلت الغراء

سوسة تونس
منتصر -

لم أشاهد الفلم ولكن أناصر كل عمل سينمائى من شأنه معالجة المشاكل الإجتماعية ولا سيما منهاالمسائل الجنسية التى تعتبر عربيا(tabou intouchable)الحساسة... يعارضها البعض لجهلهم حيث أنه لا تربية جنسية لدينا وكل إقتراب من هذا الموضوع هو سقوط فى واد المحضور ولاكن إلى متى....!!!!! ا

جميل جدا
koko -

جميل أنا يكون فينا روح الصراحة ومنكدبش على نفسينا وأنا مع ندا كتيير بصراحة أنا بشكر كل اللي قدم عمل في السينيما وأفاد الدنيا كلها لأن دة بجد فن مؤثر ويتأثر

الى ندا
لانا الاردن -

لم اشاهد الفيلم لأعلق لكن مشاهدتك كونت لي الفكرة لم تعد توجد مشاكل في الوطن العربي سوى الجنس لهذه الدرجة اختفت مشاكلنا ولم يبق منها شيءالمشكلة ان الغرب هذا تفكيرهم عنا اننا واعذروني لهذا الكلام اما ارهابيين او حيونات ذات شهوة مكبوتةكلما ارادوا ان يدقوا على وتر في عالمنا العربي اما الحريات الشخصية والمضطهدة او كبت جنسي او ارهاب والسبب اعلامنا وفنناالذي لايقدم الا الغث فلا تنجح الا العارية والتافهة