رجل من لندن فيلم بطيء وممل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قصي صالح الدرويش من كان:جماليات الصور التشكيلية لا تكفي لإنجاح أي فيلم، فالنجاح يرتكز أيضا على الموضوع وعمق تناوله وأيضا على الإخراج الإيقاعي والدرامي، إذ أن بعض الأفلام تعاني من التطويل الممل الذي يدفع بعض المشاهدين والنقاد للخروج من قاعة العرض قبل نهاية هذا النوع من الأفلام. هكذا كان حال الفيلم المكسيكي "الضوء الصامت" للمخرج كارلوس ريجاداس، وكذلك الأمر بالنسبة لفيلم "رجل من لندن" للمخرج الهنغاري بيلا تار والمأخوذ عن رواية للكاتب جورج سيمنون. هذا الفيلم الذي انتحر منتجه هوبير بالسام (وهو الذي أنتج الأفلام الأخيرة ليوسف شاهين) أثناء تصويره عانى صعوبات قبل أن يكتمل ويدخل المسابقة الرسمية في المهرجان.
في "رجل من لندن" اعتمد المخرج اللونين الأبيض والأسود في التصوير، مركزا إلى درجة المبالغة والافتعال على البعد التشكيلي للصورة، حيث تتابع المشاهد البطيئة حركة وصورة على إيقاع موسيقى متواصلة تجعل الفيلم أقرب ما يكون إلى عمل الأوبرا، لكن مع افتقاد حيوية الصورة والتنوع الدرامي في فيلم الأوبرا. صحيح أن الصور التشكيلية البطيئة تملك جاذبية جمالية وهو ما أثار الاهتمام والرغبة في متابعة الوقائع، لكنه اهتمام يبدو ناقصا.
الفيلم يحكي قصة جريمة مركبة بطلها رجل بسيط "مالوان" يعمل مراقبا لمحطة قطارات على مقربة من ميناء، مالوان الذي تقوده الصدفة ليكون على مسرح عملية قتل يكتشف بعدها حقيبة محشوة بالمال كانت على متن سفينة جاءت من لندن، يجد نفسه أمام غواية الاستيلاء على الغنيمة. الغنيمة التي تخرجه وحدته والتدهور المحتوم لحياته والتي تساعده في إخراج ابنته من بؤس حياتها اليومية وهي التي تبدو متخلفة عقليا بعض الشيء وتعمل خادمة عند تاجرة عجوز.
لكن أمام الطمع، يجد مالوان نفسه في صراع داخلي يضعه في مواجهة مفاهيمه عن الخطيئة والعقاب والأخلاق. صراع يدفعه إلى التفكير في جدوى الحياة ومعنى الوجود، قبل أن يقوده إلى الاعتراف بما حدث وتسليم الحقيبة بتشجيع محقق عجوز.
المحقق العجوز الذي يستمع لاعترافاته، يعترف بدوره أنه لم يحقق في واقعة مشابهة من قبل رغم طول خبرته وينتهي إلى التعبير عن إعجابه بشجاعة مالوان وتأكيده أنه يستحق مكافأة التشجيع المترتبة على اعترافاته.
وباستثناء ابنة مالوان المعاقة، فإن كافة الممثلين كبار في السن، شخصيات شاحبة صامتة، تقترب الكاميرا من وجوههم لتصور أدق تفاصيلها، لكن دون أن تكشف عن براعة أداء.. فالوجوه الشاحبة كانت أقرب إلى أشباح منها إلى شخصيات فعلية واقعية.
الجانب الآخر: إطالة زائدة في فيلم يبقى جميلا
تحفظ نجاة تجاه يتير ما يلبث أن يتحول إلى تعاطف عندما يكتشف أنها ترسل كل دخلها تقريبا إلى ابنتها ايتين لكي تؤمن لها مصاريف دراستها العليا. لكن حالة مرض أصابت الأب جعلته عدوانيا مع يتير، وأثناء جدال بينهما يوجه لها صفعة شديدة توقعها على الأرض قتيلة. حادثة موت يتير غير المقصودة تحفر هوة بين الأب الذي يدخل السجن ونجاة الذي يقرر الذهاب إلى تركيا لدفن يتير ومحاولة العثور على ابنتها، لكنه يجهل أن هذه الأخيرة ناشطة سياسية في الحركة الكردية.
بالتزامن نعرف أن إيتين هربت من الشرطة التركية أثناء إحدى المظاهرات ومعها مسدس، وتوجهت إلى ألمانيا بحثا عن والدتها التي تظن أنها تعمل في متجر لبيع الأحذية ولا تعرف شيئا عن مصيرها المأساوي. في هامبورغ وبعد فترة جوع وضياع ترفض خلالها السقوط في مهنة أمها، تتعرف إلى صبية ألمانية تدعى لوت، ما تلبث أن تعجب بها وبالتزامها السياسي، بل وتعرض عليها إيواءها رغم اعتراض والدتها الألمانية سوزان التي لا تقبل الضيفة التركية وتصبح العلاقة بينهما شديدة التوتر.
إقامة ايتين في ألمانيا تنتهي أمام دورية أمن توقفها وترحلها إلى تركيا حيث ينتظرها السجن. لكن لوت تقرر في لحظة ترك كل ما وراءها والذهاب إلى تركيا في محاولة لإنقاذ صديقتها من السجن وهناك تلتقي صدفة مع نجاة الذي بقي في تركيا حيث استأجر غرفة، إلا أن بيروقراطية ثقيلة تقف في طريقها لتذهب كل جهودها عبثا، قبل أن تلقى بدورها موتا عبثيا، بنفس المسدس الذي كان مع ايتين والذي نقلته لوت بحقيبتها.
موت لوت المأساوي يدفع أمها سوزان إلى محاولة إتمام ما بدأت به ابنتها، فتتوجه إلى تركيا وتسكن في نفس الغرفة عند نجاة وتتمكن من الوصول إلى ايتين لتحتضنها. قرب سوزان من نجاة يدفعه بدوره إلى البحث عن أبيه.
الفيلم جميل تتقاطع فيه الاتجاهات بشكل دائري بين والدتين غابت كل منهما وبين عالمين متناقضين في المانيا وتركيا، تقاطع بين ابنة تبحث عن أم ماتت وأم ماتت ابنتها وتبحث عن أمومة أخرى. هكذا تلتقي سوازان وايتين بحثا عن بقايا علاقة ربطتهما في الحياة.
رغم جماله عانى الفيلم من الإطالة الشديدة، خاصة النصف الأول منه حيث كان يمكن حذف أكثر من ثلاثين دقيقة على الأقل. الإخراج والتصوير كان موفقا وكذلك أداء الممثلين، خصوصا الممثلة الألمانية هانا شوجولا التي كانت نجمة متألقة في السينما الألمانية والأوروبية والتي اشتهرت بدورها في فيلم "زواج ماريا براون" والتي لم نرها لسنوات طويلة قبل هذا الدور الجديد، حيث بدت امرأة تقدم بها العمر دون أن تفقد سحر ملامحها الجميلة الجذابة.