السينما

أحقاً كان الزرقاوي مُطارداً ؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي البزاز من امستردام: لقد غيّرت طبيعة الارهاب النظرية القديمة التي تفترض بأن الفقر هو مصدر العنف والتطرف وفي أحسن الاحوال تصح هذه المقولة نسبيا بخلاف مفهوم الإرهاب الشامل والمطلق اذ لايفرق بين المذنب والبريء وتاليا يرتد على اتباعه ويعلنهم خصوما ولكونه مطلقا في التصور والممارسة ( التفجيرات هو عمل مطلق يستهدف تدمير ومحو الاخر والذات ) يستمد شرعيته وتبريراته من مطلق آخر هو الدين ومثل هكذا إرهاب يكون الأعنف، عنف إنكار حق مناقشة النصوص الدينية وهو يضرب عالمنا العربي الآن ويقوّض أركانه. ان أيّ نص بإشهاره مقدسا ونهائياً يستميل التعصب كي يستند عليه، عندئذ يصعب التفريق بين التطرف والمقدس المرّوج للتصادم اكثر من الوئام فحينما يُعلن المقدس تبرز إلى جانبه مقدسات أخرى تنافسه اوتحاول النيل من قيمته فالمقدسات لاتتاخى فيما بينها بل على العكس تتنازع ويتجلى هذا الصراع في محاولة بلوغ كل منهما الدرجة القصوى من السمو والتبجيل. رفع النص إلى درجة القداسة يسيء اليه لأن الكمال قمة جامدة غير طموحة، انها مسالة الوردة والحديقة التي هي مكتملة الطموح بينما الوردة تحلم ان تصبح حديقة. صورة للزرقاوي

في الفيلم الوثائقي " مطاردة الزرقاوي " نشاهد حلفاء وأتباع الامس أعداء وخارجين ينبغي تصفيتهم اليوم. فبعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين يقول أتباع الزرقاوي { لماذا نقتل المدنيين الأبرياء } وبحسب الفيلم مهد هذا الاختلاف في التصورعلى إختراق الحلقة الخاصة المحيطة بالزرقاوي وأسفر فيما بعد عن قتله. في رسالة موجهه من الظواهري اليه إعترضتها المخابرات المركزية الامريكية يلومه فيها على الافراط بقتل المدنيين ويوجهه إلى قتال الامريكيين وكأن القاعدة غير مسؤولة عن قتل الأبرياء واعتقد هنا تبرئة مموهة للقتل سقط فيها الفيلم عندما اراد تصوير الشرخ بين الزرقاوي بإعتباره قاتلاً وبين زعماء القاعدة الرافضين لقتل المواطنين. غرور الزرقاوي ورغبته في تصدر الزعامة قد أثارت بن لادن اذ تقول زوجته بعد مقتله بيومين لصحيفة ايطالية " بن لادن باع زوجي كي يتم تنحيته عن الزعامة " وفي مكان آخر يقول الفيلم : تعطش الزرقاوي للزعامة قاده الى تزلف بن لادن اذ سمى جماعته بقاعدة بلاد الرافدين مما حدا بالاخير الى إعلانه أميراً للجماعة. قد يكون هناك توجه شخصي من أجل السلطة لدى الزرقاوي ينازع بن لادن القيادة لكونه شاباً وعاش طيلة حياته هامشيا كما تذكر سيرته في الفيلم لكن هذا لايعني الإنفصال العقائدي وهو الرابط الاهم بينهم والذي لم يُسّول للظواهري الخروج على زعامة بن لادن وتبوأ الصدارة رغم بعض المعطيات التي تزعم موته. الفيلم إسوة بالقيادة الامريكية ليس لديه تصوراً واضحأ عن عمل القاعدة وارتباطاتها الفكرية وإلا لمَ أُستنزف كل هذا الوقت والجهد على حساب إستقرار العراق بالقبض على قياداتها.
يصور الفيلم الجهود الحثيثة لمطاردة الزرقاوي من قبل وحدة خاصة 145 منذ عام 2002 ولغاية مقتله عام 2006 وهي نفسها التي ألقت القبض على صدام حسين، وحدة مدربة ومجهزة بقدر عال. من خلال قيام الزرقاوي بقطع رؤوس الضحايا امام الكاميرا يصاب الجميع بالخوف وبالذعر من هذه الشخصية الدموية حتى وحدات الجيش الامريكي وهو نفس إسلوب البعث الذي مارسه بإخافة الشعب العراقي ايام أبو طبر وعصابة الكف الاسود في بداية السبعينيات. يلاحظ ثموغليلمو فرّرو بصدد الثورة الفرنسية " كلما كانوا يريقون دماُ كان يلزمهم الإعتقاد بمطلقية مبادئهم، فالمطلقية وحدها كانت لاتزال قادرة على تبرئتهم في نظر أنفسهم، وعلى دعم طاقة اليأس عندهم. فهم لم يهرقوا كل هذا الدم إلا لأنهم كانوا يؤمنون بحقيقة دينية ؛ لقد حاولوا الإعتقاد بالسّيادة الشعبية كما يعتقدون بحقيقة دينية، لأن إرهابهم كان يجعلهم يريقون الدماء في موجات - من كتاب سيكولوجية التعصب - ". من المستغرب ان يصف الفيلم الزرقاوي بالشخصية الأسطورية وقد ظهر في شريط مصور في الصحراء لايعرف كيف يتعامل مع البندقية ويعلمه مساعده الرماية. يقول احد الأطباء النفسيين : {ان قدرة الزرقاوي على الهرب وتملصه من الإعتقال أعطى إنطباعاً بانه مُنَزل وأسطوري } لانزال قريبين جدا من الشخصية الامريكية التي تبحث عن مواصفات السوبرمان المفضل لديها في افلام رامبو. السكوت الفكري بعدم توصيف الارهاب بشكل دقيق والعمى الديني عن تبعاته سوف يفتكان بعالمنا العربي لاسيما الارهاب يخلط مبرراته وصفاته بذكاء فتارة ينشط بسبب الإحتلال واخرى ضد جبروت النظام العربي وكل هذا وذاك عبارةعن تحايل على طبيعته وليس لديه قاعدة موضوعية فكرية مقنعة وإنما يهدف إلى إثارة حماسية تعبوية وعلاقة شعورية بمرآة الكذبة التي وصفها الكاتب ميلان كونديرا " التحديق في مرآة الكذبة التي تجعل الاشياء جميلة، والإنفعال حتى البكاء من الامتنان والتقدير لصورتنا المنعكسة فيها "

أحقاُ كان الزرقاوي مُطارداً --؟؟

يستعرض الفيلم المحاولات المستمرة لإعتقال الزرقاوي فقد سنحت الفرصة لقصف معسكره في شمال العراق إلا ان القرار تم تأجيلة وأعطيت الأولوية لشن الحرب على العراق وحشد التحالف، ثم تعتقله القوات العراقية بعد معركة الفلوجة ولكن لم تتعرف الشرطة عليه فتطلق سراحه والانكى من ذلك هذه القصة : ترد إخبارية إلى الجيش الامريكي بان الزرقاوي يستقل سيارة تقترب من سيطرة عسكرية إلا ان الجندي المكلف باطلاق النار لم يتعرف عليه بشكل دقيق فيضطر إلى مراجعة الضابط للحصول على ألإذن بفتح النار ( هنا أنسنة للجيش الامريكي اذ يوحي بأنه لايطلق النار عشوائية، ومنذ متى ارتبط الجيش بالرأفة والحرب بالمحافظة على كرامة الانسان ؟ ) وفي هذا الاثناء تفلت السيارة من الحاجز لكن ثمة طائرة تجسس تتابعه ونرى السيارة على شاشة الطائرة ونسمع التعليق يقول { للأسف تكبر الصورة على الشاشة لتشمل المدينة بكاملها مما يؤدي إلى إختفاء صورة السيارة من سيطرة الرادار فيترك الزرقاوي السيارة ويتوارى بين البيوت }. الفيلم جانب الحقيقة بقوله : وجود الشيعة وقوة نفوذهم في العراق جعلت ظاهرة الزرقاوي تتفاقم وتمتلك مبرراً فنسمع عبارة الشيعة تتكرر عدة مرات، وعليه يتعمد الزرقاوي بتفجير مرقدي الأمامين العسكريين لزرع الفتنة الطائفية وكأن وجود الشيعة هوالمشجع لهذه الظاهرة بينما الزرقاوي وفكره لايفرقان بين السّنة والشيعة فيقول الطبيب النفسي { كان الزرقاوي يضرب السجناء في الاردن الذين يرفضون قراءة القرآن } ونحن نعرف بأن الاغلبية في الاردن هي سُنية وليست شيعة، هذه نقطة أخرى تُضاف إلى الجهل الأمريكي بفكر القاعدة.

إستفاد الزرقاوي من الكومبيوتر والانترنيت في بث رسائله للتلويح ببطشه وبإجرامه حيث فرض على اتباعه تصوير عملياتهم بالفديو، وبقدر ما تُسّهل التقنية هذه المهمة تساهم من جانب آخر بالقرب من الخطر فمن السهولة بمكان رصد المكالمات الهاتفية وكشف المناطق التي سجلت فيها هذه الاشرطة. يقول جاك ديريدا في كتاب الدين في عالمنا { للعنف في " حروبنا الدينية " زمنين : ألأول منهما، كما أومأنا إلى ذلك، يبدو ( معاصراً ) متناغما أو متحالفا مع التطور الهائل للتكنلوجيا العسكرية عن بعد، وللثقافة الرقمية السبرانية. أما الثاني، فهو عبارة عن تمظهر ( جديد لعنف موغل في التقدم ) إذا جاز لنا القول،إنه لايعدو كونه رد فعل مُوجه ضد الاول، وضد كل ما يمثله. المسالة ذات علاقة إذن بالثأر، لذلك يلجأ إلى نفس موارد السلطة الإعلامية }. توفرت للفيلم مادة بحثية ممتازة وارشيفاً جيداً مما ساعد على سهولة تناول الموضوع اضافة إلى تعليق مناسب قراءة ونصّاً وحوار المقابلات في الفيلم تُرجم كتابة في اسفل الشاشة، مما أتاح للمشاهد متابعة القصة بالرغم من غياب اللغة السينمائية اذ كانت الصورة مباشرة وصحفية من دون عناية بالصناعة السينمائية فظل الفيلم بجانب كبير منه ذا قيمة توثيقية وليست فنية.
الزرقاوي كإسطورة كما وصفه الفيلم قد تعايش مع شخصية السوبرمان الأثيرة في الثقافة الأمريكية وأعتقد ان مطاردات الجيش الامريكي له تنهل من هذا الانسجام بين الشخصيتين ولذا حال هذا التوافق دون الامساك به لفترة طويلة اذ كيف تسمح العقلية الامريكية بسقوط شخصية البطل الخارق السوبرمان بهذه السهولة أو ربما هناك إستلهام لقصيدة الشاعر" كفافيس في البرابرة أذ يقول :

آه، مالذي نفعله الآن من دون برابرة،
لقد كان هؤلاء حلأ من الحلول.

* عُرض الفيلم على شاشة قناة العربية ضمن برنامج مشاهد

damlamar@yahoo.com








التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف